أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تصحيح الأخطاء والأوهام
التي وقعت لمحدث الشام
ناصر الدين الألباني
تأليف : عماد بن حسن المصري

قال الامام الالباني العلامة ناصـر رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» 1/6 : «فرحم اللهُ عبداً دلَّني على خطئي، واهدى إليَّ عيوبي، فإنَّ من السَّهل عليَّ بإذنه تعالى وتوفيقه أن اتراجعَ عن خطأ تبيَّـن لي وجهُه، وكتبي التي تُطبَعُ لأول مرة وما يُـجَدَّدُ طبعُه منها أكبـرُ شاهد على ذلك ...».
ثم قال: «إني أنصحُ كلَّ مَن أراد أن يردَّ عليَّ أو على غيري ويُبيِّـنَ لي ما يكونُ قد زلَّ به قلمي، أو اشتطَّ عن الصواب فِكري، أن يكون رائده من الردِّ النُّصح والإرشاد والتواصي بالحق، وليس البغضاء والحسد، فإنـها الـمُستأصِلةُ للدِّين، كمـا قال عليه الصلاة والسلام: (دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم: البغضاءُ والـحَسَدُ، والبغضاء هي الحالقةُ، ليس حالقةَ الشَّعر، ولكن حالقة الدِّين)».



إهداء
أهدي هذا الكتاب إلى والدي العزيز الذي ربَّاني على
حُـبِّ العِلم صـغـيـراً، وناقَـشَـني فيه كـبـيـراً
إلى والدي الشيخ حسن بن عبد بن جـمعة الـمصـري.
ثم إلى والدتي الطيِّبة، مع فائض المحبَّـة ووافر التقدير،
داعياً لـهمـا بطُـول العُـمُـر في صحَّـة وعافـيـة.





اعتذار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبعد:
ــ في البدء:
أقدم اعتذاري إلى سماحة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وذلك في ردّي عليه، ولولا الأمانة العلمية ما فعلت، وما تعنّيت ولا تجشمت تعب البحث والتنقيب. ولولا حبي لسماحته وغيرتي عليه ما وضعت مداداً على ورقةٍ، وقبل ذلك كله إظهاراً لدين الله.
وأعتذر أيضاً عن ذكر اسمه مرات في البحث بقولي: (ناصر)، وقلت: مما قد يتوهم منه البعض أنّ (الورَّاق كاتب هذه السطور) أصبح نداً للبزل القناعيس فشتّان بين الثرى والثريا.
وأعتذر أيضا من العلامة المحدّث الكبير أستاذي وشيخي أبي أسامة شعيب بن محرم الأرنؤوط، فلقد تعرضت له بشيءٍ من (الاستدراك)، ولولا حبي له ــ وهو يعلم ذلك مني ــ ما تعرضت لذلك الشيء، مع أنه حفظه الله أبلغني مراراً وتكراراً أنه لن يسامح من وجد عنده خطأً فلم يُبلِغه إياه، وما حالي وحالهم إلا كما قال جرير:
وابنُ اللَّبونِ إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ لم يَستَطِع صَوْلَةَ البُزْلِ القَنَاعِيسِ
فهل اللَّبون ابن السنتين يجاري البازل كامل التجربة؟ لا والله.
وأعتذر ثالثاً من العلّامة المؤرخ الدكتور بشار معروف فلقد تعرضت له بشيءٍ من الاستدراك أيضاً، حيث كان مشتركاً مع أستاذنا أبي أسامة في «التحرير»، أو بمفرده في تعليقه على «تهذيب الكمال»، فهو مؤرّخ كبير. والناس لهم منازل.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «أنزِلوا الناس منازلهم»( ).
وأعتذر رابعاً من الأستاذ الشيخ حسين سليم أسد محقق كتاب أبي يعلى فقد رددتُ عليه في راوٍ أو اثنين، ولولا الكشف عن هذا الراوي ما رددت عليه.
وأعتذر خامساً من أصحاب «معجم الرواة» الأساتذة شكوكاني وابن عثمان فقد نبهت على بعض أخطائهم غير المقصودة، فليُسامحوني جزاهم الله كل الخير.
وأعتذر من الأئمة السابقين ممن خطَّأتهم في هذا المبحث رحمهم الله.
وإلى كل هؤلاء أقول:
إنَّ الدية عند الكرام الاعتذار ويصفح عن الخطأ الكبار
ومن مستصغر الشـرر توقد النار
وأعتذر أيضاً من الأستاذ الدكتور محمد شكور امرير، فلقد تعرضت له في موضعين اثنين، فليسامحني حفظه الله.
وكم تمنيت أن يقوم بهذا البحث رجلان: فضيلة الأستاذ الشيخ محمد إبراهيم شقرة أو فضيلة الأستاذ الدكتور عاصم القريوتي، لأنـهمـا من وجهة نظري أشد الناس حرصاً على دعوة الشيخ ومنهجه، مع فضيلة الأستاذ الدكتـور مـحمد أبو رحيّـم، لكن ــ وكما يـقال ــ سـبق السـيف العذل.
ولكن عذري أنني (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت)، والله أعلم.

ــ سبب الكتابة:
إن الذي شجّعني على كتابة هذا المبحث هو كلام الشيخ الألباني رحمه الله، فلقد قال في «الإرواء» 3/ 154: (وهذا الوهم الذي نقلته عن هؤلاء العلماء وكيف أنهم تتابعوا عليه، من أغرب ما وقفت عليه حتى اليوم من الأوهام، وسبحان الله الذي لا يسهو ولا ينام، وذلك من الحوافز القوية لي ولأمثالي على نبذ التقليد والأخذ بوسائل التحقيق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً).
قلت: من هنا لم أستطع البقاء مكتوف اليدين وأنا أرى كتب الشيخ على مدار خمسة وعشرين عاماً وهي تطبع ولم ينظر فيها طالب علم كبير، ليتمم ما قد نسيه الشيخ رحمه الله وعفا عنه من تعديل لراوٍ، أو إيجاد ترجمةٍ له، فشمرت عن ساعد الجدِّ، وبدأت بهذا المبحث وبقيت فيه حتى أتيت على جل كتب الشيخ رحمه الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
على أنني كم تمنيت أن يكون رحمه الله حياً لينظر فيما كتبت، لكن عذري فيما تمنيت أن الشيخ أنجب أبناءً من أهل العلم ليسوا من صلبه، ولكن أبوة العلم جمعتهم، فسيأخذون هذه الشعلة ويبقونها مشتعلةً إلى أن يقضوا عن آخرهم. رحم الله أبا عبد الرحمن الألباني.

ــ أدبيات الدراسة:
استقر عند المتأخرين من المشتغلين بالسنّة المشرّفة أن الشيخ المحدّث ناصر الدين الألباني أحد أهم أعمدة الحديث الشريف في هذا القرن، مع مجموعة ضمت أيضاً المحدّث الكبير أحمد محمد شاكر( )، والمحدّث الكبير شعيب بن محرم الأرنؤوط( ) شيخي وأستاذي، وأن العلامة أحمد شاكر كان له قدم السبق في توجيه الأنظار نحو دراسة وتحقيق الحديث من مخطوطاته.
ومعلوم أن المحدّث الألباني ممن يعتمد عليه في الحديث الشريف فهو (مجتهد حديثياً) حقق وكتب ما يربو عن خمسين كتاباً، وكان مثار أخذ ورد، وكان منالاً لسهام خصومه، وكان بينه وبين أقرانه بعض الخصومات، وما خلا عصر من العصور من مثل هذا الأمر، ولقد كتبت فصلاً كاملاً في كتابي «رفع النقيصة والذم عن مذهب ابن حزم» عما جرى بين الصحابة والتابعين وأتباعهم من الحسد والخصومة.
وكان رحمه الله مثار دراسات كثيرة، صدرت عن أشخاص، أو مؤسسات يديرها خصومه، أو كتّاب، أو دراسات لسيرته الذاتية، ولقد تقدم أحد الطلبة برسالة ماجستير عن المحدّث الألباني إلى إحدى الجامعات ولكنها رفضت، بينما تُقبَل الدراسات عن شكسبير( )، وتولستي، وغوستاف لويون( )، وكارل ماركوس، ولينين.
ولم تكن هذه الدراسات الحديثية التي كتبت عن الشيخ ناصر منهجية، ولم تناقش البتة الرواة الذين لم يعرفهم المحدّث الكبير ناصر الدين، أو جهّلَهم رحمه الله لسببٍ ما، مما أربك الدارسين للفقه السلفي، أو طلبة الماجستير والدكتوراه الذين اتخذوا كتب الشيخ مدرساً ومنهلاً، ومن قوله في الرجال حكماً، لذلك عمدت إلى مثل هذا المبحث لأجعل الفائدة ــ من وجهة نظري ــ تعم على الجميع من دارسين وقارئين ومحققين، راجياً أن أوفق في إكمال مشروعي هذا، وهو التعريف بكل الرواة الذين لم يعرفهم المحدّث ناصر الدين الألباني.
ــ مشكلة البحث:
وتتلخص مشكلة البحث في أن الشيخ رحمه الله بث رجالاً في كتبه واختلفت عباراته فيهم، فكان لابد من استقصاء كل كتب الشيخ من أجل سبر أغوار أقواله جميعها في كل كتبه، فكانت المشكلة: أن نبدأ بجمع كل الرواة ثم نستخلص الرواة الذين حكم عليهم الشيخ ناصر بالتجهيل، أو لم يعرفهم، وسرت على ذلك فترة من الزمان قاربت نصف البحث، حتى اتفق لي أن رأيت في الجامعة كتاباً جمع صاحباه أقوال الشيخ ناصر في كل رواته الذين خرّج لهم في كتبه. فسهل عليّ جهداً ووقتاً يعلم الله ما فيه من التعب والنصب.

ــ الفرضيات:
ومن خلال هذه الدراسة، يُفترض أن نخرج بمجموعةٍ كبيرة من الرواة الذين لم يعرفهم الشيخ ناصر أو جهّلَهم، وكشفتُ عن حالهم وتمت معرفتهم وتوثيقهم، وهؤلاء الرواة لهم أحاديث ضُعِّفت من أجلهم، ومشى على هذا الحكم كثير من طلبة العلم، فبكشفنا عن هؤلاء الرواة وحالهم، نكشف عن علم خَفِيٍّ، خَفِيَ على الشيخ ناصر وعلى طلبة العلم لنفيد ونستفيد، ونحن جميعاً مشتركون في الأجر إن شاء الله، وسنُغيِّر بعض الأقوال في بعض الأحكام الشرعية والعمل بها من خلال معرفة هؤلاء الرواة.



مقدمة
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾.
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيباً ﴾.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ﴾.
أما بعد:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله ^ : «إياكم والغلو في الدين، فإنّما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»( )، وهذا الحديث ورد في قصة لقط الحصى في رمي الجمار.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ^ : «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، ولكن قولوا عبد الله ورسوله»( )، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً»( )، وقال ^ : «اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد»( ).
وجاء أناسٌ إليه فقالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: «يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهوينَّـكم الشيطان، أنا محمدُ بن عبدالله ورسولُه، ما أُحبُّ أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله»( )، وفي رواية: «ليقل أحدكم بقوله ولا يستجرّه الشيطان»( ).
لقد سقت هذه المقدمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأبرهن على داءٍ بدأ صغيراً ثم استطار شرره فأصاب من المسلمين مقتلاً، ألا وهو داء التعصب الذي أفرز الغلو، والغلو أفرز التطرف، والتطرف أفرز خطأ التفكير، وخطأ التفكير أفرز خطأ التكفير.
لقد عاب الله على أهل الكتاب الغلو في دينهم فقال: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) وذلك لأنّ الله علم خبءَ نفوسهم الرديئة، وأنّ أول ذلك الغلو هو ذاك المديح والإطراء منهم في حق عيسى وأمّه عليهما السلام، ثم دارت عجلة المديح والإطراء إلى التعصب، ثم الغلو فيه وفي أمه عليهما السلام، فوصلوا إلى النتيجة المنطقية (خطأ التفكير)، وهو ما أداهم إلى نسبة الولد والصاحبة لله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ففي قوله: «لا تطروني» نهيٌ عن المقدمة الأولى المنطقية التي إن تعدَّاها المسلمون إلى المقدمة الثانية ــ الغلو في شخص رسول الله ^ ــ ثم إلى المقدمة الثالثة، ليصلوا بالنتيجة إلى عبادته صلى الله عليه وسلم وتقليده منزلةً لا تنبغي إلا لله، فمن هنا نُهينا عن الإطراء في كل ما من شأنه تحويلنا عن مسار بشريتنا إلى منزلةٍ فوقها، فنقع بما وقع فيه أهل الكتاب.
ولقد وقع في قوم نوح ما كان مقدمته الإطراء ثم المحبة ثم التعصب ثم العبادة كما في «صحيح البخاري» من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
حتى إن نبينا أمرنا ــ كما في «صحيح مسلمٍ» وأبي داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في «الأدب المفرد» ــ أن نحثوَ التراب في وجوه المدّاحين، وذلك لعلةٍ مؤداها ــ أن يتسوّر الإنسان منزلةً فوق منزلته، فيكون على خطر عظيم، قال: «ولكن إن شاء المديحة فليقل: أحسبه كذلك والله حسيبه».
من هنا ظهرت فرقةٌ غلت في الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله، فجعلته عرياً عن الخطأ، بل زادت على ذلك بقولها: لولا الله ثم الشيخ ناصر لذهب علم الحديث، وفرقةٌ أخرى ذهبت إلى عدم جواز التنقيح والتصحيح خلف العلامة ناصر لأنّه استوفى كل شيء، والعمل على تنقيح كتبه ضياع للوقت والجهد فليس في كتبه خطأ، بل الصواب حليفه في كل ما كتب. وأنا هنا لم أكتب شطحات، بل حقائق ووقائع حصلت وتحصل كل يوم، وفي ذلك قصة: في ربيع عام 1998م وفي نقاش مع أحد طلبة العلم حول «السلسلة الصحيحة» قلت يومها: علينا أن نقوم بترميم «السلسلة الصحيحة» وتخريج الأشياء التي فاتت الشيخ، وترجمة الرواة الذين لم يعرفهم والآثار التي لم يقف عليها والتنبيه على بعض أخطاء الشيخ، فما كان من كبير تلك الجلسة إلا أن قال لي بعد ضحكة (صفراوية): نحن نفعل هذا! ومن تظن نفسك؟! لقد تزببت قبل أن تتحصرم، إن الشيخ الألباني ــ والكلام لكبير الجلسة ــ خطؤه صواب. قلت: أما هو فلقد أصبح تمراً معقوداً قبل أن يكون فسيلة نخيل، فسبحان الله كيف يرون القذاة في عيون إخوتهم جذوعَ نخلٍ، والجذوع التي في عيونهم كحلاً أسودَ.
ولقد اعترف العلامة ناصر رحمه الله بوجود أخطاء في كتبه، فقال كما نقل عنه أخونا عصام في كتابه «محدّث العصر الإمام الألباني كما عرفته» ص95: سأله بعض الأخوة عن أخطاء وقعت له وتراجع عنها، فقال شيخنا للسائل: إن كنت تسأل هل هناك خطأٌ في كتاب للألباني تراجع عنه؟ فأنا أعترف أن هناك أخطاءً تراجعت عنها، وكما قال الإمام الشافعي: أبى الله أن يتم إلا كتابه، بس كتاب الله هو التمام. بل تراجع رحمه الله عن أحاديث ضعّفها وأحاديث صححها، بل هذه ابنته الفاضلة أم عبد الله نبَّهته على حديث كان يضعفه رحمه الله، بل رأيت الشيخ في بعض كتاباته يضرب على حديثٍ صحَّحه، كحديث استلقاء الربِّ في «مختصر العلو» وضعفه في «السلسلة الضعيفة» قائلاً: «أشم منه رائحة اليهودية».

ــ نتائج التعصب:
ذكر فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ثلاثة عيوب للغلو:
1. التنفير: فإن الغلو يُنفِّر الناس، من هنا كان أمر النبي ^ : «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا».
2. أنه قصير العمر: لأن الاستمرار عليه غير متيسر، ومن هنا كان قول النبي ^ : «إن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».
3. وقوله ^ : «اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قلّ».
4. أنه لا يخلو من جور على حقوق أخرى، وينتج عنه مظاهر:
1. التعصب للرأي لا يعترف معه برأي الآخرين.
2. التشدد في نفسه وإلزاقه بالآخرين.
3. التشدد في غير محله.
4. الغلظة والخشونة.
5. سوء الظن بالناس.
6. التكفير.

ــ أسباب التطرف:
1. ضعف المعرفة بحقيقة الدين.
2. الاتجاه الظاهري في فهم النصوص( ).
3. الاشتغال بمعارك جانبية.
4. الإسراف في التحريم.
5. اتباع الـمتشابه.


ــ التعصب للدعوة السلفية وذم ما سواها:
وهنا لابد أن أذكر مسألةً مهمةً، ألا وهي: تعصبنا لدعوتنا السلفية ومهاجمة وسبّ وتجذيع باقي الجماعات. فقد أخالف الإخوان والتحريريين والدعوة والتبليغ والصوفية وكل فرق الأرض ولكن دون الشتم والتكفير والتفسيق والتبديع.
فكنت قد قلت: إن الخطأ في التفكير يوجب خطأً في التكفير، (وهذا الذي جرى من بعض المتمسحين (بدعوى) اتباع شيخنا الألباني رحمه الله)، فما سلم من أيدينا عالم أو مفكر أو باحث خالفنا ولو في مسألةٍ فقهيةٍ إلا ووضعنا المبضع على عنقه وحززناها، وهذا ليس منهج النبوة، ولا منهج الدعوة إلى الله، وهذا الذي حذر منه الشيخ العلامة ناصر فقال: أخشى أن ينشأ إخواننا على الغمز واللمز لكل من خالفنا في مسألة فقهية وكان معنا على خط الكتاب والسنة فنقع بين الإفراط والتفريط.
وما يمر علينا يوم إلا وننظِّم (سُبَّةً علميةً) للجماعات باسم العلم، وهل سب الجمـاعات وتعليق (كل مشاكل الأمة الإسلامية على مشجب الجماعات) أمّا نحن فإننا قوم لا يلحقنا تبعية من تدهور العالم الإسلامي، بل علينا نحن التنظير وعلى الأمة الإسلامية أن تبصم لنا، بل إننا نستهزئ بالمجامع الفقهية. فهل كان الشيخ الألباني أسد السنة على هذا؟ لا والله، ولكن بعدما مات الأسد خرج تجار الكتب ــ كما قال شيخنا محمد أبو شقرة ــ فبدؤوا يطبعون بالأحمر والأخضر والكل يرتفع على ظهر الشيخ.
وزادت وتيرة التعصب حتى فيمن يطبع كتب المحدّث رحمه الله ففي كتاب «معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني جرحاً وتعديلاً»( ) قالوا في المقدمة: حذفنا مجتهدين ردود الشيخ على المعاصرين فيما يتعلق بالجرح والتعديل وأبقينا الفائدة العلمية المحضة، لأننا نرى في علم الشيخ مادةً تاريخيةً قائمةً بذاتها لا يستحق كثير من المردود عليهم أن يُذكروا في كتب الشيخ.
قلت: وهذا هو قمة التعصب، ألا يعلم هؤلاء الشباب أن ممن رد عليهم الشيخ بعض علماء السلفية رحمهم الله، ألم يكن التويجري سلفياً، وكذلك بكر أبو زيد والمحدّث شعيب الأرنؤوط وغيرهم، أم إن هؤلاء لم يكونوا على قدر من العلم حتى يذكروا في كتب الشيخ، وأقول لهؤلاء وأمثالهم: لقد كان الشيخ يفرح لمن يرد عليه ويعترف بخطئه إن بدا له صواب غيره، بل كان العلماء يرسلون له خطابات ببعض التصويبات فيقبلها شاكراً لأصحابها، كما حدث مع (بكر أبو زيد)، وكذلك شكره رحمه الله للشيخ التويجري في «صفة الصلاة» ص32، بل قال رحمه الله كما نقل عصام: والله يشهد أنني أتمنى أن يكون هناك عشرات ومئات ممن يحسنون التصحيح ويستدركون على الألباني، وبالتعبير السوري: يحطوا الألباني بجيبتهم كله، لكن للأسف لا نجد لهؤلاء العلماء وجوداً في العالم الإسلامي إلا ما ندر.
من هنا ــ وأنا حديث العهد بهذا العلم، وفي نصف العقد الثالث من عمري، ولم تمض علي في هذا الفن عشرُ سنين، ورحلة الشباب بالطبع رحلة الصراع والتنافس والمزاحمة التي قد تـجرُّ وراءها الكيد والتشهير والأحقاد، وأنا والحمد لله أعفيت نفسي منها ــ أحببت أن أخدم كتب الشيخ دون التملق والتستر على الأخطاء التي وقعت للشيخ، فهو بشرٌ يخطئ ويصيب، فبدأت بـ«تـمـام المنة» ثم بـ«صفة الصلاة» وأعكف الآن على «الصحيحة» و«الضعيفة» وعلى «معجم أسماء الرواة» لأنهي بذلك جولةً ليست سريعةً في خدمة هذا العَلَمِ من الدعوة السلفية المباركة.

ــ الدعوة للسلفية ليست دعوة للعصبية:
والدعوة السلفية لم تكن في يوم من الأيام مذ سار في ركابها أئمتها، أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، مروراً بابن عبد الوهاب والشوكاني وغيرهم، دعوةً للعصبية ولا دعوةً للتفرق، بل كانت دعوةً للمسلمين أن يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وإلى نبذ البدع والخرافات والشركيات على هدي أئمة الإسلام السابقين، وتبين الخطأ للمخطئ دون سبٍّ ولا شتيمةٍ ولا تفسيقٍ ولا تبديعٍ ولا تكفيرٍ، لكن في أواخر القرن العشرين ابتليت هذه الدعوة المباركة الطيبة بانتهازيين نفعيين متعصبين، لا للدعوة السلفية بل للتجارة بالدعوة السلفية.


ــ نماذج من أخلاق بعض من ينتسبون للمذهب السلفي:
1. سوء الأخلاق :
قال الامام الالباني العلامة أبو عبد الرحمن ناصر الألباني فيما نقله عصام عبدالهادي قال: ذكر شيخنا بعض الأمراض في الدعوة السلفية اليوم فقال: عندنا أشخاص يتبنون منهج السلف عقيدةً ولكنهم ليسوا سلفيين في أخلاقهم مع الأسف.
نعم والله يا أبا عبد الرحمن، فلا الصغير في هذه الدعوة وقَّر الكبير، ولا الكبير عرف منزلة الصغير، ولا نحن رأفنا بإخوةٍ لنا أخطؤوا، بل جعلنا خطأهم مسألةً لا تغتفر، ولننظر إلى الأخلاق التي رُبِّينا عليها، فإنّا إذا رأينا عالماً أو محدّثاً أخطأ جرَّدنا حسام السباب والشتائم وكأننا لسنا بشراً نخطئ ونصيب مثل بقية البشر.
وهاك أخي المسلم نموذجاً على هذه الأخلاق الدعوية.
جاء في «المنهل الرقراق» ص20 على لسان صاحبه في وصف خطأٍ وقع فيه المحدّث شعيب الأرنؤوط: (هذا وهمٌ فاحش أو تحريفٌ طائش) من الذي يطيش؟ رجل بلغ الثمانين استثمر منهنَّ ستين عاماً في مجال العلم الشرعي، حتى قال فيه الشيخ العلامة ناصر في «الصحيحة» 2/214 في حديث «كان يكتحل في عينه اليمنى»: قلت (ناصر): وهذا إسنادٌ مرسلٌ قوي، عمران تابعي مات سنة 117هـ، ثم أوقفني الأستاذ شعيب الأرنؤوط على وصله في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه شهادة حق من الشيخ ناصر رحمه الله في الشيخ شعيب الأرنؤوط حفظه الله.
2. السرقات العلمية:
لقد ابتليت هذه الدعوة المباركة بأبشع بصمة عار ووصمة شنار، ما شاع ويشاع بين أوساط طلبة الجامعات والمعاهد عن سرقة بعض إنتاج إخوةٍ لنا من طلبة الدكتوراه والماجستير، بل سرقة علمائنا الذين نعمل عندهم حتى قيل لنا عن أحد هؤلاء، قال: كان يعمل عندي ويسرق تعليقاتي وتحقيقاتي، قال شيخنا محمد إبراهيم شقرة( ): (السرقات العلمية وصورة مؤلمة) وهذه الأنواع أعمـالٌ علميةٌ على سواء القصد وصواب المحجّة ليس فيها ما يعيب، بل إن الـمذامَّ التي للعامل فيها حتى وإن كانت عن تعمد هي ممادح الذين لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما ينهبون من أعمال غيرهم ولا تأثماً من الأخذ بحقوي كل كتاب بلا أدبٍ ولا خلقٍ ولا خوفٍ من الله في خفيةٍ وإسرارٍ صنيع المتربص بأمرٍ يشين أهل الفضل ويريب الأشراف فيهم، وقد أضحوا على حذقٍ في السرقات العلمية يباهون بها وصارت من سماتهم التي يعرفهم بها الناس وشهر بها نفر يدَّعون أنّهم الأطياف المباركة لسادات العلم. قال عصام فيما نقله عن الشيخ ناصر ص18: وكان رحمه الله لا تأخذه في هذا الأمر لومة لائم، بل لم يمنعه أن يصف أناساً من (تلامذته) بأن عندهم سرقات، بل ويوجه لهم النصائح طالباً منهم الإقلاع عن هذا الفعل الذميم، ولو شئت لقلت فلان وفلان، بل إنّ أحدهم أرسل لشيخنا كتاباً فما منع ذلك شيخنا من أن يكتب على طرّة الكتاب: المتشبِّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، ويعيد الكتاب إليه.
وفي نهاية هذه المقدمة أقول: إنني ــ ويشهد الله ــ ما أقدمت على ما أقدمت عليه طالباً الدنيا أو زخرفتها، أو سمعةً أو ما شابه ذلك، بل نصحاً للمسلمين وبياناً للخطأ، ولقد أكَّدت لشيخنا العلامة شعيب يوم أن أبلغته بنيتي في تسطير هذا الكتاب، فقال لي ويشهد الله على ذلك: إن أردت التشهير فلا تكتب، ولكن إذا أردت هداية المسلمين الحائرين وبيان الخطأ من الصواب فأوصيك بما يلي:
1. عدم السب والشتم وتفجيج العبارة.
2. إيراد المسألة المراد تصويبها برقم الجزء والصفحة.
3. وأن لا تُقوِّل الشيخ ما لم يقل.
مع ذلك كله أنا مقدرٌ لعلمائنا الأجلَّاء، فهم محط أنظار المسلمين، أمرنا الله بسؤالهم، وما من مسلم اليوم في طول الأرض وعرضها إلا وهو يعظّم علماء المسلمين، فهم شموسٌ أصليةٌ أنارت دروب الحائرين، واستنارت بهديها أقدامٌ ضلت الخطى فانزلقت إلى مهاوي الردى، لولا أن أدركها الله بعنايته، فيسر أولئك النفر من العلماء الطيبين، ومن هنا أقتبس كلمةً لشيخنا محمد إبراهيم شقرة تسند بضاعتي المزجاة اتجاه رعيلٍ كثر علمه وقلّ خطاه: (وإن حقاً على كل من ينسب نفسه للعلم ولو نسبةً نظريةً أن يعتقد جازماً أن لهؤلاء الأئمة حقاً عظيماً لا يوفونه إلا بأن تكون سيرتهم ملء عيونهم وأسماعهم، وأن تكون مناهجهم في النظر والاستدلال ملء عقولهم وقلوبهم، وأن تكون حياتهم العلمية والأخلاقية حاضرةً في نفوسهم يفيدون منها ويفيضون بها على تلاميذهم ومحبيهم) ( ).

ــ استعظام الإخوة انتقادي لسماحة الشيخ ناصر وغيره:
واستعظم عليّ بعض طلبة العلم تخطئة الإمام الحافظ ابن حجر، حينما خطّأته في موضعين من شرحه للبخاري في بدء الوحي حيث قال رحمه الله معلقاً على حديث: «إنما الأعمال بالنيات»: ثم إنّ هذا الحديث متفقٌ على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا «الموطأ»، ووَهَّمَ من زعم أنّه في «الموطأ» مغتراً بتخريج الشيخين له من طريق مالك.
قلت: وأخطأ الحافظ بقوله هذا، فلقد رواه مالكٌ في «الموطأ» برواية محمد بن الحسن الشيباني عنه (رقم الحديث 983) قال: حدّثنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، سمعت علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله ^ يقول: ... الحديث.
ثم قال رحمه الله: قال أبو جعفر الطبري: قد يكون هذا الحديث على طريقة بعض الناس مردوداً لكونه فرداً، لأنّه لا يروى عن عمر إلا من رواية محمد ... ثانياً: ثم إنه ورد في معناه أحاديث في مطلق النية مثل: «يبعثون على نيّاتهم» من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عند مسلم. قلت: أخطأ الحافظ بقوله هذا، فالحديث أيضاً من رواية عائشة في «صحيح البخاري» برقم (2118)، فهل السكوت على الحافظ يعد من العلم في شيء، وكيف يُـخطِّئ هو رحمه الله ويوهم من قال أخرجه مالك، ولا يسوغ لغيره تخطئته، ولو كنا في عهد الحافظ لفرح لمثل هذا، لكن قاتل الله الحسد والعصبية.
ثم استكثروا عليّ نقدي للشيخ عائض القرني حفظه الله، حيث عزا في كتابه «ترجمان السنة» ص276 حديث رقم 169 حديث المقدام بن معدي كرب في تأخير المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه إلى أبي داود وأحمد، وهو وهمٌ منه حفظه الله، فالحديث عند أحمد (17122) حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا حريز قال: حدّثنا عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام بن معدي كرب. وليس عند أبي داود هذا الحديث، وهذا الوهم من الشيخ عائض القرني منشؤه ــ والله أعلم ــ أنّه نقل هذا النص من «تمام المنة» حيث عزاه الشيخ ناصرٌ إلى أبي داود وأحمد، وهو خطأٌ، والصواب ما ذكرت.

ــ ترجمة (الشيخ المحدّث ناصر الدين الألباني) ( ):
اسمه ونسبه: هو الشيخ المحدّث العلامة محمد( ) ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني.
مولده: ولد عام 1914 في مدينة (أشقودرة) في ألبانيا.
وفاته: توفي الشيخ يوم السبت 2 تشرين أول عام 1999 ودفن في نفس اليوم بعد صلاة العشاء.
دراسته: بدأ بالدراسة بعد هجرة والده به رحمهما الله من أشقودرة هروباً من ثورة (أحمد زوغو) الذي بدأ يسير بالمسلمين الألبان مسيرة سلفه (أتاتورك) في الأتراك، فتلقى العلم على والده وغيره من المشايخ ودرس شيئـاً من الفقه الحنفي وما يعرف بعلم الآلة كالنحو والصرف والبلاغة بعد التخرج من مدرسة الإسعاف الخيري الابتدائية، ثم شق الشيخ طريقه بالعلم إلى أن وصل إلى ما وصل إليه رحمه الله.

ــ نماذج من إنصاف المحدّث شعيب لوالد الشيخ ناصر ولناصر نفسه:
كان والده رحمه الله الحاج نوح من علماء المذهب الحنفي حيث تخرج من المعاهد الشرعية في الدولة العثمانية ونهل من كبار علمائها، ولشيخنا العلامة شعيب مع الحاج نوح ذكريات وحكايات سمعتها منه حفظه الله، منها ما حدّثني مرة فقال: كان الحاج نوح رحمه الله يتقن ثلاثة أشياء: علم التجويد وعلم الفقه وعلم الفلك، ولقد تتلمذت على يديه في الفقه.
وقال حفظه الله: يعلم الله أنّ الحاج نوحاً كان ورعاً تقياً لم أسمع منه يوماً كلمةً بذيئةً أو نابيةً.
وحدّثنا يوماً حفظه الله عن ذكرياته مع الحاج نوح والد الشيخ ناصر أنّه كان يوماً يسمر مع الحاج نوح ومعه بعض الجلة من المشايخ، فقال الحاج نوح وقد تكلم في الوتر: منكر الوتر يكفر، فثار حول ذلك نقاشٌ وحمي النقاش وأصبح بين مد وجزر، فقلت (والكلام لشيخنا العلامة شعيب) للمشايخ الحاضرين: أتسمحون لي؟ قالوا: تكلم، فقلت لهم: منكر الوتر لا يكفر وأحضرت لهم النص من كتب الحنفية، فتراجع الحاج نوح، وكنت يومئذٍ صغير السن عمري 17 عاماً.
لقد أنصف المحدّث العلامة شعيب والد معاصره وبلديّه الذي كان بينهما (ما صنع الحداد) على رأي شيخنا حفظه الله، ولكنه العدل والإنصاف من الشيخ شعيب جعلاه لا يغمط حق شيخه الحاج نوح رحمه الله، فأنصفه حتى قال الشيخ: تتلمذت على يديه.

ــ شهادة حق في المحدّث الألباني من العلامة المحدّث شعيب الأرنؤوط:
لـمّا شارفت على الانتهاء من الكتاب قلت لشيخنا أبي أسامة: لقد شارفت على الانتهاء من الكتاب، قال: ماذا سمَّيته؟ قلت: أسميته «إعلام المؤمنين باستدراكاتي على الألباني ناصر الدين» قال: هذا خطأ، فما فعلتَه ليس استدراكاً بل تصحيح أخطاءٍ، بل سمِّه «تصحيح الأخطاء والأوهام التي وقعت لمحدّث الشام» ناصر الدين الألباني.
عندئذٍ وقفت لبرهةٍ وقلت له: حفظك الله وتعتبره محدّث الشام، فأجاب: نعم والله كان محدّث الشام، لقد أحيا هذا العلم في دمشق، ولقد كان أكبر مني وأسبق بعشر سنين، ودمشق يومئذٍ لا تعرف هذا العلم.
لقد توقفت عند هذه الكلمات من المحدّث الشيخ شعيب في رجلٍ دام الجدال بينهما ما يقرب من أربعين عاماً، استوقفني فيها وصفه بمحدّث الشام يوم أن ضنّ الشيخ الألباني على شيخنا شعيب التصريح باسمه في تعليقاته، فهل استوى الأمران؟!
وهذا ذكره لي شيخنا شعيب، وقد وقع عليّ كالصاعقة، وقلت لشيخنا: أمعقول هذا، فرددها عليّ، يا الله هل وصل الإنصاف إلى هذه الدرجة؟ هل وصل حب الحق بهذا الرجل أن يقول كلاماً لو قاله قرينان صغيران في بعضهما ما قُبل، فكيف بمحدّث كبير كالشيخ شعيب؟
حدّثني شيخنا قال: كنا في الظاهرية فاقترحت على الشيخ ناصر أن أبدأ بتخريج خمسة أحاديث كل يوم وأعرضها عليه، فقلت مقاطعاً شيخنا: كنت تريد أن تتلمذ على ناصر؟ قال: نعم ولكنّه رفض، فبدأت أخرج لنفسي، أول خمسة أحاديث سلم لي حديثان، ثم ثلاثة، ثم أربعة أحاديث، وهكذا حتى قل الخطأ إلى الصفر.
لقد استشرت شيخنا قبل أن أنشـر هاتين الحكايتين فأذن لي بنشرهما، وأقول لأولئك المتعصبة (الغمر): انظروا إلى هذه القمة السامقة كيف أنصف الشيخُ شعيب الشيخ الألباني، فهل أنصفتم مخالفيكم بكلمة حق؟

ــ قاعدة في صفة من تقبل روايته ومن ترد، وتشمل:
1. تعريف العدالة لغةً واصطلاحاً.
2. أقوال أهل العلم في العدالة اصطلاحاً.
3. توسُّع بعض المحدّثين بالتوثيق.
4. نقد المؤلف لهذا المذهب.
5. قاعدة المستور والمجهول.
6. نقد العلامة ناصر للإمام ابن حبان.
7. نقد المؤلف لسماحة الشيخ العلامة ناصر.
8. اعتداد الحفاظ بتوثيق ابن حبان.
9. قاعدة في تحسين الحديث بشواهده وأول من قالها والتزمها.

ــ تعريف العدالة لغةً واصطلاحاً:
العدالة: لغة: من : عَدَل عدالةً وعدولةً: إذا كانَ عَدْلاً( )، والعَدْلُ: ضدُّ الـجَورِ( )، وعَدَلَ القاضي والوالي عَدلاً وعدالة وعُدولةً ومَعْدَلةً، والعدالةُ والعُدولة والـمَعْدَلةُ: كله العدل والإنصاف والقسط والحكم بالحق.
أما العدالة شرعاً: فقد اختلفت ألفاظ أهل العلم في تعريف العدالة اصطلاحاً، كما اختلفوا في طريقة إثبات العدالة للراوي، فالعدالة عند الخطيب البغدادي شيخ المحدّثين، ونقله عن ابن المبارك، خمس خصال: «أن يشهد الجماعة، ولا يشرب هذا الشراب، ولا يكون في دينه خربة، ولا يكذب، ولا يكون في عقله شيء».

ــ العدالة عند أئمة المذاهب الأربعة:
والعدالة عند أئمة المذاهب الأربعة شرطٌ لازمٌ في قبول الشهادات وفي الخصومات، وهي أعم في الحديث، وأئمة المذاهب الأربعة المتبوعة هم أعمدة الحديث الشريف، ومنهم انبثق (مصطلح الحديث).

ــ العدالة عند الحنفية:
قال الإمام علاء الدين الكاساني: اختلفت عبارات مشايـخنا رحمهم الله في ماهية العدالة المتعارفة، فقال بعضهم: من لم يُطعَن عليه في بطنٍ ولا فرجٍ فهو عدل، لأن أكثر أنواع الفساد والشر يرجع إلى هذين العضوين، وقال بعضهم: من لم يعرف عليه جريمة في دينه فهو عدل، وقال بعضهم: من غلبت حسناتُه سيئاتِه فهو عدل، وقد روي عن النبي ^ أنّه قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»( )، وقال بعضهم: من اجتنب الكبائر وأدى الفرائض وغلبت حسناتُه سيئاتِه فهو عدلٌ، وهو اختيار أستاذ أستاذي الإمام فخر الدين علي البزدوي رحمه الله تعالى( ). وفي «شرح أدب القاضي» للخصّاف ص83: قال أبو يوسف: أن لا يأتي بكبيرة، ولا يُصـرَّ على صغيرة، ويكون ستره أكثر من هتكه، ومروءته ظاهرة، يستعمل الصدق ويـجتنب الكذب ديانةً ومروءةً.


