لا يمثل بيني فيلهابر مواصفات لاعب كرة القدم الأمريكي التقليدي. فهو لا يُعد من النجوم المشهورين، كما أنه ليس من طينة اللاعبين مفتولي العضلات ولا يفوق عمله الطاقة البشرية. وفي المقابل يتميز بتمريراته الأنيقة ومهارته التقنية العالية ونظرته الثاقبة.

بفضل هذه الصفات النادرة أصبح فيلهابر معشوق الجماهير الأمريكية منذ أن كان في سن المراهقة. ذلك أنه تميز بعبقريته الخارقة في وسط الملعب، من خلال اضطلاعه بدور صانع الألعاب الكلاسيكي (صاحب القميص رقم 10)، مما قد يدعو إلى الاعتقاد بأن سر تألقه نابع من وطنه الأصلي البرازيل، ولو أن صرامة النهج المعتمد في بلده بالتبني، الولايات المتحدة، كادت أن تعصف بمسيرته، حيث لم يسلم من الانتقادات التي طاردته طوال مشواره فوق الملاعب، حيث وُصف غير ما مرة بعدم التناسق وقلة الجاهزية وضعف اللياقة، مما يفسر مشاركته في 41 مباراة دولية فقط سجل خلالها هدفين يتيمين على مدى السنوات السبع التي مرت منذ أول ظهور له مع الفريق الوطني.

وقال صانع الالعاب البالغ من العمر 29 عاماً في حديث حصري لنا: "لقد كان التناسق بمثابة مشكلة عويصة، شأنه شأن اللياقة البدنية. لقد كان من الصعب حقا العمل على ذلك. مازال آدائي يطغى عليه بعض من المد والجزر، ولكن هذا العام كان خاصاً جداً". كيف لا وهو الذي قاد كانساس سيتي إلى درع بطولة الدوري الأمريكي الممتاز، محققاً أول لقب في مسيرته على الإطلاق. وتابع فيلهابر بالقول: ”عندما أكون في قمة لياقتي فإنني أصبح لاعباً أفضل. وبما أني أتقدم في السن، فسيتعين علي الكفاح من أجل ذلك من الآن فصاعداً”.


من ريو إلى نيويورك

انتقل فيلهابر مع عائلته من ريو دي جانيرو إلى ضواحي مدينة نيويورك عندما كان في السابعة من العمر. وبعد عقد من الزمان سافر إلى الساحل الغربي من أجل الدراسة الجامعية في جنوب كاليفورنيا، حيث فتحت له كرة القدم أبوابها بعد خوض مباراة ودية غير رسمية. وبمحض الصدفة، في خضم دردشة حول مائدة العشاء، بدأ كورت شميد يتمازح بشأن مواهب فيلهابر المذهلة، حيث كان والده سيجي – مدرب المنتخب الوطني تحت 20 سنة آنذاك - يبحث عن لاعب فريد لتعزيز خط الوسط.
وبعدها بفترة قصيرة، وجد فيلهابر نفسه في هولندا وهو يحمل قميص الولايات المتحدة الأمريكية خلال نسخة 2005 من نهائيات كأس العالم للشباب، حيث قدم آداءا مدهشاً ووقف برأس مرفوع أمام نجوم صاعدين مثل جون أوبي ميكيل وليونيل ميسي.

كما لم يمر ذلك مرور الكرام على أعين المنقبين عن المواهب الشابة، إذ سُرعان ما عُرض على فيلهابر عقد احترافي مع نادي هامبورج الألماني، ليقرر اتخاذ مسار معاكس تماماً لذلك الذي سلكه جده في أواخر الثلاثينات عندما فر من الاضطهاد النازي. وبعد عامين في البوندسليجا، مر بفترة غير ناجحة في إنجلترا لينتقل في وقت لاحق الى الدنمارك حيث لعب لنادي آرهوس. وبينما ظل صاحبنا غير قادر على تحقيق انطلاقته المنشودة في النخبة الأوروبية، تواصل تألقه مع المنتخب الوطني على نحو مدهش.

