أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


علم التخريج فرع من علم الحديث وبيان فائدته :
ولعلم التخريج فوائد رائعة ، لا يحسن للباحث العالم المصنف أن يتعداها دون بيان هذه الفوائد وقيمتها منها :
1. معرفة أمكنة الأحاديث المروية عن رسول الله في كتب الستة المشهورة ( كما هو التخريج اليوم ) .
2. معرفة الأحاديث التي جمعها الشيخ بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة كانت أم معللة ، لأن هذه المعرفة التي سميناها ( جمعاً ) هي التي يعقل بها المحدِّث سنة رسولنا الأعظم كما قال ابن معين ( الحديث إذا لم نروه من ثلاثين وجهاً ما عقلناه ) وبهذه الطريقة يستطيع الباحث تميز صحيح السنة من سقيمها .
3. حفظ السنة وبقاؤها إلى يوم القيامة .
4. معرفة الأحاديث التي تستنبط منها الأحكام والتي لا تستنبط منها الأحكام .

التخريج عند الهيثمي :
يعتبر كتاب الإمام الهيثمي المجمع أضخم موسوعة حديثية في تاريخ الحديث الشريف ، ويعتبر هذا الكتاب من أضخم بل أضخم كتب الهيثمي الحديثية ، فلقد روى فيها الهيثمي ما يقارب من عشرين ألف حديث أطلق عليها سنداً ومتناً أحكامه النقدية ، وتكلم فيها على أكثر من أربعة آلاف راوٍ .
وتعددت نقدات الهيثمي وتوسعت من خلال هذا الكتاب ، فتراه مرة يجرِّح ويذكر من سبقه في التجريح ، وتراه يعدل وينقل ما عدَّله عن من سبقوه .
أما التخريج عند الهيثمي فهو متعدد ، فلقد جمع زوائد أحمد ، والبزار ، وابن حبان ، ومعاجم الطبراني الثلاثة وهي على الكتب الستة إلا ابن حبان فزوائده فقط على الصحيحين ، وجمع معها زوائد الحارث .
1. تكلم رحمه الله في المجمع على أسانيد الكتب الزوائد التي جمعها والمتون وكان يعطي أحكاماً منطقية على النص والكمال لله .
2. خرَّج الهيثمي أحاديثه من المسانيد الستة ، المعروفة أصولاً وساقها بأسانيد مؤلفيها قبل جمعها في المجمع ، وكان نصيب ( غاية المقصد ) القلة في التكلم على الأحاديث .
3. إذا كان الحديث المساق لفظه في المجمع في الصحيحين والمزاد عند أصحاب الكتب الأربعة فإنه يورد الزيادة ويعود فيتحول أخرجه أبو داود وفيه كذا وخلا كذا فيعطينا حكماً على الزيادة وربما زاد فأعطانا حكماً على الأصل .
4. إذا كان الحديث الذي خرَّجه رحمه الله أصل في الستة وفيه زيادة مؤثرة قال فيه : رواه فلان وفيه زيادة عند فلان وهي صحيحة أو كذا وكذا .
5. حاول كثيراً الخروج من دائرة الانغلاق التقليدي لأحكام من سبقه في الحديث ولكنه لم يستطيع لطبيعة العصر الذي عاش فيه ، ولكبر الكتاب وضخامة مادته .
6. لم يحكم جرحة على الحديث الشريف تصحيحاً وتضعيفاً بل تارة يقول هذا إسناد ضعيف ، هذا إسناد حسن ، معتمداً على كلام من سبقه في النقد .
7. يحكم على الحديث بأحكام - أحياناً - كأنها تصدر من غير متمرس في هذا الفن فيقول مثلاً إسناده حسن إن شاء الله . ينظر الحديث رقم ( 181 ) و ( 658 ) و ( 707 ) و ( 1217 ) و ( 1309 ) و ( 1360 ) و ( 1574 ) .
8. اعتمد الهيثمي في أحاكمه النقدية في الغالب على كتاب ابن حبان البستي الثقات ، ومنهج الهيثمي كما بينت مراراً أنه مقلد بحت لتوثيق ابن حبان ، فهو يقبل توثيق ابن حبان ، وربما نص فقال : وثقه ابن حبان تنبيهاً عن أن غير ابن حبان ضعفه .
9. يحكم على الراوي المختلط وتلميذه بحكم صائب ويميز الرواية المختلطة من غيرها مثاله : حديث رقم ( 454 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة )) . قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه صالح مولى التوأمة وضعف بسبب اختلاطه ، وابن أبي ذئب سمع منه قبل الاختلاط وهذه من رواية ابن أبي ذئب عنه

