ولأن الوداع قد حان !!
أنصتوا لي هذه اللحظات ..
أحمد الله أن جمعني بكم قبل الممات ؛
ففي قلبي كثير من الكلمات ..
أمي ؛ أتذكرين يوم أن قلت لك إني و السعادة ضدان لا يمكن لهما أن يجتمعان ؟
أخبرتني حينها أني ما زلت صغيرة و العمر الفرِح قادم لي لا محالة .
ابتسمت حينها كي أقنعك بتفاؤلي معك ،
ولسان صمتي يردد : لا يا أمي هو كما أخبرتك .
وقلبي حزين باكٍ ، يتحسر على حاله و يتستر على جراحه.
إلا أن لعبة القدر كشفت ما كان خفياً ؛
و جعلته أمام ناظريك واضحاً جلياً .
وها أنت ترين مقولتي حقيقة خاطها القدر و ارتداها جسد الأيام .
و أنت يا والدي ؛ كم مرة لمحت الحزن في عينيك الحانيتين
وكيف تداري دموعهما بابتسامة جذابة
تسعد الحزين فؤادي ، و تطرب الساكن خافقي .
لا زلت أردد البيت الذي علمتني إياه
والذي كان مفتاح أملٍ لي و مضاعفاً لصبري .
إلهي أنت تعلم ما بحالي * * * فهل يا سيدي فرج قريب
وأنت يا ابتسامة العمر و ضحكة الزمان
يا أغلى علي من روحي و نفسي ؛
أخيتي – طفلتي – مدللتي - حبيبتي
قد كنتِ مضاداً حيوياً فعالاً لأحزاني
كم من المرات حبست أدمعي عنك
لكي لا تهطل لآلئ عينيك حزناً علي و تبلل وجنتيك الصغيرتين .
معك كنت أجبر نفسي على نسيان همومي
و أحاول جاهدة رسم الابتسامة و تصنع السعادة .
فأفلح برهة ثم أعود أسوأ مما كنت عليه
لأنسحب تاركة إياك مع ألعابك و حلوى كنت قد أعددتها لك .
وأراقب لهوك و العذبة ضحكاتك عن بعد
سائلة ربي أن يحفظك و يحميك من كل مكروه .
آهـ
أقولها ليس حزناً و لا ألماً على حالي ..
إنما لأني كثيراً سأشتاقكم
ودفء قلوبكم ، و نضارة وجوهكم
وحنو أصواتكم ، وجمال ضحكاتكم ..
سأشتاق لأنفاسكم ، لحديثكم ، لقيامكم ، لجلوسكم
لفرحكم ، لصخبكم ، لاحتفالاتكم
لأدق تفاصيل حياتكم ..
كم كنت خائفة من أن يأتي يوم فيه أفارقكم
و أصبح بعيدة عنكم ، فلا أراكم و لا أسمع صداكم .
و ها قد اقترب ما كنت أخشاه .
دقائقٌ هي التي تفصلني عن وداعكم
أحببت فيها أن أكون بقربكم
كي أنهل ولآخر مرة من حنانكم
و أمعن التأمل في ملامحكم
رغم أن الدمع يعيق عيني عن النظر .
أمي .. اقتربي أكثر ، أريد أن أهمس في أذنيك أمراً
هناك .. أعلى رفوف مكتبي
ستجدين وردة أهلكها الذبول و بجوارها رسالة
إن أتى صاحبها يوماً فأعطه إياها
و أخبريه بأني انتظرته طيلة حياتي
علّه يفي بعهده لي و يعود ؛
لكنه ربما نسي أو تأخر ..
وهاهو الموت يسرقني منه ، ويزيد من بعدي عنه
أخبريه بأن عمري كان كئيباً بدونه
وحياتي لا روح فيها ببعده
ورغم انشغاله و ابتعاده
إلا أنني كنت متمسكة بلقائه
و كم تمنيت أن يكون ...
و أن يكون آخر ما تراه عيني وجوه جميع أحبابي
لا بأس فلا أحد يدري متى تأتي منيته .
الآن و بعد أن أفرغت ما في صدري
أطلب منكما والدي الرضا و الدعاء
و أنتِ كذلك صغيرتي
و موعدنا الجنة بإذن الله
الآن فقط أستطيع أن أغمض عيني
و أخلد إلى الراحة الأبدية
فــ وداعاً أحبتي ..
دمتم بخير
مودتي