أخواني و أخواتي أهلاً وسهلاً فيكم
دائما ما نرى بعض اللوحات ونعجب بما تحويه من دلالات ومعانٍ و ألوان رائعة
دمجت بحسٍ فني فعكست مشاعر ذلك الفنان الذي أخرج لنا تلك اللوحة الفريدة
لكن الكثير منا لا يعرف من صاحبها ومن أين هو وما مدلول تلك اللوحة ؟؟
حبيت في هذا الموضوع أن أضع بين أيديكم بعضاً من هذه اللوحات العالمية عليِّ أصلُ
إلى مبتغاكم و أشبع بعضاً ذائقتكم و أحساسيكم الفنية ، أتمنى أن يحوز
على استحسان ورضا الجميع
لكم مني أطيب و أرق تحية
************************************************** **********************************
1) الطـفـل البـاكـي
للفنان الإيطالي جيوفـاني براغوليـن
لوحة مألوفة ولا شك عند الكثيرين.
اللوحة للفنان الإيطالي جيوفاني براغولين الذي لا نعرف الكثير عنه سوى انه عاش في فلورنسا ورسم سلسلة من اللوحات الفنية الجميلة لأطفال دامعي العيون تتراوح أعمارهم ما بين سن الثانية والثامنة.. تحت عنوان "الطفل الباكي".
هذه اللوحة بالذات هي اشهر لوحات المجموعة وتصور طفلا ذا عينين واسعتين والدموع تنساب من على وجنتيه.
من الواضح أن هيئة الطفل تشعر الناظر بالحزن والشفقة وتلعب على وتر المشاعر الإنسانية بعمق.
لكن لهذه اللوحة قصة أخرى غريبة بعض الشيء.
ففي العام 1985 نشرت جريدة الصن البريطانية سلسلة من التحقيقات عن حوادث اندلاع نار غامضة كان البطل فيها هذه اللوحة بالذات!
كانت اللوحة ذات شعبية كبيرة في بريطانيا حيث كانت تعلق في البيوت والمكاتب باعتبار مضمونها الإنساني العميق.
لكن الصحف ربطت بين اللوحة وبين بعض حوادث الحريق التي شهدتها بعض المنازل والتهمت فيها النيران كل شئ عدا تلك اللوحة.
وتواترت العديد من القصص التي تتحدث عن القوى الخارقة التي تتمتع بها اللوحة وعن الشؤم الذي تمثله، وكلما وقع حريق في مكان تشكل تلك اللوحة عنصرا فيه.. كلما أتت النيران على كل شئ واحالت المكان إلى رماد.
وحده الطفل الباكي كان ينجو من الحريق في كل مرة ودون أن يمسه أذى.
ولم تلبث الجريدة أن نظمت حملة عامة أحرقت فيها آلاف النسخ من هذه اللوحة، واستغل الناس الفرصة ليخلصوا بيوتهم من ذلك الضيف الصغير والخطير!
لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد أصابت لعنة الطفل الباكي جريدة الصن نفسها، ليس بسبب حريق وانما بفعل الإضراب الواسع النطاق الذي قام به عمالها ومحرروها وانتهى بطريقة عنيفة، مما دفع أصحاب الجريدة إلى التفكير جديا في إغلاقها في نهاية الثمانينات.
ومن يومها اصبح كل من يعتبر الطفل الياكي نذير شؤم وعلامة نحس عازفا عن شراء أي منظر لطفل حزين ذي عينين واسعتين!
لكن ذلك كله لم يؤثر في الكثيرين ممن اعتادوا على رؤية اللوحة والإعجاب بفكرتها ومحتواها الإنساني، وافضل دليل على ذلك أن اسم اللوحة The Crying Boy تحول إلى عنوان لموقع إليكتروني جميل يضم نسخا مكبرة من كافة أعمال براغولين التي رسمها تحت نفس العنوان.
************************
2) ميـرانـدا والعـاصفــة
للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس
ميراندا كانت الابنة الوحيدة لبروسبيرو في مسرحية العاصفة لشكسبير.
وحسب المسرحية، فان ميراندا ووالدها ُتركا على ارض جزيرة نائية ومعزولة من قبل بعض أعداء بروسبيرو، إلى أن قدم إلى الجزيرة بعض الرحالة بقيادة أمير شاب لا تلبث ميراندا أن تعجب به وتقع في حبه، ثم يرحل الجميع بعد ذلك عائدين إلى الأرض التي قدموا منها.
العاصفة هي آخر مسرحية كتبها شكسبير (1611)، وقد ألهمت أحداث المسرحية عددا من الفنانين الفيكتوريين، فصوّروا مشاهد منها في أعمالهم الفنية.
لكن اشهر هذه الأعمال هي هذه اللوحة لووترهاوس، والتي يظهر فيها جليا التأثير القوي للأسلوب ما قبل الرافائيلي، يشير إلى ذلك وضعية وقوف المرأة وطريقة لباسها وتنسيق شعرها.
