النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حكم الخالق

  1. #1
    أبو الجميع
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    89

    حكم الخالق

    حكم الخالق

    جرياً على عادته اعتاد السلطان ( إبراهيم ) أن يخفي معالمه ويغيِّر من هيئته ،

    ويتجوَّل في الأسواق بعد صلاة الفجر ، قبل أن ترسل الشمس أشعتها الدافئة ،

    ليقف على أحوال رعيته بنفسه ، دون أن يعرفه أحد ، ويرى بعين بصره وبصيرته

    هموم الناس فيسعى في إزالتها ، وليدرك متاعب الحياة ومصاعبها فيحاول تذليلها .

    وفي أحد الأيام وقف على باب دكان صغيرة في إحدى الحواري ،

    كانت لرجل حائك يحوك على قطعتين من الخشب ويترنم بأبيات من الشعر :



    [poem=font="Arial,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    ربي أنت الرازقْ =للعاصي و الآبقْ
    تعطي من ترضاه =ذهباً في صنادقْ
    وأنا عبدٌ أشكو=فقراً ، لا يفارقْ
    إنْ تمنحني مالاً=أشكرْ شكرَ الصادقْ
    أو تتركني صِفراً=أرضَ حكم الخالقْ[/poem]
    دخل السلطان دكان الحائك بعدما سمع كلماته وقد اخترقت نياط قلبه ،

    فوجدها صغيرة جداً لا يكاد المرء فيها يستطيع بسط ذراعيه .

    ـ السلام عليكم ورحمة الله .

    ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . هل تريد بساطاً أقوم لك بحياكته ؟

    ـ لا ، وإنما أريد التعرف عليك والحديث إليك .

    ـ ومنْ أنا يا رجل حتى تتعرف علي وتتحدَّث إلي ؟ أنا عبدٌ من عباد الله طواه النسيان

    وعضَّته الأيام ، وقلاه الغنى ، و آخاه الحرمان .

    ـ سمعتك تشدو بأبيات شعرية ، فهل هي من قرضك ؟

    ـ إنما هي كلمات مبعثرة تجري على لساني كلما ضاقت بي الدنيا .

    ـ هل تسمح لي أن أساعدك ؟

    ـ كيف ؟

    ـ ( وأدخل السلطان يده في جيبه وأخرج كيساً من الدراهم ) خذ هذا المال واستعن
    به على الأيام .

    ـ معاذ الله أن أمدَّ يدي إلى مخلوق مثلي ، إنما أشكو أمري إلى الخالق وحده ،

    شكراً لك ، خذ مالك وانصرف .

    ـ يا رجل خذ هذا المال طوِّرْ فيه عملك ، وارقَ بحالك ، فأنا أخوك .

    ـ أخي ؟ أين رجال السلطان ينقلون إليه حال العباد ؟ أم أنهم في ملذاتهم غارقون ؟

    ـ ما رأيك لو عرفت أني أنا السلطان ؟

    ـ وتسخر مني ؟ سامحك الله .

    وبعد كثير من الكلام اضطر السلطان أن يكشف له أمره ، فبهت الحائك ،

    وأخذته الدهشة كلَّ مأخذ ، وانكبَّ على يد السلطان يريد تقبيلها ..

    ثم أخذ الدراهم ودعا للسلطان بطول البقاء .

    غادر السلطان دكان الحائك وقد اعترته نشوة إيمانية حيث استطاع انتشال رجل

    من مخالب الفقر ، وحمد الله تعالى على ذلك .

    لكن الحائك بدأت محنته ، كيف يدخل بالمال على زوجته ؟ وهل لها أن تصدقه ؟

    وإنْ صدَّقته هل تستطيع ضبط أعصابها ؟ وإنْ ضبطتها هل تستطيع لجم لسانها وإبقاء الأمر طيَّ الكتمان حتى لا يشعر الجيران بالأمر ؟

    فكَّر كثيراً ، ثم قاده تفكيره إلى أن يخفي المال في جرة قديمة في قبو المنزل

    ريثما يؤلف لها رواية مقنعة . وهذا ما فعله ،

    وكان كل يوم يدخل القبو ويطمئن على الجرة وما فيها إلى أن حدثت الكارثة .

    رجع إلى بيته فلم يجد الجرة ، صرخ بأعلى صوته كالمجنون : يا امرأة أين الجرة التي كانت هنا ؟

    ـ عفوك يا صابر ، كنت أنظف القبو فتعثرتْ رجلي ووقعت عل الجرة فانكسرت ،

    فألقيت بها خارجاً ، انظر إلى رأسي كيف تحطم .

    خرج كالشهاب الثاقب خارج المنزل يبحث عن جرته لكنه عاد بخفي حنين .

    استسلم لقضاء الله وقدره ، ورضي بقسمته سبحانه ،

    وقال في نفسه : (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ))

    وبعد بضعة أشهر أراد السلطان أن يرى آثار نعمة الله على صابر ،

    كيف تحسَّنت حاله و تبدَّلت معيشته ؟ فانطلق إلى دكانه ،

    ولما بلغها ترامى إلى أذنيه صوته وهو يشدو بالأبيات التي سمعها سابقاً .

    فتملكته الحيرة الممزوجة بالغضب .دخل عليه قائلاً

    ـ السلام عليكم ورحمة الله .

    ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . أهلاً بك سيدي السلطان ( ثم أطرق خجلا )

    ـ ما بك يا رجل ؟ أراك على حالتك التي تركتك عليها قبل مدة .

    ـ أتصدقني إنْ حدثتك يا سيدي ؟ ( قالها ودموعه تسبق حروفه المتقطعة )

    ـ نعم أصدقك ، فالمسلم لا يكذب أبداً .

    وقصَّ عليه الأمر بدقائقه وثوانيه .

