أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تسوية الصفوف في صلاة الجماعة!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن المؤمن أيها الأحبة ليفرح عندما يرى إقبال المسلمين على بيوت رب العالمين لأداء فريضة هي من أعظم شعائر الدين وركنه المتين، وهي زاد المؤمنين وقرة عين الطائعين ، فعن أنس - رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" جُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاَةِ". رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 285) ، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- كما في صحيح الجامع ( 5435)
يقول المناوي –رحمه الله- :" لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهم على مطالعة جلال الله وصفائه، فيحصل له من آثار ذلك ما تقر به عينه".فيض القدير ( 3/348)
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :"فالصلاة قرة عيون المحبين وسرور أرواحهم ولذة قلوبهم وبهجة نفوسهم ".طريق الهجرتين (ص 457)
وإن المؤمن كذلك ليسعد أيها الأفاضل عندما يرى التزام المصلين بأداء ما أمرهم به خير المرسلين، ومن ذلك تسوية صفوفهم عند صلاتهم مأمومين، يقول الإمام النووي– رحمه الله- :" والمراد بتسوية الصفوف إتمام الأول فالأول وسد الفرج،ويحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو بجنبه،ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول،ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله".المجموع (4/197)
كيف لا يفرح! أيها الكرام بإحياء المسلمين ما خصهم به العزيز العلام دون بقية الأنام، فعن حذيفة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فُضِّلْنَا على الناس بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ...". رواه مسلم ( 522)
قال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله- :" دليل صحيح على أن الملائكة يصفّون كصفوف المصلّين في صلاتهم". أضواء البيان (6/301)
أيها المصلي اعلم – رعاك الله- أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، فعن أنس-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:" سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فإن تَسْوِيَةَ الصَّفِّ من تَمَامِ الصَّلَاةِ".رواه البخاري (690)ومسلم(432) واللفظ له.
يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله- :" وقد صرح في هذا الحديث بأن تسوية الصفوف من جملة إقامتها ، فإذا لم تسو الصفوف في الصلاة نقص من إقامتها بحسب ذَلِكَ - أيضا - والله أعلم".فتح الباري في شرح صحيح البخاري (4/259)
وأن تسويتها على الصحيح واجبة يؤثم من فرط فيها مع صحة صلاته، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-:" بل أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتقويم الصفوف وتعديلها وتراص الصفوف وسد الخلل وسد الأول فالأول، كل ذلك مبالغة في تحقيق اجتماعهم على أحسن وجه بحسب الإمكان، ولو لم يكن الاصطفاف واجبا لجاز أن يقف واحد خلف واحد وهلم جرا ". مجموع الفتاوى ( 23/ 394)
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :" ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة: وجوب تسوية الصَّفِّ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية . لكن إذا خالفوا فلم يسوُّوا الصَّفَّ فهل تبطل صلاتهم؛ لأنهم تركوا أمراً واجباً؟
الجواب: فيه احتمالٌ، قد يُقال: إنها تبطل؛ لأنهم تركوا الواجب. ولكن احتمال عدم البطلان مع الإِثم أقوى؛ لأن التسويةَ واجبةٌ للصلاةِ لا واجبة فيها، يعني أنها خارج عن هيئتها". الشرح الممتنع (3/5)
إن مما ينبغي أن نعلمه أيها الأحبة الكرام أن إحياء هذا الهدي الكريم ليس قاصرا فقط على الإمام!بل يشترك فيه حتى المأموم! ، يقول الإمام ابن بطال – رحمه الله- :" ينبغي للإمام تعاهد ذلك من الناس ، وينبغي للناس تعاهد ذلك من أنفسهم". شرح صحيح البخاري لابن بطال(2/344)
فالإمام يدعو المصلين إلى تسوية صفوفهم عملا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أَحْسِنُوا إِقَامَةَ الصُّفُوفِ في الصَّلاَةِ". رواه الإمام أحمد في مسنده (2/485) وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- كما في صحيح الجامع (195)
يقول المناوي -رحمه الله- :"أي: أتموها وأكملوها وسوّوها على اعتدال القائمين على سمت واحد".التيسير بشرح الجامع الصغير (1/45)
وعليه أن يحذرهم أشد الحذر من خطر مخالفة ذلك،فعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وُجُوهِكُمْ ". رواه البخاري (685) ومسلم (436) واللفظ له.
يقول ابن بطال – رحمه الله- :" فيه : الوعيد على ترك تسوية الصفوف ". شرح صحيح البخاري لابن بطال(2/344)
ويقول الإمام النووي – رحمه الله- :" معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم،واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن".الشرح على صحيح مسلم ( 4/157)
ويقوم أيضا بفعل ذلك قبل أن يكبر للصلاة خاصة إذا رأى تقصيرا من المأمومين في تسوية الصفوف ،كما كان يفعل ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال :" كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا حتى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بها الْقِدَاحَ ".رواه مسلم (436)
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" (القداح ): بكسر القاف هي خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها قدح بكسر القاف،معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها ".الشرح على صحيح مسلم (4/157)
ويَصحب فعله أحيانا تحذيره للمصلين من التهاون في تسويتها ويذكر لهم الوعيد المترتب على ذلك! كما كان يقوم بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ،فعن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه- قال : كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ :"اسْتَوُوا ولا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ". رواه مسلم (432)
يقول ابن الجوزي –رحمه الله- :" المناكب جمع منكب : وهو مجتمع رأس العضد في الكتف . والمعنى أنه كان يسويهم في الوقوف ، فيرد الخارج ليقع الاستواء . وقوله : ( ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم )أي: أنكم إذا اختلفتم بالظواهر عوقبتم باختلاف القلوب، ويحتمل:لا تختلفن ظواهركم ، فإن اختلافها دليل على اختلاف قلوبكم ".كشف المشكل (2/205)
وعلى الإمام أن لا يفرط في هذه العبادة العظيمة، وأن لا يتهاون فيها، ولا يأخذه في العمل بها لومة لائم! يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"يجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف ولا تأخذه في الله لومة لائم؛ لأن كثيراً من الجهلة إذا تأخر الإمام في التكبير لتسوية الصفوف أخذهم الحمق والغضب، فلا ينبغي أن يبالي الإمام بأمثال هؤلاء لأن صلته بالله ما دامت وثيقة فستقوى الصلة بالناس بإذن الله ". مجموع فتاوى الشيخ ( 13/ 13)
وعلى المأمومين كذلك أن يعينوا الإمام على تسوية صفوفهم، فيستجيبوا لتذكيره ويذكر المصلي من أمامه بالتي هي أحسن دون رفع الصوت! وإحداث ضجة في المسجد!، يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"تسوية الصف أمر واجب وهو من مسئوليات الإمام والمأمومين أيضاً فعليه تفقد الصف وتسويته، وعليهم تسوية صفوفهم وتراصهم". مجموع فتاوى الشيخ ( 13/ 13)
وليتذكروا عند عملهم بها!ما جاء في فضلها،والثناء على من أحياها بين المصلين، والوعيد الشديد على من فرط فيها! فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله عز وجل".رواه النسائي ( 819) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- .
يقول المناوي –رحمه الله- :"(من وصل صفا)من صفوف الصلاة (وصله الله) أي زاد في بره وصلته وأدخله في رحمته (ومن قطع صفا) منها ( قطعه الله) أي: قطع عنه مزيد بره".فيض القدير(6/236)
ويقول السندي – رحمه الله- :" (وصل صفا) بأن كان فيه فرجة فسدها، أو نقصان فأتمه، والقطع بأن يقعد بين الصفوف بلا صلاة، أو منع الداخل من الدخول في الفرجات مثلا ،والله تعالى أعلم ".حاشية السندي على سنن النسائي (2 /93)
أيها الأحبة الكرام إن مما ينبغي أن نعلمه كذلك أن تسوية الصفوف ليست قاصرة على المناكب فقط!كما يظن البعض! بل إن تسويتها تكون كذلك بالأقدام ،يقول الشيخ الألباني – رحمه الله- :" استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها ، بحيث ينذر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلا عن شيوخه، ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن إقامة الصف تسويته بالأقدام وليس فقط بالمناكب". السلسلة الصحيحة ( 1/70)
ومن الأحاديث التي يشار إليها الشيخ – رحمه الله- ما جاء عن أنس– رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإِنِّي أَرَاكُمْ من وَرَاءِ ظَهْرِي"، قال أنس –رضي الله عنه-: (وكان أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ).رواه البخاري (692)
يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله- :" حديث أنس –رضي الله عنه- هذا : يدل على أن تسوية الصفوف:محاذاة المناكب والأقدام ". فتح الباري في شرح صحيح البخاري (4/262)
وهذا الذي كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم،يقول النعمان بن بشير -رضي الله عنه- :"رأيت الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ ".رواه البخاري ( 1/254)
يقول ابن بطال –رحمه الله- :" الكعب هو العظم الناتئ في أثر الساق ومؤخر القدم".شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/348)
يقول الشيخ الألباني – رحمه الله- :" التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب،وحافة القدم بالقدم،لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف والتراص فيها ".السلسلة الصحيحة ( 1/72)
فليتق المأموم الله جل وعلا في نفسه! وليحافظ على هدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، وليحذر أشد الحذر من أن يفرط في هذه العبادة العظيمة أو ينفر من أخيه المسلم إذا أراد أن يقترب منه لتسوية الصف! فهذا الفعل ليس من أخلاق المسلم! المتبع لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم، ورحم الله جل وعلا أنسا بن مالك ورضي عنه إذ يقول -رضي الله عنه- :"وَلَوْ ذَهَبْت تَفْعَلَ ذلك اليوم لَتَرَى أَحَدَهُمْ كَأَنَّهُ بَغْلٌ شَمُوسٌ ". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( /308)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1/71)
يقول العلامة شمس الحق العظيم آبادي- رحمه الله-:"فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف، وأنها من إتمام الصلاة،وعلى أنه لا يتأخر بعضٌ على بعض،ولا يتقدم بعضٌ على بعض وعلى أنه يُلزق مَنكبه بمنكِب صاحبه،وقدمَه بقدمه، وركبتَه بركبته، لكن اليوم تُركت هذه السنة ولو فُعلت اليوم لنفر الناس كالحمُر الوحشية، فإنا لله وإنا إليه راجعون". التعليق المغني على الدارقطني (2/30)
فالله الله أيها المسلم إماما كنت أو مأموما بالعمل بهذه العبادة العظيمة التي أصبحت شبه مهجورة! في كثير من المساجد! احرص –رعاك الله جل وعلا- على العمل بها! ودعوة وتذكير المصلين بها،فإن لك بذلك الأجر الكبير و الخير الكثير بإذن العزيز القدير،يقول الشيخ الألباني – رحمه الله- :" إنني أهيب بالمسلمين – وبخاصة أئمة المساجد – الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة، ويحرصوا عليها ، ويدعوا الناس إليها ، حتى يجتمعوا عليها جميعا". السلسلة الصحيحة ( 1/72)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا جميعا لتحقيق ما يحبه ويرضاه من الطاعات ومن ذلك إحياء السنن فإن في ذلك النجاح والفلاح في الدنيا ويوم الوقوف بين يدي الرحمن،وأن يجنبنا وإياكم فعل ما يبغضه ويأباه ومن ذلك البدع و العصيان لأن في ذلك الحرمان والخسران ، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز المنان.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي