أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



العمل بالحديث وإن لم يعمل به أحد(1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى آثاره واتبعسنته إلى يوم الدين أما بعد
فإن أهل الحديث والأثر يبنون فقههم على قواعد مأخوذة من الكتاب والسنة الصحيحة وعلى ما كان عليه السلف الصالح قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (10/362): "فمن بنى الكلام في علم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة" . انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 34/113 ) : "موافقة أحمد للشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما ، وأصوله بأصولهما أشبه منها بأصول غيرهما ، وكان يثني عليهما ويعظمهما ، ويرجح أصول مذهبهما على من ليست أصول مذاهبه كأصول مذاهبهما ، ومذهبه أن أصول فقهاء الحديث أصح من أصول غيرهم ، والشافعي وإسحاق هما عنده من أجل فقهاء الحديث في عصرهما ". انتهى .
لذا يجبأن نتلقى ونستمد هذه التأصيلات وغيرها ممن عرفوا بالإمامة والرسوخ في العلمالنافع-ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه –والذين اشتهروا بالتحقيقوالتقعيد السليم وذلك حتى نفهم الأصول على مرادها الصحيح بيضاء نقية ولان بهذهالأصول تبنى كثير من الجزئيات لذلك وجب الحرص والعناية على ذلك,فمن عرف بكثرةالمخالفات لا ننظر إليه في هذا الباب لأن كثرة المخالفات في الجزئيات تعود غالباإلى خلل في أصل ما والله المستعان.
ومن الأئمة الذين عرفوا بالإمامة والرسوخوكتبت تحرير اتهم وتحقيقاتهم في هذه المسالة وفي غيرها الشافعي وأحمد بن حنبل وابنتيمية وتلاميذه كابن القيم وابن رجب وابن كثير وغيرهم رحمهم الله تعالى.
قال الشيخ الألباني رحمه الله.في شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الكويتية الوجه الأول"فقد قلنا: إن العلم النافع يجب أن يكون على منهج السلف الصالح ، فحينما يحيد كثيرمن الدعاة الإسلاميين اليوم عن التقيد بهذا القيد الثابت، الذي أشار إليه الإمامابن القيم رحمه الله في شعره السابق حين قال:
العلم قال الله قال رسوله قالالصحابة ليس بالتمويه
فعدم الالتفات إلى ما كان عليه السلف الصالح يعود بالناسبعد أن اتفقوا إلى الفُرقة التي تُبَاعِدُ بينهم، كما باعدت من قبل بين كثير منالمسلمين، فجعلتهم شيعاً وأحزاباً: ( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ] المؤمنون:53[ ."
وقال الشيخ الألباني رحمه الله رد على الصوفية الذين يـحـتجون بـهـذا الحديث : (لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول الله ، الله)على جواز بل على استحباب ذكر الله عز وجلباللفظ المفرد (الله ، الله ) ... إلى آخره
: ".. إن هذا التفسيرلو كان صحيحاً لجرى عليه عمل سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، فإذْ لم يفعلوا دلإعراضهم عن الفعل بهذا التفسير على بطلان هذا التفسير" . من محاضرة بعنوان : ( هذه دعوتنا ) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني
وصدق العلاّمة الألباني السلفي حين قال في الشريط الذي سجّلهمعه بعض الشباب الإماراتي بما معناه: ((يأتي نص بصيغة الأمر، ويحمله السلف علىالركنية أو الشرطية ..)).[(17) شريط سجل مع الشيخ في نهاية جمادى الآخرة 1419هـ. [
قال ابن تيمية رحمه الله في المجموع: ((الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسيرالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه طرق أهل البدع))
وقال العلامة الألباني عن الحديث الذي أخرجه مسلم ((دخلت العمرة في الحج لأبد أبد)) ما يلي: ((الحديث جعل العمرة في الحج من الحج، فهو يشعر أن العمرة في الحج جزء لا يتجزأ، أي إنها ركن في الحج، ولولا أنني لا أعلم أحدا تمسك بظاهر الدلالة لقلت بها، لكن لا أحد سبقني، فأقول إنها واجب فيه لا أقل من ذلك وقد سبقنا بذلك كثير من كبار العلماء من الصحابة وغيرهم))اهـ.راجع أشرطة شرح العلامة الألباني للترغيب والترهيب للمنذري.
قال العلامة الألباني رحمه الله في الثمر المستطاب (2/628) عند شرحه لحديث جابر بن عبد الله(( كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا المدينة قال لي: ائت المسجد فصلِّ فيه ركعتين)) :«وظاهر الأمر يفيد وجوب صلاة القدوم من السفر في المسجد، لكني لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إليه، فإن وجد من قال به صرنا إليه، والله أعلم» رحم الله العلامة محمد ناصر الدين الألباني وجعل الجنة مثواه.
قال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان في جزئه إعلام العابد (ص10) بالهامش: ((كان جواب شيخنا الألباني على سؤال له: لم الإقتصار على القول بكراهة الجماعة الثانية، وقد قامت الأدلة على منعها، والأصل في العبادات التوقيف، فما المانع من القول بحرمتها أو بدعتها؟ فقل حفظه الله: ما رأينا في ذلك لنا سلفا).

انظر :(العلامة الألباني ومنهجه السلفي في فهم النصوص- عبد الحميد الجزائري)

والعلامة الألباني رحمه الله يُقسم المسائل إلى أصلين عظيمين:
الأصل الأول:
المسائل المستجدة التي يسميها بعض الفقهاء بالنوازل، فهذه قال في حقها العلامة الألباني:( لا بد للعالم حقاً أن يفتي بما عنده من علم بنصوص الكتاب والسنة والقواعد العلمية التي منها ينطلق المفتي)
الأصل الثاني:هي المسائل التي يقطع بأنها كانت واقعة في زمن السلف، والتي لا بد أن يكون للسلف في مثلها رأي وجواب، فهذه قال في حقها العلامة الألباني: (فهنا يجب على المسلم أن يتورع أن يبادر إلى تقديم رأيه بمثل تلك المسألة إلا أن يكون له فيها سلف، بهذا القيد أو التفصيل يمكن أن نعتبر كلمة الإمام أحمد هي في الحقيقة قيداً لكثير من طلاب العلم اليوم الذين يركبون رؤوسهم ويتسرعون في إصدار فتاوى،كما يصرح بعضهم قائلاً مستهتراً بأقوال من سبقوه: هم رجال ونحن رجال. لكن أين أنت وأين هم- ثم ذكر الشيخ بيتاً شعرياً ثم قال-:وهـذا من الغرور الذي أصاب كثيرا من طلاب العلم اليوم، لأن بعضهم كما ذكرت آنفاً يصرحون بهذا الكلام"هم رجال ونحن رجال" وبعضهم لسان حالهم هو هـذا. وقد يكون هذا الذي يدعي أو يقول هذا الكلام لم يؤت من العلم ولا قليلاً، وإنما عنده نتف من هنا وهناك، ومع ذلك فلسان حالهم كما يقولون عندنا في الشام:( يا أرض اشتدي ما أحد عليك قدي).
و العلامة الألباني رحمه اللهُ يُبين أن ظاهر حديث جابر يفيد أن العمرة ركن في الحج، كما يدرك ذلك من كان مبتدءًا في علم أصول الفقه، ولكنه امتنع رحمه الله من تبني هذا الحكم، لأنه ما علم أحداً من السلف قال بـه .

وسئل الإمام الألباني رحمه الله : "هل هناك مسألة علمية أخذ بها المتأخر لم يقل بهامن المتقدمين أحد أعني في علم الحديث؟
الشيخ الألباني: لا أعتقد أنه يوجد شيءمن هذا ،هذا علمي ،لكني لا أستبعد أن يكون هناك قول قديم أخذ به بعض المتأخرينمرجحين له على غيره ،هذا ممكن وهذا في الحقيقة الذي أنا أفهمه كأن القول في هذهالمسألة الحديثيه كالقول في غيرها من المسائل الفقهية، أي:أنه كما أنه لا يجوز أنيتبنى الفقيه حقاً في هذا الزمان قولاً محدثاً لم يسبق إليه من أحد الأئمةالمتقدمين كذلك لا يجوز لمن كان عالما بعلم الحديث أن يتبنى رأياً جديداً لم يسبقإليه من أحد من العلماء المتقدمين ،كل ما يجوز لهؤلاء و هؤلاء هو أن يرجحوا أويتبنوا رأيا ًمن رأيين أو أكثر أما أن يبتدعوا فلا ،وعلى هذا أقول :لا أعتقد أن هناكمسألة لم يقل بها أحد أو رأى لم يقل به أحد". شريط رقم (852)من سلسلة الهدى والنور
وسئل الإمام الألباني رحمه الله: "ما رأيك في سبر أحوال الرواة عن طريق تتبع مروياتهم للحكمعليهم بحكم قد يوافق قول بعض الأئمة في ذلك الرجل وقد يخالفه وبالذات الرواةالمختلف فيهم ونحوهم كشريك القاضي ،وإذا ما سبرت مروياته وتتبعت ورأينا أنه حسنالحديث وهكذا ؟
الشيخ الألباني : لا أرى مانعاً من هذا التتبع بل هو بلا شك يفيدمادام منضبطاً ومقيداً بالقيد المذكور فيه ،أي :بشرط ألا يخرج عن قول من أقوالالأئمة المتقدمين فإذا كان المقصود من هذا التتبع لأحاديث الراوي هو أن يساعده علىترجيح قول على آخر فنعما هو ،أما أن يبتدع قولاً لم يسبق إليه فقد عرفنا جوابه منقبل ،وكما نقول في كثير من المناسبات سواء ما كان منها حديثياً أو فقهياً :أننانستدل بعموم قوله تعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيلالمؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً"،عندنا نص عن الإمام شيخ الإسلامابن تيميه –رحمه الله –أنه يقول:ليس لأحد من المتأخرين أن يأتي بقول يخالف كل أقوالالمتقدمين ،لأنه يكون محدثاً ويكون مبتدعا ويكون مخالفاً لسبيل المؤمنين ،فسبيلالمؤمنين في المسألة الفقهية الفلانية مثلاً فيها قولان فلك أن تختار أحدهما أما أنتأتي بقول آخر لا هو موافق للقول الأول ولا هو موافق أيضاً للقول الآخر،هذا مخالفةلسبيل المؤمنين ...،إلى هذا نحن نقول دائماً ننطلق في الفقه وفي الحديث منهذه القاعدة القرآنيه :أن لا يتبع غير سبيل المؤمنين وإنما أن يتبع سبيل المؤمنين،فإذا كان إذاً مقصود من هذا الاستقراء و التتبع لحديث الراوي هو أن يتخذ ذلك سبيلاًلترجيح قول من أقوال العلماء المتقدمين في هذا الراوي فنعما هو" . شريط رقم (852)من سلسلة الهدى والنور
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله في الشريط(438) هل يعتد بتفرد ابن حزم؟ فقال: (إن كان تفرد دون الأئمة فلا يعتد به، أما إن وافق مَنْ قبله فينظر حينئذ في المسألة من حيث الدليل )
وكثيرا ما يحتج بعض طلاب العلم بمقولة للإمام الشافعي في الرسالة: (الحديث يثبت بنفسه لا بعمل غيره) دون فهم لمعناها، فأداهم سوء الفهم إلى طرح فهم السلف للنصوص، والتفرد بالرأي، مع أن الإمام الشافعي بريء من هذا المنهج المريج، وبرهان ذلك أن مقولة الإمام الشافعي وردت بعد أن ذكر أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة من الإبل، ثم وجد كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( في كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل )
فقال الإمام الشافعي بعده: (وفي هذا الحديث دلالتان: إحداهما قبول الخبر، والأخرى قبول الخبر في الوقت الذي يثبت فيه، وإن لم يمضِ عمل أحد من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا، ودلالة على أنه لو مضى عمل من أحد من الأئمة ثم وجد عن النبي خبراً يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله ، ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده)
فهذا القول مقبولاً من الإمام الشافعي رحمه الله في زمانه حيث وضع الحديث النبوي كان مختلفا ، فكما يعرف كل واحد لم تكن الأحاديث قد جمعت بعد ولا ميز الصحيح منها من الضعيف ، وانطواء البلدان على أنفسها من جراء الفتن وعدم قبولها أحاديث البلدان الأخرى حتى جاء الشافعي، ونقض هذا الوضع وصرح أن الحديث يعمل به بغض النظر عن المصر الذي خرج منه .
أما اليوم وقد استقرت العلوم الحديثية ، وأمكننا معرفة أقوال السلف ومذاهبهم ، وقننت القواعد الفقهية فلا مناص من تقييد العمل بالحديث بفهم السلف الصالح له لاجتناب الخطأ
قال الشيخ مختار طيباوي حفظه الله:
"ولكن ننبه إلى أصل مهم يتعلق بهذه النقطة لنميز أوجه الفرق بين الحديث الذي نعمل به وإن لم يعمل به أحد ،وبين الحديث الذي لا يجب أن نعمل به إن لم يعمل به أحد، فهاهنا شبه يجب توضيحها :
ثم قال:ذاك أن الوضع في زمن الشافعي أقصد وضع الحديث النبوي كان مختلفا ، فكما يعرف كل واحد لم تكن الأحاديث قد جمعت بعد ولا ميز الصحيح منها من الضعيف ، وانطواء البلدان على أنفسها من جراء الفتن وعدم قبولها أحاديث البلدان الأخرى حتى جاء الشافعي، ونقض هذا الوضع وصرح أن الحديث يعمل به بغض النظر عن المصر الذي خرج منه .أما اليوم وقد استقرت العلوم الحديثية ، وأمكننا معرفة أقوال السلف ومذاهبهم ، وقننت القواعد الفقهية فلا مناص من تقييد العمل بالحديث بفهم السلف الصالح له لاجتناب الخطأ
وبالتالي كان العمل بالحديث الشاذ شذوذا فقهيا .." من رسالة أصول الفقه بين منهج المتكلمين والقياسيينومنهج فقهاء المحدثين.
مع العلم أن السلف إذا تنكبوا حديثا دلّ في الغالب على أنه معلول أو منسوخ كما قال العلائي وابن الملقن، زد على ذلك أن المنهج العملي الذي سلكه الشافعي في كتبه وبالأخص الأم يؤكد ما قلت.
قال الحافظ في الفتح [(كتاب الوضوء باب: الإستنثار في الوضوء)]: وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به، إلا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل قوي.فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت أنه رجع عن إيجاب الإعادة، ذكره كله ابن المنذر) اهـ.
وتأمل كلام الحافظ:أن عدم النقل عن السلف سماه دليلا قويا، مع صحة الحديث الآمر بالاستنشاق، وهو الذي يسميه علماؤنا بفهم السلف. مع غض النظر هل ما توصل إليه الشافعي صحيح أم لا فهذه مسألة أخرى، وإنما هدفنا من هذا الإيراد التأصيل والتقعيد لا التمثيل، فتنبه.
قال الإمام الشافعي: (إن الحجة في كتاب أو سنة أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو قول عامة المسلمين لم يختلفوا فيه أو قياس داخل في معنى بعض هذا..) ثم تأمل منهج الإمام الشافعي عند اختلاف الصحابة؛ ( وقيل للشافعي: أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تفرقوا فيها؟ فقال: نصير منها إلى ما وافق الكتاب والسنة أو الإجماع، أو كان أصح في القياس )
قال الحافظ ابن رجب رحمه
الله:(فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان، إذا كانمعمولاً به عند الصحابة ومن بعدهم، أو عند طائفة منهم، فأما ما اتفق السلف على تركهفلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يعمل به).[ فضل علمالسلف على الخلفص31. [

قال إسحاق:سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول:(سمعت منابن شهاب أحاديث لم أحدث بها إلى اليوم، قلت: لِمَ يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكنالعمل عليها فتركتها)[(22) رواه أبو نعيم في الحلية ( 6/322)، انظر السير للذهبي ( 8/107).و ترتيب المدارك للقاضي عياض (1/186) من طريق ابن وهب، وقال ابن عدي في مسندمالك: صحيح عن ابن وهب.وهذه المـرتبة تسمى عند مالك التوقف والاحتياط لا الرّد، كماحقق ذلك الشاطبي[
قال ابن خلّكان في ترجمة أبي القاسم عبد العزيزبن عبد الله الشافعي المعروف بالدّاركي:(كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما أفتى علىخلاف مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم! حدث فلانعن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذبقول الشافعي وأبي حنيفة).[(33) وفيات الأعيان (3/189)
قال الذهبي معقباًعلى كلام الدّاركي:(قلت:هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام مننظراء هذين الإمامين مثل مالك، أو سفيان، أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتاًسالماً من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثاً صحيحاً معارضاً للآخر،أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا، كخبر:"فإن شرب فيالرابعة فاقتلوه"،وكحديث"لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده).[ (34) السير ( 16/405) وهو كلام عظيم جداً وبحق،. وقد أورد سليم بن عيد الهلالي مقولة الداركي فيجزئه "التعظيم والمنّة في الانتصار للسنّة" مستدلا بها على تعظيم السنة وذهل أنالداركي هذا معتزلي، وفاته كذلك تعقب الذهبي، الذي يكتب بماء الذهب. [
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:(...ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلا به، وهو لا يدري: أجمع على نقيضه أم لا؟ فهو بمنزلة من رأى دليلا عارضه آخر وهو بعدُ لم يعلم رجحان أحدهما، فهذا يقف إلى أن يتبين له رجحان هذا أو هذا، فلا يقول قولا بلا علم، ولا يتبع نصا مع ظن نسخه وعدم نسخه سواء، لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن إجماع، ولا عاما ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء، فلا بد أن يكون الدليل سالما عن المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم وإلا وقف)(10)
على الطالب النبيه أن يفرق بين الردّ والتوقف، فالتوقف بشروطه مشروع وردّ النص ممنوع، والله أسأل الفقه في الدين والهداية والتمكين.

قال ابن تيمية رحمه الله:((كان الإمامأحمد يقول:أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، ولهذا نجد المعتزلة المرجئةوالرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة،ولهذا لا تجدهم يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعينوأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنمايعتمدون على العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون علىكتب التفسير المأثورة والحديثوآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب والكلام التي وضعتها رؤوسهم،وهذه طريقةالملاحدة أيضا، إنما يأخذون ما في كتب الفلاسفة، وكتب الأدب واللغة، وأما كتبالقرآن والحديث و الآثار فلايلتقون، وهؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء إذ هي عندهم لاتفيد العلم، وأولئك يتأولون القرآن برأيهم،وفهمهم بلا آثار عن النبي صلى الله عليهوسلم وأصحابه، وقد ذكرنا كلام أحمد و غيره في إنكار هذا وجعله طريقة أهــلالبدع)).[ (20) كتاب الإيمان ( ص 113- 114 ط المكتب الإسلامي)
وقال ابنتيمية رحمه الله في صدد رده على افتراءات الإخنائي التي مدلولها أنّ ابن تيمية تكلمفي مسائل لم يُسبق إليها، وأنه مع ذلك خرق الإجماع فأجاب ابن تيمية رحمه الله:((أنّالمجيب-ولله الحمد- لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء، فإن كان يخطرله ويتوجه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنّه قد قاله بعض العلماء كما قالالإمام أحمد:((إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام)) فمن كان يسلك هذا المسلككيف يقول قولاً يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماءالمسلمين...)).انتهى المقصود منه. المرجع:[ (21) استحباب زيارة خير البرية الزيارةالشرعية (ص 590)
فهذا ابن تيمية النحرير المجتهد العالم بالأصولوالفروع، قد شهد له بذلك الموالي والمعادي، ينفي عن نفسه أن يقول قولاً في دين اللهليس له فيه إمام، فكيف بمن هم دونه)
درر لا يستغني عنها مقتفيالأثر
قال إسحاق:سمعت مالك بن أنس رحمه الله يقول:(سمعت منابن شهاب أحاديث لم أحدث بها إلى اليوم، قلت: لِمَ يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكنالعمل عليها فتركتها)[(22) رواه أبو نعيم في الحلية ( 6/322)، انظر السير للذهبي ( 8/107).و ترتيب المدارك للقاضي عياض (1/186) من طريق ابن وهب، وقال ابن عدي في مسندمالك: صحيح عن ابن وهب.وهذه المـرتبة تسمى عند مالك التوقف والاحتياط لا الرّد، كماحقق ذلك الشاطبي[
قال الإمام الشافعي رحمه الله:(كل من تكلم بكلام في الدينأو في شيء من هذه الأهواء ليس فيه إمام متقدم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهفقد أحدث في الإسلام حدثا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث حدثا أوآوى محدثا في الإسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهصرفاً ولا عدلاً ).[ (23) مناقب الشافعي للبيهقي (2/335) [

وقال الإمامأحمد لبعض أصحابه:( إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام).[ (24) إعلامالموقعين (4/266) [
وقال الإمام أحمد في رواية الميموني:( من تكلم في شئليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ).[(25) الآداب الشرعية لابن المفلح ( 2/60) )
قال عمر بن عبد الواحد:سمعت الأوزاعي يحدث عن ابن المسيب، أنه سئلعن شيء فقال:( اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأي لي معهم) قالابن وضاح:( هذا هو الحق)، قال أبو عمر بن عبد البر:(معناه أنه ليس له أن يأتي بقوليخالفهم جميعاً فيه ).[ (26) أخرجه ابن عبد البر في الجامع (ص770برقم1423) بإسنادصحيح. [
قال ابن تيمية رحمه الله:(وكل قول قيل في دين الإسلام مخالف لما مضىعليه الصحابة و التابعون، لم يقله أحد منهم، بل قالوا على خلافه، فإنه قول باطل ).[(27) منهاج السنة ( 5/262[
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كذلك:(لكن لايمكن العالم أن يبتدئ قولاً لم يعلم به قائلاً). [(28) مجموع الفتاوى (20/247) [
وقال كذلك رحمه الله:( فمن بنى الكلام في العلم:الأصول والفروع على الكتابوالسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة).[ (28) مجموع الفتاوى( 10/363)،انظر للفائدة الموافقات (3/56-71) [
قال ابن تيمية رحمهالله:( وقد نص أحمد على هذا في رواية عبد الله وأبي الحارثفي الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج عن أقاويلهم، أ رأيت إن أجمعوا له أن يخرج منأقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابةإذا اختلفوا).[(29) المستدرك على مجموع الفتاوى(2/ 113 أصول الفقه).
وقال كذلك رحمه الله:(وكل قول يتفرد به المتأخر، ولم يسبقهإليه أحد منهم فإنه يكون خطأ كما قال الإمام أحمد: "إياك أن تقول في مسألة ليس لكفيها إمام).[(30) الفتاوى الكبرى (2/71) [
جاء في الاختيارات الفقهيةللبعلي:(ومكة أفضل بقاع الله، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ونص الروايتين عن أحمد،قال أبو العباس: ولا أعلم أحدا فضل تربة النبي صلى الله عليه وسلم على الكعبة إلاالقاضي عياض، ولم يسبقه إليه أحد ولا وافقه عليه أحد).[(31) الاختيارات الفقهيةلشيخ الإسلام (ص:101 دار الكتب العلمية) [
قال ابن خلّكان في ترجمة أبي القاسم عبد العزيزبن عبد الله الشافعي المعروف بالدّاركي:(كان يتهم بالاعتزال، وكان ربما أفتى علىخلاف مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم! حدث فلانعن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذبقول الشافعي وأبي حنيفة).[ وفيات الأعيان (3/189)
قال الذهبي معقباًعلى كلام الدّاركي:(قلت:هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام مننظراء هذين الإمامين مثل مالك، أو سفيان، أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتاًسالماً من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثاً صحيحاً معارضاً للآخر،أما من أخذ بحديث صحيح وقد تنكبه سائر أئمة الاجتهاد، فلا، كخبر:"فإن شرب فيالرابعة فاقتلوه"،وكحديث"لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده).[ (34) السير ( 16/405) وهو كلام عظيم جداً وبحق،. وقد أورد سليم بن عيد الهلالي مقولة الداركي فيجزئه "التعظيم والمنّة في الانتصار للسنّة" مستدلا بها على تعظيم السنة وذهل أنالداركي هذا معتزلي، وفاته كذلك تعقب الذهبي، الذي يكتب بماء الذهب. [
قالالإمام أحمد:((والدين إنّما هو كتاب الله عز وجل، وآثار وسنن، وروايات صحاح عن ثقاتبالأخبار الصحيحة القوية المعروفة، يصدق بعضها بعضاً، حتى ينتهي ذلك إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين، ومن بعدهممن الأئمة المعروفين المقتدى بهم، المتمسّكين بالسنة، والمتعلقين بالآثار، لايعرفون بدعة، ولا يطعن فيهم بكذب، ولا يُرْمَوْن بخلاف، وليسوا بأصحاب قياس ولارأي، لأن القياس في الدّين باطل، والرأي كذلك وأبطل منه، وأصحاب الرأي والقياس فيالدّين مبتدعة ضلاّل، إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات ومن زعم أنهلا يرى التقليد، ولا يقلد دينه أحداً: فهو قول فاسق عند الله ورسوله صلى الله عليهوسلم، وإنما يريد بذلك إبطال الأثر، وتعطيل العلم والسنة، والتفرد بالرأي والكلاموالبدعة والخلاف.وهذه المذاهب والأقاويل التي وصفتُ مذاهب أهل السنة والجماعةوالآثار، وأصحاب الروايات، وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنامنهم السنن،وكانوا أئمة معروفين ثقات أصحاب صدق، يقتدى بهم ويؤخذ عنهم، ولم يكونواأصحاب بدعة،ولا خلاف ولا تخليط، وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم.فتمسكوابذلك رحمكم**** الله وتعلّموه وعلموه وبالله التوفيق)) اهـ. شرح وتعليق[والمراد بالتقليد هنا: اتباع الآثار وعدم الشذوذعن السلف، وذلك واضح من سياق الكلام، ولا يريد الإمام الهمام التقليد الذميموالملام الذي دعا إليه أقوام فوقعوا في الحرام، فتنبه ،وهذا تفسير العلماء لمقولة الإمام أحمد، قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "إعلامالموقعين"(4/122ـ123 طبعة دار الفكر) بعد ما نقل كلاما طويلا للإمامالشافعي:"وقال-يعني الشافعي- في ضلع البعير:قُلته تقليدا لعمر، وقال في موضع آخرقُلته تقليدا لعثمان، وقال في الفرائض:هذا المذهب تلقيناه عن زيد، ولا تستوحش منلفظة التقليد في كلامه، وتظن أنها تنفي قوله حجة بناء على ما تلقيته من اصطلاحالمتأخرين أن التقليد قبول قول الغير من غير حجة، فهذا اصطلاح حادث)اهـ. وقال إمامأهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي البربهاري في شرحالسنة(ص118تحقيق الردادي):(فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر وأصحاب الأثروالتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد، يعني: للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهرضوان الله عليهم أجمعين، ومن قبلنا لم يدعونا من لبس، فقلدهم واسترح، ولا تجاوزالأثر وأهل الأثر.
