أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مَهْلًا أيها الشَّريف
(حول آراء الشيخ حاتم العوني وفقه الله)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه؛ أمَّا بَعد:
في هذه الأكتوبةِ أجدني في عافيةٍ وغُنيةٍ عن الإسهاب بأنَّ الشيخَ – سدَّده الله – من المنتسبين للعلم والحديثِ، وإنما يُعبِّرُ عن رأيه واجتهاداتهِ، وليسَ لأحدٍ وصايةٌ على أحدٍ؛ فهذا معلومٌ مستقرٌّ عند مَن يعلم (آداب الخلافِ) تطبيقًا لا تنظيرًا.. فالشيخُ معروفٌ بِمُكنتِه العلميَّة في تخصُّصِه الحديثيِّ حتى عند مَن خطَّأه من زملائهِ المتخصِّصين في آرائِه الخاصَّةِ بــ (العنعنة) الإسنادية، ونحوها.. وإلَّا فهو من أهل الفنِّ قطعًا.
وأحببتُ أن يكونَ العنوانُ: (مهلًا أيها الشريف)؛ لأمرين:
1- أنه نداءٌ لطيفٌ للتمهل لا للتوقف، فليسَ من العقل أن تقولَ لعالمٍ أو كاتبٍ صاحبِ صنعة: قفْ! لكن أظهرْ له رأيك.
2- أنَّها مقالةٌ قالها صحابيٌّ جليلٌ تلقَّى تربيته من النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه لحبر الأمة ابنِ عبَّاسٍ، كما في صحيح مُسلمٍ عن عليٍّ؛ أنه سمع ابنَ عباس (يُلَيِّنُ) في مُتعةِ النساءِ، فقال: (مَهلاً يا ابنَ عباس؛ فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يومَ خيبر وعن لحومِ الحُمُرِ الإنسية). وخيرُ الأدبِ أدبُ الصحابةِ إذ إنَّ ردودَهم العلميَّةَ تتضمنُ إنكارَ القول على المردود، مع محبته وتقديره.
ولا يهمني هنا – في هذه المقالة – أن أتقرَّبَ إلى نَقَدَةِ العونيِّ، فأكون عندهم ذا حظوةٍ، أو أخسرَ بعضَ الذين أحببتُهم وأحبوني من طُلَّابِ العونيِّ ومُحبِّيهِ في نقدي له – وقد حصل بعضُ ذلك من بعضِ المتعصبين له -، فالأمرُ دينٍ، والله ناظرٌ للسرائرِ، ولو تحذلقَ المتحذلقون، والله شاهدٌ عليَّ أني أُكِنُّ له كُلَّ حُبٍّ وتقديرٍ، وقد اقتنيتُ جُلَّ كتبه ورسائله – ولا زلت – واستفدتُ منها، ولا أقولُ هذا تُزلُّفًا للقراءِ لأرسِّخَ في أذهانهم أنني في طلائعِ المنصفين، بل خوفًا من أن أكونَ من المطفِّفين!
[1]
كانَ الشريفُ – سدده الله – من المنظرين لمسألةِ التخصُّص العلميِّ، وأنه الطريق للإبداع المعرفي، وأن الزمنَ لا يستوعِبُ المتفننين المتجرئين على كُلِّ فنٍّ، حتى إنه سُئلَ قبل سنواتٍ في إحدى دوراته الحديثيَّة عن مسألةٍ في الصلاة، فأحالَ السائل للفقهاء وقال: أنا محدث ولستُ فقيهًا.. وهذه الإحالة تحتمل أمرين: أن يكون لا يعرف الجواب فأرشده لمن يعرف من الفقهاء، وهذا مقتضى العلم والورع وهو مما يحمد عليه. والثاني: أن يكونَ عالماً بالجوابِ لكنه قصدَ تربيةَ السائلِ وردِّه لأهل العلم المتخصصين، فهذا له وجهٌ، لكنه يُستبعد – والله أعلم – لكونِ السائلِ قد سأل محتاجًا، والفتوى تلزم من علم وسُئل، وإلا كان من كتمان العلم.
فالشيخُ على كثره نتاجه العلمي قبل سنوات لم أقف له على بحثٍ واحدٍ لمسألةٍ فقهيَّة أو أصوليَّة، كما هو حاله في تخصصه.
وعلى تصدره للتدريس لم يشرحْ – فيما أعلم، وأعني ما أُعلن له رسميًّا أو سُجِّلَ له- كتابًا فقهيًّا أو متنًا أصوليًّا، فجُلُّ دروسه في علم الحديثِ مصطلحًا، وعللاً، وتخريجًا، ومناهجَ وطرائق للمحدثين.. ونحو ذلك.
إضافةً لوظيفته الأكاديميَّة التي تقطع العمرَ قطعًا، فهي في علم الحديث طالبًا إلى مرحلة الدكتوراة، مع الإشراف والتدريس.
فلم نرَ اجتهاداتِه الفقهيَّة والأصوليَّة إلا بعد ظهوره إعلاميًّا، ودخوله (مجلسَ الشورى)، وهذا ليس عيبًا إن كان كذلك من قبل.. أمَّا أن ينقلبَ محدِّثًا فقيهًا أصوليًّا مُفسِّرًا (وله كتاب: ملكة التفسير) في سُنيَّاتٍ، فهذا فيه ما فيه!
ولذلك تجد كتاباتِه في غيرِ الحديثِ؛ كما يتعلق بعلم العقيدة أو الفقه أو الأصول (مثل: اختلاف المفتين) ينتقدها متخصصون فيها، ويصمونها بالضعف الظاهر!
وليس أحدٌ يُمنع من الخوضِ في مسائلِ العلم إن كان عالماً بها، لكن لا يتضجَّرُ من النقدِ والتخطئة!
[2]
مقالةُ (سنصدعُ بالحقِّ) حينما تقرأها تظنُّ أنه سيذكرُ بعدها مسائلَ عظيمةً حرَّرَها، وأسهر ليلَه، وأظمأ هواجرَه لأجلها، ولك أن تتأمل الموضوعَ (سنصدعُ بالحقِّ) دونَ مضمونه العجيب، وهو يؤصِّلُ دائمًا لأدبِ الخلاف، فباللهِ عليكَ أيها الشريف: مَنْ يقطعُ بالحقِّ في مسائلَ خلافيَّة كيفَ سيرى مخالفيه؟ وكيف سيكون نَفَسُه في البحثِ؟ وقد كان مالكٌ النجمُ إمامُ دار الهجرةِ يقولُ في بعضِ ما اتُفِقَ عليه: إن نظنُّ إلا ظنًّا!
وتجدُ ابنَ تيميَّة كثيرًا ما يقولا: والظاهر والأظهر والراجحُ والأصح ونحو ذلك من عبارات الفقهِ التي تجعلُ للآخر مجالاً.
فإذا بالشريفِ يذكر مسائلَ الخلافِ ويهوِّنها في قلوبِ الناس بحاجةٍ أو بلا حاجةٍ ثمَّ يبثها!
ثمَّة فقهُ تأصيلٍ للمسائل، وثمَّة فقهٌ للبثِّ والتوجيه.
= تجدُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم ينهى عن أخذ الرجل من شعرهِ شيئًا إذا أراد أن يضحي ودخلت العشر – كما عند مسلم - .. والفقهاء تأصيلاً يبحثون عن مراد النهي هل هو نهي تحريم أو نهي كراهة.. ثم يأتي الشريفِ ليكتب عند دخول العشر خاطرةً صدعَ فيها بالحق فقال: النهي للكراهة لا للتحريم كما يقوله المتعصبون!
قال لي أحد الناس: حينما قرأتها شعرتُ أنه يقول لي: اذهب للحلَّاقِ فلا بأسَ، فذهبتُ!
لا يشك متفقه في احتماليَّة هذا القول.. لكن أين توجيه الناس للسنة وتعظيمها لا سيما فيما لا يتضررون منه؟
ماذا لو قال: يُسن للرجل تركُ شعره..؟
لكن كما قال أحدهم: (كان الصحابة يفعلون السنة لأنها سنة، ونحن نتركها لأنها سنة!)
= تجده في أيام عيد الكريسمس يؤصل لجواز تهنئة الكفار بأعيادهم.. بل قد تستحبّ، ويتعسَّف في التأويل، فمن قال للكافر في ذلك العيد: (كل عام وأنتم بخير) أنه دعاءٌ له بالهداية!
أتفهَّمُ أن يكون للقول مجالٌ للنظر، لكنني لا أدرك تأصيلها وتهوينها في وقتٍ يتكالب فيه شبابٌ من المسلمين على التهنئة دون الحاجة إلى هذا التأصيل أصلًا.. وإذا رأوه اتخذوه حجَّة لا يخسرون بها شيئًا، بل يجعلونها قنطرةَ هوىً للردِّ على من حذَّرهم ونصحهم!
= تجده في مناسك الحجِّ يأتي بأقوال لم يقل بها كبار الميسرين.. ثم إذا سألته عن نظائرها على نحو ما أصَّلَ ذهب بك يمينًا وشمالاً دون جوابٍ على ما تسأل.. كما فعل معي هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=266168
ثم حذف كلَّ الردود، لكن حفظها أحد الإخوة قبل ذلك.. وكل من ناقشه في (الفيس بوك) مخالفًا له قام بحذفِ ردِّه؛ لأنه نقاشٌ للحقِّ لا لرأيه.
= ثم تجده اليوم يختار التوقيت المناسبَ لتأصيل مسألة (الاحتفال بالمولد النبوي) وأنه (حلال) ويكتب ذلك في الصحف، وهو قول على ضعفِ تأصليه منه إلا أن أهل السنة في غنًى عنه لإنهم قلَّ أن يحتفلوا بذلك، والصوفيَّة وغيرهم في غنًى عنه؛ لأنه محتفلون محتفلون، وإذا رأوا قولَ العونيِّ قالوا: (والحقُّ ما شهدت به الأعداء)!
[3]
فهل هذهِ الكتابات والخواطر هي الحقّ الذي طال انتظارنا له؟
وهل البحث في فهارس المسائل الفقهيَّة التي شاع فيها الجرأة عليها ولو منع المانعون، لبحثها وذكر القائلين بجوازها ولو من بطون المصنفات ضَعُفَ الدليلُ أم قوي = هو الحقُّ الذي وعدتَ به؟!
ولستُ أشكُّ أنه لا يعجزُ أحدٌ أن يجدَ لما يشاءُ من الأقوال قائلًا بها.
هل هذا الحق الذي تصدعُ بهِ هو إخراجٌ للناس والعوام من الظلماتِ إلى النور؟
مهلًا أيها الشريف؛ فلم نرَ بعد وعدكَ إلاَّ (هيشات) فقهيَّة يُرتجل فيها الاستدلال، ويُتخرَّص فيها الفهم، والتوفيق بيد الله، وهو مشاعٌ لمن سأله.
وفقنا الله وإياك لمعرفةِ خيرِ الخيرين والعمل به.
مهند بن حسين المعتبي
4 / 3 / 1433 هـ
جازان