يتناقل الناس من أخبار فتح الأندلس قصة تقول إن طارق بن زياد قام بإحراق السفن حين نزل إلى ساحل إسبانيا و ذلك كي يستثير جنوده على الصمود في القتال ، و يضيفون أنه خطب فيهم خطبة حماسية منها : ( أيها الناس ، أين المفر ؟ البحر من ورائكم . و العدو أمامكم ، و ليس لكم و الله إلا الصدق و الصبر ) .
و لكنّ بعض المحققين يرون أن هذه القصة غير صحيحة و يذكرون لذلك أسبابا هــي :
1- أن أول مَـن تحدث عن واقعة إحراق السفن كان الإدريسي و هو من رجال القرن الثاني عشر الميلادي ، أي هناك قرونا تفصل بينه و بين الواقعة التي حدثت في القرن الثامن الميلادي !
2- أن السفن التي عبر عليها المسلمون إلى الأندلس لم تكن ملكهم حتى يستطيع طارق أن يحرقها ، فالسفن كانت ملكا لـــ ( ليليان ) و هو حاكم سبتة الذي أعان المسلمين على فتح الأندلس .
3- أن عملية إحراق السفن تنطوي على مخاطرة كبيرة لأنها تقطع خط الرجعة على جيش المسلمين ، و هي بذلك تصبح مما نهى عنه الإسلام في قوله تعالى : ( و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) .
و قد لاحظتُ أثناء بحثي في الموضوع أن هناك فصلا في التقييم بين الخطبة و حادثة إحراق السفن ، فهناك من الباحثين من يثبت الخطبة و لكنه ينكر واقعة إحراق السفن على اعتبار أن أدلة صحة نسبة الخطبة أقوى من أدلة صحة وقوع حادثة إحراق السفن .
أما الذين ينكرون الخطبة أيضا فهم يستدلون على ذلك بـــ :
1- أن طارق بن زياد كان بربريا حديث عهد بالعربية ، فمن غير المنطقي أن يستطيع إنشاء هذه الخطبة الفصيحة .
2- أن الجيش الذي كان مع طارق بن زياد كان في معظمه بربريا ... فلا يكون منطقيا أن يخطب فيهم طارق باللغة العربية .
و من الأمور التي استوقفتني في الخطبة هذا المقطع : ( و قد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الـحُـور الحِـسان من بنات اليونان الرافلات في الدُّر و المرجان ، و الحلل المنسوجة بالعقيان ، و المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان . و قد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عُـزْبانا – جمع أعزب – و رضيكم لـملوك هذه الجزيرة أصهارا و أختانا ..... ) . و الحقيقة أن المرء يتساءل عن هُـويّـة هؤلاء الفاتحين هل هم مجاهدون هدفهم مرضاة الله و نشر دينه أم أنهم باحثون عن النساء و الأموال ؟!!
و قد وجدت مَـن ينفي هذا الجزء من الخطبة و يرى أنه مِـن إضافات أعداء الإسلام مُستدِلاً على ذلك بــعدم وجود هذا المقطع في الخطبة في بعض المصادر .