الدنيا وشهوات الحياة
الحمدلله الذي جعل الدنيا متاعاً زائلاً والآخرة دار القرار أيها المسلمون أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله فإنها خير زاد ليوم المعاد واعلموا عباد الله ان هذه الحياة فانية مهما طالت وأن متاعها زائل مهما عظم وطال بناؤه وأن نعيمها منقطع مهما لذّ وطاب والعاقل المؤمن من تزود لآخرته من دنياه وأن من آمن بأن الموت حق والحساب حق والجنة حق والنار حق والساعة حق وأنها آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن من آمن بأن الله لا يظلم مثقال ذرة وسيحاسب العبد على النقير والقطمير وإن تكُ حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ، إن من آمن بذلك فقد رُزق التقوى وغلب جانب الخوف على الرجاء واتهم نفسه بالتقصير وأيقن أن لا راحم له سوى الله رفع يديه إلى السماء
داعياً ومناجياً ربه بما أنزله سيد رسله ﱹربنا إننا ءامنا فأغفر لنا ذنوبنا وقـِنا عذاب النـّار ﱸ الصابرون في البأساء والضراء وحين البأس الصادقون في أقوالهم وأفعالهم وإيمانهم والراجعون إلى الله المفوضون أمرهم وأمورهم إليه والمنفقون أموالهم فيما يرضيه سبحانه المسارعون إلى الخيرات الذين ينفسون عن المؤمنين الكربات ويمدون بالمساعدة السخية للعائلات الفـقيرات الذين آمنوا
بقوله تعالى : ﱹ والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يـُصدّقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مـُشفقون ﱸ الذين قاموا في ظلام الليل رُكعاً سجداً يبتغون فضل الله يسغفرون ويتهجدون ويتعبدون ويجأرون إلى الله رافعين أكف الضراعة في ذل وضراعة قد اختنقت أصواتهم بالعبرات قائلين ﱳربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﱲأيها المسلمون لقد غـرّتنا الحياة الدنيا وغرنا ما نحن
فيه من رغد عيش وطمأنينة نفس وما أكرمنا الله به من أمن وارف واستقرار ولعبت بنا شهوات الحياة وخدعـتـنا هذه الدنيا وزخارفها الكاذبة وزينتها الفاتنة فشغلتنا عن العمل للآخرة الحقة الباقية ذات الهناء العظيم والنعيم المقيم والسعادة الخالصة من الشوائب والمكدرات الخالية من جميع المنغصات والتي لامحل فيها للهموم والآلام لقد نسينا الله فأنسانا أنفسنا وتتبعنا خطوات الشيطان فهوى بنا إلى حضيض المذلة والهوان وغمرنا سيل الشهوات
فجرف أخلاقنا وآدابنا وتعاليم ديننا فأصبح الكثير منا فـقـراء من الكمال مجردين من مكارم الأخلاق متصفين بأبشع الصفات وأرذل العادات إلا من رحم الله وقليل ماهم ، وما من أمة يكون هذا شأنها إلا كان مآلها إلى الفناء ومصيرها التلاشي والإضمحلال سبحانك اللهم لئن لم ترحمنا وتغفر لنا لنكونن من الخاسرين ، لقد زُين لنا حب الشهوات على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها وألوانها ونصب الشيطان شِـراكة وشِباكه في مجمع الشهوات فوقع الكثير فيها أفراداً وجماعات وُحدَانا وزرافات فإنا لله وإنا إليه راجعون فشهوة البطن شغلت فريقاً كبيراً منا فصار في سبيلها يتفـنـن ويحتال يركب متون الشطط ويتذرع بالمحال يملأ بطنه ويسد جشع نفسه وصار معظم المطعم حرام والمشرب حراماً والملبس حراماً والمعيشة حراماً في حرام فنشأ الأبناء من حرام وشبوا على
الحرام فتراهم يعقون آباءهم ويلعنون أمهاتهم حتى صاروا مصدر شر ومنبعاً للآثام لأن مذاق الحنظل مر وثمر الشوك شوك مصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به )) وقد ذكر r الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنَّى يستجاب له ؟
وهناك فريق آخر مولعون بشهوة الفرج وهي أدهى وأمر فتراهم وقد ملكت عليهم الشهوة البهيمية كل حواسهم وقبضت على أعنة مشاعرهم فسخرتها في خدمتها واستنفدت معظم أوقاتهم وشغلت من عقولهم كل فراغ ليشبعوا نفوسهم منها ساعة من يوم وتعقــُبها حسرة وندامة ويأس وقنوط وفقر مادي وأدبي وانحطاط خلقي جعلت الكثير منهم يتسكعون في الشوارع والطرقات وفي المقاهي والمنتديات يعاكسون ويغازلون ومن رحمة الله يبتعدون ، ومن غضب الله يقــتربون فإنا لله وإنا إليه راجعون وهناك فريق آخر غرهم جمع المال وأغواهم حب الثراء وامتلاك العقارات وتعداد الملايين ، ومن أجل ذلك استخدموا الغش والخداع وخلفوا الوعود ونقضوا العهود وارتكبوا كل حيلة تمكنهم من الإستيلاء على الأموال وإيداعها البنوك ليكونوا حراساً عليها ليسلموها رغم أنوفهم إلى من يعبث بها وعليهم تبعاتها وحسابها ، ينكشفون أمام الخالق جل وعلا فلا دنيا أصابوا ولا ديناً أقاموا فاتقوا الله عباد الله ولا تغرنكم شهوات الحياة الدنيا فإنها عَـرضُ زائل وظل مائل وعارية مستردة فاسمعوا واعلموا وقولوا وافعلوا وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى .
}يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{
منقول للفائدة من كتاب للشيخ طه البركاتي