ــ العدالة عند الشافعية:
قال الإمام النووي: قال الأصحاب: يشترط في العدالة اجتناب الكبائر، فمن ارتكب كبيرةً واحدةً فُسِّق ورُدَّت شهادته. ثم قال بعد ذكر الصغائر: قول الجمهور أن مَن غلبت طاعته معاصيه كان عدلاً، وعكسه الفاسق، ولفظ الشافعي في «المختصر» يوافقه( ).

ــ العدالة عند المالكية:
قال العلامة خليل: العدل: حرٌّ مسلم عاقل بالغ بلا فسقٍ وحجرٍ وبدعة، وإن تأوَّل كخارجي وقدري، لم يباشر كبيرةً أو كثيـرَ كذبٍ أو صغيرةَ خِسَّةٍ وسفاهةٍ ولعب نردٍ، ذو مروءةٍ بتركِ غيـرِ لائقٍ من حمام وسماع غناءٍ( ).

ــ العدالة عند الحنابلة:
قال الإمام ابن النجار: العدالة: هي استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله، ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض برواتبها فلا تقبل ممن داوم على تركها، واجتناب المحرم بأن لا يأتي كبيرة ولا يُدمن على صغيرة، والكذب صغيرة إلا في شهادةِ زُورٍ ورمي فتن ونحوه فكبيرة( ).

ــ العدالة عند الظاهرية:
قال داود الظاهري، ونقل كلامه العلامة الإمام أبو محمد علي بن حزم أسد المغرب: العدل: من كان أكثر أمره الطاعة ولم يقدم على كبيرة.
وعرَّف الإمام ابن حزم العدالة بقوله: من لم تُعرَف له كبيرةٌ ولا مجاهرٌ بصغيرة، وفي قول آخر: العدالة إنما هي التزام العدل، والعدل: هو القيام بالفرائض، واجتناب المحارم، والضبط لِـمَا روى وأخبر به( ).

ــ العدالة عند ابن حبان:
والعدالة عند الإمام الحافظ ابن حبان كما نقشها هو في مقدمة «صحيحه» 1/151، قال: والعدالة في الإنسان: هو أن يكون أكثر أحواله طاعةً لله، لأنّا متى ما لم نجعل العدل إلا من لم يوجد منه معصية بحالٍ، أدّانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدل، إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها، بل العدل: من كان ظاهر أحواله طاعة لله، والذي يخالف العدل: من كان أكثر أحواله معصيةً لله، وقد يكون العدل الذي يشهد له جيرانه وعدول بلده به هو غير صادق فيما يروي من الحديث، لأن هذا شيء لا يعرفه إلا مَن صناعته الحديث، وليس كل مُعدَّلٍ يعرف صناعة الحديث حتى يعدِّل العدل على الحقيقة في الرواية والدين. ثم ذكر رحمه الله العلم والعقل والتدليس كشروط للعدالة.

ــ العدالة عند شيخنا أبي أسامة شعيب الأرنؤوط:
قال حفظه الله في تعليقه على «الإحسان» 1/160 فيمن تقبل روايته: العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه. قلت: وهي عين ما نقله الخطيب عن ابن المبارك رحمه الله.

ــ العدالة عند ابن الصلاح:
قال رحمه الله في «مقدمته» ص94: أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنّه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لِـمَا يرويه، وتفصيله: أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً، سالـماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، مُتيقِّظاً غير مُغفَّلٍ حافظاً إن حدَّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتابه، وإن كان يُحدِّث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالـماً بما يُحيل المعاني، والله أعلم.

ــ العدالة عند السيوطي:
ونقل الإمام السيوطي عبارة ابن الصلاح المتقدمة في «تدريب الراوي» 1/352 وشرحها فقال: «(أن يكون عدلاً ضابطاً) وفسَّر العدل (أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً) فلا يُقبل كافرٌ ومجنونٌ مطبقٌ بالإجماع، ومن تقطّع جنونه وأثّر في زمن إفاقته، وإن لم يُؤثّر قُبل، (سليماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة) على ما حُرِّر في باب الشهادات من كتب الفقه، وتخالفهما في عدم اشتراط الحرية والذكورة».
قلت: ورأيت عبارةً للعدالة تفي بكل ما جاء في كتب أئمتنا السابقين مختصرة موجزة وهي أنها عبارةٌ عن (الاستقامة على طريق الحق باجتناب ما هو محظور)( )، قال تعالى: (وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم) أي: العادل في الحكم دون شطط، أو أصحاب الاستقامة، أو عادلٌ ورضيٌّ ومقنعٌ في الشهادة.
قال الزركشي: واعلم أن اشتراط السلامة من خوارم المروءة خارج عن العدالة، فإن العدالة اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وخوارم المروءة التلبُّس بما لا يعتاد به أمثاله( ).
وقال الخطيب البغدادي: العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتُّفق على أنّه مُبطِلٌ العدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهيِّ عنها( ).

ــ العدالة عند الإمام الغزالي:
وقال الإمام الغزالي: العدالة: عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاملها إلى هيئةٍ راسخةٍ في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه( ).

العدالة عند الإمام الحازمي:
قال الإمام الحازمي: وصفات العدالة: هي اتباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق، والتوقي في اللفظ مما يثلم الدين والمروءة، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر، فمتى وجدت هذه الصفات كان المتحلي بها عدلاً مقبول الشهادة( ) .

ــ بم تثبت عدالة الراوي؟
قال الإمام ابن الصلاح في «مقدمته»( ): عدالة الراوي تارةً تثبت بتنصيص معدّلين على عدالته، وتارةً تثبت بالاستفاضة. فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة أستغني فيه بذلك عن بينةٍ شاهدةٍ بعدالته تنصيصاً. وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه. وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ( )، ومَّثل ذلك بمالك، وشعبة، والسفيانين، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر، فلا يُسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يُسأل عن عدالة مَن خفي أمره على الطالبين، وتوسَّع ابنُ عبد البر الحافظ في هذا فقال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى يتبين جرحه، لقوله ^ : «يـحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولُه» وفيما قاله اتساع غير مرضي.
وقال السيوطي معقِّباً عليه إن التعديل إنما يقبل من عالمٍ أو بالاستفاضة والشهرة( ).

ــ بيان مذهب الإمام ابن عبد البر النمري:
وتوسع الحافظ ابن عبد البر في التعديل فقال في «التمهيد» 1/28 من النسخة المغربية: الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في حال المحدّث الذي يقبل نقله ويحتج بحديثه ويجعل سنةً وحكماً في دين الله: هو أن يكون حافظاً إن حدّث من حفظه، وعالماً بما يحيل المعاني، ضابطاً لكتابه إن حدّث من كتابٍ، يؤدي الشيء على وجهه، متيقِّظاً غير مغفَّل، وكلهم يستحب أن يؤدي الحديث بحروفه لأنّه أسلم له، فإن كان من أهل الفهم والمعرفة جاز له أن يحدّث بالمعنى، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك، لأنّه لا يدري لعله يحيل الحلال إلى الحرام، ويحتاج مع ما وصفنا أن يكون ثقة في دينه، عدلاً جائز الشهادة مرضياً، فإذا كان كذلك وكان سالماً من التدليس كان حجةً فيما نقل وحمل من أثر هذا الدين ...، إلى أن قال رحمه الله: وكل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه لقوله ^ : «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله».
قلت: أرى أن توسع الحافظ ابن عبد البر جاء من أمرين:
1. أن الراوي غير المنصوص على تعديله من أي معدّلٍ: يقوم مقام التعديل عند الإمام ابن عبد البر معرفتُه العلم وطلبه إيّاه حتى يتبين جرحه.
2. وعلى تعريف ابن عبد البر يدخل كثيرٌ من الرواة في دائرة التوثيق ممن لم ينص أحدٌ من الأئمة على توثيقهم، ومن هنا نصل إلى دائرة مؤدّاها توثيق المجاهيل، إذ معرفة الراوي بطلب العلم لا تقوم مقام التعديل. وهو أقرب إلى مذهب أبي حنيفة الإمام القائل: إن ظاهر المسلمين العدالة، وردَّ هذا القول ابن أبي الدم الفقيه الشافعي الحموي فقال: وهو غير مرضي عندنا لخروجه عن الاحتياط( )، ونقل الإمام السيوطي في «تدريب الراوي» 1/354 موافقة ابن الموّاق ابنَ عبد البر فيما ذهب إليه في توسعه للتعديل.
قلت: ولعل الإمام النووي رحمه الله في كتابه «تهذيب الأسماء واللغات» جنح لمثل هذا فقال: وفي الحديث الآخر: «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، وهذا إخبارٌ منه ^ بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصرٍ خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده، فلا يضيع، وهذا تصريحٌ بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع، والحمد لله( ).
ورد كلا المذهبين (مذهب ابن عبد البر ومن سار على مثله كابن الموّاق والنووي) السيوطي في «تدريب الراوي» 1/357 بعد نقله تضعيف الأئمة لحديث: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله» قال: ثم على تقدير ثبوته إنما يصح الاستدلال به لو كان خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدلٍ وغير ثقةٍ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر، ومعناه أنّه أمر للثقات بحمل العلم، لأن العلم إنما يقبل عنهم، والدليل على ذلك أن في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم: «ليحمل هذا العلم» بلام الأمر، وذهب بعض أهل العلم إلى أن العدالة تثبت برواية جماعةٍ من الـجلة عن الشخص، وهذه طريقة البزار في «مسنده» وجنح إليها ابن القطان.
قال التاج السبكي في «طبقات الشافعية» 1/ 88 في باب: (قاعدة في الجرح والتعديل): والصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومُزكُّوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينةٌ دالةٌ على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، فإنّا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة.
وقال المزي رحمه الله مستصوباً ما قاله ابن عبد البر: وما قاله ابن عبد البر هو في زماننا مرضيٌ، بل ربما يتعين. وقال ابن سيد الناس: لست أرى ما قاله أبو عمر إلا مرضياً، وإليه مال ابن الجزري والذهبي( ).
وقال الحافظ أبو الفتح ابن دقيق العيد ما معناه:
تُعرَف ثقة ذي الثقة بأحد أمور ثلاثة:
1. أن ينص أحد الرواة على أنّه ثقة.
2. أن يكون اسمه مذكوراً في كتاب من الكتب التي لا يترجم فيها إلا للثقات، ككتاب «الثقات» لابن حبان أو العجلي أو لابن شاهين.
3. أن يكون قد خرَّج حديثه بعض الأئمة الذين اشترطوا على أنفسهم ألا يخرجوا غير أحاديث الثقات.
لذلك أشار الحافظ ابن حبان في مقدمة كتابه إلى أنّه لا يخرج في كتاب «الثقات» إلا عن ثقة يجوز الاحتجاج بخبره. فقال في «الثقات» 1/11: ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا للثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم، واقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب «التاريخ الكبير» الذي خرجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات. ثم قال: فكل ما أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصالٍ خمس، ثم تكلم رحمه الله على هذه الشـروط الخمسة، وهي:
1. أن يكون فوق الشيخ المترجم له رجلٌ ضعيف لا يحتج بخبره.
2. أن يكون دونه رجلٌ واهٍ لا يجوز الاحتجاج بروايته.
3. أن يكون الخبر مرسلاً فلا يلزمنا به الحجة.
4. أو أن يكون منقطعاً.
5. أو أن يكون في الإسناد رجلٌ يدلس.
قلت: ولا بد من إيضاح مسألةٍ عند ابن حبان، فقد يقع للحافظ ابن حبان أسماء ثقاتٍ عنده ذكرهم في «ثقاته» وذكرهم في «الضعفاء»، فنصّ الحفّاظ كابن حجر والعراقي على أنه إن كان جرحه مفسراً قُدِّم على توثيقه.

ــ هل خوارم المروءة تقدح في العدالة؟
قال الزركشي رحمه الله في النوع الثالث والعشرين: معرفة من تقبل روايته: قوله: (خوارم المروءة) فيه أمورٌ: أحدها: ذكر الخطيب وغيره أن المروءة في الرواية لا يشترطها أحد إلا الشافعي، وهو يقدح في نقل المصنف الاتفاق عليه. ثم قال: واعلم أن اشتراط السلامة من خوارم المروءة خارجٌ عن العدالة، فإن العدالة اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وخوارم المروءة التلبُّس بما لا يعتاد به أمثاله( ).
قال ابن الصلاح: وعقد الخطيب باباً في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح جارحاً، منها عن شعبة أنّه قيل له: لِـمَ تركتَ حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه، ومنها عن مسلم بن إبراهيم أنّه سئل عن حديث لصالح الـمُرّي فقال: ما تصنع بصالح ذكروه يوماً عند حماد بن سلمة فامتخط حماد. والله أعلم( ).
قلت : والذي ظهر لي والله أعلم عدم اشتراط السلامة من خوارم المروءة في عدالة الراوي، لأن الخوارم خارجة عن حد الحفظ والصدق والعقل والدين، فهي سلوك اجتماعي لا أكثر ولا أقل، وهذا قول الإمام ابن حزم الظاهري، فهو لا يرى المروءة داخلةً في العدالة اعتباراً، انظر «الإحكام» 1/144.

ــ رواية المجهول والمستور وبماذا ترتفع الجهالة:
قال الخطيب: المجهول عند أهل الحديث: من لم يعرفه العلماء، ولا يعرف حديثه إلا من جهة واحد. وأقلّ ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين( ).
وقال ابن الصلاح: ومن روى عنه عدلان وعيَّناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة( ). ثم قال: ثم بلغني عن أبي عمر ابن عبد البر الأندلسي وجادةً قال: كل من لم يرو عنه إلا رجلٌ واحدٌ فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلاً مشهوراً في غير حمل العلم، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد، وعمرو بن معد يكرب بالنجدة( ).
قال الدارقطني: وأهل الحديث لا يحتجون بخبـرٍ انفرد بروايته رجلٌ غير معروفٍ، وإنما يثبت العلماء عندهم بالخبر إذا كان راويه عدلاً مشهوراً، أو رجلاً قد ارتفع اسم الجهالة عنه، وارتفاع الجهالة عنه: أن يروي عنه رجلان فصاعداً، فإذا كان هذا صفته ارتفع عنه اسم الجهالة وصار معروفاً، فأما من لم يرو عنه إلا رجلٌ واحدٌ انفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره( ).
وقال الخطيب رحمه الله: المجهول عند أصحاب الحديث: هو كل من لم يشتهر بطلب العلم من نفسه ولا عرفه العلماء به، ومن لم يُعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحدٍ، وأقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم( ).
وقال الحافظ العراقي: إنّ الذين انفرد ابن حبان بتوثيقهم لا يخلو إما أن يكون الواحد منهم لم يرو عنه إلا راوٍ واحدٍ، أو روى عنه اثنان ثقتان وأكثر بحيث ارتفعت جهالة عينه، فإن كان روى عنه اثنان فأكثر ووثقه ابن حبان ولم نجد لغيره فيه جرحاً فهو ممن يحتج به( ).
وفي «شرح نخبة الفكر» للحافظ ابن حجر ص189: والتحقيق أن رواية المستور( ) ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل يقال: هي موقوفةٌ إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين .
وفي «تمام المنة» ص 19 ــ 20 قال الامام الالباني ناصر الدين الألباني معلقاً على قول الحافظ ابن حجر: وإنما يمكن أن يتبين لنا حاله بأن يوثقه إمامٌ معتمدٌ في توثيقه، وكأن الحافظ أشار إلى هذا بقوله: إنّ مجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثّق، وإنما قلت: معتمدٌ في توثيقه، لأن هناك بعض المحدّثين لا يعتمد عليهم في ذلك، لأنّهم شذّوا عن الجمهور فوثقوا المجهول، منهم ابن حبان.
قلت : ولكن أرى أن الشيخ المحدّث الألباني رحمه الله خالف هذه القاعدة في كثير من كتبه، أقطف مثالاً واحداً من ذلك، وليس المقام مقام رد، بل هو مقام توضيح وتقعيد للقواعد الحديثية عند المحدّثين، قال رحمه الله في «الإرواء» 1/242: الحسن بن محمد العبدي: أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 1/2/35 فقال: روى عن أبي زيد الأنصاري روى عنه علي بن المبارك الهنائي، قلت (ناصر): فقد روى عنه إسماعيل بن مسلم أيضاً كما ترى وهو العبدي القاضي، وبذلك ارتفعت جهالة عينه، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» 4/124، ثم هو تابعي.
قلت : فيه أمران:
الأول: قول الشيخ: ارتفعت جهالة عينه، أقول: أغلب المحدّثين على رد رواية المستور، وأنا مع رأي ابن حجر القائل بالتوقف حتى يتبين لنا حاله، إلا أن بعض الشافعية يقبلون رواية المستور.
الثاني: كنتَ اشترطتَ أن يوثقه إمام معتمد في توثيقه، واشترطتَ أن لا يكون مثل ابن حبان، وهنا في «الإرواء» اعتمدت توثيق ابن حبان لهذا الراوي المستور الذي لم يرو عنه إلا اثنان.

ــ المجهول والمستور عند المحدّث شعيب الأرنؤوط:
ولأني قريب جداً من الشيخ المحدّث دار بيني وبينه حفظه الله نقاش حول هذا الموضوع كانت خلاصته ما يلي:
1. رد رواية المجهول جهالةً كاملةً ــ عيناً وحالاً ــ .
2. قبول رواية المستور إذا وثقه أو نصَّ على توثيقه ابن حبان ــ وليس فقط أن يكون مذكوراً في «الثقات» ــ بل يوثِّقه آخر فوق العجلي.
3. قبول رواية المستور إذا كان تابعياً كبيراً واستخدمه بعض الخلفاء الراشدين ووثقه ابن حبان ولم يخالف حديثه الجماعة، مثل مالك الدار( ).
قلت : والذي ترجح للعبد الفقير أن المستور تقبل روايته بشروط:
1. إذا لم يأت بما ينكر عليه إسناداً ومتناً.
2. إذا روى عنه ثلاثة ثقات.
3. إذا ذكره ابن حبان في الثقات.
فالقرينتان الأُولَيان تقومان عندي مقام النصّ والثالثة شرطٌ مكملٌ لسلامة ما رواه هذا الراوي.
والمستور إذا روى عنه ثقةٌ إمامٌ (واحد) ونصَّ على توثيقه أحد الأئمة الكبار كالدارقطني أو النسائي فهو ثقةٌ. ووافقني على هذا شيخنا شعيب حفظه الله.

