[grade="8B0000 8B0000 8B0000"]ـ الغيرة و الحسد ـ
تحمل النفس البشرية بأعماقها مبادئ وقيم الخير ونقيضها وتغليب أحدهما على الآخر يحتاج إلى تهذيب النفس واكتساب المعرفة فكلما زادت معارف الإنسان كلما ارتقت نفسه ونفضت عن كاهلها الشرور.
إن سمة الغيرة بحدودها الطبيعية يمكن ان تندرج ضمن قيم الخير فهي غريزة فطرية موجودة داخل أعماق النفس البشرية فهناك من تكون لديه الغيرة المعقولة وتكون دافعا نحو التحفز والسعي للأفضل والحرص على ما نحب وباباً من أبواب المنافسة الايجابية، وآخر تتعدى الغيرة لديه اللامعقول وتنقلب إلى نار حارقة تحرق كل ما هو جيد بالحياة وتغدو حينها حالة من حالات المرض تسلك مسالك الشر تحقيقاً لرغبات آثمة تتسبب في الحاق الضرر بالآخرين، ولقد استعرض لنا القرآن الكريم صورا للغيرة منذ بدء الخليقة وأوضح مثالاً لذلك في قصة قابيل وهابيل ابني آدم حيث دفعت مشاعر الغيرة بقابيل إلى قتل أخيه هابيل.
والغيرة أنواع منها غيرة الزوجة على زوجها وغيرة الشخص من نجاح آخر وغيرة امرأة من زينة وغنى أخرى، أما الحسد ـ كفانا الله وإياكم من شره ـ فمكمنه ومستقره النفس المتدنية الجاهلة بقدرات الآخرين والساعية دوماً للتقليل والانتقاص منهم لأجل إعلاء شأنها لفقدانها المقدرة على التنافس الحر الصادق لمجاراة الآخر فتعمد إلى الحط من قدر الآخرين الأكثر نجاحا وحين تفتقد الذات القدرة على منافسة الآخر تتنامى حالة الحسد لتصبح حالة مرضية تعكس أوجه الشر والحقد والبغض والكراهية وتمني زوال النعم واستغابة للآخرين للحط من قدرهم ترضية وإعلاء لشأنها الحاسدة.
والحاسد مهما بلغ شأنه الاجتماعي والعلمي ينظر إليه على أنه إنسان غير طبيعي يتلحف بالحقد وكراهية الآخرلا لسبب سوى أنه يعاني من حالة غير طبيعية تحكم تصرفاته وسلوكه الشائن تجاه الآخرين وهذا المرض الذي أصاب قلبه أشد خطراً وفتكا من أمراض الأبدان.
والحسد مذموم ومقبوح لما يتولد عنه من بغي وعداوة وبغضاء وفساد لذات البين والحسد المقرون بالبغي لا يصدر من فطرة سوية ولا نفس أبية ولقد ورد في ذم الحسد والنهي عنه والتحذير من مغبة التمادي فيه الكثير من آيات الذكر الكريم فقال تعالى: «أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله» وقوله: «حسداً من عند أنفسهم» وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وقال أيضا عليه أفضل الصلاة والسلام: «لا تباغضوا ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تعادوا نعم الله عز وجل، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وقال بعض السلف ان اول خطيئة هي الحسد، حيث حسد ابليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى ان يسجد له فحمله على الحسد والمعصية.
وأسباب الحسد كثيرة وأخطرها العداوة والبغضاء والجدل والمراء والكبر والتعزز والأنفة فصاحب الأنفة لا يحب ان يعلو عليه أحد فإن أدركه وإلا حسده، وكذلك حب الجاه وخبث النفس وفساد الطوية كلها تتولد منها آفة الحسد البغيض، ومما لا شك فيه ان للحسد تأثيرا ماديا وحسيا على الانسان وكان اهداء العلي القدير لنا تجنبا وتحصنا من الحسد سورة الفلق بقوله تعالى: «ومن شر حاسد إذا حسد» وأوضح رسولنا الأكرم تبيانا لذلك أهمية المعوذات في رد عين الحاسد.
والتخلص والمعافاة من آفة الحسد تحتاج إلى مجاهدة ومصابرة وجد ومثابرة فكل إنسان أعلم بنفسه وأدرى بها من غيره وأبصر بأدواتها وأمراضها وعللها فعليه ان يسعى إلى خلاص هذه النفس وتزكيتها ومن الأسباب والوسائل التي تعين الحاسد على التخلص من الحسد الاهتمام بعيوب نفسه ومحاولة التخلص منها والرضا والقناعة بما قسمه الله له وعدم التطلع إلى ما عند الآخرين ان يسأل الله من فضله وخيره العميم وان ينظر إلى من هو أدنى منه لا إلى من هو أعلى منه، والعلم بأن الحسد ضرر على الحاسد في الدنيا والآخرة.
وسيبقى صراع الخير والشر قائما إلى ما يشاء الله فما أسعد من يهذب نفسه وينفض عنها غبار الحسد ويعي ان النعم جميعها هبة من الله عز وجل وأنه هو الذي قسمها على عباده قال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات)، لذا علينا جميعا ألا نشغل أنفسنا بالغيرة والحسد ونتجه إلى ما ينفعنا من الاعمال الصالحة فالحياة مهما طالت فمصيرها المحتوم الزوال، وحينها لن تنفعنا سوى أعمالنا الطيبة ومخزوننا من الحسنات فلنسع إلى ذلك.
رب اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً
م....ن .....ق.....و.....ل
[/grade]