الخطاب الديني من خلال الأحــــــــاديث النبوية (ماهيته .. أهميته)


مجلة الوعي الإسلامي العدد569
محمد عرابي- باحث في الدراسات الإسلامية

يعد الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية ركنا من أركان العملية التربوية المهمة في بناء الفرد والمجتمع، fyhukfg_opt.jpeg بما يحمله من قيم أصيلة ومعان سامية وتوجيهات ربانية، تستهدف الإنسان الذي هو محور العملية التوجيهية، بخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة ورمز قوتها ورمز عطائها ومشعل حضارتها، فالخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية منصب على تحقيق أهداف الإسلام في بناء شخصية متكاملة قدوتها الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وتستهدف تنشئة صالحة قويمة، بحيث يعيش الشباب حياته في أمن وطمأنينة، وفي سعادة وصلاح حال، يدرك رسالته في هذه الحياة إدراكًا واعيًا صحيحًا مستنيرًا، ويؤدي هذه الرسالة بقوة وأمانة، فالشباب هم الفئة المقصودة أكثر من غيرها في الخطاب الديني اليوم، لبناء شخصيتهم وعلاج مشكلاتهم، فهو خطاب تربوي موجه، له غاياته وأهدافه وأساليبه وخصائصه.

مفهوم الخطاب الديني:

الخطاب الإسلامي هو الخطاب الذي يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وأي من سائر الفروع الإسلامية الأخرى، سواءً كان منتج الخطاب منظمة إسلامية أم مؤسسة دعوية رسمية أم غير رسمية أم أفرادا متفرقين، جمعهم الاستناد إلى الدين وأصوله كمرجعية لرؤاهم وأطروحاتهم لإدارة الحيوات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية والثقافية التي يحيونها، أو التعاطي مع دوائر الهويات القطرية أو الأممية أو الوظيفية التي يرتبطون بها ويتعاطون معها.

والخطاب الإسلامي يمتاز بالتجديد في إطار أسس العقيدة الإسلامية، وترتبط مضامينه بحاجات المسلمين، وفق احتياجاتها ووفق أولوياتها، وتتصل مقاصده لمعالجة التحديات التي تواجهها الأمة، وليس بخافٍ أثر المعركة الثقافية التي تديرها ضد الإسلام والمسلمين مؤسسات معادية، يقف وراء حملاتها فكرٌ مضادٌ يستهدف كيان الأمة، يشن الغارة على أسسها وقيمها، وينسب إلى دينها قيما باطلة صاغ منها مقولات الإرهاب الإسلامي والتخلف الإسلامي، وغيرهما من المقولات الباطلة، وهدفه إيجاد فاصل من التمييز والكراهية بين أمة الإسلام والأمم الأخرى. (1).

ويقصد بالخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية: الكلام الموجه من قبل الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، سواءً الموجه للفرد أو الجماعة، والذي يحمل مضمونًا دينيًا تربويًا ذا طابع توجيهي وإرشادي، بما يحقق المصلحة العامة للخطاب في الدنيا والآخرة، ويسهم في بناء شخصية سوية ومتوازنة. (2).

ويؤخذ من التعريف السابق أن أسلوب الخطاب من أبرز الأساليب النبوية المستخدمة في توجيه الشباب وعلاج مشكلاتهم، فالخطاب - ولا يزال - هو الأسلوب الأمثل في التأثير على المخاطبين أو المتلقين، طالما اعتمد على الإقناع المنطقي، والتحفيز النفسي، والتوجيه الديني... إلخ، مع اعتماده على الوسائل اللغوية المطلوبة في التأثير - على تعددها- كل منها في سياقها المناسب للموضوع المطروح، وقد التفت القدماء إلى أهمية الخطاب وتأثيراته في شتى المجالات، وكانت تأثيرات الخطاب القرآني والنبوي من أبرز التأثيرات، وأعظمها أثرًا، حتى لقد تحول المجتمع الجاهلي إلى مجتمع مختلف، وعمت تأثيراته العالم بأسره، ليسطع نور الحق والخير والعدل على الإنسانية جمعاء، متى ما أصغت بوعي لذلك الخطاب الرباني، وتخلت عن آفتي الكبر والعناد، والتفتت إليه بحيدة وموضوعية صرفة، كما فعل الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم.

إن التحول الكبير والنجاح العظيم الذي حققه " صلى الله عليه وسلم" في صناعة الأمم والأجيال، حتى ارتفعت الأمة من السفوح إلى قمم الجبال، كان نتيجة منهج تربوي تعليمي دعوي رصين، له معالمهُ وسماتهُ، وهو بلسم ودواء أصيل لما نزل بالأمة من انحدار وانكسار وهوانٍ، فحري بنا أن نتأمل منهج النبي " صلى الله عليه وسلم" ، وطريقته في تربيته وتعليمه ودعوته، وندرس الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية الموجهة للشباب دراسة متأنية متفحصة، لتحديد معالمِه واستنباط سماتهِ وخصائصه، فلن يصلحَ آخرُ هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

إن الأحاديث النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، لكونها جاءت وحيًا من الله عز وجل، أجراه على لسان رسوله " صلى الله عليه وسلم" قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (النجم: الآيات 3 -5) وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر:7).

لقد تحقق في شخصية النبي " صلى الله عليه وسلم" المثل الأعلى والنموذج الأسمى للكمال الإنساني، وهذه الشخصية المعجزة الخاتمة التي جمعت تمام القيم وعظيم المُثُل تظل دومًا قدوة مُثلى ونموذجًا يُحتذى وأسوة حسنة في شتى مجالات التربية وجوانب التنشئة.

فشخصية النبي " صلى الله عليه وسلم" تُمثل وتُجسد تعاليم وتربية الإسلام قولًا وأداءً وتعاملًا في مختلف شؤون حياته من عباداتٍ ومعاملاتٍ؛ سواءً أكان ذلك الأداء قوليـًّا، أو فعليـًّا، أو موافقةً منه " صلى الله عليه وسلم" لما صدر عن بعض أصحابه رضي الله عنهم من الأقوال أو الأفعال؛ فإن هذا يعني أنه " صلى الله عليه وسلم" بمثابة «المثال الإنساني المتفرد، الذي يُعتبر اتِّباعُه والتأسي به جزءًا أساسيًا من التكليف الإلهي المتكامل الوارد في الكتاب والسُنة، سواءً أثناء بعثته، أو بعد موته، وإلى يوم القيامة.. وهو المثال الذي ينبغي أن يُحتذى في كل ما ثَبَتَ أنه فعله، أو قاله، أو قرَّره، دون أن يطمح أحدٌ في بلوغ مرتبته، سواءً في الأداء، أو في الإحسان، أو في الثواب». (3).

وشخصية النبي " صلى الله عليه وسلم" ، هي الشخصية الإنسانية المثالية التي يجد فيها الإنسان مربيًا عظيمًا ذا أُسلوبٍ تربويٍ فذّ، يُراعي حاجات الطفولة وطبيعتها، ويأمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، أي يراعي الفروق الفردية بينهم، كما يُراعي مواهبهم واستعداداتهم وطبائعهم، يُراعي في المرأة أنوثتها، وفي الرجل رجولته، وفي الكهل كهولته، وفي الطفل طفولته، ويلتمس دوافعهم الغريزية؛ فيجود بالمال لمن يُحب المال حتى يتألف قلبه، ويُقرِّب إليه من يُحب المكانة؛ لأنه في قومه ذو مكانة، وهو من خلال ذلك كله يدعوهم إلى الله وإلى تطبيق شريعته، لتكميل فطرتهم، وتهذيب نفوسهم شيئًا فشيئًا، وتوحيد نوازعهم وقلوبهم، وتوجيه طاقاتهم لاستغلالها في الخير والسمو. (4).

وإنه من الطبيعي أن يبلغ النبي " صلى الله عليه وسلم" رسالته من خلال طرق وأساليب كان لها دورها الفعال في استيعاب الصحابة رضي الله عنهم لها، وامتثالهم لما جاءت به من مُثل وقيم وتعاليم، ساعد في ذلك ما تحلى به النبي المعلم " صلى الله عليه وسلم" بما منحه الله إياه، فلقد كان " صلى الله عليه وسلم" مستكملًا للصفات التي لا غنى عنها في إبلاغ كل رسالة عظيمة من رسالات التاريخ، كانت له فصاحة اللسان واللغة، فقد أوتي " صلى الله عليه وسلم" جوامع الكلم وفصل الخطاب، وكانت له قدرة على تأليف القلوب وجمع الثقة، وكانت له قوة الإيمان بدعوته وغيرته البالغة في نجاحها. (5). لقد كان " صلى الله عليه وسلم" يمتاز بسهولة ألفاظه، ودقة اختياره لمعانيها، يكره التكلف وفضول الكلام، لم يسمع الناس بكلام أعم نفعًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح عن معناه ولا أبين عن فحواه من كلامه " صلى الله عليه وسلم" . (6).

لقد قام علماء الأمة بمحاولة تصنيف الأحاديث النبوية، وجمع ما كان له علاقةٌ بالجانب التربوي في عددٍ من الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن بعض الملامح والتوجيهات والدروس المستفادة من هدي التربية النبوية، ومنهجها العظيم، وأهدافها السامية، وأساليبها المتعددة في جوانب مختلفة من الحياة.

وليس هذا فحسب؛ فهناك كثيرٌ من الدراسات والاجتهادات التي ركَّزت على المضامين والمفاهيم والأبعاد والآداب والدروس التربوية النبوية، فكُتبت الكتب وأُلفت المؤلفات، وأُعدَّت الدراسات المتنوعة التي توضح بما لاشك فيه أن السُّنة النبوية المطهرة مصدرٌ تربويٌ رئيسٌ وزاخرٌ بالكثير من المبادئ والقيم والأهداف والأساليب والمضامين والدروس ذات العلاقة بحياة الإنسان والمجتمع المسلم.

أهمية الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية:

تظهر أهمية الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية من خلال:

1- الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية الموجهة للشباب يساهم في الوقاية من الخطأ والضلالة، لقول النبي " صلى الله عليه وسلم" الذي رواه مالك (ب.ت، ج5، ص1323): «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه».

2- الاقتداء بالنبي " صلى الله عليه وسلم" في أقواله وأفعاله وأحواله، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب -21)، فالنبي " صلى الله عليه وسلم" خير قدوة يقتدي بها المسلمون في جميع النواحي الأخلاقية والتشريعية والعقائدية، فهو " صلى الله عليه وسلم" يمثل المنهج الذي يعلمه ويربي به ويربي على هديه بلا تناقض بين القول والعمل والقدوة التي أعطاها (7) قد بلغت في مراتبها أعلاها، وكلما توالت الدهور وتعاقبت العصور، وجد الناس في توجيهات وعبادة النبي " صلى الله عليه وسلم" وأخلاقه الشاملة المُثل العلا والأسوة الصالحة والمنار الهادي.

3- الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية يوجه سلوك الشباب ويعطيهم التناسق وعدم الازدواج بين الفضيلة والرذيلة ومعرفة الأمور، ومحاكمتها للتمييز بين الصواب والخطأ والمرغوب فيه والمرفوض والأخلاقي وغير الأخلاقي.

4- الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية وأفعال الرسول " صلى الله عليه وسلم" وأخلاقه وتقريراته وشمائله وفضائله، هي القواعد التي بُني عليها المجتمع الإسلامي، فدراسة سيرة الرسول " صلى الله عليه وسلم" هي في جوهرها دراسة في تشكيل حضارة، وبناء أنموذج حياة جديد.

5- الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية يعمل على ضبط تصرفات الفرد وفق معايير وأخلاق راسخة ومثل سامية، فينتج لنا قلوبًا جديدة خلاقة، ونفوسًا حية قوية فتية، ومشاعر غيورة متأججة، وأرواحًا طموحة متطلعة متوثبة، تتخيل مُثلًا عُليا وأهدافًا سامية لتسمو نحوها وتتطلع إلى الوصل إليها، قبل أن تسعى إلى بلوغها والتمسك بها.

6- الخطاب الديني من خلال الأحاديث النبوية يستمد أهميته من عالمية الرسالة الإسلامية، فالإسلام عقيدة وشريعة لحكم الحياة، ومعنى عالمية الرسالة أنها دعوة لجميع البشر، دعوة ليست عنصرية، ولا قومية، ولا محدودة بحدود جغرافية أو إقليمية أو وقتية.

الهوامش

1- الدسوقي محمد (1423): تجديد الخطاب الإسلامي، مجلة منار الإسلام الإماراتية، صفر 1423- مايو2001،ص57.

2- أبو دف محمود خليل (2008): جودة الخطاب التربوي في السنة النبوية (دراسة تحليلية)، بحث مقدم لمؤتمر المعلم الفلسطيني، غزة، جامعة الأقصى، كلية التربية. ص5.

3- رمزي عبدالقادر هاشم (1404هـ/ 1984م). النظرية الإسلامية في فلسفة الدراسات الاجتماعية التربوية، الدوحة، دار الثقافة، ص58.

4- النحلاوي عبدالرحمن (1426هـ). أصول التربية الإسلامية وأسـاليبها. ط (23)، دمشق: دار الفكر، ص (26- 27).

5- علي سعد إسماعيل (1426): أصول التربية الإسلامية، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ص164.

6- العماري علي (1431): بلاغة الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، القاهرة: وزارة الأوقاف، سلسلة دراسات إسلامية، العدد 175، محرم 1431- يناير2010، ص65.

7- الأنصاري عبدالله إبراهيم (1987): تربية الناشئة في ضوء السيرة، الدوحة – قطر، مطابع قطر الوطنية، ص53.