أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تحرير مذهب الحنابلة في كتابات المتأخرين


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه اجمعين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين.
اما بعد:
يعد تحرير مذهب من المذاهب امرا مهما لما ينبني عليه من احكام, كالتخريج ونحوه, وللوصول الى معرفة المذهب هناك طرق لابد على المنتسب ان يعلمها, حتى لا ينسب الى المذهب ما لا تصح نسبته اليه , سواء كان من قبيل ما هو موجود من الأقوال او من حيث التخريج على اصوله وقواعده او على فروعه.
ان الناظر في كتب المذاهب عموما يرى ان الفقه فيها ينقسم اقساما :
- فقه عام كوجوب الصلاة والزكاة ..ونحو ذلك.
- فقه من اجتهاد مؤلف الكتاب , من غير تخريج على المذهب , كأن يستنبط معنى من نصٍ شرعي.
- فقه من اجتهاد المنتسب الى المذهب تخريجا عليه, ومن باب اولى ما ثبت عن الامام حيث يعتبر اصل المذهب.
فأما القسم الاول والثاني فلا ينسب للمذهب, ولا يعد القول به قولا في المذهب , وعليه فلا تترتب عليه احكام التخريج والنسبة.
واما القسم الثالث: فهو الذي تصح نسبته الى المذهب, وهو الذي تثبت احكام المذهب فيه , من تخريج ونسبة ويعد القائل به قائلا بما هو المذهب.
ان المتأمل في تاريخ المذاهب يلحظ ان العمل بالاصول المذهبية قد قل الى حد لم يعد يذكر , بل ان العلم بذلك يكاد يكون منعدم فقد بات لا يعرفه الا القليل ولا يعمل به الا النادر من المنتسبين الى المذاهب على ندرتهم, وقد ساعد على ذلك عدد من العوامل من اهمها الجهل بأصول التصحيح المذهبي وطرق معالجة فقهه, هذا فضلا عن انتشار مفاهيم خاطئة عملت على انحصار العمل بالمذاهب من اهمها اعتبار المذاهب الفقهية قسيمة للدليل الشرعي حتى دعي الناس للاختيار بين الاثنين وهذا من اضر ما كان على الفقه, وقد سار الناس على هذا زمنا حتى أصبح التأليف في الفقه يأخذ نموذجا عاما لا تصح معه النسبة للمذهب, وهذا بطبيعة الحال لا يعني الخطأ , الا في حدود تأثيره على سير المدارس الفقهية المتمثلة بالمذاهب الاربعة, كذلك من حيث النسبة, حيث يعد كثيرا من الطلبة اقوال بعض العلماء من ضمن اقوال المذهب وليست هي كذلك.
وهنا لا بد من التنبيه على التأليف ضمن الجو العام للمذهب او الاطار العام حيث يعيش المؤلف في اجواء المذهب فيطلع على الاقوال وينظر في الادلة ولكنه لا يلتزم بمنهج الاستنباط الاصولي للمذهب ولا بالمقدم فيه ولكن يرجح على حسب قواعد عامة يتخذها ويتبنى القول فيها, وهذا كما قدمت في ظل الاطار العام؛ ولذلك من لم تكن له معرفة تامة بالمذاهب قد ينسب مثل هذا النوع من الاجتهاد الى المذاهب وليس هو كذلك.
وليتضح هذا الامر اضرب على ذلك امثلة, منها:
اجتهادات الشيخ العثيمين رحمه الله, فإن كثيرا من طلاب العلم ينسبون اقواله للمذهب الحنبلي بل اذا سئل احدهم عن المذهب ذكر قولا للشيخ رحمه الله, وهذا الامر لا شك انه خطأ فإن الشيخ العثيمين لم يكن يجري على اصول المذهب وقواعده الا في الاطار العام الذي قدمته بل ان معظم الاقوال التي كانت في كتابه الممتع "الشرح الممتع" لم يكن يراعي فيها قواعد التصحيح المذهبي , وقد بدا تأثر الشيخ بشيخه السعدي وان كان الشيخ السعدي اقرب الى المذهب واعرف به, كما تأثر باجتهادات شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقد ظهر اثرها عليه بشكل كبير وملحوظ.
وهذا ينطبق على جلّ المتأخرين ممن ينتسبون الى المذهب الحنبلي فهم يكتبون ويؤلفون في الاطار العام للمذهب من غير مراعاة لخصوصياته, وهذا له اسباب قدمت بعضها, ومن حيث العموم استطيع القول ان معظم كتابات المتأخرين خارجة عن المذهب وان كانت متأثرة به الى حد ما ولكن لا تصح نسبتها اليه, واخر الكتب التي تصح نسبة ما فيها الى المذهب كتب ابن بدران الدومي الدمشقي رحمه وحاشية الشطي على شرح غاية المنتهى للرحيباني- وهي نفيسة- وحاشية العنقري على الروض وابن حميد على المنتهى , على ان الأخيرتين لا تصحيح فيهما للمذهب ولكن فيهما جودة في النقل.

كتبه:
الشيخ عصر بن محمد النصر الأردني
باحث شرعي في علوم السنة النبوية