أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


القول المسدد فيما جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية في الاحتفال بالمولد

د.محمد هشام طاهري

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وبعد:

فقد قرأت ما كتب في بعض الجرائد حول بدعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وقد كانت الفتاوى والكلمات ظاهرة في بيان بدعية المولد وتحريم الاحتفال به، وأن الاحتفال أمري لم يفعله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ورسول الله سبق الناس إلى كل عبادة وخير، ولم يفعله صحابته وهم مًن أعظم الناس حباً له، ولم يفعله الأئمة المتبوعون، وإنما كانت مخترعة أصلاً» فكيف بهذه الصور التي ترى في عالم المسلمين اليوم..، مع البعد التام من هؤلاء المحتفلين عن بدهيات سنن رسول الله عليه الصلاة والسلام والبعد عن الدعوة إلى سنته.

ولكن ما تعجبت منه، ما جاء تحت عنوان: ابن تيمية: (للمحتفلين!؟ أجري لحسن القصد)، وذكر فيه أنه في الفتاوى ج23ص1634 كالتالي: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله. انتهى!؟



وفي هذا النقل أمور عدة، أختصرها فيما يأتي:



ـ1 في الموضع المشار إليه من مجموع الفتاوى أعني الجزء »23« الثالث والعشرين، في الصفحة »1634« أربع وثلاثين وست مائة بعد الألف، ليس ذكر للمولد لا من قريب ولا من بعيد» أتدرون لماذا؟ لأن المجلد »23« لا يحتوي إلا »435« صفحة فقط مع الفهارس» فلا أدري من أين أتوا بهذه العبارة من هذا لمجلد الموهومة صفحاته» لكن لعل الكاتب أخطأ في ذكر رقم الصفحة، وأراد ص»132« من الجزء نفسه!؟.

ـ2 في ج»23« ص»132ـ134« كلام له علاقة بالمولد ونصه: (وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها» بل هي محدثة..

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فًي لَيْلَةً الْمَوْلًدً وَغَيْرًهَا.

وَالْبًدَعُ الْمَكْرُوهَةُ ـ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَبَّةً فًي الشَّرًيعَةًـ وَهًيَ أَنْ يُشَرًّعَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بًهً اللَّهُ فَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا دًينًا وَقُرْبَةً بًلَا شَرْع مًنْ اللَّهً فَهُوَ مُبْتَدًع ضَالّ...

وَمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَهُوَ بًدْعَة وَضَلَالَة: مًثْلَ تَخْصًيصً مَكَان أَوْ زَمَان بًاجْتًمَاعً عَلَى عًبَادَة فًيهً كَمَا خَصَّ الشَّارًعُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتً وَأَيَّامَ الْجُمَعً وَالْأَعْيَادً).

وفي هذا النص تصريح بأن الاحتفال بليلة المولد كصلاة الرغائب محدث وبدعة وضلالة» فكيف يؤجر الإنسان على البدعة!؟

3ـ وهذا نقل آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ج»25« ص»298«: (وَسُئًلَ عَمَّنْ يَعْمَلُ كُلَّ سَنَة خَتْمَةً فًي لَيْلَةً مَوْلًدً النَّبًيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّمَ هَلْ ذَلًكَ مُسْتَحَبّ؟ أَمْ لَا؟

الْجواب: الْحَمْدُ لًلَّهً: جَمْعُ النَّاسً لًلطَّعَامً فًي الْعًيدَيْنً وَأَيَّامً التَّشْرًيقً سُنَّة، وَهُوَ مًنْ شَعَائًرً الْإًسْلَامً الَّتًي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّمَ لًلْمُسْلًمًينَ، وَإًعَانَةُ الْفُقَرَاءً بًالْإًطْعَامً فًي شَهْرً رَمَضَانَ هُوَ مًنْ سُنَنً الْإًسْلَامً...

وَأَمَّا اتًّخَاذُ مَوْسًم غَيْرً الْمَوَاسًمً الشَّرْعًيَّةً» كَبَعْضً لَيَالًي شَهْرً رَبًيعي الْأَوَّلً الَّتًي يُقَالُ: إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلًدً أَوْ بَعْضً لَيَالًيً رَجَب، أَوْ ثَامًنَ عَشَرَ ذًي الْحًجَّةً أَوْ أَوَّلً جُمْعَة مًنْ رَجَب أَوْ ثَامًنً شَوَّال الَّذًي يُسَمًّيهً الْجُهَّالُ عًيدَ الْأَبْرَارً» فَإًنَّهَا مًنْ الْبًدَعً الَّتًي لَمْ يَسْتَحًبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ).

فهذا كلام بين في أن الاحتفال من البدع، وليس بمستحب ولم يفعله السلف الصالح.

ـ4 بهذين النقلين الواضحين يتبين لنا أن شيخ الإسلام يرى بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، وأن ذلك من الأمور التي لم يتعبد بها النبيُّ ـصلى الله عليه وسلمـ ربَّه، ولم يتعبد بهذه الطريقة أصحابُ محمدي ـصلى الله عليه وسلمـ ربهم، ومن الأمور المهمة التي نبه عليها شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع عدة أن من شرط قبول العمل عند الله تعالى: الإخلاص، والمتابعة» فإذا فقد العمل هذين الشرطين» فإن العمل غير مقبول عند الله» فإذا كان غير مقبول فكيف يكون له فيه أجر، أو له على العمل أجر!؟

فإذاً كلامه المنقول آنفاً في الجريدة ينبغي أن يفهم على ما أراده شيخ الإسلام لا أن نفهمه نحن» وكلامه المذكور موجود في اقتضاء الصراط المستقيم ج1 ص622ـ621 ت: د. ناصر العقل: (فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس، ما يستقبح من المؤمن المسدد).

فهذا الكلام ينبغي أن يفهم لا على أن المحتفلين بالمولد لهم أجر لحسن قصدهم» كما يفعل بعض الكتاب من تغير مراد شيخ الإسلام في إيراده في غير موضعه» فإن كلامه السابق يدل على أن المحتفل قد يكون له أجر لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ـصلى الله عليه وسلمـ لا على ذات الاحتفال» فهذا أمر بين واضح» لأن حسن القصد وتعظيم النبي ـصلى الله عليه وسلمـ التعظيم المشروع هو في ذاته عبادة يؤجر عليها الإنسان.

أما الاحتفال فلا يمكن أن يكون له فيه أجر لأنه غير مشروع» وليس في البدع أجر، ولا في الأمر الذي لم يشرعه الله ورسوله يكون للإنسان فيه أجر» ثم بين أن هذا لا يكون من المؤمن المسدَّد، إذاً هو قد يوجد من المؤمن غير المسدَّد بالشرع غير المؤيد بالبراهين والأدلة.

ويؤكد أن المحتفل ليس له أجر على احتفاله نفس كلام شيخ الإسلام السابق الذي نقلته في مجموع فتاواه، وما ذكره في اقتضاء الصراط المستقيم ج1 ص619 حيث قال: (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع، من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، مع اختلاف الناس في مولده» فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيراً، ولو كان هذا خيراً محضاً، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا» فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعيظماً له منا، وهم على الخير أحرص). فهذا الكلام صريح بأنه قال: إن الأجر إنما هو على المحبة والتعظيم لا على ذات الاحتفال المخترع المبتدع، والله نسأل أن يوفقنا لاتباع سنة النبيـصلى الله عليه وسلمـ ومحبته حقيقة باتباع ما شرع، وترك المخترع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وجميع من اتبع، والحمد لله رب العالمين.