فـــــتـــــــــــاوى
السؤال الأول : انتشرت في بعض المجتمعات الإسلامية مخالفات متعددة منها ما يقع عند بعض القبور ومنها ما يتصل بالحلف والأيمان والنذور ، وقد تختلف أحكام هذه المخالفات بين ما يكون منها من قبيل الشرك المخرج من الملة ، وما يكون دون ذلك فحبذا لو تفضل سماحتكم ببسط القول وبيان أحكام تلك المسائل لهم ، ونصيحة أخرى لعامة المسلمين ترهيبا لهم من التساهل بأمر تلك المخالفات والتهاون بشأنها .
الجواب : الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد : فإن كثيرا من الناس تلتبس عليهم الأمور المشروعة بالأمور الشركية والمبتدعة حول القبور ، كما أن كثيرا منهم قد يقع في الشرك الأكبر بسبب الجهل والتقليد الأعمى . فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد ، وحقيقة الشرك ، كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها لقول الله عز وجل : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ الآية .
وقال سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من دل على خير فله مثل أجر فاعله رواه مسلم في صحيحه .
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا رواه مسلم أيضا .
وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والآيات والأحاديث في الدعوة إلى نشر العلم وترغيب الناس في ذلك والتحذير من الإعراض وكتمان العلم كثيرة .
أما ما يقع عند القبور من أنواع الشرك والبدع في بلدان كثيرة فهو أمر معلوم وجدير بالعناية والبيان والتحذير منه ، فمن ذلك دعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم ، وطلب شفاء المرضى والنصر على الأعداء ونحو ذلك ، وهذا كله من الشرك الأكبر الذي كان عليه أهل الجاهلية قال الله سبحانه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقال سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ وقال سبحانه : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ والمعنى أمر وأوصى ، وقال سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ الآية .
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، والعبادة التي خلق الثقلان لأجلها وأمروا بها هي توحيده سبحانه وتخصيصه بجميع الطاعات التي أمر بها من صلاة وصوم وزكاة وحج وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما قال سبحانه : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ والنسك هو العبادة ومنها الذبح كما قال سبحانه : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله من ذبح لغير الله أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقال الله سبحانه : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وقال عز وجل : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ وقال عز وجل في سورة فاطر : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن الصلاة لغيره والذبح لغيره ودعاء الأموات والأصنام والأشجار والأحجار كل ذلك من الشرك بالله والكفر به .
وأن جميع المدعوين من دونه من أنبياء أو ملائكة أو أولياء أو جن أو أصنام أو غيرهم لا يملكون لداعيهم نفعا ولا ضرا ، وأن دعوتهم من دونه سبحانه شرك وكفر ، كما أوضح سبحانه أنهم لا يسمعون دعاء داعيهم ولو سمعوا لم يستجيبوا له .
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس الحذر من ذلك والتحذير منه وبيان بطلانه ، وأنه يخالف ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من الدعوة إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، كما قال سبحانه : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله سبحانه ويحذر الناس من الشرك به ، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله فاستجاب له الأقلون ، واستكبر عن طاعته واتباعه الأكثرون ، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام فنشر الدعوة إلى الله سبحانه هناك بين المهاجرين والأنصار ، وجاهد في سبيل الله ، وكتب إلى الملوك والرؤساء ، وأوضح لهم دعوته وما جاء به من الهدى ، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم ، حتى ظهر دين الله ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وانتشر التوحيد وزال الشرك من مكة والمدينة ومن سائر الجزيرة على يده صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه من بعده ، ثم قام أصحابه بالدعوة إلى الله سبحانه والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه ومكن لهم في الأرض وظهر دين الله على سائر الأديان ، كما وعد بذلك سبحانه في كتابه العظيم حيث قال عز وجل : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
الشيخ / عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى
سؤال : متى يوصف العمل بأنه بدعة في الشرع المطهر ؟
وهل إطلاق البدعة يكون في أبواب العبادات فقط ، أم يشمل العبادات والمعاملات ؟
جـــواب : البدعة في الشرع المطهر هي كل عبادة أحدثها الناس ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة ولا في عمل الخلفاء الأربعة الراشدين ، لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته وقوله ، صلى الله عليه وسلم ، ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه مسلم في صحيحه ، وقوله ، صلى الله عليه وسلم ، في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح ،والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وتطلق البدعة في اللغة العربية على كل محدث على غير مثال سابق ، لكن لا يتعلق بها حكم المنع إذا لم تكن من البدع في الدين ، أما في المعاملات فما وافق الشرع منها فهو عقد شرعي وما خالفه فهو عقد فاسد ولا يسمى بدعة في الشرع لأنه ليس من العبادة .
سؤال : وسئل : عن معنى البدعة وعن ضابطها ؟ وهل هناك بدعة حسنة ؟
وما معنى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ( من سن في الإسلام سنة حسنة ) .؟
جــواب : البدعة شرعا ضابطها ( التعبد لله بما لم يشرعه الله ) ، وإن شئت فقل : (التعبد لله تعالى بما ليس عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا خلفاؤه الراشدون ) فالتعريف الأول مأخوذ من قوله تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور ) فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله ، أو بشيء لم يكن عليه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواء كان ذلك فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه . أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة ، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،.
وليس في الدين بدعة حسنة أبدا ، والسنة الحسنة هي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها ، أو يبعثها بعد تركها ، أو يفعل شيئا يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء :
الأول : إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث فإن النبي ،صلى الله عليه وسلم ، حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه ، صلى الله عليه وسلم ، وهم في حاجة وفاقة ، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي ،صلى الله عليه وسلم ،( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ) مسلم ، فهذا الرجل سن سنة ابتداء عمل لا ابتداء شرع .
الثاني : السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده .
الثالث : أن يفعل شيئا وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ) والله أعلم .
يــــــــــــــــــــــــ ـــتـــــــــــــــــــــ ــــــــبع
7
7
7
7
7
7
7
7
7