صور وتسجيلات: من ينقذ الضحية؟
نادين البدير*
يبدأ الأمر برقم هاتفي، تتوالى بعده المحادثات أو اللقاءات، لتنتهي الحكاية بتهديد أو ابتزاز. هكذا يتم تصوير العلاقة بين الشاب والفتاة في مجتمعنا العربي. ينظر الرجل إلى المرأة كأداة للتسلية فيما تعده هي مشروعاً مستقبلياً. وقد بنيت على أساس تلك النظرة المتناقضة نحو الجنس الآخر كل القصص المأساوية التي يرويها علماء الاجتماع والدين والتي تحوي عظات وعبرات, الغرض منها تحذير الفتيات من الوقوع في براثن من يستغل ضعفهن.
كل القصص تنتهي بخضوع الفتاة لرغبات من يسعى لتدميرها وإضاعة مستقبلها. كل القصص تحمل ذات الطابع التحذيري الهادف إلى إرهاب المستمعات فقط. لم يهدف الرواة يوماً لإنشاء جيل جريء من النساء، فالجرأة صفة غير محببة في الأنثى، لذا لم يحدث أن انتهت قصة ما بتحدي فتاة ورفضها للتهديد حتى وإن كانت قصة خيالية الغرض منها إزالة الرعب من نفوس اللواتي يتعرضن إلى الابتزاز وحل المسألة بطريقة لا تسيء إليهن. بل تصورهن الحكايات خائفات على الدوام، قلقات من المجهول. هكذا النساء في بلادنا العربية، يخشين تشويه السمعة، يخشين من الفضيحة، من الطلاق، من الأهل، ومن فقدان أسباب الزواج وتكوين الأسرة.
إن الوقوع بمثل تلك المشاكل يعني نهاية الحياة بالنسبة لكثيرات في ظل ندرة النصائح والإرشادات التي يمكن للمرأة المتزوجة أو غير المتزوجة اللجوء إليها واتباعها عند مواجهة تلك المعضلة الوارد حدوثها في حياة كل إنسان. هي لا تعرف إلى من تلجأ، أو كيف تتصرف، وهل عليها حقا أن تخشى أو تقلق. هل تنفذ مطالب من يبتزها؟ أم تخبر أهلها؟ ما هي السلطات المسؤولة في البلاد عن مثل ذلك النوع من الجنح أو الجرائم أو أيا كان اسمها؟.
الأمر الطبيعي أن يكون الأهل هم الملاذ الأول الذي ستحتمي به الفتيات عند كل صغيرة وكبيرة تواجههن، لكنهم في حياة صاحبة المعاناة يشكلون خيارها الأخير لمعرفتها بأنهم لن يرحموا صغيرتهم حالما تتكشف لهم حقيقة ما يحدث، ليس أمامها بدٌ إذاً من الاعتماد على نصيحة خاطئة لصديقة مثلها خائفة، ليس أمامها سوى اتخاذ قرار أليم قد يحول مأساتها إلى حكاية يرويها أحدهم ليعظ بقية قريناتها من المصير الذي آلت إليه تلك الضحية. ضحية التقاليد والأعراف الخاطئة التي تعاقب المرأة حين تخطئ فيما تعتبر ذات الخطأ دليلاً على اكتمال الرجولة، ضحية التربية البعيدة كل البعد عن العاطفة وعن حنان الأبوة، ضحية مجتمع بأكمله.
لقد قامت الإنسانية بتنظيم ما يعرف بالأسرة الواحدة لكي تكون العائلة عوناً لأفرادها وسندا لهم أمام ما يصادفونه من مشكلات في البيئة الخارجية، لكن الفتاة العربية لا تشعر بحماية الأسرة بل إن بعض الفتيات لا يشعرن حتى بالأمان، ذلك أن أقل مخالفة يرتكبنها في حق قانون البيت أو العشيرة قد تودي بحياتهن في إطار ما يعرف بجرائم الشرف المنتشرة في العديد من المجتمعات العربية المحافظة على أفكار جاهلية تحرم على الفتاة ما تحلله للفتى. لقد انتفى الهدف الأساسي من تكوين الأسرة، صار المنزل مكانا للنوم والأكل ولائحة طويلة من القوانين والممنوعات، انتفى الهدف من بقاء الفتاة في ظل رعاية والديها وإخوتها حتى تكبر وتتزوج.
