جنون العظمة (megalomania)
الاحساس بالتفوق والتميز يتنامى عند بعض الافراد ليتحول الى ما يسميه علماء النفس : جنون العظمة.. قمة الشعور بقدرات خارقة غير مألوفة وبجميع الاستحقاقات والامتيازات يتصور فرد انه يتمتع بها وتصيبه بعمى البصيرة واختلال الموازين والمعايير مع شدة الاعجاب والتباهي بالذات ورفض الاخر جملة وتفصيلا.. ولمصاب بهذا المرض لا يتفاهم مع الآخرين إلا إذا اعتبروه "أرفع منهم درجة" وعادة ما يشعر أنه مضطهد بحسبان أن ذكاءه وثقب نظره يشكلان خطرا…
والمصاب بهذا المرض لا يستمع الى النصائح ولا يحترم رأيا ويهاجم من تسول له نفسه أن يقدم له النصيحة أو يفتش فيه عن عيوبه. وقد يأخذ الإساءة حيث لا يعتَزمها أحد . نتيجة لذلك, يميل إلى أن يكون دفاعي و عدواني . وعندما يكون مخطئا, لا يمكن أن يقبل اللّوم, ولا نقد معتدل حتّى وفوق ذلك يكون انتقاديا بدرجة كبيرة للآخرين . وقد يقال عنه أنه يهول المسائل إلى أضعاف حجمها.
ويكثف من كل ذلك لو اصبح هذا الشخص قائدا او زعيما، عندها يتملكه شعور طاغ بأنه موفد العناية الالهية لتحقيق تحولات كبرى في حضارة البشر.. والتاريخ الانسانى ملئ بكثير من هذه النماذج المريضة نفسيا وعقليا، التى قادت البشرية الى كوارث كبرى مازالت بعض آثارها قائمة حتى الان.
من هؤلاء جنكيز خان وتيمور لنك وذلك الحاكم المملوكى في مصر الذي أطلق على نفسه لقب : الحاكم بأمر الله، والجنرال الاميركى جورج كوستر الذي قاد أبشع عمليات التطهير العرقى ضد الهنود الحمر ومثيله المعاصر سلوبودان ميلوسيفيتش.. لكن النماذج الاشد بروزا واثارة وتوضيحا لهذا الخلل النفسي والعقلي تتمثل في ادولف هتلر وبنيتو موسيلينى، اللذين اشعلا نيران حرب عالمية ثانية تسببت في مصرع خمسين مليونا من البشر وتخريب البنية التحتية لأوروبا ومناطق أخرى من العالم.. والنتيجة الطبيعية لهذا الجنون انتحار الفوهرر مع عشيقته ايضا براون واعدام الدوتشى مع محبوبته كلارا بتاتشى.
وعلى سبيل المثال أيضا يقال أن المتنبي أصيب بجنون العظمة فيما قال عن نفسه:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلمـــاتي مــن بــه صمم
ومازال عالمنا المعاصر يتمتع بعدد لا بأس به من مجانين العظمة، الذين اتسقت رؤاهم الملتائة مع مد وطني وقومي وتطلعات امبريالية للسيطرة على الاخرين واستنزاف ثرواتهم.. باسم : بارانويا .. وأعراضه تدفع الزعيم المريض الى سلوكيات طائشة وأفعال غير سوية وليس على المجنون حرج.. لكن المؤسف في أمر هؤلاء ان لا احد يستطيع اقناعهم بأن المجال الوحيد لاظهار وتفعيل (مواهبهم) هو مصحات الامراض العقلية، وليس قصور الحكم او اروقة الامم المتحدة !
وصدقوني أن هناك الكثيرون مما يعيشون بيننا ونتعامل معهم مصابون بهذا المرض...خاصة الذين ينتقدون غيرهم ولا يقبلون النقد على أنفسهم. ومع ذلك فعلا قد يتمتعون بقدرات أدبية كأدب الشعر والكتابة. أو الحسب والمال التي يعتقدون أن بها قد أصبحوا فوق الناس.
اسفة على الإطالة....وتحياااتي للجميع...