مفهوم التربية الحركية وأهميتها
أ. د. عبد العزيز عبد الكريم المصطفى
كلية التربية -جامعة الملك فيصل-بالإحساء
مقدمــــــــــة:
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان, ففي هذه المرحلة تنمو قدرات الطفل وتتضح مواهبه ويكون قابلا للتأثير والتوجيه والتشكيل. لذا فإن العناية بالطفولة والاهتمام بأنشطتها من أهم المؤثرات التي تسهم في تقدم المجتمعات. ويؤكد ويرنر (Werner, 1994) بأن أطفال المجتمعات المتقدمة يتصفون بنمو جسمي وعقلي وانفعالي سليم. كما أنهم أكثر تعليما وأكثر ثقافة بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى. لذلك على القائمين بالعملية التعليمية التربوية لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية العناية بتخطيط وتصميم البرامج التعليمية والتربوية التي تشمل أنوع مختلفة من الخبرات التي تهدف إلى النمو المتكامل من جميع النواحي.
التربية الحركية وبرامجها المختلفة من أنجع الوسائل التربوية التي تهدف إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، حيث يرى جالهيو (Gallhue, 1996) ان الحركة إحدى الدوافع الأساسية لنمو الطفل, فعن طريقها يبدأ الطفل التعرف على البيئة المحيط به. وهذا الميل الطبيعي للحركة هو إحدى طرق التعليم فالطفل يتعلم من خلال الحركة وهي عبارة عن مدخل وظيفي لعالم الطفولة ووسيط تربوي فعال لتحسن وتطوير النمو الحركي والعقلي والاجتماعي للطفل.
والتربية عن طريق الحركة المدخل الطبيعي لنظام تربوي مبني على أساس حاجة الطفل الطبيعية للتعلم, وما دام جسم الطفل هو الإطار المادي الملموس لمعنى الوجود فإن - الطفل يعمد من خلال جسمه – إلى فهم ذاته من خلال ممارسته للنشاط الحركي الموجة، حيث تهدف التربية الحركية أو التربية من خلال الحركة إلى إخراج التعليم المدرسي التقليدي إلى أساليب أكثر إيجابية وفاعلية في تكوين الطفل وتنميته إلى أقصى ما تؤهله إمكانياته وقدراته ومواهبه.
وعموما تتعدى التربية الحركية مفهوم إكساب الأطفال المهارات الحركية أو تنمية الأنماط الحركية, إذ أن تعلم الحركة يعني مجرد العملية الجزئية المتعلقة بالتعلم, إلا أن الإطار المعرفي للتعلم الحركي ثري بمختلف الخبرات الإدراكية والمعرفية, فمن خلال الحركة ينمي الطفل ملاحظاته ومفاهيمه ، وقدرته الإبداعية ، وإدراكه للأبعاد والاتجاهات كالإحساس بالتوازن, والمكان، والزمان, ويكتسب المعرفة بكل مستوياتها فيتعود على السلوك المنطقي وحل المشكلات وإصدار أحكام تقويميه
(Sayres & Gallagher, 2001).
وبلغة بسيطة نقول إن التربية الحركية هي مجموعة من الأنشطة المتخصصة المقصودة الموجهة التي تندرج تحت مقولة "الحركات البدنية من خلال دروس التربية البدنية", إلا أن تلك الدروس لا تكون قاصرة على تعلم الحركة, بل أن الحركة الوسيلة التي من خلالها يتم تحقيق النمو السليم المتكامل للطفل في جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والعقلية والانفعالية، فكل حركة لا يمكن أن تنفذ بغير إدراك عقلي (النمو المعرفي), وبغير ميل ورغبة (النمو الانفعالي) وبغير مشاركة الآخرين (النمو الاجتماعي), باعتبار أن التربية الحركية طريقة يفترض فيها إثارة دوافع الأطفال، وطاقاتهم نحو التعلم. ونظرا لأهمية الحركة للطفل، فقد ظهرت العديد من البرامج الحركية التي تعتمد على أنشطة حركية خاصة تهدف إلى تحقيق مبدأ الشمولية فلا تقتصر على تحقيق التنمية الحركية فقط, أنما تسهم أيضا في تنمية الجوانب المعرفية والوجدانية معتمدة على الإمكانيات الحركية الطبيعية والأساسية المتاحة للطفل.