كيف خرَّج البوصيري زوائده :
كتب البوصيري رحمه الله كتابه وجمعه أول الكتب ، وقد نقلت وأنا أبين منهج البوصيري في مصباح الزجاجة ، انه أحال بعض أحاديث المصباح على كتابه إتحاف الخبرة ، وهذا الكتاب قد جمع البوصيري رحمه الله زوائد المسانيد العشرة في كتاب واحد هو ( إتحاف الخبرة المهرة ) والمسانيد هي :
1. مسند أبي داود الطيالسي ( ت 204 هـ ) .
2. مسند الحميدي ( ت 219 هـ ) .
3. مسند مسدّد ( ت 228 هـ ) .
4. مسند أبي بكر بن أبي شيبة ( 235 هـ ) .
5. مسند إسحاق بن راهويه ( ت 238 هـ ) .
6. مسند ابن أبي عمر العدني ( ت 243 هـ ) .
7. مسند أحمد بن منيع ( ت 244 هـ ) .
8. مسند عبد بن حميد ( ت 249 هـ ) .
9. مسند الحارث بن أبي أسامة ( 282 هـ ) .
10. مسند أبي يعلى الموصلي ( ت 307 هـ ) .

وهذا الكتاب أضخم وأوسع وأشمل من مجمع الزوائد كتاب شيخه رحمهما الله وذلك من وجوه :
1. أنه اشتمل على ثلاثة مسانيد ليست موجودة عند الهيثمي وهي مفقودة أيضاً وهي : مسندد مسدد ، ومسند ابن أبي عمر العدني ، ومسند أحمد بن منيع ، بل حفظ لنا أسانيدها لليوم .
2. ضم البوصيري أيضاً لكتابه أحاديث من : مسند أحمد ، ومسند البزار ، وصحيح ابن حبان ، والمستدرك للحاكم ، والبيهقي صاحب السنن .

عمل البوصيري التخريجي :
أولاً : قسم البوصيري كتابه الإتحاف على الأبواب الفقهية والباب الواحد إلى أبواب متعددة حشد فيها ( الأبواب ) الأحاديث التي تخدم كل باب .
ثانياً : استفاد البوصيري أيَّما استفادة من كتاب البيهقي في تعليل الأحاديث والحكم على الرجال ، وذلك لأنه عمل زوائد البيهقي المسمى ( فوائد المنتقى لزوائد البيهقي ) .
ثالثاً : ينقل البوصيري كلام الإمام البزار من كتاب شيخه الحافظ أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني مختصر زوائد البزار ولكن لم يصرح بذلك .
رابعاً : كان يتعقب الأحاديث التي أوردها في الباب جرحاً وتعديلاً ، صحة وضعفاً .
خامساً : ينقل في تعليله للأحاديث كلام العلماء السابقين ، وله شخصية مستقلة في تعليل الأحكام ، ولكنه يستأنس بأقوال السابقين مدللاً على صحة مذهبه وقوله .
سادساً : يكثر البوصيري رحمه الله من الإحالات في كتابه الإتحاف على أبواب سابقة ، فيقول فيه حديث فلان وقد سبق ، أو وله شاهد من حديث فلان وقد سبق . ينظر حديث رقم ( 869 ) و ( 864 ) و ( 893 ) و ( 1130 ) ... الخ .
سابعاً : إذا روى البيهقي حديثاً عن شيخه الحاكم ، والحاكم أسنده من عند ابن أبي شيبة فإن البوصيري يخرِّجه من عند ابن شيبة ثم يقول : رواه الحاكم عن البيهقي . ينظر الحديث رقم ( 1380 ) و ( 1090 ) و ( 2959 ) .

خصائص التخريج عند الرجلين :
في البداية لا بد أن نعلم أنه ليس بالضرورة أن كل من سبق من العلم بالضرورة أن يكون أعلم وأدق وأتقن من الذي بعده ، ولا العكس ، فالذي يحكم هذه العملية هي الدقة ، والضبط ، والاستقراء ، ورأيت كثيراً من المشتغلين في هذا الفن يقدمون الهيثمي في سعة الإطلاع والتخريج ودقة الصنعة على البوصيري ، ودليل قولهم : أن البوصيري استفاد من كتب شيخه الهيثمي ، فبنى عليها كتابه الإتحاف .
قلت ( عماد ) : وليس هذا الكلام صحيحاً البتة ، بل هناك مواضع كثيرة انتقد البوصيري شيخه الهيثمي ، بل وكان ينقض أحكام شيخه ويتعقبها بما يراه صواباً .