ــ الـمستور عند المحدّث ناصر الدين الألباني:
قال رحمه الله في «تمام المنة» ص19: والمجهول الذي لم يرو عنه إلا واحدٌ وهو المعروف بمجهول العين، وهذه الجهالة التي ترتفع برواية اثنين عنه فأكثر وهو المجهول الحال والمستور، وقد قبل روايته جماعةٌ من غير قيد، وردّها الجمهور.
قلت : ثم خالف الشيخ رحمه الله هذه القاعدة أيضاً، فقَبِلَ مجهول الحال والذي لم ينص على توثيقه أحد، ففي تعليقه على ترجمة مالك بن الخير في «تمام المنة» ص204 قَبِلَ مَن لم ينص على توثيقه أحد.
وقَبِلَ من روى عنه واحد كمالك بن نمير الخزاعي وصحح له في «صحيح النسائي» 1/ 272 برقم 1206. ثم ضعَّف عمرو بن مالك النكري كما في «تمام المنة» ص138 تحت حديث عرى الإسلام، فقال: وفيه عندي نظر لأنه من رواية عمرو بن مالك ولم يذكروا توثيقه إلا عن ابن حبان، ومع ذلك فقد وصفه ابن حبان بقوله: يخطئ ويُغرب يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه. ثم قَبِلَه رحمه الله في «الصحيحة» 5/608 رقم 2472 فقال: إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك النكري وهو ثقة كما قال الذهبي في «الميزن» ذكره تمييزاً ووثقه أيضاً من صحح حديثه هذا.
وقال رحمه الله في «مختصر العلو» ص173 في أثر ابن الضريس: قلت (ناصر): وهذا إسنادٌ لا بأس به فإن صالحاً هذا أورده ابن أبي حاتم 2/406/407 وقال: روى عنه محمد بن أيوب ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد روى عنه الذهلي.
قلت : ولم أجد من وثقه.
ثم قال ص20 من «تمام المنة»: نعم، يُمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه، وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم.
ــ إعلام الخلّان بقبول العلماء لتوثيق ابن حبان:
أصبح من المعلوم عند المتأخرين وشاع بينهم شيوع النار في الهشيم: أن الإمام ابن حبان متساهلٌ في التوثيق، حتى غدا ابن حبان على ألسنة بعض الناشئة سُبَّةً يتندَّرون بها في مجالسهم، ويا ليتهم وقفوا عند ذلك، بل ما أن تحتّج عليهم بحديثٍ أو راوٍ من عند ابن حبان إلا أوردوا عليك زوراً وميناً أن ابن حبان متساهلٌ جداً وتساهله أكبر ألف مرةٍ من الحاكم.
وكأن التساهل سمةٌ من سمات ابن حبان منفرداً ــ إن ثبت تساهله ــ علماً بأن ابن حبان مشى على قواعد عند المحدّثين أصّلوها ولم يخالفها، بل إن بعض المحدّثين قديماً وحديثاً على قول ابن حبان في الجانب العملي التطبيقي، فقد ذكرنا أن ابن عبد البر وابن الموّاق والمزي والنووي توسعوا في إثبات العدالة واكتفوا بظاهر الإسلام، فهل هؤلاء الأئمة في نظر هؤلاء الناشئة متساهلون، أم إنّ محدّثي هذا العصر هم الذين اخترعوا هذه المسألة، وإليك التفصيل:
ذكر النووي رحمه الله في «التقريب»( ) تساهل الحاكم فقال: ثم إنّ الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها، منصوصاً على صحته، ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، واعتنى الحاكم بضبط الزّائد عليهما، وهو متساهل، فما صحّحه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحاً ولا تضعيفاً حكمنا بأنّه حسن إلا أن يظهر فيه علّةٌ توجب ضعفه، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان.
قال السيوطي في «التدريب»( ): ويقاربه، أي: صحيح الحاكم، في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان، قيل: إن هذا يفهم ترجيح كتاب الحاكم عليه، والواقع خلاف ذلك، قال العراقي( ): وليس كذلك، وإنما المراد أنّه يقاربه في التساهل فالحاكم أشدُّ تساهلاً منه. قال الحازمي( ): ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم. قيل: وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح، فإنَّ غايته أنّه يُسمّي الحسن صحيحاً، فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه، فهي مشاحة في الاصطلاح، وإن كانت باعتبار خفّة شروطه فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقةً غير مدلس، سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكون هناك إرسالٌ ولا انقطاعٌ، وإذا لم يكن في الراوي جرحٌ ولا تعديل، وكان كلٌّ من شيخه والراوي عنه ثقةً، ولم يأت بحديثٍ منكر فهو عنده ثقة. وفي كتاب «الثقات» له كثيرٌ ممن هذه حاله، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حالهم، ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك، وهذا دون شرط الحاكم، حيث شرط أن يخرِّج عن رواة خرّج لمثلهم الشيخان في الصحيح، فالحاصل أن ابن حبان وفّى بالتزام شروطه ولم يوفِّ الحاكم.
وفي أجوبة الحافظ العراقي ص136: سأل الحافظ ابن حجر شيخه العراقي عن اعتماد ودرجة توثيق ابن حبان فقال: ما يقول سيدي في أبي حاتم ابن حبان إذا انفرد بتوثيق رجلٍ لا يعرف حاله إلا من جهة توثيقه له، هل ينتهض توثيقه بالرجل إلى درجة من يحتج به؟ وإذا ذكر الرجل بعينه أحد الحفّاظ كأبي حاتم بالجهالة، هل يرفعها عنه توثيق ابن حبان وحده أم لا؟ قال الحافظ العراقي: إن الذين انفرد ابن حبان بتوثيقهم لا يخلو إما أن يكون الواحد منهم لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، أو روى عنه اثنان ثقتان وأكثر بحيث ارتفعت جهالة عينه، فإن كان روى عنه اثنان فأكثر ووثقه ابن حبان ولم نجد لغيره فيه جرحاً فهو ممن يحتج به، وإن وجدنا لغيره فيه جرحاً مفسراً فالجرح مقدَّم.
على أنّ الحفّاظ المتأخرين أمثال ابن حجر والذهبي والمزي والعراقي رحمهم الله تابعوا ابن حبان في توثيقه لبعض الرواة وقالوا فيهم: محله الصدق، صدوق، مستور، مقبول، على إنني أجد فرقاً بين راوٍ وراوٍ آخر عند ابن حبان اختلفت ألفاظ الحفّاظ فيهم بنقص التوثيق أو زيادته.
ــ قاعدة: تحسين الحديث بشواهده، وأول من قالها واستخدمها:
لقد كثر القول في هذه الآونة حول مبحث مهم في السنة المشرفة، ألا وهو تحسين الحديث بشواهده، وهل الترمذي هو أول من اصطلحه؟ أم هل الترمذي ناقل لهذا المذهب؟ وهل كل الشواهد مما يُـحسَّن بها الحديث؟ ولـمّا كنت قد شرعت بهذا المبحث أطلعني أستاذنا العلامة شعيب على مقدمة «المسند» وكان حفظه الله قد كتب بحثاً في هذا الموضوع في مقدمة «المسند» أنقله كما هو، فلقد وفّى فيما كتب وحقق، ويبقى سؤالٌ يحتاج لإجابة: هل كل الشواهد مما يُحسَّن بها الحديث؟
أقول وبالله أستعين: قال شيخنا في مقدمة «المسند» 1/78: ولـما كان هذا الأمر قد خفي على بعض من ينتحل صناعة الحديث في عصرنا هذا أو استراب في صحته وأحقيته وجب أن نبسط القول فيما أُثر عن الأئمة المتقدمين من إطلاق لفظ الحسن على كثير من الأحاديث التي خفّت فيها شروط الصحة لإزالة هذه الشبهة من أذهانهم، قال الحافظ ابن حجر في «نكته» على ابن الصلاح 1/426: وأمّا علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في «مسنده» وفي «علله»، وظاهر عبارته أنّه قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنّه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد. اهـ( ).
ويبقى السؤال مطروحاً: هل كل الشواهد مما يُـحَسَّن بها الحديث؟ الجواب: لا، فإنّ في بعض الشواهد مَن نص أهل العلم على أنّهم ليسوا ثقات، والذي أراه ــ والله أعلم ــ أنّ شروط تقوية الحديث أو تحسينه خلو تلك الطرق من متروكٍ، أو كذّابٍ، أو منكر الحديث.
قال الإمام ابن الصلاح في «مقدمته» ص76: ثم اعلم أنّه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه، بل يكون معدوداً في الضعفاء، وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به، وقد تقدم التنبيه على ذلك.

ــ قاعدة:روي في الحديث
قال الامام الالباني الألباني رحمه الله في «تمام المنة» ص44 تحت حديث «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة»: من المقرر عند المحدّثين أن تصدير الحديث بصيغة (روي) إنما هو إشارة إلى أن الحديث ضعيف، وعليه جرى المنذري في «الترغيب» كما سبق بيانه في قواعد الكتاب.
قلت : وهي ما يعبَّـر عنه بالفعل الـمبني للمجهول، وهذه القاعدة ــ من وجهة نظر العبد الفقير الذي ليس له من علم الحديث إلا اليسير ــ ليست عند المحدّثين جميعاً، بل لم يمش عليها أكثرهم، فلذلك لو قلتُ إن المنذري رحمه الله وبعض المتأخرين أصّلوها ومشوا عليها، ما أخال نفسي مخطئاً، وفي كلام أئمتنا السابقين ما يؤيّد كلامي:
فقد نقل الشيخ رحمه الله في «صفة الصلاة» ص119 عند تفسير حديث رسول الله ^: «فإن لكل عابدٍ شِرّةً» وضبطها الشيخ بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء، وهي النشاط والهمة، قول الإمام الطحاوي في تفسير الشِّـرّة: هي الحدّة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عز وجل، وإن رسول الله ^ أحب منهم فيها ما دون الحدّة التي لا بد لهم من القصر عنها والخروج منها إلى غيرها، وأمر بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه ولزومهم إيّاه، حتى يلقوا ربهم عز وجل. وروي عنه ^ في كشف ذلك المعنى أنّه قال: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ»، قال الامام الالباني معلقاً عليه: قلت: وهذا الحديث الذي صدّره بقوله: «روي» صحيحٌ متفقٌ عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
قلت: ومن أكثر العلماء السابقين استخداماً لهذا المصطلح الترمذي رحمه الله في «سننه» وسأذكر مثالين من «سننه» بشرح المباركفوري:
1. ما جاء في القراءة في المغرب: قال أبو عيسى: وروي عن النبي ^ أنّه قرأ في المغرب بالطور. قال المباركفوري 2/188حديث307: رواه الشيخان وغيرهما من جبير بن مطعم وتقدم لفظه.
2. ما جاء في القراءة في صلاة العشاء: قال أبو عيسى: وقد روي عن النبي ^ أنّه قرأ في العشاء الآخرة بسورة التين والزيتون. قال المباركفوري 2/191 حديث308: الحديث أخرجه الأئمة الستة.
ونقل الإمام ابن القيّم في «زاد المعاد» 1/210 عن أبي عمر ابن عبد البر أنّه قال: رُوي عن النبي ^ أنّه قرأ في المغرب بـ(آلمص) وأنّه قرأ فيها بـ(الصافات) إلخ. قلت: وهو حديث صحيح.
وقال أيضاً في «الزاد» 1/227 تحت حديث: «إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه» قال: وقد رُوي عن أبي هريرة عن النبي ^ ما يُصدّق ذلك. قلت: وهو حديث صحيح.
وقال الإمام البخاري في باب الرقى بفاتحة الكتاب من «صحيحه»: ويذكر عن ابن عباس عن النبي ^ ... قلت: ووصله برقم (5737).
قلت: ولو طالبنا الشيخ الألباني كما طالب سيِّداً بالدليل على صحة ما قاله في تخريجاته على «العقيدة الطحاوية» حيث كان يقول رحمه الله في أحاديث الصحيحين: صحيح أخرجه مسلم، أو صحيح أخرجه البخاري، أو صحيح أخرجه الشيخان، وهذه القضية مما أثار على الشيخ رحمه الله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله فانتقده على مثل هذا، فأجابه الشيخ بأنّه مسبوق من الأئمة إلى مثل هذا كالبغوي في «شرح السنة» والذهبي، وقد قبلنا عذرك يا أبا عبد الرحمن، فأنت مسبوقٌ وقولك مسبوك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ألا يشفع لسيِّد ما شفع لسماحة الشيخ الألباني؟
فسماحته رحمه الله قال: ما عليّ من سبيل إذ إنّ أبا الحسين البغوي استخدم مثل اصطلاحي هذا في تخريجه لمصنفه «شرح السنة». قلت: فيشفع لسيّد أن الحفّاظ من المتقدمين والمتأخرين مشوا على هذه القاعدة، أعني تصدير بعض الأحاديث بـ(روي) ولو كانت أحاديث صحيحة وحسنة.
والخلاصة التي أراها: أنّه يجب التنبيه على الحديث الوارد بصيغة التمريض (روي) المشعرة بالضعف وبيان حاله وما فيه من الضعف، ولا يستخدم فيه صيغة الجزم المشعرة بصحته، والكف عن استخدام كلمة (روي) المشعرة بالضعف في أحاديث صحيحة أو حسنة. وأجوّز استخدامها في أحاديث مختلف فيها بين الضعف والحسن، أما إذا جُزِم بالتحسين فلا تورد هذه الصيغة المشعرة بالضعف، والله أعلم.

الفصل الأول
الرواة الذين جَهِلَهم الشيخ الألباني أو جهَّلَهم
ولـهم تراجم في كتب الرجال( ):
1ــ محمد بن قيس اليشكري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 2/216 رقم الحديث 463 ــ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الضحى ست ركعات، قال: وإسناده محتملٌ للتحسين، فإنّ محمد بن قيس هذا أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 4/1/64 وقال: روى عنه حميد الطويل وحماد بن سلمة، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» كما قال الهيثمي في «المجمع» 2/238 ولم أجده في نسخة الظاهرية من «الثقات»( ).
قلت : وهو قول شيخنا شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «الزاد» حيث قال 1/344: محمد بن قيس لم يوثقه غير ابن حبان.
قلت: والرد على الشيخين الفاضلين بما هو آت:
قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» 9/415 تحت الترجمة رقم 679: محمد بن قيس اليشكري أخو سليمان: بصري روى عن جابر وأم هانئ بنت أبي طالب، وعنه حميد الطويل وخالد الحذّاء وحماد بن سلمة عن خاله حميد الطويل عنه، وقد قال علي بن المديني: محمد بن قيس مكي عن جابر ثقة ما أعلم أحداً روى عنه غير حميد، وروى عن أم هانئ. وله ترجمة في «الميزان» 4/9085، و«تهذيب الكمال» الترجمة 6159، وفي «الميزان»: ما علمت فيه مغمزاً.
ــ الحديث ومخرجه:
والحديث أخرجه الترمذي في «الشمائل» (290) وفيه حكيم بن معاوية شبه المجهول، وزياد بن عبيد الله بن الربيع لم يوثقه إلا ابن حبان، كما في «تهذيب الكمال» (2043)، وقال عنه في «التقريب»: مقبول.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» 24 /(1063) من طريق محمد بن قيس الثقة، وأخرجه ابن شاهين في «ناسخه» (205) ولكنّه معلول بحكيم هذا. وقال الهيثمي في «المجمع» 2/238: إسناده حسن.
ثم ذكر الشيخ ناصر رحمه الله في «الإرواء» 2/217 حديث أنس من طريق أخرى عن حكيم عن معاوية الزيادي، وقال رحمه الله: وهذا سندٌ حسن في المتابعات.
قلت : وأية متابعات هذه وحكيم بن معاوية شبه مجهول.
وقد حاول الشيخ صالح بن محمد آل الشيخ أن يجعل محمد بن قيس هذا مدنياً وهو قاصّ عمر بن عبد العزيز، وله وجهة نظر.
ومحمد بن قيس اليشكري هو الـمعيَّن على الصواب ــ من وجهة نظري ــ لأن له رواية عن جابر وأم هانئ، وروى عنه حميد الطويل وحماد بن سلمة وخالد الحذَّاء، أما محمد بن قيس المدني قاصّ عمر الذي أشار إليه سماحة الشيخ صالح آل الشيخ في «التكميل» ص19 فلم يروِ عنه حماد بن سلمة ولا حميد الطويل ولا خالد الحذَّاء ــ اللهم إلا قول البخاري في «التاريخ» وقول ابن حبان في «الثقات» ــ . انظر «تهذيب الكمال» (6195)، وقارن مع الترجمة (6197)، لتعلم أن الرجلين مختلفان.
مع هذا كله فقد أشار شيخنا شعيب في «التحرير» 3/37 إلى رد قول الحافظ في محمد بن قيس اليشكري: «مقبول»، فقال: بل صدوق حسن الحديث.
ومع هذا كله لو كان المدني أو البصري فكلاهما ثقة، فالمدني وثقه أبو داود ويعقوب بن سفيان، وإن كان البصري فقد وثقه ابن المديني.
وحديث صلاة النبي ^ ست ركعات قال الامام الالباني رحمه الله: لم أتمكن من إخراجه من «التاريخ»، فاستخرجه الشيخ صالح آل الشيخ، فقال: أخرجه البخاري في «تاريخه» 1/1/212.

2ــ النضر بن أنس بن مالك:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الكلم الطيب» ص71، وفي الطبعة الجديدة طبعة المعارف ص116: النضر بن أنس بن مالك: قال الذهبي: لا يُعرف.
قلت : وسبب ذلك أن الراوي تحرَّف اسمه على الشيخ، ودليل ذلك أن الشيخ قال: أخرجه ابن السني (592) كما في «الفتح» 11/156 وفيه النضر بن أنس بن مالك، كأنّه وقع منسوباً إلى جده.
والسبب الذي أوقع الشيخ في هذا القول ما وقع في المطبوع من ابن السني (نسخة حجاج ص174) حيث جاء الحديث كالآتي: أخبرنا أبو العباس بن قتيبة العسقلاني، حدّثنا عبيد الله الحميري، حدثنا إبراهيم بن العلاء، عن النضر بن أنس بن مالك، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده ... الحديث.
قلت: وقد وقع تحريف في نسخ عمل اليوم والليلة، فوقع في نسخة المعلمي، ونسخة حجاج، وجميع المطبوعات: «إبراهيم بن العلاء عن النضر بن أنس»، وهذه النسخ نقل منها الشيخ الألباني فوقع في التحريف، والصواب في الإسناد: أخبرنا أبو العباس بن قتيبة العسقلاني، حدثنا عبيد الله بن الحميري، حدثنا إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده( ). فتحرَّف في المطبوع «البراء» إلى «العلاء» و«بن النضر» إلى «عن النضر»، وإبراهيم بن البراء هو الذي روى هذا الحديث عن أبيه البراء، والبراء عن أبيه النضر، عن جده أنس( )، وبذلك يتبيَّن لك خطأ ظن الشيخ في تعيين النضر بن أنس، وأنه منسوب إلى جده، ويعني بذلك النضر بن حفص بن النضر بن أنس، وفي هذا قال الذهبي: لا يُعرف.
قلت : والنضر بن أنس ثقة له ترجمة في «تهذيب الكمال» ترجمة رقم (7012)، وجعل له روايةً عن أبيه وبشير بن نهيك وزيد بن أرقم وعبد الله بن عبّاس وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وروى عنه بكر بن عبد الله المزني وأبو الخطاب مولى النضر وحرب بن ميمون الأنصاري وحميد الطويل وسعيد ابن أبي عروبة ــ يقال: حديثاً واحداً ــ وعاصم الأحول وعبد الله بن المثنى وعلي بن زيد بن جدعان وأبو رحال الأنصاري وأبو عمارة شيخ لسفيان وأبو كعب صاحب الحرير. قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، (الثقات 1472)، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: النضر بن أنس فيمن خرج إلى الجماجم (سؤالات الآجري 3/294)، وقال ابن سعد: كان ثقةً وله أحاديث مات قبل الحسن (طبقات ابن سعد 7/191)، وقال الذهبي: النضر ابن أنس: عن أبيه وابن عباس وزيد بن أرقم، وعنه قتادة وابن أبي عروبة، ثقة (الكاشف ترجمة رقم 5931)، وقال ابن حبان: كنيته أبو مالك عِداده في أهل البصرة (الثقات 5/474).

3ــ هانئ بن هانئ:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 6/324 تحت أثر علي: هانئٌ هذا قال ابن المديني: مجهول، ولم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، فلا تطمئن النفس لتوثيق من وثقه، لا سيما وجلّهم متساهلون في التوثيق والتصحيح، ولذلك قال الحافظ في «التقريب»: مستور.
قلت : أخرج له ابن حبان في «صحيحه» 15/410 والترمذي، وحديث ابن حبان في تغيير اسمي الحسن والحسين، قال شيخنا شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن، وذكر قول النسائي في هانئ: لا بأس به، وقول ابن المديني: مجهول، وتوثيق ابن حبان له في «ثقاته» 5/509.
قلت : وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة (الثقات 1498)، ووثقه الطبري في «تـهذيب الآثار»، وأورد حديثه الـهيثمي في «المجمع» 8/ 52 ونسبه إلى أحمد والبزّار والطبراني وقال: رجال أحمد والبزّار رجال الصحيح غير هانئ بن هانئ وهو ثقة.
ثم قال شيخنا أبو أسامة شعيب الأرنؤوط في «تحرير التقريب» 4/34 ترجمة 7264: هانئ بن هانئ الهمداني: مجهول! قلت: وقد وثقه ثلاثة من الأئمة: النسائي، والعجلي، وابن حبان، وتابعهم الهيثمي.
وأبو إسحاق السبيعي: ثقة ثبت، قال علي بن المديني كما في «تهذيب الكمال» 22/110: لم يرو عن هبيرة ابن يريم وهانئ بن هانئ إلا أبو إسحاق السبيعي، وقد روى عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره، وأحصينا مشيخته نحواً من ثلاث مئة شيخ.
قلت : وقد روى عن هبيرة بن يريم أبو فاختة سعيد بن علاقة وهو ثقة من الثالثة مات في حدود التسعين، كما في رواية ابن ماجه (3596)، وفيها ضعف.
والخلاصة: أن حديث هانئ بن هانئ حسن، والرجل صدوق حسن الحديث، والله أعلم.

4ــ نجيٌّ الـحضـرمي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الصحيحة» 3/159 تحت الحديث 1171 ــ (قام من عندي جبريل): وهذا إسنادٌ ضعيف، نجي والد عبد الله: لا يُدرى من هو كما قال الذهبي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وابنه أشهر منه، ومَن صحَّح هذا الإسناد فقد وهم.
قلت : وهو مترجم في «تهذيب الكمال» تحت الترجمة رقم6983، وفي «تهذيب التهذيب» 10/422، وقد قال فيه العجلي: كوفي تابعي ثقة، ووثقه ابن حبان في «ثقاته» 5/154 وقال: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، قال الحافظ ابن ماكولا: كان على مطهرة علي، وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: ورواية أبي زرعة عن ابنه عبد الله بن نجي عن نجي.

5ــ سعيد بن أشوع:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 3/121 تحت الأثر رقم 649 عن علي رضي الله عنه أنّه كان يُكبِّـر حتى يسمع أهل الطريق: لم أقف عليه، وروى ابن أبي شيبة 2/1/2 عن رجل من المسلمين، عن حنش بن المعتمر: أن علياً يوم أضحى كبّـر حتى انتهى إلى العيد. وسنده حسن لولا الرجل الذي لم يُسَمَّ، وقد سمَّـاه الدارقطني 179 في روايته: سعيد بن أشوع ولم أجد له ترجمة.
قلت : قبل البحث في توثيق هذا الراوي أقول: قول الشيخ: سنده حسن لولا الرجل الذي لم يُسَمَّ، فيه نظر فحنش بن المعتمر فيه كلام كبيرٌ جداً، حتى طرحه الإمام أبو محمد علي بن حزم في «المحلى» وقال: ساقط مطرح. قلت: وهذا تـجنٍّ من الإمام أبي محمد عليه، فإن أبا داود وثقه، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال النسائي: ليس بالقوي، وطرحه أيضاً ابن حبان في «المجروحين» 1/269.
ولنعد إلى ابن أشوع فهو مترجمٌ في «تهذيب التهذيب» 4/167 تحت الترجمة 113 حيث قال الحافظ: سعيد بن عمر بن أشوع الهمداني الكوفي القاضي: روى عن شريح بن النعمان الصائدي وشريح بن هانئ وحسن بن ربيعة والشعبي وأبي بردة بن أبي موسى ويزيد بن سلمة الجعفي ولم يدركه وغيرهم، وعنه سعيد بن مسروق وابنه سفيان بن سعيد وخالد الحذّاء وزكريا ابن أبي زائدة وليث بن أبي سليم وحبيب بن أبي ثابت وسلمة بن كهيل وعدّة. وحدّث عنه أبو إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وهما أكبر منه، وقال ابن معين: مشهور، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في «الثقات»، قال ابن سعد: توفي في ولاية خالد بن عبد الله. قلت (ابن حجر): وأرَّخه ابن قانع سنة 120، وقال العجلي: ثقة، وقال البخاري في «التاريخ الأوسط»: رأيت إسحاق بن راهويه يحتج بحديثه، وقال الحاكم: هو شيخ من ثقات الكوفيين يجمع حديثه، وقال الجوزجاني: غالٍ زائغ في التشيع.
قلت : وله ترجمة في «التقريب» (2368): سعيد بن أشوع الهمداني الكوفي قاضيها: ثقة رمي بالتشيع من السادسة مات في حدود العشرين ومئة.

6ــ عائذ بن حبيب:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 2/243 تحت الشاهد في حديث علي ــ وقبل الدخول في ترجمة عائذ بن حبيب أريد أن أبيّن ما يلي:
أــ أنا مع الشيخ في أن رواية علي هذه ليست صريـحة في الرفع، وذلك لوجوه:
1. أن علياً رضي الله عنه ذكر مشاهدته لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو الذي قرأ القرآن، ثم قال هو: هذا لمن ليس بجنب، فأمّا الجنب فلا ولا آية.
2. أن أبا الغريق يُعدُّ مما لا تتقوَّى شواهده، لأن أبا حاتم أحب الحارث الأعور أكثر منه، والحارث الأعور متهم، بل كذّبه بعضهم.
لذلك فأنا مع الشيخ في الحكم الفقهي، لكن أخالفه فيما قاله في عائذ بن حبيب، فقد فقال رحمه الله ــ وعائذ وإن كان ثقةً فقد قال فيه ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه.
قلت : عبارة ابن عدي في «الكامل» 5/1993: روى عن هشام بن عروة أحاديث أنكرت عليه، وسائر أحاديثه مستقيمة.
وقال المزي في «تهذيب الكمال» ترجمة رقم 3057: قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر عائذ بن حبيب فأحسَنَ الثناء عليه، وقال: كان شيخاً جليلاً عاقلاً. وقال في رواية أخرى: ذاك ليس به بأس قد سمعنا منه. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ثقة، وهو أخو الربيع بن حبيب، روى له النسائي وابن ماجه، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال ابن معين: صويلح. وفي «الكاشف» (3117): صدوق من التاسعة.
(فائدة): قال الشيخان اللذان أشرفا على جمع المعجم ــ أحمد بن إسماعيل شكوكاني وصالح بن عثمان اللّحام قولةً يطيش لها الصواب وتنصعق لها أفئدة أولي الألباب، وذلك حيث قالا في 2/397 من «معجم أسماء الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني جرحاً وتعديلاً»: «عائذ بن حبيب الـملّاح أبو أحمد الكوفي: الإرواء 2/243: وإن كان ثقة فقد قال فيه ابن حبان: روى أحاديث أنكرت عليه. قلت: سامحكم الله، لقد انقلب عليكم الاسم من ابن عدي إلى ابن حبان.


7ــ أبو رفاعة عبد الله بن محمد العدوي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الصحيحة» 5/368 في تكملة حديث 2292 ــ «من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة»: الرابع: عن أبي سعيد الخدري: أخرجه ابن الأعرابي في «معجمه» 195/2 وعنه الداني: ثنا أبو رفاعة، يعني عبد الله ابن محمد بن حبيب العدوي، وقال: هذا إسناد رجاله معروفون غير أبي رفاعة فلم أجد له ترجمة.
قلت : ترجمه الخطيب في «تاريخ بغداد» 10/83 وقال: كان ثقةً ولي القضاء مات سنة 271.

8ــ ابن زغب:
قال الامام الالباني رحمه الله في «المشكاة» 3/1500 تحت الحديث رقم 5450 «لا تقوم الساعة»: وقد عزاه الشيخ علي في «المرقاة» تبعاً للجزري إلى أبي داود والحاكم بسند حسن، والحديث عند أبي داود برقم (2535) ورجاله كلهم ثقات غير ابن زغب الإيادي واسمه عبد الله، أورده في «الخلاصة» ولم يـحكِ فيه جرحاً ولا تعديلاً، وفي «الميزان»: ما روى عنه سوى ضمرة بن حبيب. قلت: ففي تحسين الحديث نظر عندي، لأن الرجل مجهول، والله أعلم.
قلت : وهو مختلفٌ في صحبته، والراجح عندي أنّه صحابي، كما في «التقريب (3323)، وذلك لِـمَا يلي:
1. قال ابن حجر في «الإصابة» تحت الترجمة رقم 5291: عبد الله بن زغب الإيادي: قال أبو زرعة الدمشقي وابن ماكولا: له صحبة، وقال العسكري: خرَّجه بعضهم في «المسند»، وقال أبو نعيم: مختلفٌ فيه، وقال ابن منده: لا يصح.
2. ثم قال الحافظ في «الإصابة»: ثم أخرج (يعني ابن منده) من طريق محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن عبد الله بن زغب الإيادي: سمعت رسول الله ^ يقول: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
وأخرجه الطبراني من هذا الوجه، وجاء عنه عن النبي ^ قصة قسّ بن ساعدة.
قلت : فتبيَّـن من ذلك أن عبد الله صحابي جليل، وقد أخطأ من جعل ضمرة فقط هو الراوي عنه، فرواية ابن منده والطبراني أفادتنا أن عبدالرحمن بن عائذ يروي عنه أيضاً، والله أعلم.

9ــ عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي:
قال الامام الالباني رحمه الله في التعليق على «صحيح ابن خزيمة» (828): عبيدالله بن عبد المجيد وإن كان ثقةً ففيه كلام.
قلت : وهو مترجم في «الكاشف» للذهبي (3620) ورمز له برمز الجماعة، وقال: عن هشام الدستوائي وعكرمة بن عمار وخَلْق، وعنه الدارمي وعبد وعدد، ثقة، توفي سنة 206.
قلت: وله ترجمة في «تهذيب الكمال» برقم (4250)، ولم يذكره الأولون بأيّ جرح، بل قال العجلي: بصري ثقة، وقال الدارقطني كما في «سؤالات البرقاني» (319): يعتمد عليه، وقال ابن حجر في «التهذيب» 7/34: وثّقه الدارقطني وابن قانع، وقال في «التقريب»: صدوق لم يثبت أن يحيى بن معين ضعّفه، وحقَّق الدكتور بشار عواد عدم صحة نسبة الجرح إلى ابن معين، وفي «تاريخ الدارمي» رقم 644: لـمَّا سئل يحيى عن عبد الله قال: ليس به بأس. وقد تابع الشيخ الألباني رحمه الله العقيليَّ في جرحه، حيث قال الثاني في «الضعفاء» 3/123: عن ابن معين: ليس بشيء. وهذا النقل خطأ كما بينته من النقل عن «تاريخ الدارمي» فتنبَّه!

10ــ سليمـان بن شراحيل:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 1/199تحت الحديث رقم 185 ــ «إذا أتى على الجارية تسع سنين» الحديث: أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصفهان» 2/273، وعنه الديلمي 1/1/89 مختصرةً عن عبيد بن شريك، حدّثني سليمان بنت شرحبيل، ثنا عبد الملك بن مهران، ثنا سهل بن أسلم العدوي، عن معاوية بن قرة قال: سمعت ابن عمر به. قلت (ناصر): وهو إسنادٌ ضعيف، عبد الملك بن مهران قال ابن عدي: مجهول، وقال العقيلي: صاحب مناكير غلب عليه الوهم لا يقيم شيئاً من الحديث. قلت (ناصر): ومن دونه لا أعرفهم.
وقال في «الضعيفة» 4/200: كتب كاتب «الفوائد» على شرحبيل: شراحيل، كأنّه يعني نسخته. ثم قال: ولم أجد في هذه الطبعة من اسمه سليمان ابن شرحبيل أو شراحيل.
قلت : وقد انقلب الأمر على الشيخ حيث نقل السند «حدّثني سليمان بنت شرحبيل، حدثنا عبد الملك»، ثم قال: «ولم أجد مَن اسمه: سليمان ابن شرحبيل أو شراحيل»، فإنه ليس سليمان بنت شرحبيل ولا ابن شرحبيل، بل هو ــ كما في «تاريخ أصبهان» 2/273 ــ سليمان ابن بنت شرحبيل، وهو سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى بن ميمون التميمي أبو أيوب الدمشقي، ابن بنت شرحبيل بن مسلم الخولاني، كما في «تهذيب الكمال» تحت الترجمة (2529)، وقد روى عن عبد الرحمن أبي الرجال وعبد الرحمن بن سوار الهلالي وعبد الملك بن محمد الصنعاني وعبد الملك بن مهران (وهو الراوي عنه في الطريق التي ذكرها الشيخ).
وفي «التهذيب» 4/207: سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى بن ميمون التميمي الدمشقي أبو أيوب، ابن بنت شرحبيل بن مسلم الخولاني، روى له البخاري وأبو داود والبقية دون مسلم، قال ابن معين: ليس به بأس، ووثقه يعقوب بن سفيان والدارقطني، وقال أبو زرعة الدمشقي في ذكر أهل الفتوى بدمشق: سليمان بن عبد الرحمن.
وقال الحافظ السخاوي في «فتح المغيث» 1/364، وتابعه السندي في «إمعان النظر» ص261: كلام أبي داود يقتضي أنّ الحجة أقوى من الثقة، وذلك أن الآجُرِّيَّ سأله عن سليمان ابن بنت شرحبيل فقال: ثقة يخطئ كما يخطئ الناس، قال الآجري: فقلت: هو حجة؟ قال: الحجة هو أحمد بن حنبل.
وفي «فتح الـمغيث» للسخاوي 1/347: قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان بن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة، قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يُحدِّث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة. اهـ . وذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» 4/121 بإثر رواية الحسين بن علي بن محمد النخعي البغدادي.

11ــ اليحصبي:
قال الامام الالباني في «الصحيحة» 3/253 تحت الحديث 1254 ــ «طوبى لمن رآني»: أخرجه الحاكم 3/86، وهذا إسنادٌ حسن رجاله معروفون غير اليحصبي هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم 3/2/316 برواية جماعة عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، والظاهر أنّه وثقه ابن حبان، يدل عليه كلام الهيثمي السابق.
قلت : وهو مترجمٌ في «تهذيب الكمال» برقم (5994) ورمز له (بخ دس ق)، وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سمعت دحيماً يقول: محمد بن عبد الرحمن اليحصبي من مشيخة أهل حمص ما أعلمه إلا ثقة. وذكره ابن حبان في «الثقات» 5/377 وقال: كنيته أبو الوليد يروي عن عبد الله بن بسر روى عن أهل الشام وقال: لا يحتج بحديثه ما كان من رواية إسماعيل بن عيّاش وبقيه بن الوليد ويحيى بن سعيد العطار وذويـهم، بل يعتبر من حديثه ما رواه الثقات عنه. وله ترجمة في «التاريخ الكبير» 1/1/69. قلت: والإسناد ضعيف وذلك لأن من رواية بقية عنه، وبقية في روايته عن اليحصبي ضعيف جداً.
12ــ عبد الله بن حسان العنبري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الضعيفة» 3/679: وهذا إسنادٌ في ثبوته نظر من وجهين: الأول: أن عبد الله بن حسان العنبري مجهول الحال ولم يوثقه أحد، وقال الحافظ في «التقريب»: مجهول.
وقال رحمه الله في «الصحيحة» 5/157 تحت الحديث 2124 ــ «رأيت النبي ^ قاعداً القرفصاء»: وإسناده حسنٌ في الشواهد، العنبري هذا روى عنه جمعٌ من الثقات منهم عبد الله بن المبارك، وقال الحافظ: مقبول.
وقال في «الشمائل» ص49 حديث رقم 53: ولم يوثقه أحد وروى عن جمع من الثقات ولعلّه لذلك قال الذهبي في «الكاشف»: ثقة، والأقرب قول الحافظ في «التقريب»: مقبول، يعني عند المتابعة.
وفي «نقد النصوص الحديثية» ص23 قال: لم يوثقه أحد حتى ابن حبان، فهو مجهول الحال، وقد ضعفه الحافظ بقوله: مقبول.
قلت : فيه خطآن:
الأول: في اسم جدَّتي حسان، فجاء في «الشمائل» وفي «مختصره» للشيخ: (رحيبة وعليبة) والصحيح (صفية ودحيبة ابنتا عليبة) كما في «تهذيب الكمال» و«الكاشف» وغيرهما، وكما رواه الترمذي في «جامعه» (2814).
الثاني: أن النفي المتقدم من الشيخ ليس صواباً، فقد وثقه ابن حبان 8/337 وقال: من أهل البصرة أخو هشام بن حسّان، يروي عن كثير مولاهم عن عكرمة، روى عنه موسى بن إسماعيل. وله ترجمة في «الكاشف» برقم 2710 ووثَّقه كما ذكر الشيخ.
فقول الشيخ: لم يوثقه أحد، قول جانب فيه الصواب، فرحم الله الشيخ لو كان حياً ما وسعه إلا العمل بالحق واتباعه.

13ــ زافر:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 7/76 تحت الحديث 2015 : وهو ضعيف، قال العقيلي في «الضعفاء» 325: قليل الضبط للحديث يهم وهماً، وقال أبو عبد الله (البخاري): لا أعرفه ... إلى أن قال: وشيخه زافر وهو ابن سليمان القهستاني ضعيف أيضاً، قال الحافظ في «التقريب»: صدوقٌ كثير الأوهام.
وقال في «الصحيحة» 2/199: ضعيف.
وقال في «الضعيفة» 2/57: قال المناوي: قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه.
فالخلاصة أن الشيخ جعله صدوقاً في نفسه ضعيفاً في حفظه.
قلت : إن المتقدمين ممن ترجموا لهذا الراوي سلكوا مسلكاً مغايراً لِـمَا قاله الحافظ في «التقريب» ولِـمَا تبنَّاه الشيخ وحكاه عن ابن عدي، فقوله: صدوق كثير الأوهام، لم يسبق ابن عدي إليها أحد. فالمتقدمون لهم كلام غير هذا، فقد قال ابن معين: ثقة، وفي رواية أبي عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد قال برقم 2699: سمعت أبي يقول: زافر ثقة ثقة قد رأيته، وفي «التهذيب» 3/304: وثقه ابن معين وأبو داود ثقة كان رجلاً صالحاً، وقال الرازي أبو حاتم 3/2825: محله الصدق.

