بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُتابع معكم قصة ابن صياد .. بعد أن ذكرت لكم حديث فاطمة بنت قيس ..
تميم الداري وقصته مع الدجال
وحديثنا اليوم عن .. ماذا قال العلماء في ابن صياد ؟
قال أبو عبد الله القرطبي : [ الصحيح أن ابن صياد هو الدجال ، بدلالة ما تقدم ، وما يبعد أن يكون بالجزيرة في ذلكـ الوقت ، ويكون بين أظهر الصحابة في وقت آخر ] .
وقال النووي : [ قال العلماء : وقصته مشكلة ، وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ، ولا شكـ في أنه دجال من الدجاجلة .
قال العلماء : وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوحَ إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره ، وإنما أُوحي إليه بصفات الدجال ، وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلكـ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه : ( إن يكن هو ، فلن تستطيع قتله ) .
وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر ، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو ، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة ، فلا دلالة له فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض .
ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكاذبين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله ؟ ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب ، وأنه يرى عرشاً فوق الماء ، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال ، وأنه يعرف موضعه ، وقوله : إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن ، وانتفاخه حتى ملأ السكة .
وأما إظهاره الإسلام ، وحجه ، وجهاده ، وإقلاعه عما كان عليه ، فليس بصريح في أنه غير الدجال ] .
وكلام النووي هذا يُفهم منه أنه يرجح كون ابن صياد هو الدجال .
وقال الشوكاني : [ اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً شديداً ، وأشكل أمره ، حتى قيل فيه كل قول ، وظاهر الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متردداً في كونه الدجال أم لا ؟ ...
وقد أُجيب عن التردد منه صلى الله عليه وسلم بجوابين :
الأول : أنه تردد صلى الله عليه وسلم قبل أن يُعلمه الله بأنه هو الدجال ، فلما أعلمه ، لم ينكر على عمر حلفه .
الثاني : أن العرب قد تُخرج الكلام مخرج الشكـ ، وإن لم يكن في الخبر شكـ .
ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر ، قال : ( لقيت ابن صياد يوماً ـ ومعه رجل من اليهود ـ فإذا عينه قد طفت وهي خارجة مثل عين الحمار ، فلما رأيتها ، قلت : أنشدكـ الله يا ابن صياد ! متى طفت عينكـ ؟ قال : لا أدري والرحمن . قلت : كذبت وهي في رأسكـ . قال : فمسحها ونخر ثلاثاً ) .
وقد سبق ذكر نحو هذه القصة من رواية الإمام مسلم .
والذي يظهر لي من كلام الشوكاني ـ والكلام للكاتب ـ أنه مع القائلين بأن ابن صياد هو الدجال الأكبر .
وقال البيهقي في سياق كلامه على حديث تميم : ( فيه أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد ، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم ، وقد خرج أكثرهم .
وكأن الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم ، وإلا ، فالجمع بينهما بعيد جداً ، إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه محتلم ، ويجتمع به النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله ، أن يكون في آخرها شيخاً كبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر ، موثقاً بالحديد ، يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وسلم هل خرج أو لا ؟!
فالأولى أن يُحمل على عدم الاطلاع .
أما عمر ، فيُحتمل أن يكون ذلكـ منه قبل أن يسمع قصة تميم ، ثم لما سمعها ، لم يعد إلى الحلف المذكور .
وأما جابر ، فشهد حلفه عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستصحب ما كان اطَّلع عليه من عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت ـ والكلام للكاتب ـ : لكن جابر رضي الله عنه كان من رواة حديث تميم ، كما جاء في رواية أبي داوود ، حيث ذكر قصة الجساسة والدجال بنحو قصة تميم ، ثم قال ابن أبي سلمة : ( إن في هذا الحديث شيئاً ما حفظته ، قال ـ القائل : هو أبو سلمة بن عبد الرحمن والد عمر ـ : شهد جابر أنه هو ابن صائد . قلت : فإنه قد مات . قال : وإن مات . قلت : فإنه قد أسلم . قال : وإن أسلم . قلت : فإنه قد دخل المدينة . قال : وإن دخل المدينة ) رواه أبي داوود .
فجابر رضي الله عنه مصر على أن ابن صياد هو الدجال ، وإن قيل : إنه أسلم ، ودخل المدينة ، ومات .
وقد تقدم أنه صح عن جابر رضي الله عنه أنه قال : ( فقدنا ابن صياد يوم الحرة ) .
وقال ابن حجر : [ أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ [ أصبهان ] ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال ، فساق من طريق شبيل بن عرزة عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه ، قال : لما افتتحنا أصبهان ، كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ ، فكنا نأتيها فنختار منها ، فأتيتها يوماً ، فإذا اليهود يزفنون ويضربون ، فسألت صديقاً لي منهم ؟ فقال : ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل ، فبتُ عنده على سطحٍ ، فصليت الغداة ، فلما طلعت الشمس ، إذا الرهج من قبل العسكر ، فنظرتُ ، فإذا رجل عليه قبة من ريحان ، واليهود يزفنون ويضربون ، فنظرت ، فإذا هو ابن صياد ، فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة ] .
قال ابن حجر : [ ولا يلتئم خبر جابر هذا ـ أي : فقدهم لابن صياد يوم الحرة ـ مع خبر حسان بن عبد الرحمن ، لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر ، كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها ، وبين قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة .
ويمكن الحمل على أن القصة إنما شاهدها والد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة ، ويكون الجواب ـ لما ـ في قوله : ( لما افتتحنا أصبهان ) محذوفاً تقديراً : صرت أتعاهدها ، وأتردد إليها ، فجرت قصة ابن صياد ، فلا يتحد زمان فتحها وزمان دخولها ابن صياد ] .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية : [ أن أمر ابن صياد قد أشكل على بعض الصحابة ، فظنوه الدجال ، وتوقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ، وإنما هو من جنس الكهان أصحاب الأحوال الشيطانية ، ولذلكـ كان يذهب ليختبره ] .
وقال ابن كثير : [ والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية ، وهو فيصل في هذا المقام ] .
هذه هي طائفة من أقوال العلماء في ابن صياد ، وهي ـ كما نرى ـ متضاربة في شأن ابن صياد ، ومع كل دليله .
ولهذا فقد اجتهد الحافظ ابن حجر في التوفيق بين الأحاديث المختلفة ، فقال : [ أقرب ما يُجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلكـ المدة ، إلى أن توجه إلى أصبهان ، فاستتر مع قرينه ، إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها ، ولشدة التباس الأمر في ذلكـ ، سلكـ البخاري مسلكـ الترجيح ، فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم ] .
ابن صياد حقيقة لا خرافة ... هذا ما سنعرفه في المرة القادمة بإذن الله .
[align=right]* أشراط الساعة / يوسف الوابل .[/align]