ماذا تفعل عندما تصبح مديراً؟
خريطة طريق المديرين إلى زعامة المؤسسات
دائماً ما تبحث الشركات والمؤسَّسات عن المدير الناجح الذي يستطيع قيادتها إلى التفوُّق على نظيراتها، ولهذا السبب تخضع عملية اختيار المديرين لتقييم صارم لا بُدّ من أن يُراعي مختلِف جوانب الشخصية. وعند استقرار الشركة أو المؤسَّسة على الشخص المؤهَّل لمنصب المدير، يأتي دوره للبحث عن السُّبُل التي يمكن من خلالها أن يكون على قَدْر المسؤولية، وفي أحيان كثيرة يقع المدير الجديد في حيرة من أمره، بشأن الخُطُوات الأولى التي يجب عليه البَدْء بها في بِناء نظامه وشخصيته الإدارية.
وهذا الكتاب "ماذا تفعل عندما تصبح مديراً؟"، يُقدِّم شرحاً وافياً للأساليب والخُطُوات التي من شأنها مساعدة المديرين الجُدُد على البَدْء في مهمّات مناصبهم الجديدة، كما يرسم الكتاب طريقاً لهؤلاء المديرين الجُدُد لاكتساب صفة الزعامة داخل المنشأة، وهي الصفة التي يستطيع المدير من خلالها توجيه فريق العمل نحو إنجاز التكليفات والمهمّات المنوطة بهم، ويتفادى ما قد يعترضه من مشكلات.
أمّا مُؤلِّف الكِتاب فهو الاستشاريّ الدوليّ في علم الإدارة "بوب سيلدن" وهو أستراليّ مُقِيم في سويسرا، عمل مديراً في ثلاث مؤسَّسات مالية دولية، واستشاريّاً لبعض المؤسَّسات الصناعية الكبرى في عدد من الدول في مختلِف القارات، كما عمل أيضاً في مجال تدريب المديرين لمدة ثلاثين عاماً.
أفعال لا أقوال
يبدأ الكتاب بقصة "جيمس" الذي تولَّى إدارة مصنع جديد يعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، ويُبيِّن الكيفية التي استطاع بها إدارة حواليّ 400 شخص، بعد أن واجهتْه عِدّة مشكلات يَتعلَّق معظمها بالأساليب التي اتَّبَعها سابقوه، الذين كانوا يتعاملون بمبدأ "طريقي هو الطريق الوحيد"، وبالتالي كانت قناة الاتصال بينهم وبين الموظَّفين نادراً ما تُستخدَم؛ لذلك أراد "جيمس" أن ينأى بنفسه عمّا كانوا يفعلونه، فوضع مبدأ الاجتماع الشهريّ مع كل الموظَّفين.
ويُوضِّح الكتاب كيف لخَّص "جيمس" شخصيته للموظَّفين في ثلاث كلمات مختصَرة، هي "الصِّدْق والنزاهة والإخلاص"، على عكس عادة المديرين الجُدُد الذي يُلقُون الخُطَب عن إنجازاتهم السابقة وخبراتهم الواسعة، أمّا "جيمس" فقد كان مُؤمِناً بما قاله القُدَماء من أن "الأفعال تتحدَّث أعلى من الكلمات".
ويُؤكِّد سيلدن أن بطل قصته حقَّق أهدافه من خُطْوته الأولى، فبعد أيام قليلة من الاجتماع أصبح الكثير من الموظَّفين يتحدَّث معه خلال وقت الغذاء في الكافيتيريا، أو حينما كان يمُرّ لتفقد سيْر العمل في الإدارة، كما استقبل العديد من الرسائل الإلكترونية من أشخاص وقَّعوها باسمهم، بعكس ما يفعله الشاكي غالباً من حَجْب اسمه خشية المساءلة.
ويرى مُؤلِّف الكتاب أن هناك ثلاثة عناصر مهمّة لأيّ مدير جديد هي القيادة، والإدارة، والتشغيل، مشيراً إلى أن هذه العناصر كانت تُوصَف سابقاً عن طريق المؤسَّسة بأسماء "مدير"، "مشرِف"، "يد قيادية"، "مدير إداريّ" وهكذا. ومهما كان الدور الإداريّ وتسميته تبقى أهمية العناصر الثلاثة.
ثم يتساءل المؤلَّف: هل يوجد اختلاف بين الزعيم والمدير؟ وهل يمكن أن يكون الشخص كليْهما؟ ومتى يحتاج المدير لأن يكون الاثنيْن معاً؟
ويُجيب: إنه منذ مئة عام وصفتْ ماري باركر فوليت المدير بأنه "الشخص الذي يقوم بالمهمّات من خلال أشخاص". وهذا الوصف ما زال يستخدم بواسطة الدارسين والمتعلِّمين في علوم الإدارة حتى اليوم، ورغم ذلك يرى الكاتب أنه لا بُدّ من إضافة "وهو الشخص الذي يفعل الأشياء التي تريد الإدارة منه أن يفعلها، من خلال الأشخاص الذين يتْبعونه".