14ــ عثمان بن حكيم:
قال الامام الالباني في «الضعيفة» 4/335 حديث 1854: ضعيف، أخرجه أبو داود 2/154، والحاكم 4/413، وأحمد (486)، وابن السني (380) من طريق عبد الواحد بن زياد، ثنا عثمان بن حكيم، ثتني جدتي الرباب قالت: سمعت سهل بن حنيف ... الحديث. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وفيه نظر، فإن عثمان بن حكيم وجدته الرباب غير مشهورين بالعدالة فهما من المقبولين عند الحافظ في «تقريبه».
قلت : وانتقل بصر الشيخ في «التقريب» إلى الذي قبله (رقم الترجمة 4459)، وهذا من العاشرة، والثاني وهو حكيم بن عثمان (الترجمة 4461) وهو من الخامسة ثقة، وقال أحمد: ثقة ثبت.
وقال ابن معين وأبو داود وأبو حاتم والنسائي: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح، وقال أبو سعيد الأشج عن أبي خالد الأحمر: سمعت أوثق أهل الكوفة وأعبدهم عثمان بن حكيم.

15ــ زائدة بن نشيط:
قال الامام الالباني رحمه الله في التعليق على «صحيح ابن خزيمة» (1159): زائدة بن نشيط مجهول الحال.
قلت : هو مترجم في «تهذيب الكمال» برقم 1936 وفيه: روى عن أبي خالد الوالبي وعنه ابنه عمران بن زائدة وفطر بن خليفة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وفي «التقريب»: مقبول من السادسة، وفي «الكاشف» للذهبي: زائدة بن نشيط عن أبي خالد الوالبي وعنه ابنه عمران وفطر بن خليفة ثقة. وقد صحَّح له الشيخ في «صحيح سنن أبي داود» 1/246 رقم الحديث 1179، وفي «سنن أبي داود» 1328.

16ــ إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الصحيحة» 5/168 تحت الحديث 2137 ــ «كان رسول الله ^ يُعرَف بريح الطيب»: ثم روى الدارمي من طريق إسحاق ابن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي، عن المغيرة بن عطية، عن أبي الزبير، عن جابر. قلت (ناصر): وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، أبو الزبير مدلس وقد عنعنه، والمغيرة بن عطية مجهول، أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 4/1/227 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وإسحاق بن الفضل بن عبدالرحمن الهاشمي أورده الطوسي في «رجاله» ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً كغالب عادته، وزاد على ما في هذا الإسناد أنّه مدنيٌ، وذكره في أصحاب الباقر ص 104 رقم 7: إسماعيل بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب: ثقةٌ من أهل البصرة، وذكر المعلِّق عليه أنّه هو الأول مدني، وتبعه في ذلك الحافظ ابن حجر في «اللسان»، وهو بعيد عندي لاختلاف اسم جدِّهما ونسبتهما، والله أعلم.
قلت : وهو مترجمٌ في «الجرح والتعديل» 2/229 برقم 1799: إسحاق بن عبد الرحمن الهاشمي: روى عن المغيرة بن عطية، روى عنه أبو غسّان مالك بن إسماعيل، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، زاد أبو زرعة: يُعدُّ في الكوفيين. وله ترجمة في «التاريخ الكبير» 1/399 برقم 1273: إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي: سمع مغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر: لم يكن النبي ^ يمرُّ في طريق أحدٍ إلا عُرف أنّه سلكه من طيبِ عَرَقِه. سمع من مالك بن إسماعيل، يُعدُّ في الكوفيين، ووثقه ابن حبان 8/108 وعدّه من أهل الكوفة.

17ــ عمرو بن مالك النكري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «تمام المنّة» 138 تحت حديث «عرى الإسلام»: أنا في شكٍ كبير من ثبوت هذا الحديث عن رسول الله ^ ، والمصنف إنما حسّنه تبعاً للمنذري، وقد كنت قلت في تعليقي عليه ما نصّه ...، وكذا قال الهيثمي في «المجمع» 1/48. قلت (ناصر): وفيه عندي نظر، لأنّه من رواية عمرو بن مالك النكري ولم يذكروا توثيقه إلا عن ابن حبان، ومع ذلك فقد وصفه ابن حبان بقوله: يُـخطئ ويُغرِب يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه.
قلت : وهو خطأ من وجهين:
الوجه الأول: أن الشيخ تابع ابن حجر في وهمه في النقل عن ابن حبان حيث قال في «التهذيب» 8/96 بعد نقل توثيق ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يخطئ ويغرب. وهذا الكلام قاله ابن حبان في ترجمة عمرو بن مالك الراسبي الغبري، فكأن النسّاخ لنسخة ابن حبان كتبوها الغبري بدل النكري، وقد ترجم ابن حجر للغبري في «تهذيب التهذيب» 8/95 قبل ترجمة النكري بترجمتين، على أنّ الغبري مات بعد الأربعين ومئتين، والنكري مات سنة تسع وعشرين ومئة، وشيوخ النكري مختلفون عن شيوخ الغبري، لذلك أرى أن قوله في النكري: يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه، وهمٌ من ابن حجر في النقل عن ابن حبان.
ثم قول الشيخ: لم يوثقه إلا ابن حبان، ليس صحيحاً، فقد وثقه الذهبي كما في «الميزان» 3/ترجمة رقم 6436 قال: عمرو بن مالك النُّكري عن أبي الجوزاء وعمرو بن مالك الجنبي عن أبي سعيد الخدري وغيره فثقتان.
الوجه الثاني: قد وثَّق الشيخ نفسه عمرو بن مالك حيث قال في «الصحيحة» 5/608 تحت حديث 2472 ــ «كانت امرأةٌ تصلي خلف النبي ^ » الحديث، قال: أخرجه أبو داود والطيالسي: حدّثني نوح بن قيس قال: حدّثني عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء. قلت (ناصر): رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك النكري ثقة.
قلت: واستشهد به الشيخ رحمه الله في رده على التويجري بشأن الحجاب على جواز كشف الوجه وصحَّحه في تفسير قوله تعالى: ﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستئخرين﴾.

18ــ عبد الله بن واقد الحرّاني:
قال الامام الالباني رحمه الله في «تمام المنّة» ص312 تحت حديث 312 ــ «قال الله عز وجل: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي» الحديث، قال: سكت عليه المؤلف فأوهم صحته، وليس كذلك، بل هو ضعيف جداً، فقد ذكر المنذري والهيثمي أنّ في سنده عبد الله بن واقد الحرّاني، قال الحافظ في «التقريب» إنّه متروك وكان أحمد يثني عليه وقال: لعلّه كبر واختلط وكان يدلِّس.
قلت : لا أعرف ما الذي جعل شيخنا يعرض عما جاء في «ميزان» الذهبي 2/4674 من قوله: وثقه أحمد ويحيى، وقال أبو زرعة: لم يكن به بأس، وهؤلاء من علية المتقدمين، ويأخذ بقول ابن عدي: مظلم الحديث لم أرَ للمتقدمين فيه كلاماً. قلت: وليس ذنبه تلك المتون المروية عنه، فربّما ركّبت عليه، وليس ذنب كل راوٍ ركّب عليه متن أن نضعفه ونرميه به، سيما أنّ المتقدمين أمثال أحمد وابن معين وأبي زرعة لم يأخذوا بهذا الجرح الذي حكاه ابن عدي، والله أعلم.


19ــ رافع بن سلمة وحشرج بن زياد:
قال الامام الالباني في «إرواء الغليل» 5/71 تحت الحديث 1238 ــ «أن النبي ^ أسهم لهنَّ يوم خيبر»: وهذا إسنادٌ ضعيف، رافع بن سلمة وحشرج بن زياد لا يعرفان كما قال الذهبي وغيره، ووثقهما ابن حبان.
قلت : أما رافع بن سلمة فهو مترجم في «تهذيب الكمال» وفيه: روى عن ثابت البناني وحشرج بن زياد الأشجعي وأبيه سلمة بن زياد بن أبي الجعد وعم أبيه عبد الله بن أبي الجعد، وروى عنه زيد بن الحباب وسعيد بن سليمان بن نشيط وشاذ بن فيّاض وعبد الصمد بن عبد الوارث وعلي بن الحكم المروزي ومحمد بن عبد الله الرقاشي ومسلم بن إبراهيم، ووثقه ابن حبان 1/226، وقال في «التقريب»: رافع بن سلمة بن زياد بن أبي الجعد الغطفاني مولاهم البصري: ثقة من السابعة. وفي «الكاشف» للذهبي 1/232 برقم (1520): رافع بن سلمة الأشجعي: عن أخي جدّه وغيره، وعنه زيد بن الحباب ومسلم، ثقة.
قلت: فهذا الراوي وأضرابه كثر سيمرون معنا هم ثقات على منهج الشيخ الألباني، والشيخ ناصـر قَبِلَ مَن وثقه ابن حبان أو العجلي وصحَّح لهم، وإليك مثالاً على ذلك:
قال الامام الالباني في «الإرواء» 7/213 تحت الحديث 2137 : وربيعة بن سليم هو أبو مرزوق التجيبي قال الحافظ في الأسماء من «التقريب»: مقبول، وقال في الكنى: ثقة. قلت (ناصر): وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات فهو حسن الحديث إن شاء الله.
وقال رحمه الله في «مختصر العلو» ص174 تحت أثر صالح بن الضريس: هذا إسنادٌ لا بأس به، فإن صالحاً هذا أورده ابن أبي حاتم 2/1/406 ــ 407 وقال: روى عن محمد بن أيوب، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد روى عنه محمد الذهلي.
قلت : فهل هذا الراوي الذي صحَّح له الشيخ يساوي في الحفظ والإتقان معشار ربع ما استدركته من الرواة على الشيخ؟

20ــ الضحاك بن عبد الله القرشي:
وهذا الراوي اشترك في تجهيله الشيخان الألباني وشعيب الأرنؤوط وإليك الحديث وتخريجه وتوثيق هذا الراوي:
عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله ^ في سفرٍ صلى سُبحة الضحى ثماني ركعات، فلمّا انصرف قال: إنّي صليت صلاةً رغبةً ورهبةً ...، الحديث أخرجه أحمد 19/469 برقم (12486) من طبعة شيخنا شعيب، والنسائي في «الكبرى» 1/268 برقم 489، والحاكم 1/314، وابن خزيمة 2/230 برقم 1228، وأبو نعيم 8/326، والضياء في «المختارة» 6/208، كلهم من طريق بكير بن الأشج، عن الضّحّاك بن عبد الله القرشي، عن أنس. قال شيخنا شعيب: إسناده ضعيف (صحيح لغيره)، الضحاك لم يوثقه إلا ابن حبان. وقال الامام الالباني الألباني في «تمام المنة» ص257: فيه شيئان: الأول: أن الحديث ليس في «سنن النسائي» الصغرى وهي المقصودة عند إطلاق العزو للنسائي، فكان الواجب تقييد العزو إليه في «سننه الكبرى»، فإنه أخرجه فيه كما في «تعجيل المنفعة» للحافظ ابن حجر، وليس له (يعني الحديث) في النسخة المطبوعة في المغرب من «عمل اليوم والليلة» له.
الثاني: أن إسناده لا يصح، وإن صححه من ذكرهما المؤلف، لأنّ فيه الضحاك بن عبد الله القرشي وهو في عداد المجهولين كما يبدو لمن راجع ترجمته في «التعجيل» فلينظرها من شاء، لكن الحديث صحيحٌ لشواهده دون الركعات، فانظر «الصحيحة» (1724).
قلت : أما الشيخ ناصر فلقد ذهب إلى رحمة الله ــ أحسبه كذلك والله حسيبه ــ وحفظ الله شعيباً أبا أسامة، فإنّي قد بيّنت لشيخنا حفظه الله أن قوله في الضحاك ليس صواباً، وأنّه تواتر هو والعلامة ناصر على هذا الخطأ فقال لي: لا يمكن هذا لأن المهتمين برجال الستة لم يذكروه، وبما أن النسائي ذكره فلا بد أن يترجم له، ثم إن هذا الراوي ليس له ترجمة في «تهذيب الكمال» ولا «تهذيب التهذيب» ولا «التقريب» ولا «الخلاصة» ولا «الكاشف» ولا «الميزان»، فكيف تدَّعي ــ وكلامه حفظه الله موجّه إلي ــ أنّه وثّق، فقلت له: حفظك الله، أمّا عدم ذكر النسائي له فلا أعلم في حدود علمي القاصر لماذا لم يذكره النسائي، أما توثيقه فلقد وثقه الدارقطني كما روى الكَرَجي( ) عن البَـرقاني( ) في «سؤالاته» للدارقطني ص235: قال الدارقطني: مدني ثقة يحتج به.

21ــ رباح بن عبد الرحمن:
قال رحمه الله في «الصحيحة» 4/475 تحت الحديث 1861: رباح بن عبد الرحمن وأبو ثفال واسمه ثمامة بن وائل فيهما جهالة.
قلت : روى عنه إبراهيم بن سعد وثمامة بن وائل أبو ثفال المري والحكم بن القاسم الأويسي، وقيل: إنما يروي الحكم عن أبيه عبد الرحمن بن أبي سفيان، وصدقه مولى آل الزبير، وروى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي هريرة وجدَّته عن أبيها وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. ووثقه ابن حبان، وقال ابن حجر في «التقريب»: مقبول، وعرفه أبو عمر ابن عبد البر، فهذا الراوي من شروط الشيخ ناصر الألباني.

22ــ إسحاق بن الأزرق:
قال رحمه الله في «الإرواء» 2/272 تحت الحديث 500 ــ «من كان له إمام فقراءته له قراءة»: وهو عندي معلول، فقد ذكر ابن عدي كما تقدم وكذا الدارقطني والبيهقي أنّ سفيان الثوري وشريكاً روياه مرسلاً دون ذكر جابر، فذكر جابر في إسناد ابن منيع وهم، وأظنه من إسحاق الأزرق فإنه وإن كان ثقة فقد قال فيه ابن سعد: ربما غلط.
قلت : قال أبو داود كما في «تهذيب الكمال» برقم 389: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إسحاق يعني الأزرق وعباد بن العوام ويزيد كتبوا عن شريك بواسط من كتابه، قال: قدم عليهم في حفر نهر، وكان شريك رجلاً له عقل يحدّث بعقله، قال أحمد: سماع هؤلاء أصح عنه، قيل: إسحاق ثقة؟ قال: إي والله ثقة.
قلت : فالعلة من شريك وليست من إسحاق كما ادعى الشيخ رحمه الله، فشريك سيئ الحفظ وهو أكبر من سفيان بن سعيد، فربما حدّث بواسط من كتابه، حدّث به إسحاق الأزرق، قال العجلي: كان أروى الناس عنه إسحاق بن يوسف الأزرق الواسطي، سمع منه تسعة آلاف حديث، فحدّث به شريك على عقله دون الرجوع لكتابه على عادته ــ كما قال الإمام أحمد ــ فأسقط منه جابراً، ولعل سفيان سمعه من شريك على نحو من إسقاط جابر، وإسحاق الأزرق أرفع من شريك، فقد وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم وقال أحمد بن علي: ورد بغداد وحدّث بها وكان من الثقات المأمونين وأحد عباد الله الصالحين، وقال ابن سعد: وكان ثقة ربما غلط، والله أعلم.

23ــ إسمـاعيل بن إبراهيم الأنصاري:
قال رحمه الله في «الضعيفة» 2/108 عن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري: مجهول، وكذا قال في «تمام المنة» ص23.
قلت : وهو مترجم في «تهذيب الكمال» برقم 412: وقد روى عن عبد الرحمن الكلبي، قال ابن أبي حاتم: إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري: روى عن أبيه، روى عنه عمرو بن الحارث، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وقال أبو زرعة: يُعدُّ في المصريين، وقال أبي: هو مجهول لا يُدرى مصري هو أم لا؟
قلت: ترجم له البخاري في «تاريخه» 1/343 وقال: سمع أباه، سمع منه عمرو بن الحارث، يُعدُّ في أهل مصر. أما الذهبي فجعلهما في «ميزان الاعتدال» 1/215 اثنين، وجزم بأن الذي جهّله أبو حاتم هو أبو إبراهيم وليس إبراهيم نفسه، وأبوه روى عن عطاء، ولذلك وثقه ابن حبان 1/38 وجعله من أبناء التابعين، وجعله سعيد بن يونس في «تاريخ مصر» مصرياً. وأورد له حديثا ساقه المزي في «تهذيب الكمال» 1/219 برقم 412: حدّثني أبي، عن جدي قال: حدّثنا ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب، أنّ إسماعيل ابن إبراهيم حدّثه، أنّه سأل سالم بن عبد الله ... الحديث.
قلت: ومع توثيق ابن حبان ومعرفة ابن يونس صاحب «تاريخ مصر» والبخاري له وعدّه من أهل مصر ترتفع جهالته، وعهدي بالشيخ أنّه صحح وحسَّن لمن هو أدنى من هذا، ولولا تصحيح الشيخ لمثله ما تعنّيت في توثيقه.
ثم رأيت البخاري رحمه الله ذكر إسماعيل هذا في ترجمة والده إبراهيم فقال ــ كما في «التاريخ الكبير» 1/1064: إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري: عن أبيه، سمع النبي ^ ، قال أبو عبد الله: ولم يثبت، وفي «التاريخ الكبير» 1/1085: لم يصح.

24ــ إسمـاعيل بن سنان العصفري:
ذكر رحمه الله في «الصحيحة» 3/412 برقم 1425 حديث «إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه»( )، قلت : ولي مؤاخذات على تصحيح الجملة الأخيرة من هذا الحديث، وهي: «فإنهم يتزاورون في قبورهم» فقول الشيخ: «فيرتقي الحديث بهذه الطريق إلى مرتبة الصحيح لغيره، والله أعلم» غير مسلَّمٍ له في هذا التصحيح، ذلك أن مسلماً وأبا داود روياه دون هذه الزيادة الضعيفة المنكرة، ولم يروها إلا:
1. سعيد بن سلام عند الخطيب وهو هالك.
2. ذكر الشيخ رحمه الله إسناد المعافي في جزئه وعزاه للحارث، وحكم عليه بقوله: وفي إسنادهما من لم أعرفه مع العنعنة.
3. في إسناد البيهقي في «الشعب» مسلم بن إبراهيم كذّبه ابن معين، وفي رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير اضطرابٌ كبير.
ثم قال مع هذا: هو حسن، فكيف حسَّنته يا شيخنا؟ ومن شروطك في التحسين أن لا يكون في أحد رواته متروك أو متهم، فقد قلت رحمك الله في «تـمـام المنة» ص410 تـحت حديث التوسعة يوم عاشوراء: عن جابر أن رسول الله ^ قال: «من وسّع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته» رواه البيهقي في «الشعب» وابن عبد البر، وللحديث طرقٌ أخرى كلها ضعيفة، ولكن إذا ضم بعضها إلا بعض ازدادت قوةً كما قال السخاوي، قلت (ناصر): هذا رأي السخاوي، ولا نراه صواباً، لأن شرط تقوِّي الحديث بكثرة الطرق، وهو خلوُّها من متروك أو متهم، لم يتحقق في هذا الحديث. فانظر مثلاً حديث جابر هذا، فإنّ له طريقين: الأولى: عن محمد بن يونس، حدّثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، حدّثنا عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر، عن محمد بن المنكدر، عنه. أخرجه البيهقي. فهذا إسنادٌ موضوع من أجل محمد بن يونس وهو الكديمي فإنّه كذّاب، وقد اتهم الكديمي بالوضع إلى أن قال: وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين.
قلت : فهذه شروط الشيخ في التحسين، فهل انطبقت هنا؟!
4. حكم على إسناد حديث ابن السمّاك وابن منده في «المنتخب من الفوائد» بأنّه جيّد، مع أنه أعلَّه برجلين، وهما العصفري وعبد الملك الرقاشي. فمجرد وجود عبد الملك في هذا الإسناد، مع قول الحافظ فيه: صدوق يخطئ، كفيل بإسقاط السند والزيادة، وذلك لمخافتهما لِـمَا في الصحيح، وقد يقول قائل: هذه زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة. قلت: وأين هو الثقة؟ فالحديث منكر عندي، لأن الرقاشي صدوق يخطئ (فيه ضعف) وخالف الثقات، فلذلك حكمنا على هذه الزيادة بالضعف، والله أعلم.
ولنعد إلى إسماعيل العصفري، قال الامام الالباني ناصر رحمه الله: قال ابن أبي حاتم 1/1/176 عن أبيه: ما بحديثه بأس.
قلت : له ترجمة في «التاريخ الكبير» 1/358 برقم 1134: إسماعيل بن سنان أبو عبيدة البصري: سمع من عكرمة بن عمار، سمع منه ابن المديني وخليفة بن خياط.
وقال الدارقطني في «سؤالات البرقاني» 1/58: صالح، ووثقه ابن حبان.
قلت: وله رواية في «صحيح ابن حبان» 4/270 رقم الحديث 1422 عن أبي سعيد الخدري عن النبي ^ قال: «لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدّثان ... الحديث. قال شيخنا شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، إسماعيل بن سنان لم يوثقه غير المؤلف.
قلت: وأخطأ شيخنا شعيب أيضاً، وحق هذا الراوي أن ينقل من الضعف إلى الصحة، على أنني أوافق الشيخين الفاضلين في تضعيفهمـا لهذا الحديث، وذلك لجهل عياض بن هلال، أو هلال ابن عياض، واضطراب رواية عكرمة عن يحيى بن أبي كثير، وانفراد العصفري ومخالفته لغيره توجب عندي سقوط هذه الزيادة، ولو كان العصفري صدوقاً.
25ــ سعد بن سعيد الأنصاري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «ضعيف الأدب المفرد» 81: مجهول. قلت: وأخطأ الشيخ، فحقه أن يقول: فيه ضعف، فهو مترجمٌ في «تهذيب الكمال» 3/120 برقم 2192وفيه: قال النسائي: ليس بالقوي، وعن أحمد: ضعيف، وعن ابن معين: صالح، وقال ابن عدي: له أحاديث تقرب من الاستقامة.
26ــ إياس بن عامر الغافقي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «تمام المنّة» ص190: قوله (يعني: سيد سابق): فعن عقبة بن عامر قال: لـمّا نزلت ﴿فسبّح باسم ربك العظيم﴾ قال لنا النبي ^ : «اجعلوها في ركوعكم»، رواه أحمد وابو داود وغيرهما بإسناد جيد. قال ناصر: كذا قال (يعني سيد سابق)، ونحوه قول النووي في «المجموع» 3/413: رواه أبو داود وابن ماجه، وسكت عنه الحافظ في «التلخيص» 1/242، وفي إسنادهم جميعاً عم موسى بن أيوب، واسمه إياس ابن عامر الغافقي وليس بالمعروف كما حقَّقته في «ضعيف أبي داود» 152ـ 153، ثم في «إرواء الغليل» 334، ولو صح الحديث لدل على وجوب التسبيح، وهذا خلاف ما قاله المؤلف من الاستحباب، وللحديث تتمة سيذكرها المؤلف في السجود. ثم قال في «تمام المنّة» ص 207 من مقدار السجود: وهو تمام الحديث المتقدم وقد بيّنّا هناك أن إسناده ضعيفٌ، فتذكَّر.
قلت : هو إياس بن عامر الغافقي ثم المناري مصري قال العجلي في «ثقاته» 108: تابعيٌ لا بأس به. وصحَّح له ابن خزيمة، وقال الذهبي في «تلخيص المستدرك»: ليس بالقوي، وفي «التقريب» (589): صدوق.
27ــ أبو مروان والد عطاء:
قال الامام الالباني رحمه الله في «تمام المنّة» 230 معلِّقاً على حديث: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ...» إلخ، فأعلّه بأبي مروان والد عطاء وقال: قال النسائي: ليس بالمعروف، واعتمده الذهبي في «الميزان» و«الضعفاء».
قلت : هو أبو مروان الأسلمي والد عطاء بن أبي مروان، مختلفٌ في صحبته، قيل: اسمه سعد، وقيل: مغيث بن عمرو، وقيل غير ذلك. روى عن عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي، وعلي بن أبي طالب، وكعب الأحبار، وأبي ذر الغفاري، وأبي مغيث بن عمرو على خلاف فيه، وأم المطاع الأسلمية ولها صحبة، وقيل: روى عن أبيه عن كعب. وروى عنه عبد الرحمن بن مهران المدني، وابنه عطاء بن أبي مروان، قال العجلي 2038: مدني تابعي ثقة، وفي «الكاشف»: ثقة، ووثقه أيضاً ابن حبان 5/585، وللأسف الشديد تمسك الشيخ رحمه الله بقول النسائي: ليس بالمعروف، مع أن ابن حبان والعجلي من المتقدمين وثَّقاه، ثم من المتأخرين الذهبي، وعهدي بالشيخ أنّه يقبل تصحيح أو تحسين الحافظ ابن حجر، وسيأتي معنا مزيدٌ من هذا خاصة فيما سأكتبه حول تهنئة العيد، وترجيح رفع جهالة بعض الرواة الذين طلب الشيخ ناصر رفع الجهالة عنهم، وقبوله تحسين ابن حجر فيما نقله لي أحد طلابه، والله أعلم.
فائدة: ذكر شيخنا شعيب حفظه الله، في تعليقه على «صحيح ابن حبان» 5/273 عقب حديث: «اللهم اصلح لي ديني» وأعلّه بابن السري بأنّه متابع، ولم يذكر لنا فضيلته المتابعة، ولم يُـخرِّجه إلا من عند ابن حبان.
قلت: وقد تابعه ابنُ وهب عند النسائي في «الكبرى» 9/9888، وفي وفي «عمل اليوم والليلة» (137)، وعند ابن خزيمة (745).
28ــ عبد العزيز بن قيس:
قال رحمه الله في «ضعيف الأدب»: عبد العزيز بن قيس مجهول، وقال ص115: مجهول الحال.
قلت : له ترجمة في «تهذيب الكمال» برقم 4056، وفي «التقريب» (4117) وقال: مقبول من الرابعة، ووثقه ابن حبان 5/124، وروى عن أنس بن مالك، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن عمر، وروى عنه أبو خالد الأحمر، وابنه سكين بن عبد العزيز، والمثنى بن دينار القطّان الأحمر، قلت: وهو على شرط تصحيح شيخنا كما مرَّ معنا.

29ــ أحمد بن أبي عوف:
قال أصحاب «معجم الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني جرحاً وتعديلاً»( ) 1/126 ما يلي: أحمد بن أبي عوف = أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية، ووضعوا نقطة سوداء (•). ثم ذكروا أحمد بن عبد الرحمن ورمزوا له أن الشيخ لم يـجد له ترجمة.
قلت : له ترجمة في «تاريخ الخطيب» 4/245، و«سؤالات السهمي» للدارقطني 134، و«طبقات الحنابلة» 1/51، قال إبراهيم بن إسحاق الحربي: ابن أبي عوف أحد عجائب الدنيا، وقال الدارقطني في «سؤالات السهمي» له: ثقةٌ هو وأبوه وعمه، وقال الخطيب البغدادي: كان ثقةً نبيلاً رفيعاً جليلاً، له منزلة من السلطان، وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» 12/531: الصدر النبيل الثقة. قلت : وأحمد بن أبي عوف هو نفسه أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية.

30ــ أحمد بن الفضل العسقلاني:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الضعيفة» 5/75 عن أحمد بن الفضل: الظاهر أنّه الذي في «الجرح» 1/1/167 أحمد بن الفضل العسقلاني أبو جعفر (ولقب بالصائغ).
قلت : روى عن سليمان بن عبد الرحمن، ويحيى بن حسّان، وبشر ابن بكر التنيسي، ورواد بن الجرّاح العسقلاني، وفديك بن سليمان القيسراني، وآدم بن أبي إياس، ومروان بن معاوية الفزاري، وروى عنه الحافظان الجليلان عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو بكر بن خزيمة، وابن صاعد، ومروان بن العباس الجويني، وأبو بكر النيسابوري، وأبو حامد أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه المقرئ، وأبو العباس الأصم، وقال ابن حزم: مجهول. قلت: وهو مترجم في «تاريخ دمشق» 5/166، و«لسان الميزان» 1/778، و«الجرح والتعديل» 2/ترجمة رقم 123، و«تاريخ الإسلام» 19/54، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، على أنّه ليس مجهولاً كما ادّعى الإمام ابن حزم.

31ــ أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد البصري:
وهو ابن ابن الحافظ يحيى بن سعيد القطّان: قال الامام الالباني رحمه الله في «الصحيحة» 2/219، و«تمام المنّة» 205 في بيان أسماء بعض الرواة الذين وثقهم ابن حبان، وأقره الحافظان ابن حجر والذهبي، قال الشيخ: وهؤلاء الرواة وثقهم ابن حبان فقط، وقال فيهم الحافظ ما ذكرته آنفا من عبارتي التوثيق.
قلت : له ترجمة في «الجرح والتعديل» 2/ترجمة رقم 146 قال: أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان أبو سعيد البصري، روى عن جده يحيى بن سعيد القطّان، ويونس بن بكير، وعبد الله، وعمرو العنقزي، وأبي أسامة، ويـحيى بن عيسى، وصفوان بن عيسى، وأزهر السّمان، وسويد بن عمرو، كتبنا عنه بسامراء، قدم من البصرة وكان صدوقاً، سئل أبي عنه فقال: صدوق. وله ترجمة في «تهذيب الكمال» برقم 103، وفي «ثقات» ابن حبان 8/38 وقال: كان متقناً، وفي «تاريخ بغداد» 5/117، و«تهذيب التهذيب» 1/80، و«التقريب» برقم 106 وفيه: صدوق من الحادية عشرة، وفي «الكاشف» للذهبي وقال: صدوق.

32ــ عبد الله بن الوليد العدني:
قال رحمه الله في «تمام المنّة في التعليق على فقه السنة» 246 تحت الحديث «لا إله إلا أنت سبحانك»: فيه ما في الحديثين السابقين قبله، يعني ص244 و245، وكأن المؤلف اغتر بقول النووي في «الأذكار»: رويناه في «سنن أبي داود» بإسنادٍ لم يضعّفه عن عائشة.
وقد بينّا في المقدمة أنّه لا يجوز أن يغتر بسكوت أبي داود على الحديث فراجعها، وهذا الحديث من الشواهد على ذلك، فإنّ فيه عبد الله بن الوليد العدني، وهو ليّن الحديث كما قال الحافظ في «التقريب»، وعمدته في ذلك الدارقطني، فإنّه قال: لا يعتبر بحديثه وضعفه، وأما ابن حبان فوثّقه، فتوسَّط الحافظ بينهما فليَّنه، فالعجب منه كيف حسَّنه في «النتائج» (ق24/1)!.
قلت : هو أبو عبد الله بن الوليد العدني، راوي «جامع سفيان» عنه، قال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وهو مكي اشتهر بالعدني، روى عنه أحمد بن حنبل ومؤمل بن إهاب وجماعة، وقال أحمد: ما كان صاحب حديث (يعني: ليس مكثراً) ولكن حديثه حديث صحيح، وربما أخطأ في الأسماء، كتبت عنه كثيراً، وقال ابن عدي: ما رأيت لعبد الله حديثـاً منكراً فأذكره.
قلت : فتعديل إمامين فاضلين كأبي زرعة وأحمد بن حنبل، وكتابة أحمد عنه، وقول ابن عدي السابق يجعل هذا الراوي حسن الحديث، وعهدي بالشيخ أنّه حسّن بل صحّح لمن هو أدنى منه بكثير.
قلت: وذهب شيخنا شعيب في «الزاد» 1/157 إلى مثل قول الشيخ ناصر.

33ــ إبراهيم بن حبيب الشهيد:
قال رحمه الله في «الصحيحة» 4/261 حديث1690 ــ ألا وأكبر الغدر غدر أمير جماعة: وهي (يعني هذه الزيادة) عند الطيالسي من هذا الوجه، وعند مسلم 5/143 من طريق المستمر بن الريّان، حدّثنا أبو نضرة، به، وللحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعاً بنحوه، أخرجه أحمد 2/49: ثنا إبراهيم ابن وهب الشهيد، ثنا أبي، عن أنس بن سيرين، عنه، وإبراهيم هذا وأبوه لم أعرفهما، ولم يترجمها (هكذا جاءت ولعلّه يترجمهما فسقطت من الطابع) الحافظ في «التعجيل».
قلت : هو إبراهيم بن حبيب الشهيد الأزدي، روى عن أبيه حبيب الشهيد، وعنه أبو إسحاق، ومحمد بن عثمان بن أبي صفوان، ومحمود بن غيلان.
وأما حبيب الشهيد فقد روى عن أنس بن سيرين، وأنس بن مالك، وإياس بن عبد الله، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق كثير.
وروى عنه ابنه، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، وأبو يونس بكار ابن الخصيب.
أما إبراهيم، فوثقه النسائي، والدارقطني كما في «سؤالات السهمي» 196، و«تهذيب التهذيب» 1/13 برقم 1325.
أما حبيب الشهيد فمترجم في «تهذيب الكمال» برقم 1075، وقد وثقه أحمد فقال: ثقة مأمون، وعن يحيى بن معين وأبي حاتم والنسائي: ثقة، وقال الدارقطني كما في «سؤالات السهمي» 263: ثقة.
قلت: ولعل الشيخ رحمه الله اغتر بما في «المسند» من الخطأ الذي وقع في اسم والد إبراهيم، مع اتحاد الكنية واسم الجد.
فائدة: بمناسبة ذكر «مسند أحمد» وما وقع فيه من أخطاء في الطبعة الميمنية، فإن نسخة شيخنا شعيب الأرنؤوط، هي أفضل نسخة طبعت للمسند، لخلوها من الأخطاء، لأن الشيخ حفظه الله قابلها كما أكّد لي أكثر من مرة، على عدة نسخ خطية، فجاءت خالية تماماً من الأخطاء والسقطات وخطأ الأسماء، وخلال مقابلتي ونقاشي مع معالي الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف المصري السابق، أكّد لي أن نسخة «المسند» التي طبعها (محمود الزين) في مصر جاءت مشحونة بالأخطاء، وذكر لي فضيلته نموذجاً من الخطأ الذي وقع فيه الدكتور (محمود الزين)، ذلك أنّه لم يقابل النسخة الميمنية إلا على نسخة واحدة. والله أعلم.
قلت: وبعد أن انتهيت من هذا الراوي ورجّحت أنّه إبراهيم بن حبيب، زرت شيخي أبا أسامة شعيباً حفظه الله، وطلبت منه أن أرى في «المسند» هذا الراوي، فلمّا رأيت الجزء 9/112 من «المسند» وفيه أن الراوي هو إبراهيم بن حبيب الشهيد قلت على الفور: أحسنتَ يا أبا أسامة، فقال وهو يضحك: على ماذا؟ قلت: لأنّك عرّفت هذا الراوي وبينّت أنّه ابن حبيب وليس ابن وهب. فقال لي: إن النسخة الميمنية وقع بها تحريفٌ كثير، ولـمّا قابلت النسخة الميمنية على الأصول الخطية تبين وجود الأخطاء في الأسماء والسقط الكبير.
قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو، ما فرحت مذ إسلامي فرحة بالقدر الذي فرحت بهذا الراوي الذي رجحته فوافق كلامي كلام فضيلة الشيخ حفظه الله، والله أكبر وأكمل وله الكمال المطلق.
34ــ سعيد بن أبي هلال:
قال رحمه الله في «ضعيف الأدب» ص21 حديث2، وفي «تمام المنّة» ص168 في تعليقه على حديث أبي هريرة وقراءته البسملة: إنّه عند ابن خزيمة وغيره من طريق ابن أبي هلال، واسمه سعيد، وكان اختلط، وبه أعللتُ الحديث في التعليق على «صحيح ابن خزيمة» رقم 499 طبع المكتب الإسلامي.
قلت: : وهذا إعلالٌ ليس بشيء عندي، وذلك لأن سعيد بن أبي هلال ثقة، قال الذهبي في «الميزان» 3290: سعيد بن أبي هلال: ثقة معروف، حديثه في الكتب الستة، يروي عن نافع ونُعيم المُجمر، وعنه سعيد المقبري أحد شيوخه. وقال ابن حزم وحده: ليس بالقوي.
قلت : وله رواية في البخاري 4919: «يكشف ربنا عن ساقه»، قال البخاري: حدّثنا آدم، حدّثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري ... الحديث. وقال العجلي في «ثقاته» 500: ثقة.
فلعل الشيخ ناصـراً أشكل عليه الجهر ببسم الله في القراءة، ذلك أن معظم النصوص جاءت بنفي الجهر بالبسملة، لكنه رحمه الله أجاب عن هذا الإشكال في صفحة 169، والنتيجة أن هذا الإعلال غيـر صحيح من الناحية الحديثية، ومن الناحية الفقهية، ولقد بيّنت ذلك بياناً وافياً في كتابي «البيان في رفع ظاهر التعارض بين السنة والسنة والسنة والقرآن» 2/357، والله أعلم.
35ــ الحارث بن محمد الـمكفوف:
قال رحمه الله في «الضعيفة» 4/395: الحارث بن محمد المكفوف: مجهول الحال، وفي «الميزان»: الحارث بن محمد المعكوف.
قلت : وفي «لسان الميزان» 2/194: جَلْد وُثِّق.

36ــ جُري بن كليب:
قال رحمه الله في التعليق على «مشكاة المصابيح» 1/97 حديث التسبيح ــ 296: وحسَّنه كما ذكر المؤلف (يعني الخطيب التبريزي)، وفيه جُري النهدي وهو ابن كليب، ولم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، فهو في عداد المجهولين.
قلت : له ترجمة في «تهذيب التهذيب» وجرى الخلط فيه بينه وبين رجل آخر، إلا أن ابن حجر وابن حبان والمزي رجحوا نفس الرجل الذي أشار إليه الشيخ الألباني رحمه الله، ومع ذلك أخطأ الشيخ رحمه الله، إذ جعله في عداد المجهولين، فإن له ترجمة في «تهذيب التهذيب» 2/78 برقم 120 وقال: ذكره ابن حبان في «الثقات» بروايته عن علي، لكنّه جعله نهدياً، قال العجلي: بصري تابعي ثقة، وصحح له الترمذي. روى عن رجل من بني سليّم حديث (عدّهن في يدي التسبيح نصف الميزان)، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، قال أبو داود: جري بن كليب صاحب قتادة، سدوسي بصري، لم يرو عنه غير قتادة، وجري بن كليب كوفي روى عنه أبو إسحاق. قلت (ابن حجر): وروى عنه أيضاً، يونس بن أبي إسحاق، وعاصم بن أبي النجود، وحديثهما في «مسند الإمام أحمد».
37ــ عيسى بن هلال الصدفي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «المشكاة» 1/466 برقم 1479: وفي إسناده عيسى بن هلال الصدفي، وفيه عندي جهالة، فقد ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل».
قلت : في «الجرح والتعديل» 6/290: عيسى بن هلال الصدفي روى عن كعب بن علقمة ودرّاج وعيّاش بن عباس، سمعت أبي يقول ذلك.
قلت : وفي «التقريب» 5337: صدوقٌ من الرابعة، وفي «الكاشف» للذهبي 2/319: عيسى بن هلال الصدفي: عن عبد الله بن عمرو وعنه دراج أبو السمح وكعب بن علقمة وجماعة، وُثِّق.

