أثبتت التجارب والخبرات أنّ الإعداد النفسي عملية تربوية لها أثرٌ مهمٌّ في نجاح او فشل الحكَم أو اللاعب أو الفريق ،وأهميته لا تقلّ عن أهمية الإعداد البدني، أو المهاري أو الخططي، وعلى حكَم الكرة الطائرة أن يكون لديه الإرادة القوية وبذل الجهد وشدّة الانتباه والمقدرة على التركيز لكي يتمكن من تحقيق الهدف المطلوب .
ويعّد تركيز الانتباه من الوسائل المهمة لرفع مستوى قدرة الحكّام على ملاحظة الأشياء بدقة واضحة ومتقنة، وجعل درجة التركيز حادة ودقيقة، إذ إنّ الانتباه المركّز جزء لا يمكن الاستغناء عنه في تحكيم المباريات .
والكرة الطائرة من الألعاب الديناميكية التي يحتاج فيها الحكَم الى القدرة على التمييز والتعامل مع المفاجآت التي تحدث أثناء اللعب من كلا الفريقين، لا سّيما أنّ الحكَم يتعامل مع اللاعب والكرة والشبكة في آن واحد، فضلاً عن المؤثرات الخارجية الأخرى، مثل مراقبة الخطوط والمقدرة على تركيز الانتباه، وتوزيعه في حالات اللعب المتغيّر، والانتقال السريع وفقاً لمتغيرات حالة سير المباراة، والإدراك الحقيقي والدقيق للمواقف التي تحدث، ويحتاج إلى حّدة انتباه عالية لإدراك ومتابعة حالات ومواقف اللعب المتغيرة باستمرار. والحكم يتطلب منه استمرار إدراكه لهذه المواقف طيلة مدّة المباراة؛ لذا يتطلّب تفوقه في مظهر ثبات الانتباه، ويحتاج الحكم أيضاً إلى أن يراقب لاعبي الفريقين وبمستوى عالٍ ووضوح تام، وبذلك يحتاج إلى حجم انتباه عالٍ .
2 – 1 – 4 مفهوم الانتباه
يعدّ الانتباه الميزان بين سائر العمليات العقلية، إذ من دونه لا يستطيع الإنسان أن يتعلّم أو يميّز في شيءٍ ما . فعندما ينتبه الإنسان إلى ما حوله فإنّ أفكاره تتفاعل مع المحيط الذي حوله، فالانتباه هو العملية العقلية الأساسية التي تقوم عليها العمليات العقلية الأخرى .
(( فهو العملية الأولى لنجاح عملية التعليم أو التدريب أو المنافسة ))(1)، فتشتت الانتباه وعدم التركيز يؤثّر سلباً على نجاح الأداء .
(( والانتباه عملية تركيز العقل على موضوع من بين موضوعات مختلفة أو على فكرة معينة من بين العديد من الأفكار ))(2)
يرى الباحث أنّ هذه التعاريف تنطبق على الانتباه في علم النفس العام، إلاّ أنّها لا تنطبق عليه تماماً كأحد مواضيع علم النفس الرياضي؛ لأنّها لم تتطرق إلى الاستجابات الحركية وعملية الأداء التي تصاحب الأشياء، وعليه فإنّ الباحث يتفق مع التعاريف الآتية:
فقد عُرَّف بأنّه (( صفة نفسية مهمة تقوم عليها أغلب العمليات العقلية والجسمية المهمّة ))(3)
وعُرًّف (( بأنهّ قدرة الفرد على أداء النشاط الحركي ومعرفة ما يحدث ))(4)
فعندما ننتبه إلى كثير من الأشياء،شيء وراء شيء آخر، ولكننا ننتبه في لحظة واحدة إلى شيء واحد من هذه الكثرة التي تقع على حواسنا ، ونستطيع أحياناً أن ننتبه إلى شيئين آو أكثر في الوقت نفسه إلاّ أنّ قدراتنا تحدّد وتركّز على شئ واحد فقط .
وعُرَّف الانتباه (( بأنهّ تكيّف حركي عقلي معاً لشئ من الأشياء، فهو تكيّف؛ لأنّ الانتباه تصاحبه ردود أفعال تعمل على كفّ جميع الحركات التي لا تلائم الموقف، وهو تكيّف عقلي في اختيار وكفّ في آن واحد ))(1)
إنّ بعض الفعاليات والألعاب الرياضية تتطلب التداخل في عملية الانتباه على أساس مصدر المنبه، أو من حيث مجال الانتباه، فمن حيث مصدر الانتباه يوجد نوعان : الانتباه الخارجي، وهو تركيز الذهن على المواضيع والمؤثرات الخارجية، والانتباه الداخلي، وهو تركيز الذهن على الأحاسيس الداخلية وحول الشعور والتفكير .