فقد لعب في دورة الالعاب الاولمبية في بكين عام 2008، وسجل هدف الفوز في بطولة الكأس الذهبية 2007 concacaf، ليقود الولايات المتحدة إلى كأس القارات عام 2009، حيث كان وراء هدف الفوز التاريخي على أسبانيا في الدور قبل النهائي، الذي يعتبره ”أعظم لحظة” في مسيرته. كما لعب في المباراة النهائية - الأولى على الإطلاق لفريق رجال أمريكي في تاريخ كرة القدم - ضد منتخب وطنه الأصلي. وبعد سلسلة من الإصابات والعمليات الجراحية في الركبة، عاد فيلهابر بقوة ليلعب في كل مباريات الولايات المتحدة في كأس العالم جنوب أفريقيا 2010، إلى أن توقفت مسيرة الفريق الأمريكي في دور الـ16. ورغم كثرة العقبات والمعوقات، وجد فيلهابر أخيراً الإيقاع والتوازن المنشودين، حيث يطمح الآن لأن يصبح لاعب الوسط الحديث الذي يتوق إليه يورجن كلينسمان مدرب كتيبة أبناء العم سام.


فرصة ثانية

خلال الموسم الأخير مع سبورتنج كانساس سيتي، بدا فيلهابر وكأنه لاعب جديد مختلف تماماً عن ذلك الذي ظهر خلال الموسمين السابقين مع فريق نيو إنجلاند ريفلوشن المتواضع. ففي نسخته الجديد، ظهر صانع الألعاب مقاتلاً ومكافحاً من أجل استعادة الكرة في وسط الملعب والضغط عالياً والتضحية من أجل الفريق، مما أثار اهتمام كلينسمان، الذي كان يُعرف بقدرته الهائلة على التوفيق بين التقنية العالية والقوة البدنية خلال أيام تألقه على المستطيل الأخضر، ليقرر إقحام فيلهابر في المعسكر التدريب الذي خاضه الفريق الوطني شهر يناير/ كانون الثاني في البرازيل، حيث مازال يعيش معظم أفراد عائلة فيلهابر.
وعلق صاحبنا على ذلك بالقول: ”إنه لشيء عظيم أن أعود إلى هنا. أن أتناول اللحم المشوي على الطريقة البرازيلية في وجبة العشاء وأن أساعد زملائي في التواصل باللغة البرتغالية وأن أتمكن من رؤية جدي وجدتي... فهذا إحساس خاص جداً بالنسبة لي.”

لا شك أن تلك المشاعر والأجواء زادت بشكل واضح من رغبة فيلهابر في الانضمام هذا الصيف إلى المنتخب المسافر إلى نهائيات كأس العالم، ليخوض المونديال للمرة الثانية على التوالي، علماً أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها البرازيل أم البطولات على أرضها منذ 64 عاما.

وقال لاعب خط الوسط المعجب بنادي بوتافوجو: ”لقد كنت هناك [في البرازيل] خلال إحدى نسخ كأس العالم. إن البلد يتوقف بأكمله عندما يلعب البرازيل. عندما وجدت نفسي هناك، ازداد تحمسي للعب في كأس العالم أمام عائلتي وأصدقاء طفولتي. إنها دفعة معنوية كبيرة”.

يُذكر أن القرعة وضعت الاميركيين في مجموعة سابعة حارقة إلى جانب ألمانيا والبرتغال وغانا. ولكن فيلهابر يركز على الجانب الإيجابي: ”قد تكون ألمانيا أفضل فريق في أوروبا، وربما تملك البرتغال أفضل لاعب في العالم. غانا أقصتنا أربع سنوات ونحن نجد صعوبات كبيرة ضدها دائماً! ولكننا على الأقل لن نواجه أي فريق أمريكا الجنوبية”.

وختم صاحبنا حديثه بالقول: "أنا أحاول أن أدفع نفسي لتقديم أقصى ما أستطيع طوال الوقت، وللعمل على الجوانب التي تحتاج إلى تحسين. أريد أن أقنع يورجن وأجعل من الصعب عليه عدم إستدعائي”.