ماذا يريد كل منهما من الآخر ؟
الشعر هو وصف لأحاسيس ومشاعر إنسان بطرق معينة ومرتبة ، وأقصد بالطرق هنا ( بحور الشعر )
إذاً هو كلام منظم يسير على قواعد معينة عرفها العرب في الجاهلية وصدر الإسلام والعصور التالية .
وقد قسمت فنون الشعر إلى ثمانية عشر فناً هي :
غزل ، وصف ، فخر ، مدح ، هجاء ، عتاب ، اعتذار ، أدب ، زهد ، خمريات ، مراث ، بشارة ، تهان ، وعيد ، تحذير ، تحريض ، ملح ، باب خاص للسؤال والجواب .
ومن هنا نجد أن هناك ضابطاً يحكم الشعر .
إذاً لنبدأ بالسؤال :
ماذا يريد الشعر من الشعراء ؟
- يريدهم أن يتعرفوا عليه جيداً ويعلموا قوانينه ويطبقوها عند كتابتهم له .
- يريدهم أن يعلموا أن الهدف ليس بالكم ، بل بالكيف . أي أن الشعر ليس بعدد القصائد التي تقال ، بل بنوعية تلك القصائد ودرجة جودتها .
ومن الحوادث في ذلك هذه القصة :
قيل أن أبو العتاهية بعد تقدمه في الشعر لقي محمد بن مبادر بمكة فمازحة وضاحكة ، ثم إنه دخل على الرشيد فقال : هذا شاعر البصرة يقول كل سنة قصيدة ، وأنا أقول في السنة مائتي قصيدة ، فأدخله الرشيد وقال : ما الذي يقول أبو العتاهية ؟
فقال : يا أمير المؤمنين لو كنت أقول كما يقول :
ألا يا عتبة الساعة ***** أموت الساعة الساعة
لقلت كثيراً منه ، ولكني أقول :
ابن عبد الحميد يوم توفي *** هد ركناً ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ولا حاملوه *** ما على النعش من عفاف وجود
فالنوع الأول يأتي على شاكلته بعض الشعراء الذين يدورون حول أنفسهم حتى في شعرهم ،
يقول أحدهم :
كأننا والماء من حولنا *** قوم جلوس حولهم ماءٌ
-يريد الشعر من الشعراء إذا لم يستطيعوا الحفاظ على منزلته ، بل ورفعها عالياً ، أن يتركوه وهو كفيل بنفسه .
-يريد منهم إيجاد صوراً بلاغية وجمالية جديدة بدون خدش بنائه .
-يريدهم أن يعلموا أن هناك شعراء يفخر بهم الشعر وهم كثير ، وهؤلاء الشعراء أضافوا للشعر بحوراً وأضافوا للشعر إبداعات غاية في الروعة ، تميزوا بها وتميزت بهم ، وأوضحت بعض الجمال في الشعر ،
ففي الشعر الفصيح هناك شعراء كتبوا قصائد تقرأ من اليمين ومن اليسار ،
وتعطي نفس المعنى ونفس المدلول ونفس الكلمات :
مثل :
مودته تدوم لكل هولٍ *** وهل كلٍ مودته تدوم
كذلك هناك قصائد إذا قرأتها من اليمين كانت مدحاً وإذا قرأتها من اليسار أصبحت هجاءً .
وغير ذلك كثير .
و في الشعر النبطي هناك الشاعر المعروف والشهير / محسن الهزاني ( رحمه الله )
والذي أضاف للشعر بحراً كاملاً هو بحر السامري وله سبع جرات .
وكذلك الشاعر الذي لا يزال الناس يتغنون بقصائده حتى الآن ، بل أن بادية الأردن وما جاورها
لا يسمعون إلا قصائده وهو الشاعر / محمد القاضي (رحمه الله ) ، والذي يعتبر أول من قال قصائد
في الشعر النبطي بدون نقط .
ناهيك عن شعراء المحاورة الذين أضافوا لشعر المحاورة طعماً خاصاً سواءً بالطواريق أو البحور ، فمن منا لا يعرف عبد الله المسعودي ، ، أو ابن تويم ، أو مطلق الثبيتي ، أو بندر بن سرور ، وكذلك خلف بن هذال سواء في شعره في الوطنيات أو شعره الذي غناه هو أو غيره ، وغيرهم كثير ؟ .
مثل هؤلاء أليس من حق الشعر أن يفخر بهم ؟!!
و أليس من حقنا كشعراء أن نفخر بأن من بيننا من أتى ، أو يأتي بمثل تلك القصائد ، ممن سخَّروا عقولهم للإبداع والرقي بنوعية القصائد .!!
الآن نأتي إلى السؤال :
ماذا يريد الشعراء من الشعر؟ :
الحقيقة أنا أرى أن الشعراء يمكن تقسيمهم للإجابة على هذا السؤال إلى ثلاثة أقسام :
-القسم الأول : حباه الله الموهبة الشعرية فهو يتنقى أطيبها ويطورها ويختار الكلمات التي تعبر عن ما يريد بأقصر الطرق وأوضحها لأنه موهوب ، فهذا النوع من الشعراء : شعراء مبدعون ، يريدون من الشعر تسجيل إبداعاتهم و يستحقون أن يطلق عليهم لقب شاعر .
-القسم الثاني : شخص حباه الله المقدرة على نظم الشعر والحفاظ على شروطه ولكنه يسير على طريق من سبقوه فهو لا يريد الإتيان بجديد فهو مقلد لمن سبقوه ، فالشعر عنده للتاريخ ، ولا يريد من الشعر شيء وأعتقد أن الشعر أيضاً لا يريد منه شيئاً .
-القسم الثالث : نوع ليس لديه المقدرة على نظم الشعر ولكنه حاول وحاول حتى أصبح ينظمه بشكل غير جيد ولكنه مع ذلك يكتب ما يستطيع من قصائد (؟) بشكل ركيك ومهلهل وغير موزون ، ومع ذلك لا يتقبل النقد وعندما ينقد لا يستجيب لأنه يسعى من وراء ذلك إلى مكانة اجتماعية فقط وتلقاه يفند وينظر ويحاور ، و...
فهذا النوع يريد من الشعر أن يطلق عليه لقب شاعر بأي حال .
تكلم وسدد ما استطعت فإنما *** كلامك حي والسكوت جماد
فإن لم تجد قولاً سديداً تقوله *** فصمتك عن غير السداد سداد .
ملاحظة :
1 - التعريفات التي أوردتها ليست من كتب و ليس لها مراجع سوى التجربة وما علمتني الحياة .
2 - القصة من كتاب ( المستطرف من كل فن مستظرف ).