أي قيمة نتعلمها ثم لا نمارسها، أو نمارس عكسها فإنها تفقد قيمتها ومعناها ويصبح تعلمنا لها مجرد مضيعة للوقت. وفي مدارسنا يتعلم الطلاب والطالبات قيمة النظافة في كثير من مضامين مناهجنا التعليمية، وعندما يخرجون إلى فناء المدرسة أثناء الفسحة نجدهم يرمون المخلفات والفضلات والأوراق على الأرض وفي كل زاوية من زوايا المدرسة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء وضعها في الأماكن المخصصة لها.
والغريب أن هذا السلوك يحدث أمام مرأى مديري ومديرات ومعلمي ومعلمات المدارس دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنصح الطلاب والطالبات على المحافظة على نظافة مدارسهم التي هي بيتهم الثاني وبيت أولادهم وأولاد أولادهم في المستقبل وإلزامهم برمي تلك المخلفات والفضلات والأوراق في الأماكن المخصصة لها. ولا يلام الطلاب والطالبات إذا كانوا لا يرون من بين المدراء والمديرات والمعلمين والمعلمات قدوات حسنة يقتدون فيها، بل ربما يكون هؤلاء أنفسهم يمارسون نفس السلوك الذي يمارسه الطلاب والطالبات.
مدارسنا بصريح العبارة تعلم أولادنا وبناتنا الاتكالية حين تدرسهم أهمية النظافة في الصف المدرسي ثم تعفيهم عن ممارستها عمليا أثناء الفسحة فتدعهم يمارسون كل أنواع التشويه لأركان وزوايا مدارسهم برمي المخلفات فيها دون توجيه أو إرشاد أو حتى ردع من أحد.
نعم مدارسنا تدرس طلابنا وطالباتنا قيمة النظافة على المستوى النظري فقط، أما الممارسة العملية لهذه القيمة فمناطة بالعمالة الوافدة التي تلاحق هؤلاء الطلاب والطالبات لتجمع ما يرمونه من مخلفات وتضعها في الأماكن المخصصة لها. وهكذا تنتشر بين أولادنا وبناتنا الاتكالية واللامبالاة واللامسؤولية وتتكرس في شخصياتهم ظنا منهم بأن مسؤوليتهم تجاه النظافة لا تتجاوز حدود الحفظ في الصدور دون العمل بالجوارح.
دعونا الان نحسب قيمة ما يستقطع من ميزانيتنا السنوية على نظافة مدارسنا إذا افترضنا أن في كل مدرسة إثنين من العمالة الوافدة يقومان بهذه المهمة. فالاحصاءات تشير إلى وجود حوالي 29 ألف مدرسة للبنين والبنات في المملكة، وكل عامل نظافة فيها يحصل على مرتب شهري قدره 600 ريال، لذلك تصبح المعادلة كالاتي:
29000 مدرسة × 2 عمال نظافة في كل مدرسة × 600 ريال راتب شهري = 34800000 ريال ( أربعة وثلاثون مليونا وثمانمائة ألف ريال ) شهريا. أما سنويا فإن المبلغ = 34800000 ريال شهريا × 10أشهر بعد خصم أشهر الاجازة الصيفية = 348000000 ريال ( ثلاثمائة وثمان وأربعون مليون ريال ).
بالفعل ما يقارب من 350 مليون ريال تصرفها وزارة التربية والتعليم من ميزانياتها السنوية على عمال وعاملات النظافة في مدارسها مع أن بإمكانها الاحتفاظ بهذه المبالغ وصرفها في بناء مئات المدارس الجديدة لو أن مسئولي ومسئولات ومعلمي ومعلمات وطلاب وطالبات مدارسنا حرصوا على نظافة المدارس التي ينتمون إليها وطبقوا قيمة النظافة في سلوكهم بدلا من تلقينها لهم نظريا ولا يرونها رأي العين أمامهم.
ما ينطبق على مدارسنا ينطبق على حال مساجدنا ومطاراتنا ومستشفياتنا ودوائرنا الحكومية وشوارعنا، حيث نصرف الميارات من ميزانياتنا من أجل نظافتها مع أنه كان بالامكان الاحتفاظ بهذه الميارات في خزينتنا لو أننا مارسنا النظافة في سلوكنا.
كم وكم سمعنا وحفظنا عن ظهر قلب أن " النظافة من الإيمان " و " الولد النظيف " و " إماطة الأذى عن الطريق صدقة " ... لكنها – وياللأسف – ظلت مجرد مقولات نرددها بينما لو ذهبت إلى أقرب مسجد – وهو بيت الله – لوجدت من الأوساخ والأذى ( فيه وحوله ) ما تشيب له رؤوس الولدان ... فمن يسمع ؟ حقيقة لا أدري ... دعونا نردد معا " النظافة من الإيمان " بشرط أن نطبقها على أرض الواقع وإلا فلنسكت حتى لا يضحك علينا الآخرون ... هذا وللجميع أنظف وأطيب تحياتي .
الدكتور/ عبد الله محمد الفوزان
جامعة الملك سعود-كلية الآداب-قسم علم الاجتماع-ص. ب 2456
[email protected]