التابعي والشعر
عروة بن أُذينة تابعي معروف بالزهد والعزوف عن حطام الدنيا ، وله بيتان مشهوران في ذلك : ولقد علمْتُ وما الإشراف مِنْ خُلُقي
أنَّ الذي هو رزقي ، سوف يأتيـني
أسعى له فيعنِّيني تطلُّبُــــــهُ
وإنْ قعدْتُ ، أتاني ، لا يعنِّينـــي
وكان في صغره صاحباً ودوداً لسليمان بن عبد الملك ، ولما آلت الخلافة للأخير ، قالت الزوجة لزوجها عروة : هلاَّ دلفت إلى دمشق وأصبت لنا من خير صاحبك أمير المؤمنين ؟ أمْ أنَّ حالة الشظف والقحط التي نعيشها تعجبك ؟ قال لها : يا امرأة ، كيف تطلبين مني ذلك ، وأهل الأمصار والبادية تتغنى بشعري ( مشيراً إلى البيتين السابقين )
قالت : وهل نطعم شعراً ، ونُكسا شعراً ؟ ولما رأتْ منه إصراره ، قالت : أمامك خياران لا ثالث لهما : إما أن تذهب إلى الخليفة وتشرح له حالك ، وإما أن تُلحقني ببيت والدي .
وأمام سيول الإلحاح الجارفة ، قال : إذا كانت القافلة متوجهة إلى دمشق صحبتها إن شاء الله .
ولما وصل التابعي الشاعر إلى دمشق واستأذن على الخليفة ، خرج إليه سليمان مرحباً به أشد ترحيب ، وقال له : أهلاً بمن حفظت له العرب : (ولقد علمت ... ) فأسرَّها في نفسه ، وقال : لا شكَّ أنَّ الخليفة يعرِّض بي ويقطع عليَّ الطريق .
ثم إن الخليفة انشغل ببعض أمور الحكم فخرج من القاعة على أن يعود إلى ضيفه بعد إتمام المهمة ، فاغتنم الشاعر الفرصة وعاد إلى المدينة من حيث أتى .
وفي المدينة قصَّ عروة على زوجه ما جرى معه ، فغضبت من بلاهته وفرط حساسيته ، وأقسمت ألا تجالسه وتعاشره حتى تتحسَّن حاله .
وفي دمشق شعر الخليفة أنه لم يقم بحقِّ ضيفه ، بل وربما جرحه دون أن يقصد ، فأمر بتجهيز الرواحل المترعة بالسمن والدقيق وخيرات الشام ، وأرسلها مع البريد إلى المدينة المنورة لتصل إلى صاحبه ،ومعها رقعة كتب فيها : لقد أهملنا عن غير قصدٍ حق قِراك ، فأرسلناه إليك .
ولما وصلت القافلة إلى المدينة ، قال الشاعر لزوجته الغاضبة : هل رأيت صدق شعري ؟