ويورد الكاتب سببيْن لاقتراحه هذه الإضافة، أَوّلها أن الشخص يصبح مديراً بطريقة آلية عندما يُوقِّع عقد هذا العمل، ولكنه يصبح زعيماً عندما يقول الناس ذلك، أيْ إنه يحصل على لَقَب "مدير" عن طريق المؤسَّسة، أمّا أشخاصه، أو فريقه، أو الأشخاص الذين يديرهم فهم من يمنحونه لقب "الزعيم"، وهو لَقَب الشَّرَف والفَخار، وهنا ينبِّه الكاتب إلى نقطة مهمة، وهي أن الإدارة يمكن أن توصف بأنها آلية غالباً؛ لأن هناك مبادئ توجيهية لاتِّباعها، في حين أن الزعامة دائماً ما تُقاس من خلال تصوُّرات أخرى.
الزعامة تُولَد أم تُصنَع؟
يصف سيلدن في كتابه العديد من الآليات والمبادئ التوجيهية التي من شأنها مساعدة المدير لأن يكون مديراً أفضل، ويُؤكِّد أن اتِّباع هذه التقنيات وتلك المبادئ بالإضافة إلى اقتراحاته، سوف يضمن التفوُّق في الإدارة. كما يذكر المؤلِّف بعض المؤشِّرات التي تساعد المدير الجديد على تطوير نفسه أَوّلاً بأَوّل.
ويُغطِّي الكتاب أيضاً مجموعة كاملة من المهارات المطلوبة للمدير الجديد، منها: القيادة، الإدارة، التحفيز، بناء فريق العمل وصُنْع القرار، التفويض والتوظيف، الأداء الإداريّ، إدارة الاجتماعات، التأثير في الآخَرين، إدارة النَّفْس كشخص وكمدير.
ويُورِد المؤلِّف طريقة سريعة لفَحْص حالة الزعامة الحالية، منها أن المدير بعد أن يقضي في موقعه الحاليّ من تسعة أشهر إلى اثني عشر شهراً، يسأل نفسه: "هل العاملون معي قد فعلوا الأشياء التي طلبتُ منهم أن يفعلوها، حتى ولو لم أكن مديرهم؟". ويؤكِّد المؤلِّف أنه إذا استطاع أن يقول بصدق "نعم"، فهو في الطريق الصحيح كي يصبح زعيماً، مشيراً إلى أن طريق الزعامة طريق طويل، ولكنه في النهاية هو المكافأة. ويدعو الكاتب إلى استحضار تجرِبة الزعيم الجنوب إفريقيّ نيلسون مانديلا الذي يصفه بأنه من أكبر الزعامات في التاريخ.
ويشير سيلدن إلى النقاش الدائر حول ما إذا كانت الزعامة تُولَد أم تُصنَع، وانقسام الخُبَراء بشأنها، ويرى ضرورة أن ينظر الناس إلى الأشياء التي تصنع الزعيم، ومن هنا يمكن أن نكون قادرين على رؤية ما إذا كانت الزعامة يمكن تعليمها.
وفي هذا الصَّدَد أورد المؤلِّف قصة حكاها له أحد زُمَلائه، وهو البروفيسور بريستون بوتجر أستاذ الزعامة (القيادة) في "المعهد الدوليّ للتنمية الإدارية" بسويسرا، عندما سأله مُدرِّس ابنته ذات الثمانية أعوام وهو يزور الفصل الدراسيّ: "كيف ستتحدث مع ذوي الثمانية أعوام عن الزعامة؟" وسأل بوتجر التلاميذ: "مَن يقول لي مَن هو الزعيم؟". فرفع ولد في الصف الأَوّل يده عالياً وقال: "الزعيم يفعل الأشياء أَوّلاً"، وتَبِعتْه فتاة قائلة: "الزُّعَماء لديهم أتباع".
وهنا يتساءل سيلدن عمّا إذا كان بإمكان الخُبَراء أن يعطونا إجابة أفضل من تلك الإجابة الجامعة؟ فمن خلال إجابات هؤلاء الأطفال، يمكن معرفة الشخص الذي يمكن أن نُطلِق عليه لَقَب "زعيم" حقّاً!.
تأليف: بوب سيلدن
ترجمة: فوزي رضوان
عرض: مصطفى الطاهر
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة النااايفة