قال أبو زيد القيرواني في كتابه"النوادروالزيادات"(ص:5):(إنه ليس لأحد أن يحدث قولا أو تأويلا لم يسبقه به السلف، وإنه إذاثبت عن صاحب قول لا يحفظ عن غيره من الصحابة خلاف، و لاوفاق، أنه لا يسعه خلافه،وقال ذلك معنا الشافعي وأهل العراق، فكل قول نقوله، وتأويل من مجمل نتأوله فعن سلفسابق قلنا، أو أصل من الأصول المذكورة استنبطنا)
قال معمر بن راشد الأزدي: ( أهل العلم كان الأول فالأول أعلم، وهؤلاء الآخر فالآخرعندهم أعلم ). انظر جزء رفع اليدين للإمام البخاري (ص107 ط بديع الدين) قلت: هذا فيزمن معمر، حيث الخير متوافر، فكيف لو رأى زماننا وسمع ما يتفوه به بعض الناس الذينيفضلون فقه المتأخرين على فقه طاووس ومجاهد وعطاء، أظنه سيطير لُـبُّه واللهالمستعان[
قال ابن القيم رحمه الله:((فالصحابة أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفاظالقرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذونالمعني أولاً ثم يأخذون الألفاظ..)).[(15) أنظر مختصر الصواعق ( 2/339(.
عن ابن عباس رضي الله عنه:((أن زوج بريرة كان عبداً يُقال له مُغيث، كأني أنظرإليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلمللعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مُغيث بريرة، ومن بغض بريرة مُغيثاً. فقالالنبي: ((لو راجعتيه)) قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: ((إنما أنا أشفع))،قالت: لا حاجة لي فيه)).[ (16) أخرجه البخاري (رقم 5283)، أنظر الإرواء (6/274).]
قال الحافظ عند قولها رضي الله عنها(( تأمرني )):(( فيه إشعار بأنالأمر لا ينحصر في صيغة افعل، لأنه خاطبها بقوله( لو راجعتيه)، فقالت: أتأمرني أيتريد بهذا القول الأمر فيجب علي؟ وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين بسند صحيحفقالت:يا رسول الله، أشئ واجب علي؟ قال لا)اهـ.
وفي هذا الخبر بيان واضح أنالصحابة أعلم الناس بقواعد الأصول وصيغ الإيجاب والحظر، ولهذا راجعتهُ صلى اللهعليه وسلم. فالسلف وبالأخص الصحابة منهج حي ناطق لفهم النصوص، فمن أهمل فهمهم واتكأعلى القواعد الأصولية المقعدة بعدهم فانتظر منه كلّ تفرد وشذوذ عن سبيل المؤمنينوالله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : (ومن عدل عن مذاهبالصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك ، بل كان مبتدعاً وإنكان مجتهداً مغفوراً له خطؤه ، فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته ، وطرق الصواب ،ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم ، وأنهم أعلم بتفسيرهومعانيه، كماأنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى اللهعليه وسلم ، فمنخالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعاً ) ، (مجموعفتاوى شيخ الإسلام ج 13 / 361).
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : منتقدا تأويلاتأهل البدع لصفة الاستواء لله عز وجل (. . وإن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزمأحد أمرين : إما أن يكون خطأ في نفسه أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ، ولا يشك عاقل أنهأولى بالغلطوالخطأ من قول السلف ) ، ( انظر مختصر الصواعقالمرسلة ص 353.)