الخصيصة الأولى : في حكمها على نفس الحديث الواحد :
وهذه أمثلة :
المثال الأول مع الموازنة :
إتحاف الخيرة :
قال مسند : وحدثنا هشيم ، عن داود بن عمر ، عن عطية بن قيس ، أن أبا الدرداء كان يدخل الحمام ويقول : نعم البيت الحمام ، يذهب السيئة ويذكر النار .
هذا إسناد رجاله ثقات .
رواه أحمد بن منيع : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه ، عن أم الدرداء أنه سمعها قالت : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ قلت : من الحمام قال : والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن - عز وجل .
قال أحمد بن منيع : وحدثنا إسحاق بن يوسف ، أنبأنا عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن صفوان بن عبدالله ، عن أم الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وزاد فيه : فلقيت أبا الدرداء في السوق فقال لي مثل ما قالت أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه أبو يعلى الموصلي : حدثنا زهير ، حدثنا الحسن بن موسى .
قلت : وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن الحسن بن موسى .
وقال إسحاق بن راهويه : حدثنا ابن شيرويه ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا رجل يقال له عطاء بن عجلان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلن مع حليلته الحمام .
قال البخاري : عطاء بن عجلان بصري نسبه عبد الوارث ، منكر الحديث .
قال شيخنا الحافظ أبو الفضل : - أبقاه الله تعالى - أخرجه لغرابة لفظه ، وإلا فقد أخرجه أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير بلفظ فلا يدخل حليلته الحمام ومعنى الذي أوردناه يعطي غير معنى هذا انتهى .
ورواه النسائي والترمذي وحسنه والحاكم ، وزعم انه على شرط مسلم بلفظ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر .
وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا حسن بن صالح ، عن ليث ، عن طاووس ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :
( ج 1 : ص 345 ) حديث رقم ( 1516 ) :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام )) قال الهيثمي : رواه أحمد وفيه أبو خيرة قال الذهبي : لا يعرف .
حديث رقم ( 517 ) وعن أم الدرداء قالت : خرجتُ من الحمام فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ فقلت : من الحمام فقال : والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل . قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني في الكبير بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح .

قلت : والموازنة بين الرجلين فيما يلي :
المتابعات والشواهد ، فلقد أغفل الهيثمي رحمه الله المتابعات والشواهد في هذا الحديث ، أما البوصيري فلقد أكثر من المتابعات والشواهد ففي هذا الحديث الواحد ذكر البوصيري شواهد من مسند أحمد بن منيع ، وأبي يعلى الموصلي ، وأحمد في المسند ، وإسحاق بن راهويه ، ثم نقل كلام شيخه أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني ، ثم ذكره بإسناده إلى ابن أبي شيبة ، فتبين أن الصنعة الحديثية عند البوصيري لا زالت قائمة واضحة للبوصيري ولا مزيد . بينما نجد الهيثمي يقول : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . فأين الثرى من الثريا ؟

المثال الثاني مع الموازنة :
قال إسحاق بن راهويه : أنبأنا محمد بن بكر البرساني ، حدثنا ابن جريح ، حدثني الزهري ، عن عبدالله بن أبي بكر، قال : بعثني الزهري - ولم أسمعه منه - أنه كان يحدث ، عن بسرة بنت صفوان ، وعن زيد بن خالد الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ )) .
قال ابن جريح : وقال يحيى بن أبي كثير : عن رجل من الأنصار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثم عاد في مجلسه فتوضأ ، ثم أعاد الصلاة ،فقال : إني كنت مسست ذكري فنسيت .
قال إسحاق : وحدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثني رجل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (( إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ )) .
رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة : حدثنا عبد العزيز بن أبان ، حدثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عروة ، عن عائشة ، قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا مس أحدكم ذكره فليعد الوضوء )) .
قلت : الإسناد الأول صحيح متصل ، وحديث بسرة في السنن الأربعة ، وأخرجه أحمد بن حنبل ، من حديث زيد بن خالد ، لكنه من رواية ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن زيد بن خالد ، وقد تبين في الإسناد الذي سقناه ، أن الزهري لم يسمعه من عروة ، فكأن ابن إسحاق ، دنسه تدنيس التسوية ، لأنه صرح فيه بسماعه من الزهري ، فأخرجته من هذا الوجه للفائدة ، وباقي الطرق التي هنا لم يخرجوها .
وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ... فذكره .
ورواه أبو يعلى الموصلي : حدثنا زهير ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير ... فذكره . وزاد قال أبو خثيمة : هذا عندي وهم ، غنما روى عروة ، عن بسرة .
وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا الحسن بن عمر بن شفيق الجرمي ، حدثنا عبدالله بن أبي جعفر الرازي ، عن أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلاة ثم قام فتوضأ وأعادها فقلنا : يا رسول الله ، هل من حدث يوجب الوضوء ؟ قال : لا إني مسست ذكري .

الحديث رقم ( 1272 ) :
عن بسرة بنت صفوان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من مس ذكره أو أنثيته أو رفغيه فليتوضأ وضوءه للصلاة )) .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير وهو في السنن خلا ذكره الأنثيين والرفغين ورجاله رجال الصحيح .

الترجيح :
إن صنيع الإمام البوصيري في إيراد أحاديث مس الوضوء - ولقد اخترت مثالاً - أنه اعتبر أن الأحاديث في أفرادها ضعيفة السند ، ولكن إذا انضم إليها مثيلاتها من المتابعات والشواهد ، ربما ترتقي إلى درجة الحسن لغيره وربما الصحيح لغيره . ولكن صنيع الهيثمي رحمه الله أنه يسوق الأحاديث كل على حدى ثم يتكلم على كل سند ، لا أن يسوقها جميعاً تحت باب واحد ثم يعطيها بعد دراسة أسانيدها حكماً واحد كالقول : حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف كذا وكذا .

المثال الثالث مع الموازنة :
مجمع الزوائد ( 8 : 98 - 99 ) :
وعن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال : ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام .
رواه أحمد وأخرجه الطبراني .
وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حلف في الإسلام وإنما حلف كان في الجاهلية فلم يزد في الإسلام إلا شدة )) .
رواه أبو يعلى والطبراني وفيه جده ابن أبي مليكة ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات .

إتحاف الخبرة ( 5 : 185 ) باب ما جاء في الحلف :
( 5139 : 1 ) قال أبو داود الطيالسي : ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن المغيرة ، عن أبيه عن شعبة بن التؤم عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف في الإسلام فقال : (( لا حلف في الإسلام تمسكوا بحلف الجاهلية )) .
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير فذكره .
ورواه أبو يعلى الموصلي ، ثنا شجاع بن محمد ، ثنا هشيم عن مغيرة فذكره .
قال : وثنا أبو خثيمة ثنا جرير فذكره .
وقال : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكره .
ورواه أحمد بن حنبل ، ثنا هشيم قال المغيرة : اخبرني عن أبيه عن شعبة بن التؤم عن قيس بن عاصم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال : (( ما كان حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام )) .
قلت ( عماد ) : ففرق شاسع بين صنيع الرجلين في هذا الحديث فصنيع الهيثمي في هذا الحديث فقط العزو إلى أحمد والطبراني وفي الحديث الثاني : خرَّج الهيثمي فقال : رواه أبو يعلى والطبراني وفيه جد ابن أبي مليكة ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات ، بينما تجد في الحديث الثاني أن البوصيري قال : قال أبو بكر بن أبي شيبة وثنا وكيع ، عن داود بن أبي عبدالله ، عن ابن جدعان عن جدته عن أم سلمة رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزد في الإسلام إلا شدة )) . ورواه أبو يعلى الموصلي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكره .
قال البوصيري : هذا إسناد ضعيف ، الضعيف ابن جدعان . فشتان بين الصنيعين .
المثال الرابع مع الموازنة :
مجمع الزوائد :
حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن وجدت على بطن امرأتي رجلاً أضربه بسيفي قال : (( أي بينة أبين من السيف )) قال : ثم رجع عن قوله فقال : (( كتاب الله والشهداء )) قال سعد : يا رسول الله أي بينة أبين من السيف ؟ قال : (( كتاب الله والشهداء أيا معشر الأنصار هذا سيدكم استفزته الغيرة حتى خالف كتاب الله )) قال : فقال رجل : يا رسول الله إن سعداً غيوراً وما طلق امرأة قط قدر أحد منا أن يتزوجها لغيرته ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سعد غيور وأنا أغير منه والله أغير مني )) قال رجل : على أي شيء يغار الله ؟ قال : (( على رجل مجاهد في سبيل الله يخالف إلى أهله )) .
رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات .

إتحاف الخيرة المهرة ( 4 : 54 ) حديث رقم ( 3343 ) :
قال إسحاق ، وثنا النضر بن شميل ، ثنا أبو معشر ، عن عبد الوهاب بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة قال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل قال : إن وجدت على بطن امرأتي رجلاً أضربه بالسيف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أي بينة أبين من السيف )) ثم رجع عن قوله فقال : (( كتاب الله وشاهد )) فقال سعد بن عبادة : أي بينة أبين من السيف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كتاب الله وشاهد )) فقال سعد : أي بينة أبين من السيف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( معشر الأنصار هذا سعد استفزته الغيرة حتى خالف كتاب الله )) فقال رجل من الأنصار : إن سعداً غيوراً ، ما تزوج ثيباً قط ، ولا قدر من أن يتزوج امرأة طلقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن سعداً غيور وأنا غيور والله أغير مني )) قال رجل من الأنصار : على ما يغار الله ؟ قال : (( على رجل مجاهد في سبيل الله يخالف إلى أهله )) .
قال البوصيري : هذا إسناد فيه انقطاع فيما أظن وأبو معشر ضعيف .
قلت : وصدق البوصيري في ظنه ، فإن الحافظ ابن حجر قال كما في تهذيب التهذيب ( 4 : 69 ) : روى عن أبيه عن جده وجادة وشرحبيل بن سعد مقبول كما عند الحافظ في التقريب ( 2765 ) ، ولكن أنظر إلى صنيع الهيثمي في المجمع فماذا قال ؟ رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات .
وقوله رجل ثقات لا يعني أنه اشتمل الأحكام المعروفة للحديث الصحيح وهي :
1. اتصال السند .
2. العدالة .
3. الضبط .
4. انتفاء العلة والشذوذ .
5. عدم المخالفة .
ومصطلح الهيثمي كما شرحته في الفصول السابقة لا يعني أكثر من توفر شرط واحد وهو العدالة .

المثال الخامس مع الموازنة :
مجمع الزوائد ( 4 : 363 ) حديث رقم ( 71 ) :
عن أبي سعيد قال : كنا نورثه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني الجد .
قال الهيثمي : رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبو يعلى رجال الصحيح .

إتحاف الخيرة المهرة ( 3 : 137 ) حديث رقم ( 4049 : 1 ) :
قال أبو يعلى : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا قبيضة ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كنا نورثه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : الجد .
ورواه البزار : ثنا محمد بن عمر بن هياج ثنا قبيضة قال : ثنا سفيان الثوري فذكره ، قال البزار : لا نعلمه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه عن أبي سعيد ، وأحسب أن قبيضة أخطأ في فلظه وإنما كان عنده : كنا نؤديه : يعني زكاة الفطر ولم يتابع قبيضة على هذا .
قلت : البوصيري حكم شيخنا أبو الحسن الهيثمي الحافظ له بالصحة لجودة الإسناد ولم يعرج على هذه العلة القادمة .
قلت : وقول الهيثمي : رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبو يعلى ( كذا صوابه أبي يعلى ) رجال الصحيح ، ليس صواباً فلم يتفطن رحمه الله لعلة ثانية غير التي ذكرها البوصيري ، فعياض بن أبي زهير الذي في سند البزار مجهول ، ولا يهولنك قول يعقوب بن سفيان عياض بن أبي زهير مديني ثقة ، فهذا خلاف عياض بن هلال ، وينظر تهذيب التهذيب ( ت 377 ) .

الخصيصة الثانية : كلام البوصيري على أحاديث سكت عنها الهيثمي :
المثال الأول :
مجمع الزوائد ( 1 : 16 ) حديث رقم ( 17 ) :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة )) .
قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح .

إتحاف الخيرة المهرة ( ج 1 : ص 13 ) حديث رقم ( 59 : 1 ) :
وقال ابو بكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن بشر ، ثنا زكريا ، ثنا عطية ، عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة )) .
قال البوصيري : حديث أبي سعيد هذا ضعيف ، لضعف عطية العوفي وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي .
فانظر إلى الفارق بين التخريجين ، فالهيثمي سكت غي مكان لا ينبغي السكوت فيه ، وتكلم البوصيري على مسنده وأظهر العلة وهذا هو منهج المتقدمين في التصحيح والتضعيف ، إظهار العلة قبل المُعِّل ، والجرح المفسر على التعديل .
وسكت الهيثمي على الأحاديث التالية وتكلم عليها البوصيري :
- المجمع ( 7 : 150 ) في الإتحاف ( ح 6646 ) رواته ثقات .
- المجمع ( 10 : 296 ) الإتحاف ( 799 ) بسند ضعيف .
- المجمع ( 1 : 55 ) الإتحاف ( 464 ) دون المرفوع منه بسند صحيح وهكذا ..