وتعد العلاقات بين الشباب والفتيات خارج إطار الزواج علاقات ممنوعة، لكنها موجودة سراً في عالمنا العربي، رغم أن البعض ينكرها، فسهل علينا تجاهل وجود الشيء عن كشفه والوقوع في المحظور. معروف أيضا أن بعض تلك العلاقات قد انتهت بطريق مرغوب اجتماعيا ألا وهو الزواج، فهناك فئة من الشباب العربي تتمتع بحس مرهف ونظرة راقية للعلاقة بين الرجل والمرأة مكنتهم من التغلب على الاستهتار بالجنس الآخر. لكن على النقيض من ذلك فقد نشأت علاقات أخرى بين رجل انتهازي يؤمن بامتلاكه حق التلاعب بالنساء، وبين فتاة لم تتعامل في حياتها سوى مع إخوتها الشبان، فكان أن وثقت بأول شخص صادفها، أمنت له فمنحته المكالمات والصور واللقاءات. فتاة لم يهتم أحد بصقل شخصيتها بطريقة عصرية تمنعها من الخنوع لتهديدات مجرم.
ولا تشترط قضايا الابتزاز إقامة علاقة مع أحد الفاسدين، فبعض الفتيات يسربن صورا لأخريات إلى شبان مهمتهم الضغط على امرأة لا تربطهم بها أية علاقة، يهددونها بنشر صورها على شبكة الإنترنت، فتستجيب المسكينة إلى مطالب مجهولين خوفاً من نشر تفاصيل وجهها على الملأ. وبينما يستخدم معظم سكان العالم التقنيات المتقدمة في سبيل رقي ونمو حضارتهم, فإن سكان مناطق أخرى يستغلونها في تدمير نسائهم.
في الغرب، لا تقلق الفتاة من تهديد ما، ولا تخجل من إبلاغ السلطات لكي تتم معاقبة المجرم وسجنه سنوات عديدة. أما حين تتورط الفتاة في المجتمعات المحافظة، فمن ينقذها؟ لا أحد.. ينجو هو بفعلته، وتعاقب هي على جرم لم ترتكبه، قد تقتل أو تطلق أو تحيا منبوذة تنتظر حدا لحياتها.
إن من الأهمية التوجه نحو استحداث قوانين صارمة تنهي تلاعب البعض بحياة النساء، من الأهمية كذلك أن تحوي مناهجنا التعليمية إرشادات للطالبات لمعرفة كيفية التصرف في مثل هذه المواقف، وذلك ليتحقق الهدف التربوي والتعليمي من وزارات التربية والتعليم العربية.
ويلقى على عاتق الأب والأم معا مسألة احتضان ابنتهما حتى لا يتركا لها مجال البحث عن صديقات وهميات, خاصة حين تشعر أن بإمكانها الاعتماد عليهما في السراء والضراء، وإلى أن تتغير قناعات الوالدين وتتطور طرق التعامل مع الصغيرات، فإنه يلقى على عاتق المرأة العربية مسألة إزالة الغشاوة التي تغطي فكرها والمتمثلة بقناعتها بمدى ضعفها، إن عليها أن تكتشف مواطن قوتها التي تمكنها من الدفاع عن نفسها بطرق سليمة، فاكتشافها لمواطن قوتها يعني معرفتها بحقوقها التي تحميها من الاستغلال، عندها سيتأكد لها أن الفضيحة أمام الأهل وبقاءها منبوذة أهون بكثير من تلبيتها لرغبات أحد المنحلين. وستعلم أن أهلها الذين تخشى سطوتهم لم يخلقوا ملائكة، فحتى أبوها وزوجها اللذان تهاب أن تصل إليهما صورة التقطت لها أو حتى تسجيل, ربما لم يمضيا حياتهما دون ارتكاب خطيئة.
* كاتبة سعودية
منشور بجريدة الوطن في عددها الصادر اليوم الخميس