(( أماّ الانتباه من حيث مجاله، فهو أيضاً نوعان وهما: الانتباه الضّيق يعني: أن يكون الحكَم يقظاً وواعياً بمنطقة صغيرة نسبياً، أو بشئ واحد فقط عن طريق عزل جميع المؤثرات سواء كانت داخلية أم خارجية، والانتباه الواسع يعني: أن يكون الحكم يقضاً وواعياً بتحركّات المنافسين وفي الوقت نفسه متابعاً لحركات زملائه الحكّام المساعدين ))(2) . ولهذا نرى أن الانتباه خلال الأداء الحركي وقبله يتوزّع بين الانتباه الداخلي والخارجي وبين الانتباه الضيق والواسع (شكل 1) .
والانتباه له أثر فاعل ومؤثر في عملية تفاعل أفكار الحكَم، حيث التهيؤ والاستعداد جسمياً وعقلياً قبل أداء المهام الموكلة إليه؛ لأنّ الانتباه هو العامل الذي يؤدّي إلى نجاح الخطة المرسومة للحكَم في أثناء المباريات أو المنافسات . وتعدّ مظاهر الانتباه ميزاناً بين الألعاب (( فعلى اللاعب أن تتوازن أفكاره مع مظاهر الانتباه والإجادة التامة لها، وعملية الانتقال من مظهر إلى آخر بالدقة والوضوح المطلوبين نفسهما ))(1) . إنّ المواقف التي يتعرّض لها الحكَم أثناء قيامه بتحكيم المباريات تتعدّد وتختلف باختلاف الحالات التي تحدث أثناء اللعب، وإنّ الانتباه ينمو ويتطوّر خلال التخصص بالممارسة ، وقد يشترك أكثر من مظهر من مظاهر الانتباه في فعالية معينة .
وقد قام العالم الأميركي (Nideffer and Rogor) (2) برسم مخطط لاتجاهات وأنواع الانتباه من حيث طبيعة الموضوع والسعة وكما موضح في الشكل (1) .
خارجي
(أداء) (تقويم)
(خارجي ضيق) (خارجي واسع)
وتتمثل هذه الحالة بضرب كرة التنس وتتمثل هذه الحالة في اللاعب القشاش
أو الكرة الطائرة . بكرة القدم أو الدفاع ضد الهجوم . الخاطئ السريع
ضيق الانتباه واسع
(داخلي ضيق) (داخلي واسع)
وتتمثل هذه الحالة في الرمية الحرة وتتمثل هذه الحالة في تقديرات المدرب
بكرة السلة أو الرماية وعادة ما يساعد لحالة اللاعبين وتحليل الأحداث وكذلك
الانتباه الداخلي الضيق في بناء الثقة الفروقات الفردية بين اللاعبين وذلك
بالنفس . لتلافي الأخطار .
(تهيؤ) خارجي (تحليل)
شكل (1)
مخطط الاتجاهات وأنواع الانتباه في المجال الرياضي
من هنا يرى الباحث أن الانتباه يعدّ أهم معّوقات الإعداد النفسي للحكَم، وإنّ قياس بعض مظاهره لدى الحكَام يُعطي مؤشراً حقيقياً للتغيرات التي قد تطرأ على الحالة النفسية للحكَم في لحظة أو مدّة معينة .
إذ يرى "أحمد خاطر وعلي البيك" (( إنّ مظاهر الانتباه تحدث بدرجات مختلفة من القوة بحيث نجد أنّ مع القيام بأداء مهارات حركية أو فعاليات رياضية خلال ممارسة النشاط الرياضي، فإنّ حدة الانتباه تتغير ما بين لحظة وأخرى، وأنّه مع حلول التعب يقلّ الانتباه . وقد ينعدم في حالة الإجهاد العصبي الذي يؤدّي الى قصوره في دقة العمليات الحادثة على القشرة الداخلية للمخ ))(1) .
ويرى رودبك (Rudik) (( أنّ الانتباه الرياضي في المجال الرياضي يشمل على عدة مظاهر تتمثل في : الحدة – والثبات – والتركيز– والتوزيع – والتحويل – والحجم، وإنّ الوصول إلى المستويات الرياضية العليا يتوقف إلى حدّ كبير على نمو وارتقاء هذه المظاهر وإنّ كل نشاط يحتاج لهذه المظاهر بدرجات متفاوتة تبعاً لطبيعته ومكوناته ))(2)