وقال الإمام ابن عبد الهادي – رحمه الله - : ( ولا يجوزإحداث تأويل فيآية ، أو في سنة،لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه،ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهمجهلوا الحق في هذاوضلوا عنه، واهتدىإليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه ، وبطلان هذا التأويلأظهر من أن يطنب في رده)، ( انظر الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 427
والخلاصة نقول أن نقطة البحث هي هل يوجد حديث صحيح صريح يدل على خلاف أقاويل السلف أويسيئوا فهمه، ثم يفهمه الخلف على الجادة أم لا بد وأن يكون هناك من السلف من قال به ولابد من توفر الهمم على نقله؟
فالمسألة مبنية على أمرين: هل يخلو عصر من قائل بالحق؟
وهل أقوال السلف محفوظة؟
فكلام أهل العلم يدل على أن المسائل التي يقطعبأنها كانت واقعة في زمن السلف والتي لابد أن يكون للسلف في مثلها رأي وجواب أو أمكننا معرفة أقوال السلف ومذاهبهم حيث استقرت المذاهب في المسألة فهذه لايجوز إحداث قول ثالث جديد ولايمكن أن يوجد حديث صحيح صريح يدل على خلاف أقاويل السلف
فإذا كان هناك حديث صحيح صريح ، فلا بد وأن يكون هناك من السلف من قال به ولابد من توفر الهمم على نقله وإلا فلا يعقل أن يخالف السلف النص الصريح أو يسيئوا فهمه، ثم يفهمه الخلف على الجادة !! فان هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المعترض ، وأيضاً لابد أن نعلم أن قول الحق لايمكن أن يكون مخفي غير ظاهر والأقوال الأخرى ظاهرة معلومة.فدل هذا أن النص ليس صريحا، ودليل ذلك فهم السلف له .
وإذا تأملت في هذه الأحاديث التي يراها البعض صريحة تجدها أنها ليست كذلك وذلك إذا جمعت بألفاظها وما يتعلق بها من أحاديث الباب أو إذا نظر إلى ملابساتها أو سبب ورودها.
ثم كيف نحتج على أهل البدع وأبطال بدعهم والعمدة في ذلك في أغلب البدع هو عدم نقل الفعل أو القول عن الصحابة والسلف والمحتج على أبطال البدع قائل بأنه لا قول لأحد من الصحابة بما استنكره من قول أو عبادة وهو مايسمى بالسنة التركية؛ وهي درع حصين يتدرع بها السني في رد سيوف أهل البدع وأسهمهم إذا هجموا بها على السنة وأهلها. وهذا مستند على أن أقوالهم معلومة باقية وآثار الصحابة والسلف لا تغيب عن جميع الأمة وإن كان بعضها قد يغيب عن آحاد العلماء كشأن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعها أحد من العلماء فلا يغيب عنه منها شيء.
وأما إذا كانت هناك مسألة لم يستقر فيها الخلاف ولم تستقرأ مذاهب العلماء فيها أو لم تدون مذاهب العلماء فيها فيجب حينئذ العمل بالنص الصحيح الصريح لأنه لابد أنه قد عمل به أحد العلماء فلا نترك النص لقول بعض العلماء.
هل يخلو عصر من قائل بالحق؟
روى الإمامان البخاري ومسلم (رقم1920) – واللفظ لمسلم – أن رسول الله صلى الله عليهوسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم منخذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) قال عنهم الإمام البخاريفي صحيحه: (هُمْأَهْلُ الْعِلْمِ). انتهى
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحق لايزال ظاهراً معلوماً في هذه الأمة ، وفيه دليل على أن قول الحق لايخفى إذاً فلا يخرج الحق منهم إلى عصر آخر منالعصور فلا يجوز إحداث قول ثالث خلافهم ولا الخروج عن قول الواحد منهم إذا لم يكن لهمخالف فلا يكون الحق في غير عصرهم لأن الله كتب الظهور للحق لذلك لايمكن أن يكون الحقمخفي في عصرهم أبدا بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يخلو عصر من قائلبالحققال ابن رجب الحنبلي عند شرحه لحديث النعمان ابن بشير(ومع هذا فلابد فيالأمة من عالم يوافق قوله الحق فيكون هذا العالم بهذا الحكم وغيره يكون الأمرمشتبها عليه ولا يكون عالما بهذا فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يظهر أهل باطلهاعلى أهل حقها فلا يكون الحق مهجورا غير معمول به في جميع الأمصار الاعصار)جامعالعلوم والحكم
وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي:(هذا يؤدي إلى خلو الوقت عن قائم لله – تعالى- في الأرض بحجته .., وإذا أخطأ الواحدوسكت الباقون وتركوا الاجتهاد؛ فَقَدْ فُُقِدَ ههنا القائم لله بحجته, وذلك لايجوز) ا.ﻫ
وقال أبو الوليد الباجي في كتابه "إحكام الفصول " في أصول الفقه:
(هذه أخبار كلها متواترة على المعنى, وإنَّ كل عصر من الأعصار التي توجد فيهاأُمَّته , لا يخلو مِنْ قائم فيها بالحق). انتهى
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه " روضة الناظر " في أصول الفقه:
(لا يخلو الإنسان من خطأ ومعصية , والخطأ موجود من جميع الأمة , وليس مُحَالا , إنما المُحَال: الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لا تقوم بهطائفة)انتهى


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين