أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الرد على الشيخ محمد الحسن الددو
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
فإن من الأمور التي ابتلينا بها في هذه الأزمان كثرة الاختلاف والتفرق واتباع غير سبيل المؤمنين ونهج السلف الصالحين وإتباع الشاذ من الأقوال وخرق ما أجمعت الأمة عليه والقدح فيه عيانا بيانا ومحاولة النيل من المسلمات والتلاعب بالشريعة وترقيق التوحيد وإماتة الدين وغير ذلك مما يؤسف له ويندى له الجبين.
وإن من هذه البلية النكراء ما خرج به علينا الشيخ محمد الحسن الددو هداه الله من بعض الدعاوى الصوفية والأقوال البدعية في شرحه لكتاب التوحيد ومقابلاته في قناة إقرأ. ومن ذلك :
أولاً: زعمه أن الأشاعرة والماتريدية والصوفية من أهل السنة وإنكاره أن يكون السلف قد كفروا الجهمية:
ولا أدري كيف يقال مثل هذا في شخص يعلم حال الصوفية وهم يشركون صباح مساء ويستغيثون بالقبور والأموات ويدعونهم ويعبدونهم من دون الله , بل وينسب البعض منهم للأولياء النفع والضر والتصرف في الكون وعلم الغيب.
وكيف يقال أن الأشاعرة من أهل السنة وهم ينكرون علو الله سبحانه وتعالى وقد كفر السلف من أنكر علو الله من الجهمية ومن تبعهم من المبتدعة قال ابن القيم في النونية حاكيا من كفرهم :
ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكـاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني
هذا غير مخالفاتهم الإرجائية في الإيمان ومخالفاتهم في النبوات والقدر وبقية أبواب الاعتقاد .
فهل مع هذه كله يصح أن يقال الأشاعرة والصوفية من أهل السنة , أوما كان الأولى والأحرى بالددو وأمثاله أن ينقلوا الخلاف في تكفيرهم ويأتوا بكلام الهروي وابن حزم وابن الجوزي وابن عبدالبر وغيرهم في تكفير الأشاعرة فضلا عن الصوفية وذلك لتقريعهم وتحذيرهم مما هم فيه لا أن يزيدهم ثقة وثباتا على عقائدهم.

ثانيا: ترقيقه للبدع وتهوينه من خطورتها وخطورة أصحابها وهدمه لعقيدة أهل السنة في التعامل مع البدع والتبرؤ منهم والغلظة عليهم، وزعمه أن الغلظة إنما تكون للكافر الذي لا ترجى هدايته ثم تفسيره الأحاديث ومنهج السلف على وفق هواه:
ومن ذلك قوله : " الافتراق ليس عيبا ولا ذما على الإطلاق".
وقوله: " نحن مأمورون بعدم التفرق حتى مع أهل البدع".
وقوله:" تكفير السلف لمن قال بخلق القران من باب التغليظ فقط وأن كثير من أقوال السلف المبتدعة لا تفهم على وجهها" فلقائل أن يقول كذلك ما جاء تكفيره بالشرع ليس إلا للتغليظ وليست النصوص على وجهها كما هو منهج المتكلمين مع النصوص .
كذلك تخصيصه الخوارج بمن خرج على عثمان وعلي مع أن الخوارج مذهبا وفكرا مبدئه يقوم على تكفير عصاة المسلمين وهو موجود إلى يومنا هذا .
وفي قوله:" لا يجوز نسبة فرقة من الفرق إلى أنها من الاثنتين والسبعين فرقة أو أنها من الناجية" يلزم منه أن مذهب أهل السنة ليس إلا فرقة من الفرق وأن ماعليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو اليوم مجهول في زماننا لا يعلم به احد وأن الدين قد ضاع وأن قوله ما أنا عليه وأصحابي لا فائدة منه ولا معنى له في زماننا .
وكذلك قوله: " كل أهل الإسلام قد يكونون من أهل السنة" يلزم منه إدخال الباطنية والدروز والبريولية المشركة وغيرهم من ملل الكفر المدعية للإسلام في أهل السنة بحجة انتسابها للإسلام وفي هذا القول الخبيث مافيه .
ثالثا: ومن مخالفاته الصلع زعمه أن الخلاف بين أهل السنة والمرجئة الفقهاء إنما هو خلاف بين التابعين فحسب وتناسى طعون السلف فيهم وتحذيرهم الشديد منهم وتشنيعهم عليهم من أمثال الثوري والزهري واحمد بن حنبل وكلامهم العريض في مرجئة الفقهاء.

رابعا: طعنه في منهج السلف في باب الجرح والتعديل :
ومن ذلك قوله:"كلام أصحاب التراجم أن فلانا قدري والآخر رافضي كثير منه لا يصح وما صح إنما يقصد به الجرح والتعديل احتياطاً للسنة وهذا خاصٌ بأهل الحديث للرواة والاستدلال بأفعالهم للأفراد غير صحيح".
كذلك جعله بيان تلبيس المضللين من باب تتبع الزلات وهذا داخل في الوعيد الذي في تتبع عورة المسلم.
وما درى أن حفظ الدين لا يكون إلا بكشف عور الملبسين والمحرفين وأن جرح أصحاب الفتاوى المضللة والأقوال الشاذة والمبتدعة أولى من جرح أئمة الحديث, ووجه ذلك أن غاية من خف ضبطه أو اختلط حفظه ومع ذلك قيل فيه فلان ليس بشيء وفلان لا يقبل حديثه أولا يحتج به أو كذاب ونحوه, ليس إلا لحفظ الحديث الذي يحفظ به الدين فكيف إذا بمن يحرف الدين ويلوي أعناق النصوص لتوافق هواه ويقع في تضليل الأمة والنيل من المسلمات إن هذا لايقل خطورة عمن يتعمد الكذب على حديث رسول الله إن مثل هذا أولى بالإنكار عليه وتجريحه والتحذير منه وبيان باطله لأن هذا مما يحفظ به الدين, وليس هذا من الغيبة في شيء ولا هي من قبيل تتبع الزلات والعورات.

خامسا:دعوته للاحتفال بالمولد:
ومما خالف الددو فيه أهل السنة دعوته الصريحة للاحتفال بالمولد النبوي وإتيانه بتفريق مبتدع وهو زعمه أن المحرم هو اتخاذ يوم المولد عيداً كالفطر والأضحى أما أن يتخذ مناسبةً سارة ويفرح فيه ويتعبد لله بقراءة سيرته ونحو ذلك من العبادات فهذا لا حرج فيه.
أقول تناسى أن الاحتفال بالمولد ليس إلا بدعةً رافضيةً نشئت من الدولة الفاطمية القرمطية وأن فعل هذا المولد والفرح به وتخصيصه بما ذكر لو كان خيراً لسبقنا إليه الصحابة والقرون المفضلة كيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

سادسا : تجويزه السفر إلى القبور وشد الرحال إليها:
وزعمه أن أول من فهم تحريم السفر للقبور من حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" هو ابن تيمية .
والجواب عن هذه الشبهة من أوجه:
1- أن تحريم شد الرحال للقبور والاستدلال عليه بالحديث السابق ليس من ابتداع ابن تيمية ولا أنه أول من فهم هذا الفهم من الحديث كما زعم الددو بل هو فهم السلف وهو الذي كان عليه عمل الصحابة ومما يدل لذلك: ما أفتى به ابن عمر قزعة بن يحيى لما أراد الذهاب للطور قال " لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد دع عنك الطور لا تأته" رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات. كذلك ما رواه أحمد والبزار والطبراني من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة لما زار الطور فقال له: لا تشد الرحال الحديث, ولم يكن الحديث قد بلغ أبي هريرة ثم رواه بعد ذلك عنه وأقر به .كذلك أيضا إخفاء الصحابة لقبر دانيال في عهد عمر, وكذلك عدم إظهار التابعين لقبور الصحابة والمتفرقة في البلدان أيام الفتوحات.
2- أن الإمام مالك من أشد العلماء نهيا عن هذا ومثله الإمام أحمد كما هو مروي عنهم .
3- أن علماء بغداد قد أيدوا فتوى شيخ الإسلام وأرسلوا للسلطان الناصر قلوون بأن ما قاله في تحريم شد الرحال للقبور هو الحق الذي لاشك فيه كما هو في مجموع فتاواه .
4- أن مما يؤكد تحريم السفر للقبور أن الاستثناء في الحديث مفرغ, بدء بنفي وحذف المستثنى منه وهذا من صيغ العموم فالرحال لا تشد لا لمسجد ولا لغيره من البقاع، ولم تخص المساجد في النهي عن الشد (لاتشد الرحال لمساجد إلا لثلاثة) كما هو فهمه الذي خالف به فهم الصحابة لا فهم ابن تيمية.
5- وأما دعواه أن الرسول زار قبر أمه فهذا تدليس من الددو وتعامي عن الحق وتقليدا للغير، ذلك أن الكلام عن شد الرحال والسفر للقبور وليس زيارتها، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسافر لقبر أمه وإنما مر عليه وهو في طريقه في السفر فزيارة قبرها كان منه تبعا لا استقلالا .
6- وأما معارضة الحديث بشد الرحال لطلب العلم وصلة الرحم فأن هذا لا وجه له لأن الكلام يدور حول زيارة البقاع والأراضي والأماكن والآثار التي يحصل الغلو عندها.

سابعاً : استنكاره لهدم الآثار النبوية وإزالتها:
ودعواه أن الصحابة كانوا يزورون البيوت والمساجد ويتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم .
ومما يجاب به على كلامه هذا ما يلي :
1- كذبه على الصحابة رضوان الله عليهم حيث عملوا على إخفاء كل ما فيه ذريعة للشرك وسدوا باب كل وسيله مفضية إليه ومن ذلك إزالتهم الشجرة التي حصلت بيعة الرضوان عندها وكذا الجذع الذي كان يخطب الرسول صلى الله عليه وسلم عنده كذلك نهي عمر رضي الله عنه عن هذا ومن ذلك ما أخرجه عبد الرزاق وغيره من قوله " إنما أهلك من كان قبلكم إتخاذهم آثار أنبيائهم بيعا".
2- أن التبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم أمر ثابت ولكن بشعرة وعرقه وريقه ونحو ذلك، أما أنهم كانوا يتبركون بالجلوس في أماكن جلوسه ويتمرغون بالتراب الذي يمر عليه ويتمسحون بالفرش التي يجلس عليها أو يزورون البيوت التي دخلها أو الأماكن التي صلى بها كما هو فعل هؤلاء فإن هذا كله لم يحصل منهم وهو من الافتراء عليهم, كما أنه لم يثبت سنية الصلاة في مسجد غير الثلاثة ومسجد قباء ومن زعم غير ذلك فعليه بالدليل وأنا له ذلك .
3- أن ما ثبت من فعل ابن عمر حيث كان يتحرى الصلاة في المواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا صادفت طريقه مر بها لا أنه يتعمد الذهاب لها استقلالا, ومع هذا أنكر عليه والده عمر ونهاه عن هذا الفعل بمشهد من الصحابة . وعمر أفقه من ابنه وقد أُمرنا بالاستنان بهديه فهو الملهم وصاحب السنة المتبعة .
4- ما ثبت من إنكار السلف لهذا الفعل ومن ذلك إنكار الإمام مالك لمن يفعل ذلك بل قد ثبت تركه التحديث عن عطاء الخرساني لما كان يمسك بالمنبر الذي كان يخطب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك قبل إزالته كما ذكر ذلك القاضي عياض في الشفاء وغيره ، وكذلك أنكر الإمام أحمد هذا الفعل مما يدل على أن الأمر كان مسلما عند الصحابة والتابعين والقرون المفضلة وأنهم كانوا ينكرون على من يظهر مثل هذه الأفعال لجهل أو تأويل.
5- ثم مع هذا كله لم يعد هناك شيء ثابت من عهد الرسول صلى الله عليه سلم بل كله ذهب وفني وتحول وانقطع دابر عباد الأحجار والأشجار والمتمرغين على التراب من الرافضة والصوفية ورثة المجوس.
إذا تقرر ذلك فأي الفريقين أحق بالإتباع الصوفية ومن أراد مماشاتهم وإرضائهم ومتابعتهم في بدعهم ومن هو على شاكلتهم أو الخليفة الراشد عمر ومن معه من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة.




ثامناً : تشكيكه في الشرك الصريح الذي دعا إليه البوصيري وزعمه فوق هذا كله أنه من أهل السنة.
قلت: فما هو الشرك إذاً إذ لم يكن ما دعا البوصيري إليه في أبياته من طلب الغوث من النبي صلى الله عليه وسلم وأن يأخذ بيده وأنه الملاذ, بل وينسب إليه علم اللوح والقلم وأن الدنيا والآخرة ليست إلا من جوده وغير ذلك من الكفر والشرك الذي ما تجرئ عليه ولا حتى أبو جهل.

هذه المخالفات الشنيعة وغيرها والتي وقع فيها الددو ما كانت إلا ببركة مجاراته ومخالطته الصوفيه واحتوائهم له أو أنها والعياذ بالله نزعه صوفيه كلاميه بدعية فيه أصلا .
وليعلم الددو هدانا الله وإياه أنه بأقواله هذه ماض في سنة سيئة عليه وزرها ووزر من أتبعه فيها, وماذا عليه لو رفع رأسه بالتوحيد ومولاة أهله, وليعلم أن الفلاح كل الفلاح في ما كان عليه منهج السلف .
وليحذر أهل التوحيد من الاغترار بكلام الددو ولا بغيره وليحذروا من سقطاتهم وليعرض كلامهم على الكتاب والسنة ومنهج السلف فما وافق الحق أُخذ به وما خالفه أطرح ورمي به.
قلت هذا حبا في النصح والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .


كتبة خالد بن علي المرضي الغامدي
26/10/1430هـ