عرض علينا أحد الفضلاء وضعه الأسري وما يواجه من مشكلات ضاق بها ذرعا ..
تم جمع معلومات طيبة عن وضع الأسرة وبؤر المشكلات وأنواعها ومستوياتها
وطرق المعالجات التي اتبعت في الفترة الماضية ومن قام بذلك من مصادرها الأساسية
وفي المقدمة الزوج والزوجة .....
وفي جلسة مركزة تم تحديد أهم ما يضايق الزوج من زوجته في جانب واحد فقط ..
في جانب الانفعال غير المرغوب .. وكذلك ما يضايق الزوجة من الزوج في نفس الجانب
قبل وأثناء وبعد المشكلة أيا كان نوعها ...
فكان أكثر ما يضايق الزوج من زوجته ويؤجج المشكلات من وجهة نظره الغيرة..
أما الزوجة فكان الغضب المعضلة وركيزة المشكلات مع الزوج ..
أكد كل منهما أن الانفعال بشكله غير المرغوب يصدر من الآخر بشكل يومي ومتكررتقريبا .
تم الاتفاق مع الزوجين على تسجيل فقط حالات ظهور الانفعال بشكله غير المرغوب
وربطه بالحدث كاملا لمدة ثلاثة أسابيع قبل العودة من جديد لمناقشة ما يتم التوصل إليه
وتدوينه .. مع التأكيد على دفع مبلغ مالي على من يصدر منه الانفعال السلبي في كل مرة
بعد إقراره في الجلسة القادمة .. وتم التعاقد السلوكي مع الزوجين وبينهما ، انطلقت معه
نداءات التهديد والتحدي والثقة بالنصر فكل واحد منهما يرى أن الآخر هو الخاسر بالتأكيد
فانفعاله السلبي المسجل عليه سيظهر ويبرز مهما حاول إخفاءه ..
حضر الزوج في الوقت المحدد وكانت المفاجئة .. فقد حدث الانفعال من الجهتين بشكل بسيط
أو متوسط لثلاث مرات من الزوج ومن الزوجة .. قلت له بعد أن تأكدنا من الزوجة في المعلومة ...
إذن النتيجة متعادلة ..قال : نعم .
رغم أهمية ذلك فليس ذلك كل الأمر بل يمثل بداية الانطلاقة!! الأكثر أهمية أن كل واحد منكما
استطاع أن يقلل ويضبط انفعالاته بشكلها السلبي بدرجة ترتقي إلى مستوى جيد جدا ..
والمقارنة بين وضعكما في الثلاثة الأسابيع الماضية وما قبلها خير دليل ..
السؤال الآن : هل تستطيعا أن تستمرا في ضبط انفعالاتكما باستبدال الرقيب الخارجي
برقيب داخلي يحكم ويضبط ويصفي ما يخرج منكما من انفعالات في مختلف الظروف ؟؟!!
لم انتظر إجابته .. بادرته بهز رأسي والإجابة بنعم ، لكن بمزيد من التدريب والتعود وتقييم
المواقف واستثمارها إيجابيا ، والتغذية الراجعة التي تساعدنا بجعل مخرجات كل موقف
مدخلات لمواقف جديدة قادمة بشكل أرقى وأكثر إيجابية ..
التدريب ثم التدريب .. وهل هناك أعظم من تدريب النفس على التعامل مع الأذى والصعوبات ..
دعونا نقف ونتأمل الأبيات الرائعة التالية لموسى بن عبدالله بن علي بن أبي طالب
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ** تكرهت منه طال عتبي على الدهر
إلى الله كل الأمر في الخلق كلهم ** وليس إلى مخلوق شيء من الأمر
تعودت مس الضر حتى ألفته ** وأسلمني طول البلاء إلى الصبر
ووسع صدري للأذى الأنس بالأذى ** وإن كنت أحيانا يضيق به صدري
وصيرني يأسي من الناس راجيا ** لسرعة لطف الله من حيث لا أدري
أخي وأختي : إذا كانت الدوافع والحاجات ركائز أساسية في طاقتنا الداخلية
والحوافز محركات خارجية وداعمة لها ؛ فإن الانفعالات محركات عظيمة لتلك الطاقة
وموجهة لسلوكنا ، من فضل الله ونعمته علينا أنه بإمكاننا ضبطها وتوجيهها فيما ينفعنا
وينفع من حولنا..
من الضروري أن نؤكد هنا على أن الانفعالات في مستوياتها الطبيعية عوامل مساعدة لسواء
الشخصية ودعامتها وأساس من أساساتها الدفاعية والإنمائية .. لنسجل تلك الانفعالات غير
المرغوبة التي تصدر عنا ولنحدد المواقف والأسباب التي تقودها للخروج بتلك الصورة ومن
ثم نحدد سبل التعامل معها بما يضمن إيجابية انفعالاتنا وقيامها بدورها النافع لنا ..
لنتدرب على توجيهها التوجيه الصحيح ولنعلم أننا إذا لم نفعل ذلك فستقودنا هي
وتتحكم في شخصيتنا وتحرك سلوكنا ...
وحتى لا نهيّج انفعالاتنا لتكون جنودا ضدنا لنعلم أن أحق الناس بالتقدير وأقدرهم
على تنمية شخصيته أكثرهم قدرة على تلمس الأعذار للآخرين والبحث عنها في كل موقف ..
إنه من يسعى بجد واجتهاد إلى الكمال ومهما عمل وأجاد وأبدع يدرك أنه لن يصله ؛
لذلك لا ينتظره من غيره أو يوجبه عليه أو يفترضه منه..
لكل منا مدى استطاعة وبؤرة تأثير ومجال توفيق وعلاقة موجهة مع الذات ومع خارجها ..
وقد يؤدي أي عامل من هذه العوامل إلى غياب تحقيق الهدف أو عدم تحقيقه على الوجه
المطلوب أو حدوث ضده ..
لنعلم أننا مهما بلغنا من قوة الحجة والمنطق والفكر فلن يكون لذلك أي قيمة ما لم يصل
إلى من نوجهه نحوه فيفهمه ويستوعبه كما خططنا له .. ومن جهة أخرى فإننا في كثير
من المواقف نكون بحاجة ماسة لأن نُفهم وينصت لنا ، لا أن نُفهَّم .. وليتنا نعامل غيرنا
كما نحب أن يعاملنا ..
أخي وأختي دعوة إلى ألاّ نحرق أنفسنا ونبدد سعادتنا بانفعالات تضطرب وتتفاعل سلبا مع
المؤثرات الأخرى علينا في عالمنا .. الحكمة والفاعلية تقتضي استثمار الانفعالات فيما وجدت
لأجله وتوجيهها لخدمتنا ..
اختم بأن غنى الفاعلية في إيجابية التعامل ليس بامتلاك وطلب الأكثر من الآخرين ؛
بل باحتياج القليل وعدم انتظاره منهم، واستثمار وتطوير وتوجيه ما نملك والعمل المتواصل
الدءوب في مقابل ذلك ..
وفقكم الله ...
__________________