أما خلفية اللوحة فتظهر أسلوبا قريبا جدا من الأسلوب النقطي الذي كان يوظفه الانطباعيون، خاصة في عملية تمثيل الأمواج.
في اللوحة تقف ميراندا وهي تنظر إلى السفينة الغارقة، مدركة أن سحر والدها هو الذي تسبب في إثارة العاصفة وتحطّم السفينة، تمهيدا لمجيء ركابها إلى الجزيرة ومن ثم إنقاذها هي وأبيها.
المشهد يكشف عن لمسة رومانسية واضحة، وهي سمة غالبة على معظم أعمال الفنان ووترهاوس، خاصة تلك التي أنجزها في أخريات حياته.
*******************************************
3) مسافر فوق بحر من ضباب
للفنان الألماني كاسبـار ديفيد فريـدريش
معظم المشهد محجوب عن أنظارنا. والمسافر هنا مكشوف جزئيا فقط. إذ أننا لا نراه إلا من الخلف، وليس هناك ما يدل على حقيقة تعابيره سوى طريقته في الوقوف التي ربما تكون المؤشر الوحيد على مزاجه.
يقول نقاد الفن إن الشخص الواقف أمامنا هو الفنان نفسه، لكن كل ما نراه هو رجل غارق في لقاء تأملي مع الطبيعة. والطبيعة هي الأخرى لا تكشف سوى عن جزء يسير منها هنا، ورحلة المسافر إلى هذا المكان توفر له أفقا أوسع وأوضح مما هو متوفر اسفل، ومع ذلك ليس هناك وضوح تام.
إذ يتعذر رؤية ما وراء الضباب وان كان بالإمكان محاولة التنبؤ بما يخفيه.
ولد الفنان كاسبار فريدريش في دريسدن في العام 1798 ، وطوال حياته كان شخصا تقيا متأملا مع شئ من التشاؤم والسوداوية.
توفيت أمه وهو في السابعة من عمره وبعد ست سنوات توفي شقيقه بينما كان يحاول إنقاذ كاسبار من الغرق.
هذا الحادث ترك آثرا عميقا على شخصية هذا الفنان الكبير، فظل طوال حياته واقعا تحت هاجس الموت والطبيعة والخالق.
وفي بقعة منعزلة من الطبيعة الجميلة وجد كاسبار بعض العزاء والإلهام.
كان يسافر إلى ساحل البلطيق ويزور منطقة الجبال هناك، ويبدو أن تلك المناظر الجليلة وفرت له موضوعات غنية للرسم.
وخلال أسفاره كان فريديريش يرسم لوحات ذات موتيفات محددة مثل أقواس قزح واشجار السنديان الضخمة الخ.
وحيث انه وهب القدرة على ملاحظة الطبيعة وتأملها فقد كان ميالا للتعبير عنها بعيني مؤمن تقي، وهذا التعبير انتج لوحات ذات قوة تعبيرية وروحية هائلة.
وأشهر لوحات فريدريش على الإطلاق هي هذه اللوحة التي تشعر الإنسان بالتوق القوي واستدعاء الذكريات والأحلام والتطلعات البعيدة.
في اللوحة يركز الفنان على عناصر التباين، والطبيعة هنا لا تكشف عن أي جمال ظاهري ملفت، بل تعمد الفنان التأكيد على رؤيته الخاصة لوظيفة الفن، وهي إبراز الطريقة التي تجعلنا من خلالها الطبيعة نتوق لشيء لا يمكن بلوغه، ألا وهو الجنة الكامنة في طفولتنا.
وفي جميع أعماله تقريبا يؤكد فريدريش على أن الموت لا ينتظرنا في المقبرة فقط، انه يترصدنا خلف السحب الداكنة أو أمام قارب اختفى نصفه في السديم أو وراء المدخل المؤدي إلى أعماق الغابة.
أسهمت لوحات كاسبار فريدريش وموسيقى بيتهوفن معا وبشكل كبير في التعبير العميق عن الرومانتيكية الألمانية.
******************************************
4) عائلة لاعبي السيرك المتجولين
للفنان الإسباني بابلـو بيكـاسو
يعتبر بابلو بيكاسو أحد اكثر الفنانين نشاطا وتأثيرا خلال القرن الماضي، وقد أحرز نجاحات كثيرة في ميادين الرسم والنحت والسيراميك، كما تمرس في العديد من الأساليب الفنية لكنه برز على نحو خاص في الرسوم التعبيرية وابتكر ما سمي في ما بعد بالتكعيبية.
درس بيكاسو الرسم في أكاديميتي برشلونة وسان فرناندو في مدريد، وفي العام 1899 كانت دائرة أصدقائه تضم الفنانين والكتاب الطليعيين الشباب الذين كانوا يسافرون ما بين مدريد وبرشلونة وباريس.
في 1904 انتقل بيكاسو إلى باريس واستقر في حي مونمارتر الذي تقطنه الطبقة العاملة فاختلط بهم وتشرب ثقافتهم تدريجيا. ورغم أن بيكاسو استفاد كثيرا من أجواء باريس فانه كان ما يزال يشعر بالتعاسة والوحدة والفقر.
في السنة التالية كانت أعمال بيكاسو تتسم بغلبة اللون الزهري عليها ، ومن هنا سميت تلك المرحلة بالمرحلة الزهرية، وجزء كبير من رسوماته التي أنجزها في تلك المرحلة كانت تعالج قضايا المشردين والمهمشين ولاعبي السيرك.
واللوحة المختارة هنا تنتمي لتلك المرحلة واسمها "عائلة لاعبي السيرك المتجولين" وهي تصور جماعة من لاعبي السيرك، لكن بيكاسو أراد أن تكون اللوحة تعبيرا مجازيا عن الفنان الحديث الذي لا جذور له حيث لا يعمل تحت رعاية ملك أو نبيل أو كنيسة، فالحداثة – طبقا لبيكاسو- حالة تشرد وعزلة.
أما الأشخاص الظاهرون في اللوحة فهم بيكاسو نفسه واصدقاؤه، حيث يرتدي هو ثياب المهرج – إلى اليسار- ثم هناك ابولينير الشاعر والناقد وأول من ابتكر مصطلح السوريالية، والشاعران اندريه سالمون وماكس جيكوب ويمثلهما الولدان الصغيران، أما الأنثى الجالسة إلى اليمين فهي فرناند خليلة بيكاسو، والطفلة الصغيرة التي تمسك بيد المهرج هي ابنة بيكاسو وفرناند بالتبني.
أما الحيز الفارغ إلى أعلى فيرمز للغياب النسبي للأفكار التي رافقت المرحلة الزرقاء: الشعور بالتوق والوحدة والنبذ والخواء..
والأشخاص هنا اكثر تحديدا ووضوحا من أشخاص المرحلة الزرقاء الذين كانوا يتسمون بالتشوهات المؤلمة.
ورغم أن الألوان أصبحت فاتحة اكثر مع ألوان زهرية اكثر دفئا، فان المزاج السائد ما يزال سوداويا إلى حد ما مع إحساس بالارتياح النسبي المشوب بالمرارة.
استمرت المرحلة الزهرية سنة واحدة فقط بعد المرحة الزرقاء لكن بيكاسو لم يعد يشعر بالغربة فقد اصبح له صديقة وعائلة من نوع ما، واصبح يقضي بعض الوقت في السيرك لاكتساب أصدقاء جدد.
الأرض التي يقف عليها الأشخاص في اللوحة منعزلة ونائية، ورغم أن بيكاسو يربط كل واحد منهم بالآخر وفق وضع محسوب بعناية، فان كل شخص منهم منعزل نفسيا عن الآخرين. وفي المرحلة الزهرية ابتعد بيكاسو عن الصور المثيرة جدا للشفقة، ففي هذه اللوحة يسود جو هو مزيج من الاستبطان والتأمل الحزين.
وختاما قد لا تكفي لوحة واحدة ولا موضوع واحد للتعبير عن عبقرية هذا الفنان الكبير والأثر الضخم الذي تركه على حركة الفن التشكيلي في العالم.
*********************************
5) الأرجــوحـــة
للفنان الفرنسي جان اونور فراغونار
تعتبر مشاهد المجون والتخلع والولع بالنساء تجسيدا لروح مدرسة الروكوكو في الفن الأوربي.
كان جان اونور فراغونار تلميذا لشاردان ومن ثم لبوشير، قبل أن يرحل إلى إيطاليا حيث تعلق هناك بفن الباروك.
وفي هذا الوقت تخصص في رسم عدد كبير من اللوحات التي تعالج مواضيع وشخصيات تاريخية.
وعند عودته إلى باريس، سرعان ما غير فراغونار أسلوبه الفني واتجه إلى رسم مواضيع ايروتيكية، والى هذه المواضيع بالتحديد تنتمي لوحته الأشهر "الأرجوحة".
ما أن أنهى فراغونار رسم لوحته هذه حتى أصبحت حديث نقاد الفن في أوربا، ليس فقط بسبب تكنيكها الفني وانما أيضا بسبب الفضيحة التي خلفها.
ففي اللوحة يظهر نبيل شاب وهو يحدق في تنورة السيدة المتأرجحة على الشجرة، بينما يبدو في الخلفية الكاهن العاشق الذي اضطرها بملاحقاته المتحرشة إلى اللوذ بذلك المكان العالي.
وبنفس هذه الروح أنجز فراغونار عددا من لوحاته الأخرى الشهيرة مثل "قبلات مسروقة" و "خدعة الرجل الأعمى".
وبعد زواجه في 1769 ، بدأ فراغونار رسم لوحات تصور مشاهد عائلية وطفولية وحتى دينية.
بالنسبة للكثير من النقاد تعتبر لوحة الأرجوحة تجسيدا لروح النظام الملكي عشية قيام الثورة الفرنسية.