أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تفريغ لشريط التأثير الدعوي
ألقي بكلية الدعوة و أصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
للشيخ الدكتور سليمان بن صفية الجزائري
الحمد لله الذي عز و ارتفع و ذل لعظمته كل شيء و خضع خلق الخلق فأبدع ما خلق فلا تنفعه طاعة من أطاع و لا تضره معصية من فسق.
إن التأثير الدعوي هو مركب لفظي من كلمتين ألا و هما التأثير و الدعوة إلى الله عز و جل .
أما الدعوة فهو مفهوم مشاع عند طلبة العلم خصوصا ممن أنتسب إلى هذه الكلية الغراء و لذلك سوف نبين المعنى اللغوي و الشرعي للتأثير حتى يستبين و يتضح المفهوم المركب لهذه اللفظة و هذه الجملة .
فالتأثير هو مصدر من إحداث الأثر و دوامه و أيضا يطلق على الفعل و الانفعال و على القبول هذا ملخص المعاني اللغوية التي وردت في معنى التأثير و من مرادفات التأثير في اللغة الإقناع و الإقتناع و لذلك يخلط الكثير من الناس بين الإقناع و بين التأثير و إن كان بينهما بونا و فرقانا يتضح كالآتي :
1- محل الإقناع إنما يكون في القلب و في العقل و الفكر عادة و يترجم بالقبول و الرضا و الاطمئنان أما التأثير فإنما يكون عادة سلوكيا و يترجم بإتيان الفعل أو تركه و لذلك يكون التأثير عادة عملية أو ناتجا للإقناع الذي يسبقها في القلب أولا و يشهد على ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم كما جاء في الحديث و إن اختلف في صحته هو قول النبي صلى الله عليه و سلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " فجعل النبي صلى الله عليه و سلم المحافظة على الصلاة دليلا على القناعة و الإيمان بها.
2- أن يكون الإقناع أولا و يتخلف الفعل الأثر و هذا بسبب هوى النفس و بسبب الحظوظ الدنية فقد يقتنع العبد بوجوب الشيء أو بتحريمه و لكنه رغم ذلك يفعله من أجل بعض الحظوظ الدنيوية التي تقوده إلى الفعل أو الترك .
3- أن الإقناع قد يكون نتيجة للتأثر بمعنى أن التأثر يكون أولا ثم يأتي الإقناع و مثال ذلك أن الإنسان قد يرى حادثا من الحوادث فيتأثر و يكون هذا التأثر سببا في اقتناعه بعدم جواز و خطر الإسراع و لذلك جاء الشرع بالحث على الاعتبار و النظر في سير الأمم السابقة لأن ذلك يؤدي إلى التأثير أولا و إلى الإقناع و الإقتناع بضرورة تجنب سبل الردى و سلوك طريق الصالحين .
4- أنه قد يحصل التأثير السلوكي بالإتيان أو الترك و لكنه دون قناعة أو إقناع و هذا خوفا من عقوبة أو رجاء لثواب و لكن هذا الإقناع و هذا التأثر عادة سرعان ما يزول و ذلك بزوال مسبباته أما التأثر إذا كان مرتبطا بالإقناع فإن ذلك أدوم و أحرى لدوامه و رسوخه .
فالخلاصة التي يمكن إجمالها من خلال هذه المقامات و هذه التعريفات أن التأثير الدعوي هو عبارة عن سعي الداعية إلى إقناع المدعو بما يدعوا إليه من أركان الإيمان و مضامين الدعوة إلى الله جل و علا الثلاث و هي المقام الإيماني و هو ما يسمى بالتوحيد أو جانب التوحيد و ثانيا المقام العبادي و هو العبادات و المعاملات و آخرها الأخلاقي السلوكي و من ثم إمتثاله و استجابته لللأوامر و النواهي فينبغي أن يكون التأثير سابقا بالإقناع ثم بعد ذلك تأتي الاستجابة و يأتي الامتثال بما يدعوا إليه هذا الداعية .

*هل على الداعية أن يسعى سعيا حثيثا بالطرق الشرعية و المسالك المرعية من أجل التأثير في المدعو و من أجل إحداث هذا الأثر و دوامه في نفس المدعو و في جوارحه الجواب نعم بل هو من الأمور المندوب إليها و قد يكون في بعض المقامات واجبا وجوبا كفائيا أو عينيا و الدليل على ذلك عدة أدلة نوجزها في الآتي :
1- أن من أعظم مقاصد الدعوة إلى الله عز و جل و أعظم أركانها و غايتها هو التأثير في المدعو و هدايته إلى سبيل الحق و الرشاد و لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه : ينبغي للداعية فيما يدعو إليه من أمرين اثنين أولهما حصول المقصود و المراد و ثانيهما الطرق و السبل الموصلة إلى هذا المقصود.
