السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التصادم في الآراء سمة العقلاء ، والجدال فيها دليل الحكماء ، فالفكرة – يا إخوة - لا محالة شاردة ،
والرأي من الكل وارد ...وما استفاد عبدٌ من أخيه خيرًا من رأي ٍ سديد ٍ ، وحكمة ٍرشيدةٍ ..
ونحن حين نجادل مدركين قيمة الفكرة الصائبة ، ونحسن الظن بأهل الفهم السليم ، سنرسل أفهامنا إلى أبعاد ٍ
من التصور ، و إلى أعماق ٍ ممن الحقيقة .. فتصبح عقولنا غربالا ينثر الدقيق الفاسد ، ويبقي السمين الناضج ،
حينها نحقق بالجدل نجاحًا و نهدي القلب شعورًا بالرضا مغمور .
هذه الصورة الجميلة ليست هي صورة جدل العقلاء – إن جاز أن نسميهم حينها عقلاء – .
وللأسف فإنّ أبلغ تسمية للجدل اليوم هي ( الجدل العقيم ) .
فما هي ثغرات جدلنا التي صيّرته بالجهل منا عقيمًا ..؟!
- الأنـــانيــــــة .
الأنا الأعلى ماحق ساحق لكل شخصية ترنو النجاح ، وترجو الفلاح ، وما وجدت هذه الصفة في أحد
المتحاورين حتى أعجزت الآخرين ، فلا يصلون معه إلى ما طمحوا إليه من تفاهم وصلاح ..
فيا من حاله يقول :
ودع كل صوت ٍ غير صوتي فإنّني .... أنا الطائر المحكي والآخر الصدى .
أقول : دع عنك الغرور ، واقتل شبحه الذي خدعك ، فما أنت إلا أضحوكة بالكبرياء ، كاذب على الذات،
وأصعب الكذب كذب المرء على نفسه ..!
*****************
- التحقيــــر بذكر العيـــوب .
وهذه والله علّة كل جدل ، وآفة كل حوار ، ومرضاها يحرصون على مسك اليد المؤلمة ،
وضرب الأقدام ؛ ليسهل عليهم إسقاط الضعفاء ..و أعظم الأمر حين يتلفظ مريض الحوار
بألفاظ نابية بذيئة ؛ فيقطع بلفظه السيء سبل الحوار وأحبـــله الممتدة .
***********
-الحرص على تخطئة الخصم وإفحامه بدون حق ..
أصحاب هذا المبدأ ماذا يرون ؟!!
يرون أنّ الكلمة مهما صحّت يوجد لها رغم الصحة مبطل ، والقول مهما صدق يمكن أن يؤخذ من صاحبه أو يُرد ..!
لذلك تجدهم حين النقاش أشد حرصًا ، وأحدّ نظرًا للبحث عن السقطات ، وتصيّد الهفوات ،
وذلك بتقصي الآراء المناقضة لرأيك ، والاستدلال بأقوال نافذة قاطعة ..
وهذا لا يرى الحق بأسًا فيه إن كان في بيان الضد أهمية ، و صدقت مع صاحبه النيّة .
ألا فلنتنبه إلى هذا جميعًا .
ونحن وإن لم نجد لأنفسنا مخرجًا من هذه النقطة ، يكفينا أن نقول : إنّ أهون ما يصنعه هذا التصرّف - وإن صحت
معه النية - هو الشعور بالانتصار ، وإظهار للذات ، مع انتقاص الخصم وإذلاله .
وكفى بهذا عيبًا للمسلم .
****************
التشكيك في الرأي دون دليل ..
نصادف في جدالنا أحيانًا شخصًا ليس بصاحب رأي ، ولا رائد فكر ، فلا تجده يسرد لك رأيه ، ولا يورد لك
حكمة ، فشأنه في الحوار إقفال الأبواب بالتشكيك في مصداقية قولك ..فاحتمالاته واهية ، ونظرته في الحكم
قاصرة .. فحينًا يصرعك بقوله : لا ، لا ، أما هذا فلا يكون ...!
وإن طالبته بالسبب عجز عن التعليل ، وماطل في الرد ، وربما أفصح وقال : لا أعلم ، ولكني لا أرى كلامك صائبًا ..!
وفي الجملة ...
إنّ الجدل العقيم يورث العداوة والنفور ، وإن سلمنا من تلك الثغرات حين النقاش فنحن إذن العقلاء ..
وقليل هم عقلاء هذا الزمان ..!
منقوووول
تحياتي لك