38ــ هشام بن يحيى:
قال الامام الالباني في «الإرواء» 5/270 حديث 1442ــ «من أدرك ماله ...»: وطرقه الأخرى هي: الأولى: عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي ^ : «إذا أفلس الرجل فوجد غريمه متاعه عند المفلس بعينه فهو أحق به من الغرماء». الثالثة: عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة به، وفيه الزيادة. قلت (ناصر): أخرجه الدارقطني، وهشام مستور.
قلت : أخذ الشيخ في هذا الراوي بقول الحافظ: مستور، وبقول ابن أبي حاتم 9/70 ترجمة رقم 269 حيث ذكره دون التعرض للجرح أو التعديل، فقال: هشام بن يحيى بن العاص: ابن عم أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، روى عن أبي هريرة، روى عنه عمرو بن دينار ومحمد بن راشد، سمعت أبي يقول ذلك.
قلت : وخفي على الحافظ رحمه الله وعلى الشيخ الألباني توثيق الإمام العجلي حيث قال: بصري، ثقة (تاريخ الثقات ترجمة رقم 1743) فينتقل من المستور إلى الثقة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

39ــ هِصَّان بن الكاهل:
قال الامام الالباني رحمه الله وأعلى منزلته في الجنة في «الصحيحة» 5/348 وكأنّه يميل إلى القول فيه إلى أنّه مستور، قال: روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبان 5/348 (وفي نسختي 5/512).
قلت : روى عن ثلاثة من الصحابة، وروى عنه حميد بن هلال وأسود بن عبد الرحمن وهما عدويّان، وفي «الكاشف»: ثقة، وفي «التقريب» (7313): مقبول من الثالثة.

40ــ هند بن أبي هالة:
وهذا الراوي اختلفت فيه مع الشيخ من ناحية أنّه مجروح، فالشيخ رحمه الله قال في «فقه السيرة» 237: مستور، ترجمه ابن أبي حاتم 4/2/117 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
قلت : قال أبو عمر بن عبد البر: ليس بشيء (تهذيب الكمال ترجمة رقم 7200)، وقال البخاري: يتكلمون فيه (التاريخ الكبير 8/2855 ) وفي الضعفاء الصّغير 392: يتكلمون في إسناده. وقال الآجري: سمعت أبا داود ذكر حديث ابن أبي هالة، فقال: أخشى أن يكون موضوعاً (سؤالات الآجري 3/129).

41ــ نُمير بن عريب:
وعَريب بفتح العين المهملة وكسر الراء، هكذا ضبطها سبط العجمي في «نهاية السول» 9/3019.
قال رحمه الله في «الصحيحة» 4/554 حديث 1922ــ «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة»: رواه أحمد 4/335، وأبو عبيد في «الغريب» 95/2، والسري بن يحيى في حديث الثوري 204/1، وابن أبي الدنيا في «التهجد» 2/60/2، وأبو العبّاس الأصم في جزء من حديثه 192/2 مجموع 24، عن أبي إسحاق، عن نمير بن عَريب ...
قال (ناصر): وهذا سندٌ ضعيف، فنمير هذا قال الذهبي: لا يعرف.
قلت : روى عنه أبو إسحاق، وروى عن عامر بن مسعود، ووثقه ابن حبان 7/543، وقال ابن حجر في «التقريب» (7191): مقبول من الثالثة، وفي «الكاشف» للذهبي: نُمير بن غريب ــ وهو خطأ، والصواب: عريب ــ الهمداني: عن عامر بن مسعود، وعنه أبو إسحاق، وُثِّق.

42ــ هُبيرة بن يريم الشبامي أبو الحارث الكوفي:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 4/364 تحت حديث: أمر رسول الله ^ أن نستشرف العين والأذن فصاعداً: أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد «المسند» 1/132 من طريق أبي إسحاق الهمداني عن هبيرة بن يريم عن علي.
قلت (ناصر): وهبيرة أورده الذهبي في «الضعفاء» وقال: قال أبو حاتم: شبه المجهول.
قلت : روى عن الحسن بن علي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وأبو فاختة، قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: لا بأس بحديثه، وهو أحسن استقامةً من غيره (يعني الذين روى عنهم أبو إسحاق السبيعي وتفرد بالرواية عنهم) وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: هبيرة ابن يريم أحب إلينا من الحارث. ثم قال: هبيرةٌ رجل صالح ما أعلم حدّث عنه غير أبي إسحاق. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال العجلي: من أصحاب عبد الله ثقة( ).

43ــ أسامة بن زيد:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الصحيحة» 4/381 ــ 382 حديث 1779 «تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم»: وخالفهما في إسناده محمد بن الفضل السدوسي الملقب بـ(عارم)، وهو ثقة، ولكنه كان اختلط، فلا يعتد بمخالفته للثقتين المتقدمين: عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث والطيالسي، وإسنادهما حسن، رجاله ثقات، وفي أسامة بن زيد وهو أبو زيد الليثي خلاف، وهو حسن الحديث. أما قول البوصيري في «الزوائد» 133/2: وإسناده ضعيف لضعف أسامة. فأقول: لعله أراد أنه أسامة بن زيد العدوي، فإنه ضعيف، والأقرب ما ذكرنا أنه الليثي.
قلت : والصواب أنه العدوي، وذلك لأمرين:
1. نصَّ على ذلك المزي في «التحفة» 5/483 رقم (6734) فقال: «عن أسامة بن زيد بن أسلم»، وساق له حديث الشيخ.
2. نصَّ المزي في «تهذيب الكمال» (309) قال: روى له ابن ماجه حديثاً واحداً عن أبيه عن ابن عمر: «لا تؤخذ صدقات المسلمين إلا على مياههم». وهو حديث الشيخ السابق.

44ــ النعمان بن أبان:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الضعيفة» 4/226 حديث 1740: قلت (ناصر): وهذا إسناد ضعيف، أورده ابن عساكر( ) في ترجمة بشير بن أبان هذا ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد وقع منسوباً لجده، واسم أبيه النعمان بن أبان بن بشير بن النعمان بن بشير الأنصاري، لم أجد له ترجمة.
قلت : وبشير في «ثقات» ابن حبان 8/151 وقال: روى عن أبيه وجده، روى عنه هارون بن محمد بن بكار بن بلال العاملي.
والنعمان بن أبان له ترجمة في «تاريخ ابن عساكر» 62/7895.
قلت: والنعمـان حدّث عن أبيه وعنه ابنه أبو محمد. وأنا لا أقول بتوثيق أبان، وإنمـا أردت أن أقول أن للنعمـان بن أبان هذا ترجمةً وذِكراً في كتب الرجال والتاريخ إثباتاً لـمـا نفاه الشيخ.
45ــ (نعيم بن حنظلة = النعمان بن حنظلة + نعيم بن دجاجة)
(قال أصحاب معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني جرحاً وتعديلاً) وعادتهم أنّهم يذكروا راوٍ أو اثنين في راوٍ واحد. وغالباً ما يكون هذا الراوي ليس له ترجمة. أو يكون مجهولاً.
قلت :
1ــ نعيم بن حنظلة وثّقه العجلي فقال كوفي تابعي ثقة 1/385 .
2ــ نعيم بن دجاجة: وثقه ابن حبان 5/448، وقال ابن سعد في طبقاته 6/128: كان قليل الحديث، ووثّقه الذهبي في الكاشف 3/5956، وفي «التقريب»: مقبول.
46ــ نمران بن عتبة:
قال الامام الالباني في «الصحيحة» 3/265 حديث 1269، بعد أن ذكر الحديث وذكر خلاف أهل العلم في توثيق و تجريح راو، قال: وعلى كل حال فالحديث حسن على أقل الأحوال، لأن له شاهداً من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه، وفيه عمران بن عتبة.
قلت: تحرف اسم الراوي عند الشيخ فهو نمران بن عتبة، كما رواه أبو داود (4905) ونمران هذا يروي عن أم الدرداء، ووثقه ابن حبان 5/544، وقال ابن حجر: مقبول، وله ترجمة في «تاريخ ابن عساكر» 61/221، وقال ابن منده: دمشقي. ونقلها المزّي 7068، وساق له ابن عساكر حديث شفاعة الشهيد. ونمران هذا أخرج له الشيخ في «الصحيحة».

47ــ إسماعيل بن إبراهيم الأودي البصري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الضعيفة» 5/51: إسماعيل بن إبراهيم الأودي البصري، كذا عند أحمد: البصري، وفي رواية الطبراني: الأودي، ولم يفرده الحافظ في «التعجيل» بترجمة وهو على شرطه إلا أن يكون من رجال «التهذيب» فلم أهتد إليه.
قلت : هو إسماعيل بن إبراهيم الأودي، روى عن بنت معقل بن يسار عن أبيها، روى عنه عمّار بن معاوية الدهني الكوفي، له ترجمة في «التاريخ الكبير» 6/29، وفي «ثقات» ابن حبان 1/339.
48ــ إسماعيل بن إبراهيم الشيباني:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 5/95 حديث 1253: أخرجه الحاكم 4/365 من طريق محمد بن إسحاق قال: حدّثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن إسماعيل بن إبراهيم الشيباني، وقال: حديث صحيح، ولعلّ متوهماً من غير أهل الصنعة يتوهم أنّ إسماعيل الشيباني هذا مجهول، وليس كذلك، فقد روى عنه عمرو بن دينار والأثرم، وقال الذهبي: إسماعيل معروف.
قلت (ناصر): ولكنه ليس على شرط مسلم، وأورده ابن أبي حاتم 1/1/155 وذكر أنّه روى عنه يعقوب بن خالد وابن ركانة هذا.
قلت : له ترجمة في «ثقات» ابن حبان 4/16، و«الإكمال» 27، و«ذيل الكاشف» 41، و«تهذيب الكمال» 2/50 وسمى الرواة الذين روى عنهم من الصحابة: ابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنها وامرأة رافع بن خديج وكان خَلَفَ عليها. وروى عنه: حجاج بن المسيب وعباس بن عبدالله بن سعيد بن عباس وعمرو بن دينار ويعقوب بن خالد بن المسيب. وله ترجمة في «تعجيل المنفعة». وبهذا نعلم أن هذا الراوي أشهر مما قاله الإمام ابن أبي حاتم.

49ــ هشام بن خالد:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الضعيفة» 1/229 حديث 195 «إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى» ــ قلت : وأنا مع قول الشيخ بأن الحديث موضوع، لكن اختلافي معه ينحصر في الرواة المجهِّلين الذين ذكرهم الشيخ رحمه الله، ومن هنا أقول: إن هشام بن خالد ثقة، انظر ترجمته في «تهذيب الكمال» (7169) وفيه أنه روى عنه خلق كثير وروى عن خلق كثير، وقال أبو حاتم: صدوق، وفي «تسمية شيوخ أبي داود» 1/95 لأبي علي: ثقة. وفي «الميزان» 4/9222: من ثقات الدماشقة لكن يروج عليه، وله ترجمة في «تهذيب التهذيب» 11/38 ونقل قول سلمة: ثقة، وفي «التقريب»: صدوق.

50ــ هشام بن أبي رقيّة:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 1/308 تحت حديث الحرير: وأما حديث عقبة بن عامر فهو من طريق هشام بن أبي رقية قال: سمعت مسلمة بن مخلد يقول لعقبة بن عامر: قم فأخبر الناس بما سمعت من رسول الله ^ فقام فقال: سمعت رسول الله ^ ... الحديث، أخرجه الطحاوي 2/345 ــ 346 والبيهقي 2/275 ــ 276 ورجاله ثقات غير هشام هذا، فقد أورده ابن أبي حاتم 4/7/57 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأورده ابن حبان في «الثقات» 1/248، وقد روى عنه ثقتان فهو حسن الحديث في الشواهد على الأقل، وقد نقل الشوكاني 1/381 عن الحافظ نفسه قال: إسناده حسن.
قلت : بل صحيح يا شيخنا، فقد وثقه العجلي في «ثقاته» 1513 فقال: مصري تابعي ثقة. وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات التابعين من أهل مصر (المعرفة والتاريخ 2/506).

51ــ هشام بن إسحاق:
قال رحمه الله في «الإرواء» 3/134 حديث 665: وإسناده حسن ورجاله ثقات غير هشام بن إسحاق قال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وروى عنه جماعة من الثقات.
وقال في التعليق على «صحيح ابن خزيمة» 1405: لم يوثقه غير ابن حبان.
قلت : قال ابن حجر في «التقريب» 2784: من السابعة مقبول، وقال الذهبي في «الكاشف» 3/6055: صدوق. وانظر «تهذيب الكمال» (7162).

52ــ هريم بن مسعر الأزدي الترمذي أبو عبد الله:
قال رحمه الله في «الظلال» 2/464: روى عنه الترمذي وغيره من الثقات وذكره ابن حبان في «الثقات».
قلت : عبارة الشيخ توهم بأنّه غير موثّق إلا من ابن حبان، وقد قال الذهبي في «الكاشف» 3/6052: ثقة، وقال ابن حجر في «التقريب»: مقبول.

53ــ أبان بن بشير الـمكتب:
قال رحمه الله في «الصحيحة» 6/302: مجهول كما قال ابن أبي حاتم.
قلت : قبل الدخول مع الشيخ في مسألة توثيق أو تضعيف هذا الراوي، لا بد أن نعود إلا ما ذكرنا في فصل العدالة، لنبين للمسلمين أن هؤلاء الرواة ما هم إلا (ثقات معدلون) ما لم يأتوا بمتون منكرة, أو أن يجرحوا في عدالتهم المتمثلة بالصدق والأمانة والضبط، والشيخ رحمه الله صحح أو حسَّن لـمن روى عنه اثنان ووثقه ابن حبان، وفي بعض المرّات لم يوثّقه ابن حبان كما بينت ذلك فيما سبق، وهذا التصحيح درج عليه المتأخرون، بل صرح به بعضهم كما في «سؤالات» الحافظ ابن حجر لشيخه العراقي ــ انظر المقدمة ــ .
ولنعد إلى راوينا السابق فأقول: روى عن أبي هاشم الرُّماني ومحمد بن عبد المطلب وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري. وروى عنه: خلف بن خليفة ومحمد بن عبد الملك أبو إسماعيل الواسطي وعباد بن العوّام ويزيد بن هارون، ووثقه ابن حبان 6/68 ولكنه غلط في اسم أبيه فقال: أبان بن كثير المكتب، وفي «تاريخ واسط» 94 قال خالد بن عبد الله: كان أبان معلمي وأثنى عليه خيراً.

54ــ أبان بن طارق البصري:
قال الامام الالباني رحمه الله في «الإرواء» 7/15 حديث 1954: أبان بن طارق مجهول. وقال في الرد على «التعقيب الحثيث»: وثقه ابن حبان، وقال فيه ابن حجر: مجهول.
قلت : نعم هو مجهول مع أنّ له ثلاثة أحاديث، وقال المزي في «تهذيبه» برقم 135: قال أبو أحمد بن عدي: لا يعرف إلا بهذا الحديث. وله غير هذا الحديث حديثان أو ثلاثة وليس له أنكر من هذا الحديث، وهو معروف به.
قلت : وقول الشيخ رحمه الله: وثقه ابن حبان، ليس صواباً، وقد تبع فيه الحافظ بن حجر، فإنه ترجمه في «اللسان» 1/116 بقوله: أبان بن طارق قال ابن أبي حاتم: شيخ مجهول، ووثقه ابن حبان.
قلت : الذي وثقه ابن حبان هذا هو أبان بن طارق القيسي وليس البصري، روى عن عقبة بن عامر، وعنه عون بن حيّان، وذكره ابن حبان في الثقات. (انظر تهذيب التهذيب 1/96) ودليل آخر أن الراوي عن أبان هذا هو خالد بن الحارث ودُرُست بن زياد، والذي روى عن ذاك القيسي: عون بن حيان، ولم يعدوا له رواية عن نافع إطلاقاً، ولا ذكروا رواية عون بن حيان عنه، ثم إن طبقة القيسي أعلى من طبقة البصري وأقدم، والله أجلّ وأعلم.

55ــ عبد الله بن بُديل بن ورقاء:
قال رحمه الله في «الصحيحة» 2/34 حديث 508 ــ «يا نعايا العرب»: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن بُديل هذا فقال ابن عدي: له أشياء تنكر عليه من الزيادة في متن أو في إسناد، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما فأذكره.
قلت : ووقع الشيخ هنا في خطأين:
الأول: قوله في نقله عن ابن عدي: «له أشياء تنكر عليه من الزيادة في متن أو في إسناد ولم أر للمتقدمين فيه كلاما فأذكره» قلت: قال ابن عدي في «الكامل» 4/1530: «له غير ما ذكرت مما ينكر عليه في الزيادة في متن أو في إسناد، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً فأذكره» فقوله: له غير ما ذكرت لأن ابن عدي ذكر له روايات في «الكامل» وقال: له غير ما ذكرت، أي: غير هذه الأحاديث، فهناك فرق واضح بين العبارتين.
والثاني: متابعة الشيخ رحمه الله لابن عدي في قوله: «ولم أر للمتقدمين فيه كلاما فأذكره» قلت: فكلام أبي حاتم في «علل الحديث» 1864 حيث قال: كان صاحب غلط، أليس كلاماً للمتقدمين، على أن هذا النفي ليس على إطلاقه، لأن ابن معين قال فيه: صالح، ومع ذلك أقول: إن هذا الراوي يحسّن له حديثه، أما القول بأن المتقدمين لم يتكلموا فيه فقول غير صحيح،والله أعلم.

56ــ حبيب بن أبي ثابت، وتدليسه عن ابن عباس:
قال رحـمه الله في «تـمـام المنّة» 265: جاء أعرابـي إلى النبي ^ فقـال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ... الحديث: رجاله ثقات كما قال (يعني سيد سابق) ولكن لا يلزم منه صحة الإسناد، لِـمَا ذكرناه في المقدمة، فإن فيه علّة تقدح في صحته، وهي أنّه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس، وحبيب هذا كثير التدليس كما قال الحافظ في «التقريب» والمدلس لا يحتج بحديثه إذا عنعنه كما بينّاه في المقدمة أيضاً، فمن صحح هذا الحديث فقد ذهل عن علته واغتر بظاهر إسناده فتنبه.
قلت : ولقد صحح البوصيري سنده فقال: وهذا إسناد صحيح. قلت: مع ذلك فإن حبيباً مدلس من الطبقة الثالثة ممن احتملت الأمة تدليسهم. ومع ذلك كله أثبت المزي سماع حبيب من ابن عباس ونص على ذلك عند ابن ماجه، مما يدل على أن هذه الرواية مسموعة لحبيب من ابن عباس، ونص العجلي كما في «تهذيب التهذيب» 1/491 أنه سمع من ابن عمر غير شيء ومن ابن عباس، وأثبت الآجري سماعه من ابن عمر وسؤاله عن الضالة كما في «سؤالات الآجري» 2/402.
قلت : ومع ذلك كله كان حرياً بك يا شيخنا أن تقول: (وله شواهد تصحح مثله، منها ما أخرجه أبو داود (1169) في الاستسقاء باب رفع الأيدي عن جابر قال: أتت النبي ^ بواكي فقال: «اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل ــ وفي رواية: غير رائث ــ» وأخرجه البيهقي 3/355 والحاكم 1/327.