المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. عبدالله الفوزان
في دراسة ( الجبر، 1425هـ ) عن مشكلات المرأة السعودية في مجال القضاء يقول الباحث: تتعرض بعض النساء لألوان شتى من الظلم الاجتماعي، والقهر المادي، والتعدي على كرامتها وإنسانيتها من ضعفاء النفوس، وتتعدد قضاياها في جميع الميادين وخاصة في باب الأحوال الشخصية. وعندما يضيّق عليها، وتفقد رصيدها من الصبر، وتيأس من الحلول الودية، تمضي في طريقها إلى المحاكم الشرعية تنشد العون على النجاة من نيران الامتهان والاحتقار، ولكنّ المفاجأة أن البعض من النساء تشعر من الوهلة الأولى أن الأجواء غير مهيأة لها لتطالب بحقوقها، فالخوف يدب في أوصالها من الخطوات الأولى في طريق المطالبة، وتُلحظ المرأة تسير خلف معرفيها بحذر خشية الضياع. وعندما تصل إلى المكتب القضائي المطلوب تجد زحاماً كبيراً من الرجال ونظرات الفضوليين، ويومأ إليها أن تتجه إلى مختصر النساء، حيث تنعدم غالباً أبسط مقومات الحياة، وتظل حبيسة الجدران حتى تسمع صرخة مدوّية من المعرّف طالباً منها الحضور أمام القاضي أو كاتب العدل، فيعروها خوف كبير، حتى إذا بلغت المنزل القضائي نسيت كل ما تريد قوله، وتحولت إلى مخلوق فاقد الذاكرة، لا يعرف إلا تحريك الرأس بالموافقة على أي إجراء يخلصها من هذه المواجهة. ورغم الجهود المبذولة من بعض القضاة الكرام في تخفيف الوطأة عليها، يبقى هول الموقف عليها أكثر تأثيراً من أي كلمة طمأنة. وبعد خروج المرأة من هذه الأجواء، واستدراكها لحالها تشعر بالضيم، والندم على ما قامت به من تنازل عن حقها، أو عدم جرأتها في المطالبة، أو قبولها بصلح مضر بمستقبلها أو بمستقبل أولادها.
ويرى الجبر إن هذا الموقف يتكرر كثيراً في الجهات القضائية، ويصاحبه جهل تام بطرق كسب الحقوق المشروعة، وكذلك صدور أحكام قضائية في الدعاوى النسائية، وخاصة في موضوع الأحوال الشخصية، تحتاج إلى إعادة نظر في ظل وجود آراء أكثر قوة، وأرجح مصلحة، وأيسر في التطبيق، وأسهل تقبلاً في عواطف المرأة ومشاعرها. وحتى إذا صدر الحكم القضائي لصالح المرأة المظلومة، وشعرت بالرضا الكبير، وسرت روح الانتصار في نفسها، تبرز مشكلة صعوبة تنفيذ هذا الصك الشرعي الذي بيدها، حيث تكلف المرأة في الجهات التنفيذية بتسليم الخصم خطابات الحضور، ويبدأ مشروع المماطلة من قبل أولئك، والتخلف عن حضور المواعيد، ويوازيه مشروع تهديد متقن للمرأة فيما إذا أصرت على تنفيذ الحكم الذي بيدها، ويتضمن أنه لن ينفعها أحد إذا حدث المكروه!! وكثيراً ما يلتزم الخصم بالتنفيذ الآني أو الجزئي، ولكنه يماطل في مواقف المستقبل القادم. ومع الصفعات المتتابعة، والإرهاق المحموم تستسلم المرأة في نهاية المطاف، وتتوقف عن الاستمرار في هذه المعاناة الأليمة.
ويضرب الجبر أمثلة أكثر إيضاحاً تحكي صوراً من معاناة المرأة في القضاء ومنها:
1- صدور أحكام لا تناسب خصوصية المرأة في مجتمعنا المحافظ، وصعوبة حركتها وحصولها على عمل، وكونها أماً تصرف جل وقتها لتربية أطفالها.
2- ومن صور معاناة المرأة من القضاء السعودي: تمكن المنتفعين من ابتزاز المرأة، واستغلال ثرواتها.
3- تعرض المرأة للعنف البدني، والإيذاء النفسي من الزوج أو الأقارب داخل المحكمة.
4- وتجد المرأة المعاناة الأكبر عند رغبتها في تنفيذ الحكم القضائي الذي صدر لصالحها فليس هناك قضاة تنفيذيون، وقد تتعرض للابتزاز، أوالمساومة في المجتمعات الذكورية.
5- ومن صور معاناة المرأة:اختلاف تعامل القضاة مع القضية الواحدة.
أما أسباب تلك المشكلات التي تواجهها المرأة في المجال القضائي فيجملها الجبر في الآتي:
أولاً: عدم وجود دستور تشريعي محرر يبين أحكام كامل المعاملات والقضايا التي في المحاكم الشرعية.
ثانيا: أدى عدم تقنين الأحكام القضائية إلى عدم وجود محاكم متخصصة في المملكة.
ثالثاً: صعوبة الرجوع إلى المراجع الفقهية.
رابعاً: طول إجراءات التقاضي في المحاكم.
خامساً: عدم توفير الدعم الفني لمن تجد عوائق في طريق مطالباتها العادلة.
سادساً: البطء في تحديث المحاكم وتطوير الكوادر المساندة للقضاء.
سابعاً: النظرة الدونية للمرأة، والنفور من حضورها للجهات القضائية.
ثامناً: حضور العاطفة في فك النزاعات.