فأحد أركان الدعوة إلى الله جلا و علا إنما هو السعي في حصول مراد الدعوة و مقصودها ألا و هو هداية الخلق و التأثير فيهم و استجابتهم لمضامين الدعوة إلى الله جلا و علا.
2- أن النبي صلى الله عليه و سلم قد حث الدعاة إلى الله من الصحابة و من بعدهم إلى السعي في التأثير في المدعوين و الحرص على هدايتهم و رتبت على ذلك الأجور العظيمة و يشهد على ذلك الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجل خير لك من حمر النعم" بمعنى أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل الحرص على هداية الناس من أعظم الأمور الموجبة للأجور العظيمة.
3- أن النبي صلى الله عليه و سلم كان حريصا على هداية قومه و هداية الناس جميعا بل إن نفسه صلوات ربي و سلامه عليه كانت تحزن إذا وجد من الناس صدودا و إعراضا عن دعوة الحق قال الله جلا و علا: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " و قال الله عز و جل في أواخر سورة التوبة: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" هذه هي الأدلة التي يمكن إجمالها في هذا المقام.
التنبيه على أمور قد تزل فيها الفهوم أو الأفهام و الأقدام:
1- إن التأثير الدعوي و إن كان مطلوبا شرعا و لكنه ينبغي لطلبة العلم أن لا يجعلوه مقياسا لنجاح الدعوات أو إخفاقها بمعنى أن بعض طلبة العلم إنما يحكم على دعوة فلان و علان بتأثيرها في عموم الناس و في المجتمع رغم أن هذا ليس ميزانا بدليل قول النبي صلى الله عليه و سلم: "يأتي النبي يوم القيامة و ليس معه أحد" فهؤلاء الأنبياء المؤيدون من رب الأرباب لم يمكن لدعواتهم لحكمة يعلمها الله جلا و علا فما بالك فيمن هو دونهم و لذلك لا نجعل التأثير الدعوي ميزانا نزن به نجاح الدعوات أو إخفاقها.
2- أن هناك فرق بين التأثير الوجداني و التأثير اللحظي الآني و التأثير الدائم هي ثلاث مقامات أما التأثير الوجداني و هو الإيمان و الإطمئنان و الرضا و القبول فهذا يعتبر أس التأثير الدعوي و ركيزته الركيزة أما الأمر الثاني هو التأثير اللحظي و هو ما يعبر عنه بالانفعالات الحماسية من دمع العين و اقشعار الجلد و التأثر الظاهر و هذا إن كان مطلوبا و لكنه ليس المراد إنما المراد هو التأثير الدائم الدوام على العبادة و الدوام على الهدى و الدوام على الاستقامة هذا الذي ينبغي أن تفرغ فيه الجهود و أن يحرص عليه الداعية.
3- في مقام التأثير الدعوي ينبغي للداعية إلى الله عز و جل أن يبذل الأسباب الشرعية و الوسائل المرعية في التأثير و لكن ينبغي أن يجعل توكله على الله جلا و علا لأنه لا يهدي بقوله و لا بسمته و لا بدله و لا بفعاله و إنما يهدي بتوفيق من الله جلا و علا كما قال تعالى: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" و قول الله عز و جل لنبيه "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء"فلا يتكل الإنسان على فصاحته و علمه و إنما يتوكل على رب الأرباب الذي بيده مفاتيح القلوب جميعا.
أخيرا ينبغي للداعية إلى الله جلا و علا أن لا ينثني عزمه و أن لا تخور قواه و لا يرى لدعوته أثرا بين الناس لأن الأثر يتخلف أحيانا و لا يرى إلا بعد موت صاحبه فكم من العلم الذي انتشر بعد أن مات أصحابه و كانوا في حياتهم لم يسمع بعلمهم و لم يلتفت لقولهم و لكن الله عز و جل مكن لدعواتهم بعد وفاتهم لحكمة يعلمها الله جلا و علا و بالله التوفيق.

رابط تحميل الدرس http://www.mediafire.com/?994iwae7hcxhj13