    قال السلطان : هاك كيس من الدراهم آخر ، ولكن حذار من أن تضعه في جرة هذه المرة ، بل سارع في تنمية نفسك وعملك وتجارتك . ثم انصرف .

    قال العم صابر : هذه المرة سأضعه في جيب معطفي الوحيد الذي ألبسه في الشتاء ،

    فهو في الخزانة قابع ، ونحن في فصل الصيف ، وحتى يحين الشتاء أكون قد تصرَّفت

    وأخرجته واستثمرته .

    ولكنه لم يهنأ به أيضاً ، رجع إلى داره وعلى عادته فتح الخزانة فلم يجد المعطف ،

    نادى زوجته وسألها عنه فأجابته : لقد طرق بابنا هذا الصباح رجل متسول عار من الملابس فأشفقت عليه وأعطيته المعطف ، وقلت في نفسي :
    لعل الله يرزقك معطفاً جديداً ـ إذا ما داهمنا الشتاء ـ خيرا من معطفك القديم .

    ويعود صابر إلى شعره وآهاته بنفس راضية بحكم الله ، ويأتيه السلطان ثالثة فيجده

    على ما تركه عليه ، ولما عرف منه الأمر قال له : إذا كان فجر الغد فائتني القصر ،

    ولا تتأخر فإني أريدك في أمر يجب قضاؤه قبل أن يفتح التجار متاجرهم .

    لم ينم صابر هذه الليلة ، وأمسى يسبح بخياله في عالم الآمال والأحلام ،

    ترى ماذا يريد منه السلطان ؟ بل ماذا يخبئ له من مفاجآت ؟

    فالسلطان حسن السيرة سخي اليد كثير العطاء ..

    ولأول مرة يدخل صابر قصر السلطان ، فيجده بانتظاره ، ثم ينطلق به مع حاشيته

    إلى أحد أسواق المدينة المسقوفة ، وعند مدخل السوق يقف السلطان في موكبه ،

    ثم يومئ لأحد مرافقيه فيتقدم نحو صابر ويعطيه كرة من حديد ثم يتراجع .

    ـ ماذا أفعل يا سيدي بكرة الحديد هذه ؟

    ـ هذا السوق يا صابر هو من أملاك الدولة ، اقذف الكرة إلى أقصى ما تستطيع ،

    وعند استقرارها سيكون ريع المحال التجارية عن يمين السوق ويساره لك أنت .

    اختلطت على صابر مشاعر الفرح والدهشة والذهول ، ولوَّح بالكرة ثم ألقى بها بكل ما أوتي من قوة .


    ارتطمت الكرة بالسقف ثم هوت على رأس صابر فقتلته .

    لا تسلني عن الألم الذي اعتصر فؤاد السلطان ، فلقد أحسَّ بضيق في صدره

    جعله يعتزل الناس ، وكان يلوم نفسه ويؤنبها على ما اقترفت ، ويستغفر ربه

    ويقرُّ بضعفه ، ثم أمر لأسرة صابر بمنزل جديد و مرتب شهري ،

    وبينما هو في ضيقه وكربه إذ غفا غفوة فجاءه في المنام عبد صالح يخفف عنه ،

    وقال له : أيها السلطان الصالح : لم الحزن ؟ أفقره ربه فأردتَ أن تغنيه .

    أماته فهل لك أن تحييه ؟؟ ثم تلا عليه من سورة فاطر :
    (( ما يفتح الله للناس

    من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو

    العزيز الحكيم ))


    بقلم مروان قدري
    التعديل الأخير تم بواسطة مروان قدري ; 23-12-2007 الساعة 02:32 AM

  2. #2

    مشرفة سابقة

    الصورة الرمزية عاشقة الفردوس الأعلى
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    5,606
    نعم

    إنه حكم الخالق

    أمره نافذ

    أبتي سلمك الله من كل سوء

    أحببتها كثيرة

    دمت بخير

  3. #3

    مراقبة سابقة

    الصورة الرمزية سود العيون


    تاريخ التسجيل
    Jan 2004
    الدولة
    لــبنــان / الإمارات
    المشاركات
    6,275
    \
    سبحان الله

    وما قلوب الفقراء إلا القنــاعـة


    من البدايــة اقتنع بحالـه


    وشكر ربــه وحمد نعمه ، ورضي بحالـــه ..


    وحينمـا ابتسم له القدر ، وضحك له الفــرج ..


    سرعان ما عبس بوجهه مرات ومرات

    لكن


    وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم


    مروان قدري


    عظيــــم


    إبداع لا حدود لــه ..


    أمتعتنـا ، أمتعتنـا ، أمتعتنــا


    أبتــي


    القديــر



    لك الشكر..


    مثل سماء


    لا حدّ لهــا ,,





    كن بالقرب..



    سود
    /
    /

    أيها الــوليد جعلك الله من عباده الصالحين


  4. #4
    أبو الجميع
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    89

    إعادة : حكم الخالق

    شكراً من الأعماق

    لكل الذين شرفوني بوقوفهم الثمين

    عند محطتي هذه

    دمتم بخير

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ابداع الخالق
    بواسطة القرش22 في المنتدى منتدى الصور والسياحة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-10-2009, 08:56 PM
  2. عظمة الخالق
    بواسطة وردة في البستان في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 04-10-2009, 11:01 PM
  3. ؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛ | ياسبحان الخالق |؛¤ّ,¸¸,ّ¤؛|
    بواسطة همس الرووح في المنتدى رجيم 2012 والصحة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 28-08-2008, 05:52 PM
  4. من معجزات الخالق (عز وجل
    بواسطة TαlαL في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 30-03-2007, 01:11 AM
  5. عظمة الخالق..
    بواسطة shebeeb في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 10-09-2005, 07:08 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •