أحبتي وأخوتي أعضاء ومشرفي منتدى غرابيل
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
أحبتي
كتبت أسطر في الأم ومالها من وقع على الفؤاد سواء في تعاملها وحنانها وكلماتها ........... وأخيرا فراقها
لم تسعفني الجمل ولا العبرات في أن أتجمل بها لأمي
لقد كانت مجرد أحرف تعلو على صفحة بيضاء
وكانت المفردات تنسل مني لتجردني مما لصق بي من ألم لبعد الأم عني
لم يعد في الليالي نجوم..... أو أطياف تسرح بداخله....... الأنوار المنتشرة...... ذابلة...... منطفئة.......... من عقب فراقها..... لم يعد لي المزيد من الحديث.......
هل هذا هو وجهي؟ هل هنالك عينان لي؟ هل تنظر كما تنظر عيونكم؟ هل هذا وجهي أم أن وجهي مات؟
أين هذا الوجه..... هل تصدقوني أن وجهي عندما رآني في المرآة جفل مني ..... ارتعش...... أقسم أن لايعود..... حاولت أن أعيدة مرة أخرى..... ابتسمت .... ازداد ارهاقا.... بادرني بنظرة...... انحنى ... جثى ..... حاول الانتصاب فطمرة البكاء..... اقتربت منه ...... لم يهدأ ..... ابتسمت له.... تهاوى..... احتضن الأرض......... ادار نفسه وبكى وبكيت....... ساقني حزني صوب حزنه..... أيقنت حينها أنه لم يستطيع أن يراها.
تذكرت أني عندما كنت أراها .... كانت تشرق الدنيا في وجهي ...... محبتي بين عيني وعينها .... كان هنالك الكثير من الحديث ..... كنت أستحي بعض الشيء من الحديث معها لأنها كانت تغمرني بعطفها......
تذكرت أمي .. كانت تودعني بعد أن أخبرتها برغبتي في الرحيل من مكاني .. كانت تلملم أشيائي الصغيرة .. والدموع تتساقط منها كحبات البرد..
قالت لي : ستغادر يا طفلي .. وبكت بكاءً مريراً .. كان صوت النشيج عالياً .. صاخباً موجعاً .. لكنه لم يك مزعجاً .. كان حزيناً .. شجياً .. مؤلماً
كنت أريد أن أهرب منها .. لكنها كانت تداعبني كطفل رضيع .. ظلت تحضنني وتبكي .. حاولت الاختفاء داخل صدرها .. كنت أريد الهرب منها إليها ..
لم أك أرغب في البكاء كنت أخفي دمعتي في شئ ما .. في حقائبي .. في نصف إبتسامة .. في شئ ما .. وعدتها بالعودة ..ََ!!!
غادرت .. حملت حقائبي .. حزني .. دموع أمي .. لكني لم أعد حتى الآن ..
حكاياتنا الصغيرة..... تقاسيم وجوهنا التي تقابلنا في المرآة.....فتصدمنا بكثر التغيرات التي تحدث لنا فجأة...... بقايا حالات الشجن التي لم تندمل في دواخلنا إلى الآن ...... أنا أعرف تماما حالات الشجن هذه لأنني كنت وقتها كأني عصفور ملقى على قارعة الطريق.... يلهبه الظمأ.... يتحرق شوقا.. لقفص يأويه... عند مرورها كنت أرتعش... انقض على أقدامها ... تحاول أن تبعدني ولكنني ألتصق بها أكثر وأكثر..... نزعت جسدي عضوا عضوا...... التصقت بها أكثر..... أصرخ .... فيرتطم صوتي على الأرض فيعود تغريدا..... أخذت أصفق بجناحي كي ألفت نظرها لي...... فانبعثت زوبعة أخذت ترجمني بحاجرة سوداء .... هممت بالهرب .... انجدع أنفي ..... غابت عني .... عندئذ أيقنت بالهلاك..... فجأة سقطت على الأرض اذ بأعضائي تنشطر.... تتدفق منها عصافير بيضاء .... التفت حولي .... حملتني.... فارتفعت وارتفعت .....أشحت وجهي فأشرق الضباب....
نزلت في سحابة فاغتسلت وعندما هبطت كانت العصافير تحيط بي وتردد نغما كانت تنشده أمي عندما آوي إلى حضنها............
لم أستطع أن أدرك دمعتي ..... رأسي كان يلامس صدرها الحاني..... ويداها تلملمان ماتبقى لي من وجود ..... حاولت أن أرجع صوتي من منافي الصمت.... أعيد رسم تقاسيم وجهي الذي اختفى مني.... لعل اللحظة الراهنة تعيرني ذاكرة ..... جاء صوتي مثقوبا يتبدى من خلاله الحزن والكآبة ..... أختفت حالة رفضي للأشياء .. لم يعد هنالك مايهم .. كل الأشياء متساوية ..عقلي يتحكم في كل الأمور ولا يدع لعاطفتي فرصة التدخل .. إنها تذبل الآن .. لا يمكنها أن تدافع عن نفسها وسط سيطرة عقلي عليها .. لم يعد هناك ما يبهج .. كل الأشياء ســـواء
صوت المؤذن ..... يلامس السماء ..... يتمسح بها ... يغسل الفجر ..... سبابة أمي نخلة لا تمل التسبيح ... صوتها المعجون بالأذكار يدندن في أذني...... أستلذ بالغفو عندما أسمعها تردد الأدعية ...... تنهضني .... أمسك بطرف ثوبها ...... تضحك أمي ..... وتضل تضحك وتضحك...........
انسلت المفردات ........... الصور............الأصوات........... الايمائات...... الذكريات...... فتتأرجح في الفراغ......... صرخت....... وصرخت .......... تحولت الآه الى فراشة بيضاء يهدهدها الفضاء شيعتها بفراشة أخرى ......... وأخرى............ وأخرى........... تسلطت علي الارتعاشات........... أجهدت نفسي لاستحضار أدعية قد حفظتها قديما .... تمتمت بأشلائها..... استرخيت على الكرسي ..... بدأت أتأمل محتويات الغرفة .... جذبتني صورة أفراد العائلة ..... لكن لم أجد صورتي ..... أين ذهبت !!؟ ... الإطار لايحتوي إلا على الفراغ ..... هل هاجرت صورتي أيضا ..... أم أنها نفرت مني ..... ماهذا ....... أمي ...... ثم معالم وجهي ...... وأخيرا صورتي...... أخاف أن تستسلم لرياح اليأس راياتي ..... أخاف أن تجف على الأبواب المؤصدة أزمنتي...... أخاف مني........ دعوني أتأمل الصورة مرة أخرى..... ينتابني احساس غريب هذه المرة ..... سأعيد الكرة مرة أخرى ..... لقد زدت شغفا بصورتي هذه بالذات....... آآآآه ..... أفكارنا التي تسكننا ليست منا ..... مستوحشة وغريبة ...... يهرب بعضي من بعضي..... أسقط أتلظى أعيش الخواء....... أتجزئ الى قطع صغيرة ترفض أن تنقسم
هاهي صورتي......... سأحاول أن ألملمها..... هااااه.... استعصت ..... قاومتها..... قبضت عليها...... وضعتها في الإطار بفرح ..... بدأت تنوح ..... تذبل ....... تموت ..... صعدت بسرعة لعلي أرى معالم وجهي ...... لم أجد سوى نجوما فقدت بعض ملامحها...... تمددت على الأرض أعد ما تبقى من النجوم ..... غفوت .... تملكني النوم ...... مسني الندى .....
وسط ضجيج مستمر عشت.. صوتي كان ينازعني.. كان القلق يحيط بي من كل جانب.. وكنت اهرب من كل من ما حولي.. حتى كان ذات يوم فقدت فيه نفسي فخرجت ابحث عنها وها نذا هنا..
وحيدا أنا.... مستوحش......تلعقني الظلمة ........ لقد طفت حول منازل طوت ساكنيها وخبأت فجائعهم لصباح آخر..... خالطت عيون المنغمسين في ظلالهم لعلهم يبرؤون من وهد الليل..... جمعت العتمة من مساربها فأعليتها...... سأنكفئ على وجهي .... حتى لا يشعر بي أحد ...... سأنزل العتمة ..... سأنفيها .... سأحرقها ...... سأصيح والسيف مزروع بخاصرتي...... وفراقك يا أمي حطم ألامي العريضات.
أمي .... لا أستطيع أن أحذفك من قاموس ذكرياتي .... ولن أسمح لأحد أن يحاول أن يطويك في النسيان .......... كيف أمحوك من أوراق ذاكرتي ...... وأنت في القلب مثل النقش في الحجر
أريد ببساطة أن أبكى.. الدموع الحارة تحتبس داخل عيوني.. ترفض أن تخرج.. لكنى بصدق أخبركم دون خجل أني كنت أبكى في داخلى بكاءْ يملأ كل مساحات الفراغ من حولي.... لن يخفت صوتي....... لن يغتالني البكاء..... لن أرحل وأترك المكان الذي حفظ قصصي وحكاياتي وحيدا .... منذ أن شاهدتكم.. وأنا أنزف حاولت أن أتوقف قليلاً عن الحديث مع نفسي لكني كنت أنزف حروفاً كثيرة لها لزوجة الدم ولون الدم ولكنها لاتتختر أبداً....
وداعا أمي............
وداعا أمي...........
أحبتي الكرام
أطلت على حضراتكم بهذه الخواطر
لأنها بحق استرعتني لأن أكتبها لكم
لتشاركوني فيها وفي قرائتها وتنقد لي من قبلكم
أحبتي
تقبلو مني أرق تحية
لكم مني كل الشكر
أخوكم
أ0 الأحيـــــــــــــــــــا ء