للشاعر : حسان بن ثابت رضي الله عنه بيت من الشعر يهجو به الحارث بن كعب المجاشعي يقول فيه : ـ لابأس بالقوم من طول ومن عظم 00 جسم البغال وأحلام العصافير 00 وهو بيت ينبض بالسخرية والمغالبة التي تهدم معها الكبرياء المقيتة , عندما يتلبسها المتعالون ويتقمصها المتقمصون ضنا منهم أنها المآل إلى المنعة والرفعة , ومما درج أيضاً على السنة الأكثرية الكاثرة من الناس القول المأثور ( الطول طول نخلة , والعقل عقل سخلة ) وعلى كلا المقولتين يحق لنا الاتكاء , والاسترخاء عندما نشاهد أولئك المطرزون والمتسربلون بأدوات ( العنطزة والفنطزة ) وهم يمارسون أدوارهم الهزلية , أمام المجتمع وهم مغيبون غرورا وعتوا من عند أنفسهم الأمارة بالوهم عن واقعهم المرير في الحياة , كما قال أفلاطون ذات يوم وهو يستشرف رجل جاهل معجب بنفسه : وددت أني مثلك في ظنك وأن أعدائي مثلك في الحقيقة !! وبهذه الوتيرة وضع الحُمق في إناء المتكبرين, بقولهم كل متكبر أحمق, وليس كل أحمق متكبر, وهذا ما يجعل من الأحمق, أفضل من المتكبر من عدة أوجه ؟؟ أولهما : أن المتكبر بمحض إرادته أضاف لنفسه صفة لم تكن فيه أصلا , وثانيهما : أن ألأحمق يعذر لمصيبة ألمت بعقله,والمتكبر يلام لنقص يريد ستره بالكذب والدجل , وثالثهما : تغييب منطق النظر والقياس, مع وجود علة التفكر والتدبر, كما قال بذلك ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر : (( والمتكبر أحمق لأنه مامن شيء يتكبر به إلا ولغيره أكثر منه )) والقران الكريم قـــص علينا قصة زعيم المتكبرين إبليس الذي أوصله كبره إلى الطرد من رحمة الله، كما حـكــى قـصـة قارون الذي كانت نهاية تكبره خسف الأرض به 0 وقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الذي أكــل بشـمـالــه تكبراً، فشُلّت يده أو يبست فما رفعها إلى فمه بعد 0
إن المتكبرين أينما وجدوا, أوجدوا معهم ( الغرور ) فهم يرون في أنفسهم مالا يراه الآخرون , ومن هذه الجزئية الانتقائية , تجد لهم أحكاما عبثية , وأعمالا غير منطقية , وتقديرات وهمية 00ديدنهم تثبيت أفعالهم على شاهق ما يعتقدون ويؤمنون به من استعلاء واستكبار ليس إلا00وقد يرده البعض , أنه نوع من الثقة بالنفس , وماهو بذلك 00فالثقة بالنفس , تأتي من عدة عوامل أهمهما : تكرار النجاح والقدرة على تجاوز الصعوبات , والمواقف المحرجة , وهم غارقون في شخصنة ذواتهم , وتعظيم أدوارهم , على حساب الأقران , والأضداد , غير أبهين بفشلهم الاجتماعي , والعملي , في مناحي الحياة المختلفة 00 إن التكبر داء عضال , يستبد في العقول حتى يخرجها من واقعها الإنساني , ويزج بأهليتها في أتون الشك والنقص , ويحملها مالا تحتمل من التصورات والفرضيات المغلوطة , وبهذا التلازم المقيت تتكون لدى الفرد ( المتكبر ) مسارات تتصادم مع رؤى الآخرين , بعدوانية العناد , وضيق الأفق , وترسيخ الأنا وعشق الذات , وما اجتمعت تلك المتناقضات في إنسان إلا جعلته خارجا عن السيطرة الاجتماعية , وألبسته رداء الكبر , وإزار العظمة ومن كان ذلك حاله ومآله فهو منازعا لربه ماختص به نفسه سبحانه وتعالى كما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: ( قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي , والعظمة إزاري , فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار ) 0
__________________