أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


جاء في مختصر زاد المعاد لمحمد بن عبدالوهاب ص 127:


وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلرَّجُلِ، أَنْ يُمَكَّنَ أَوْ يُبْتَلَى؟ فَقَالَ: لا يمكن حتى يبتلى. والله عز وجل ابتلى أولي العزم من رسله، فَلَمَّا صَبَرُوا مَكَّنَهُمْ، فَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَخْلُصُ مِنَ الْأَلَمِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ أَهْلُ الْآلَامِ فِي الْعُقُولِ، فَأَعْقَلُهُمْ مَنْ بَاعَ أَلَمًا عظيما مستمرا بألم منقطع يسير، وأسفههم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم المستمر العظيم. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَخْتَارُ الْعَاقِلُ هَذَا؟ قِيلَ: الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا النَّقْدُ وَالنَّسِيئَةُ، والنَّفْسُ موكلة بالعاجل {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ - وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة: 20 - 21] {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} [الإنسان: 27] . وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَعِيشَ مَعَ النَّاسِ، ولهم إرادات يطلبون منه موافقتهم عليها، فإن لم يفعل آذَوْهُ وَعَذَّبُوهُ، وَإِنْ وَافَقَهُمْ حَصَلَ لَهُ الْأَذَى وَالْعَذَابُ، تَارَةً مِنْهُمْ، وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَنْ عِنْدَهُ دِينٌ وَتُقًى حَلَّ بَيْنَ قَوْمٍ فُجَّارٍ ظلمة لا يتمكنون من فجورهم وظلمهم إلا بموافقة لهم، أو سكوته عنهم، فإن فعل سَلِمَ مِنْ شَرِّهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِ بِالْإِهَانَةِ وَالْأَذَى أَضْعَافَ مَا كَانَ يَخَافُهُ ابتداء لو أنكر عليهم، وَإِنْ سَلِمَ مِنْهُمْ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُهَانَ على يد غيرهم. فالحزم كل الحزم: الأخذ بما قالته عائشة رضي الله عنها لمعاوية: مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ، لَمْ يُغْنُوا عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ، رَأَى هَذَا كَثِيرًا، فيمن يعين الرؤساء وأهل البدع هربا من عقوبتهم، فمن وقاه الله شر نفسه، امتنع من الموافقة على المحرم، وصبر على عداوتهم، ثُمَّ تَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كما كانت للرسل وأتباعهم , ومن ابتلي من العلماء وغيرهم.