مجرد خربشات بسيطه خطها قلمي اصوّر فيها قصة فتاة فقيرة
التقت بشخص مسح على رأسها فأخرجت له ما في قلبها
بحثت عن مكان يناسب هذا الموضوع فلم اجد الا هذا القسم بحكم اتصاله بما يخطر في القلوب
في ليلة امتزج برودة طقسها بشدة هطول مطرها
كنت اسير كعادتي متوحشا معطفي الجلدي احمي به نفسي من البلل متوجها
الى ذلك المقهي الذي اقضي فيه كل ليلة ليلتي استمتع بهدوءه وبعزف فرقتهم المميز
وبفنجان قهوتي المعتادة لكي اتأمل ما مضى في يومي وارسم خططي ليومي الذي ينتظرني
وبينما انا اسير اردت اختصار الطريق عبر زقاق ضيّق فقد غرق طريقي المعتاد بفيضانات من المياه
اذ بي امر على مجموعة من الاشخاص يبدو عليهم انهم عائلة وقد اجتمعوا على برميل وضعوا في بعض
مخلفات الاوراق التي يبدوا انهم جمعوها من النفايات وقد اضرموا فيها النار تدفئهم لبعض الوقت
من سخط هذه الليله عليهم ولا اعلم هل كانوا هكذا قبل هذه الليله ام لا تعمدت ان اهدئ من سرعتي
ارضاء لفضولي الذي اراد ان يستكشف طريقة تأقلمهم مع هذا المكان
كان اكبرهم بين الفينة والاخرى يرسل احد الصغار لكي يأتي بطعام لهذه النار فيجب ارضائها لكي تقدم لهم
ما يريدونه منها وهذا ما رأيتهم عندما شاهدت ابنهم الاوسط يأتي ببعض الاخشاب المبلله من الحديقة المجاوره
واصلت طريقي وبينما انا امشي استرق سمعي خطواتٍ اقدام صغيره تسير خلفي ادرت رأسي لأعرف من هو صاحب
الخطوات فلما نظرت خلف اذ بطفلة طغيرة حاولت الاختباء خلف مستوعب نفايات في ذلك الزقاق
طلبت منها الخروج وعدم الخوف فلن اؤذيها فخرجت والانكسار يكسوها والضعف بادٍ على وجهها والوهن على جسمها
كانت في حالة يرثى لها فملابسها رثه لا تكاد تقيها ولو من جزء بسيط من اسواط برودة الطقس غير بعض التفاصيل
التي لا اود التطرق اليها مالفت انتباهي في هذه الطفله هو جمال ملامح وجهها الذي اخفى معالمه الحزن
وقسوة الزمان وبريق النور في ابتسامته عندما ابستمت لها حين اقربت مني
كنا قد اقتربنا من المقهى الذي كنت اقصده فأنزلت معطفي وغطيت به جسمها الصغير فما كان منها الا ان تشبثت
به بما تملكه من قوه وتفرك بيدها على جسدها سألتها عن اسمها فأجابت بكل براءه اسمي ساره
فقلت :
اسم جميل ياساره لا يليق الا بفتاة جميلة مثلك .
ابتسمت ابتسامة حزينه وقالت :
شكراً ولكن لم تترك لنا الحياه في اعيننا شيء جميل
ذهلت من قوة الاجابة فبدأت تدور في رأسي التساؤلات كيف لطفلة صغيرة ان ترد بردٍ كبيرٍ كهذا
نحن الان عند باب المقهى
عندما رأى الحارس الطفله توجه لها رافعاً عصاه التي يحملها معه وهو يقول :
هذه انتي ايتها الحشرة الم تفهمي بأن هذا المكان لا يليق بأمثالك
نظرت ساره اليّ فأعطيتها اشارة بأن تسير الى جانبي فهمت ما اريده منها فعادة الى السير بجانبي
وعند الباب حاول الحارس ان يمنعها ولكنني ابعدته بيدي وانا في طريقي الى الدخول دونما انظر اليه
فقال : سيدي الفتاه يا سيدي
لم اعره اي اهتمام فبادرته ساره بأطلاق ابتسامة سخرية لعدم ردي عليه
توجهت الى طاولتي التي اجلس عليها كل ليليه بعد ان وضعت قبعتي في الكان المخصص لها
كعادته المكان في هدوءه وفي كلاسيكية موسيقاه
طلبت من النادله ان تحضر لسارة ما تأكله وكانت نظراتها تكاد تحرق الفتاه وهي واقفة الى جانب الطاوله
فقلت لها : الم تسمعي ما طلبته منك واحضري قهوتي المعتاده
ذهبت النادله لتحضّر ما طلبته
دار بيني وبين ساره قبل رجوع النادله حديث خفيف
اين ابويك يا اميرتي الصغيره ؟
تنهدت قليلا وقالت لا زالوا على قيد الحياة ولكن مامر بهم من شقاء في هذه الحياه سلب منهم لذه حياتهم
فأصبحوا فموجودين بأجسادهم غير موجودين بأرواحهم وذلك بسبب ان هذه الحياه لا تريد مقابل لما تعطيه
فالظلم في كل مكان فالكبير يأكل الصغير والغني لا يبالي بالفقير وكثير من المشاهد تمر علينا لا يعلم
بها الا من امثالنا من رمتهم قسوة الاطماع وجشع الكبار الى ازقة المدينه نفترش الارصفه ونقتات من الفتات
ونمرض واحيانا وقد نموت ولا احد يشعر بنا فالمجتمع يرفضنا لشدة فقرنا .
لقد كان لكلامها وقع الصاعقة علي فالحرقة التي تتكلم بها والأم الذين يقطر من كلماتها والحزن الذي لمع في عينيها
جعلني اتأمل كل كلمة قالتها .
حضرت النادله بماطلبته منها فقدمتهُ الى ساره ونظرة الاحتقار في عينيّ النادله لها
لم تلقي لها سارة اي اهتما بل بادرتها بقولها اغربي عن وجهي
بدأت سارة بمداعبة الاكل قليلاً واخذت تأكل بكل ادب
فسألتني :
لماذا ليس لنا مثل هذا الطعام ؟
لماذا ليس لنا مثل لباس الاخرين ؟
لماذا اختفت البسمة خلف غطاء الأنين ؟
ولماذا نحن الفقراء المساكين لعبة في يدي الاغنياء ؟
ولماذا لا ينظر لنا المجتمع على اننا اجتهدنا ولكن جهدنا ضاع بسبب شخص ماء ؟
لماذا لا يكون هناك حب ووئام بين طبقات المجتمع المختلفه فالكبير يعطف على الصغير ، والغني على الفقير ؟
لماذا نحن دائماً الضحية ؟
لماذا لا يوجد من يأخذ بيدنا ؟ نحن لا نريد شفقة من احد ولكن نريد العدل في حياتنا فأكفنا قادرة على مساعدتنا
لماذا كل ما طرقنا باب وجدناه مغلقاً في وجهنا ؟
لماذا يحتقر الجميع فقرنا وينظر على اننا مجرد عالة ؟
لماذا لا يكونوا بمثل حنان الشوارع التي عطفت علينا اكثر منهم ؟
اذكر ان كل سؤال كان بمثابة خنجر في قلبي فلا ادري هل اواسيها ام ام اجاوبها عن اسئلتها ام اختلق الاعذار
الاعذار لهذا المجتمع البائس
فجأة نزلت ساره من كرسيها توجهت لي قبلتني على خدي وقالت
شكرا لك وكم تمنيت ان يمسح كل شخص قادر دمعة من يحتاج لمن يمسح لهم دموعه
ابتسمت ابتسامتها البريئه فانطلقت مسرعه متوجهت نحو الباب
وكأن بمنادى من بعيد نادى لم يسمعه من الموجودين الا هي
ناديتها ساره .. ساره ..
خرجت التمسها بالخارج سألت الحارس عنها فقال لقد ذهبت من هذا الطريق المظلم
تحت قطرات المطر اخذ صدى صوتها يجلجل في اذني بأسئلتها
فسألت نفسي
لمــــــــــــــاذا ؟؟؟
اعتذر عن الاطاله
احســــاس انسان ..
[align=center][/align]
رد مع اقتباس
