تخطيط المنهاج من منظور بيداغوجيا الإدماج من اجل مستقبل افضل للتعليم الثانوي في الاردن
د.جبر عبدالله البنا
دكتوراة فلسفة مناهج وتدريس الرياضيات
عمان _الاردن
المقدمة

أن غياب الاهتمام بتعثرات المتعلمين و الصعوبات التي يواجهونها في المرحلة الثانوية ، لتعد ضربا من صنوف الاستخفاف بالمسؤولية القانونية التي يجب أن تتحملها وزارة التربية والتعليم ويتحملها كل مدرس أو مدرسة في مشوار عمله . كما تعد مسا خطيرا بأحد حقوق الطلبة الثابتة في المواثيق و المعاهدات الدولية ، لأنها حتما سوف لا تنتج آثارا مستقبلية وخيمة على المسار الدراسي للمتعلم فحسب ، ولا مستقبل شخصيته و إنما على المنظومة التربوية برمتها بشكل عام : أي على تنمية القطاع ككل و ليس على مستوى العملية التعليمية فحسب. وبناء عليه ، فان كل إغفال أو تهاون في هذا الباب، سيتسبب في تعميق مساحات ضعف التحصيل لدى المتعلم من جهة و تفاقم ظاهرة تدني المستوىفي اللغة العربية والرياضيات التي خيمت بكثافة- خلال العقود الأخيرة- على نظامنا التعليمي بشكل لا يقبل الجدل أن المسار البيداغوجي الجديد ، يفرض إلى حد بعيد القطع نهائيا مع كل الجدل الدائر حول اعادة النظر في امتحان التوجيهي, والية تنفيذ منهاج التوجيهي في المدراس التي تعمل على تشويهه وتنفيذة بالطرائق التربوية التقليدية ، و هو ما يحتم علينا النظرللانتقال البيداغوجي الذي يجب ان تشهدة مؤسساتنا التعليمية اليوم.مع الانتقال : من التدريس بالأهداف إلى التدريس ببيداغوجيا الإدماج. ، وذلك استجابة لمتطلبات و انتظارات المرحلة الراهنة من جهة و معالجة الهدر المدرسي التي تحتل موقعا حساسا و حاسما في تراجع نظامنا التعليمي وهي ضرورة تربوية تصحيحية لحصاد المتعلم الدراسي ، لكن شريطة أن تتم ببيداغوجيا الإدماج بالوضعيات المركبة التي تثير في المتعلم الفضول و التحفيز و تخلق لديه الدافعية للبحث عن الحلول الواقعية و المنطقية ، و هو ما يستحيل تحقيقه إلا باستثمار كل الموارد- الداخلية و الخارجية- التي يمتلكها هذا الأخير- المتعلم-. وأعتقد أن هذه التقنية أي تقويم الموارد والتعلمات السابقة بطريقة الإدماج لتحقيق كفايات شفوية أو كتابية ، هي بيت القصيد في التحول أو الانتقال البيداغوجي الجديد و هوتقنية - كما لا يخفى على الجميع- تختلف كليا عن نظيرتها الماضوية التي كانت وما زالت سائدة بالمدرسة التقليدية.
.
بما أن إشكال التعثر الدراسي و ظاهرة التكرارلاستكمال متطلبات النجاح في الثانوية العامة و التأخر عن مواعيد الحصص الدراسية هي نتيجة ميكانيكية لإشكالية المكان المدرسي ، الذي يفرض نفسه- في حقيقة الأمر قبل مرتكز الزمان المدرسي من جهة ، ويساهم بشكل كبير في إنتاج و إفراز ظاهرة التسرب و الهدر المدرسي من جهة ثانية ، و التي تعد بحق إحدى المعضلات الكبرى و الاختلالات العويصة التي تواجهها منظومتنا التربوية، المطلوب الان من التربويين العمل على محاصرة هذا الوباء السريع الانتشار محاصرة قوية، و هو ما تمثل في عدة مبادرات ومنها هذة الدراسة الجريئة ، والتي يجب تتصدى لها دراسات لاحقة وان ان تتبناها الاوساط التربوية ووزارة التربية والتعليم ومديريات التربية والتعليم المتمثلة أساسا في :
تعزيز جهود تشجيع إستراتيجية التمدرس سواء في صفوف الذكور أوالاناث.
إلحاحية الوزارة على تحقيق الانفتاح للمدرسة على محيطها الخارجي.
إحداث مؤسسات تعليمية جديدة.
إحداث أقسام داخلية إضافية.
توفير و سائل النقل- حافلات ، لتلاميذ القرى البعيدة عن مؤسساتهم الدراسية.
تفعيل الاشراف المركزي الدوري والمفاجىْ على المحافظات يحث على تنشيط فضاءات المؤسسات التعليمية و جعل المتعلم في قلب اهتمامات المنهاج الدراسي..


يقتضي مدخل الكفايات في المجال المدرسي وحسب زاوية النظر التي أسست لها مجموعة لوفان برئاسة كزافيي روجييرس Xavier ROEGIERS وعضوية جان ماري دوكطيل Jean-Marie DE KETELE وفرانسوا ماري جيرارFrançois-Marie GERARD وغيرهم...والتي سميت ببيداغوجيا الإدماج ، نقول يقتضي هذا المدخل ، دمج المعلومات (المعرفة) والمهارات والإجراءات ( معرفة-الفعل) والاتجاهات والقيم (معرفة-الوجود) التي يكتسبها التلميذ ، وتوظيفها في محيطه الاجتماعي. ولتحقيق ذلك ، فإن المدرس (والمدرسة بشكل عام ) يختار ويحدد الكفايات التي على كل تلميذ اكتسابها في نهاية سلك او سنة دراسية ،وفي كل مادة دراسية مثل اللغة والعلوم والرياضيات ...ثم يحدد بعد ذلك ،ما على التلميذ اكتسابه من معارف وعمليات (مهارات) واتجاهات وقيم .فتكون الكفايات هي المنطلق وهي في نهاية المطاف ، الهدف النهائي من التدريس ،أي محصلة العملية التعليمية.


إن التدريس بشكل نمطي لمجموعة غير متجانسة من المتعلمين و الذي تكرسه حاليا منهجية تمرير بيداغوجيا الإدماج بمؤسساتنا التعليمية ، يحد من مبادرات المعلم من جهة ويحد من تدرج المتعلم في بناء تعلماته من السهل إلى الصعب و من البسيط إلى المعقد و من المعلوم إلى المجهول وقد يقول قائل "الكل يعرف أن المتعلمين يجدون صعوبات كبيرة فقط في تذكر الموارد(المعرفة أي الحفظ والاسترجاع حسب تصنيف بلوم) ، فما بالك أن المتعلم سيجد نفسه أمام مهمة مزدوجة ومعقدة: تذكر الموارد وتركيبها لحل وضعية معينة"(انظر محمد صدوقي، 2011).
بطبيعة الحال لسنا مطالبين ان ننتظر اكتمال نمو عملية عقلية عليا حتى نطبقها ،بل بإمكاننا المساعدة على نموها في الاتجاه الصحيح وبشكل تدريجي وفي هذه الحالة يختار المدرس ( بكل حرية وبناء على معرفته المباشرة واليومية لتلاميذه)تمارين و تطبيقات ووضعيات سهلة وبسيطة تكون في مستوى النمو العقلي للتلميذ ، ثم ينتقل شيئا فشيئا نحو ما هو اقل بساطة و أكثر تعقيدا.


لذلك فمن الهام جدا بالنسبة للمدرس من وجهة النظر هذه ، أن يبين للتلميذ أوجه الفائدة من المعلومات التي يتعلمها ومغزاها وأهميتها و تطبيقاتها في حياته...لغاية جعله أكثر استعدادا وأكثر قابلية للتعلم ولغاية خلق لديه ما يكفي من المحفزات للاهتمام بموضوع التعلم .لأن القاعدة الذهبية على ما يبدو في بيداغوجيا الإدماج، هي أنه وكما يقول روجييرس ( الذي "ربحت" مقاولته صفقة إدخال هذه البيداغوجيا إلى بلادنا): "لا أحد يتعلم فقط من أجل التعلم، ولا أحد يتعلم لذات التعلم".إن التعلم يتضمن بالضرورة قيمة دافعة ومحفزة عندما يكون مفيدا للمتعلم في حياته اليومية .
ماهية بيداغوجيا الادماج

ولتوضيح ما نحن بصدده اقدم الأمثلة التالية التي اقتبست من ادبيات بيداغوجيا المواد :
فإذا أردنا في مواد اللغة والآداب ، أن يكون التلميذ قادرا على إنجاز تحليل نص أدبي على سبيل المثال ،فإننا كمدرسين لابد أن نتأكد من كونه :
أولا : يعرف أنماط التحليل الممكنة ونوع النص المقصود والسياق الاجتماعي والتاريخي لهذا النص المكتوب وصاحبه وأسلوبه والحقبة التي ينتمي إليها ...ولأجل ذلك لابد أن يكون قد اكتسب جملة أو عدة من المعلومات (المعرفة) الضرورية .
ثانيا :أن يكون التلميذ متمكنا من مختلف استراتيجيات التحليل وخطواتها والخطوة الملائمة لما هو مطلوب منه ...الخ .ولأجل ذلك لابد أن يتمكن من الإجراءات الضرورية (معرفة- الفعل).
ثالثا :أن يقيم التلميذ النص ويشعر بلذة في قراءته وتحليله ، و يتماهى مع المؤلف ...ولأجل ذلك عليه ان يستدخل اتجاهات نحو محتويات النص ونحو المؤلف (معرفة -الوجود).
وإذا أردنا في مادة الرياضات كذلك ،أن ننمي قدرة التلميذ على سبيل المثال ،على حل وضعية مشكلة أو مسألة رياضية ، تتطلب استعمال الجبر ،فإننا كمدرسين علينا أن نتأكد من أن التلميذ:
أولا: يعرف العناصر الأساسية في الجبر التي يحتاجها لحل المعادلات من مثل القيام بالعمليات بأحادي الحدود ومتعددي الحدود ...وخصائصها وقواعد الرموز ...وحتى ينجزها عليه أن يكون قد اكتسب معلومات بتلك العناصر (المعرفة).
ثانيا : يتمكن من استخدام اللوغاريتمات الضرورية وتوظيف مختلف مراحل وخطوات الانجاز ...ولأجل ذلك لابد من أن يكون قد اكتسب مهارات عملية إجرائية .
ثالثا :أن يكون التلميذ منظما وحذرا في إنجازه للعمليات ويختبر مختلف الإجابات المحصلة و الحلول الممكنة . ولأجل ذلك يجب أن يكون قد تمثل اتجاهات نحو مختلف المحتويات .
"المرتكز الأساسي في أنظمتنا التربوية (ويعني أنظمتنا التربوية التقليدية) هو تأزيم المواجهة بين تعليم عام ، ينبني أساسا على الاشتغال على المحتويات المعرفية وما يرتبط بها من قدرات ، تعليم يهدف إلى تزويد التلميذ بقدر كبير من المعلومات ليصبح "قادرا" و"متمكنا" مستقبلا ، لكنه يبقى ضعيفا من الناحية العملية و أقل إجرائية .وتعليم محدد ومضبوط وأكثر وظيفية ، يستند بالأساس على تطوير الكفايات والتي تقوم على جعل التلميذ قادرا على تحويل المعلومات إلى وضعيات ذات دلالة " .

ان بيداغوجيا الإدماج والتي انطلقت منذ نشأتها الأولى كمدخل للتعليم بالكفايات الأساسية ، تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة :
1- التركيز على الكفايات التي على التلميذ أن يتحكم فيها في نهاية السنة الدراسية وفي نهاية مرحلة التعليم الإجباري ،أكثر من التركيز على ما ينبغي للمدرس أن يدرسه وهذا مبدأ من المبادئ الأساسية التي تستند عليها بيداغوجيا الأهداف والتي ليست بيداغوجيا الإدماج في نظرنا ، سوى امتداد مغلف لها.
2- إضفاء معنى على التعلمات (وهذا ليس بالأمر الجديد في التربية) بحيث نبين للتلميذ وجه الفائدة من كل ما يتعلمه في المدرسة.و لأجل ذلك لابد أن تتجاوز البرامج التعليمية ، لوائح المحتويات.لأنه إذا بقيت المعارف والمهارات عارية من أي معنى ،فإنها تحدث مللا لدى التلميذ وتضعف حافزيته نحو التعلم .وعلى العكس من ذلك ، فإن مدخل الكفايات يلزم التلميذ موضعة وباستمرار، التعلمات في وضعيات ذات مغزى بالنسبة إليه وتوظيف ما تعلمه في هذه الوضعيات .ولا باس أن نذكر بأن أقطاب البيداغوجيا الحديثة بدءا من روسو ومرورا بمنتسوري و دكرولي إلى ديوي ثم بعده فريري وغيرهم ، سبقوا إلى تأكيد هذه المبادئ التي تربط في تربية الأطفال ، بين الفكر والعمل وبين النجاح و الحافزية التي تتغذى من مدى إضفاء المعاني على كل ما يتعلمه الإنسان.
3- الهدف الرئيس الثالث يكمن في تثبيت مكتسبات التلميذ بواسطة مواجهة الوضعيات وحل ما تتضمنه من مشكلات بفضل ادماج معلوماته وتوظيفها وليس بواسطة تجميع المعلومات وتكديس الإجراءات(العمليات) دون أن يعرف التلميذ كيفية استعمالها في حياته اليومية ، وسرعان ما ينساها .وبالنسبة لأنماط إدماج التعلمات فإن كزافيي روجييرسيعتقد أنه لا المعارف المدرسية ولا القدرات، كافية لوحدها لتشكيل قاعدة صلبة لعملية الإدماج .إنها المهام والوضعيات بارتباطها بالمحتويات والقدرات ،هي التي تبني الكفايات .إنها القاعدة الذهبية التي ينبغي البحث فيها عن الإدماج .
ويرى يوسف قطامي (2002) أن أهمية هذه الأساليب في التعليم تأتي من أنه : " يضع المتعلم أو الطفل في موقف حقيقي يعمل فيه ذهنه بهدف الوصول إلى حالة اتزان معرفي . وتعتبر حالة الاتزان المعرفي حالة دافعية يسعى الطفل إلى تحقيقها . وتتم هذه الحالة عند وصوله إلى حل أو إجابة أو اكتشاف ، وبالتالي فإن دافعية الطفل تعمل على استمرار نشاطه الذهني وصيانته حتى يصل إلى الهدف وهو : الفهم أو الحل أو الخلاص من التوتر ، وذلك بإكمال المعرفة الناقصة لديه فيما يتعلق بالمشكلة ."
وهكذا كان من الواضح دائما، أن توظيف أسلوب حل المشكلات في التعليم يجعل التعلم مشوقا وفعالا ؛ لأنه يستدعي الخبرات السابقة لدى المتعلم فيربطها بالخبرات اللاحقة، إضافة إلى أنه يتم من خلال الممارسة العملية و المشاركة الفعلية.
كما كان معروفا ،أن من أبرز مبررات توظيف أسلوب المشكلات في التعليم ما يلي:
1- إثارة دافعية الطلبة للتعلم، حيث يولد لديهم الرغبة في التفكير من أجل التوصل إلى الحل السليم.:"إن أسلوب حل المشكلات يثير دافعية التلاميذ للتعلم و يمكن توظيفه في تدريس المفاهيم و القدرات التكنولوجية".
2- تنمية المهارات والقدرات و المعلومات. فإذا أتقن المتعلمون أسلوب حل المشكلات ، و تدربوا على استخدامه في المدرسة ، فإنهم سيستفيدون منه في حياتهم العملية للتغلب على المشكلات التي تواجههم. ويدربهم على مهارات العمل الجماعي فينجزون أعمالهم بروح الفريق ، مما يحدث لديهم تغيرا اجتماعيا مرغوبا إضافة إلى تزويدهم بمهارات تطبيق النظريات ، ويقودهم الى الإبداع في العمل.
كما تستند بيداغوجيا الإدماج على حقائق ونظريات معروفة في علم النفس التربوي ومنها على سبيل المثال قانون "انتقال أثر التعلم".والمقصود به هو أن يكون الفرد قادراً نتيجة لما يتعلمه في المدرسة ، على التصرف في مواقف أخرى في الحياة ذات صلة بمواقف سابقة . بحيث يكون قادراً على الإفادة من معلوماته ومهاراته واتجاهاته في حياته سواء داخلالمدرسة ،عن طريق توظيف التعلم السابق في اكتساب تعلم جديد أو في حياته بعد المدرسة ، حيث أن التعليم المدرسي مازال قائماً على الافتراض بأن ما يتم تعلمه داخل القسم يمكن نقله للاستفادة منه في أمور الحياة اليومية.
على أن هوس التركيز على تبعية الفكر للعمل و التعلق المفرط بمحراب الوضعيات (ربما إلى حد التقديس ) قد يشكل مدعاة نقد قاتل لبيداغوجيا الإدماج ، باعتبارها تنشط في المجال التطبيقي وتلح على الجانب الإجرائي-العملي ،على حساب الجانب العقلي والمعرفي لدى المتعلم .وكما هو معلوم فقد ثبت بطلان الفصل بين التفكير والعمل .
لكن الحقيقة أن هذه البيداغوجيا والمقاربة بالكفايات بشكل عام ، لا تقول بضرورة وجود تعارض بين تنمية المحتويات المدرسية (والتي تعني أساسا حفظ المعلومات من طرف التلميذ) وبين اكتساب الكفايات . يقول روجييرس(2010) بهذا الخصوص :
"المرتكز الأساسي في أنظمتنا التربوية (ويعني أنظمتنا التربوية التقليدية) هو تأزيم المواجهة بين تعليم عام ، ينبني أساسا على الاشتغال على المحتويات المعرفية وما يرتبط بها من قدرات ، تعليم يهدف إلى تزويد التلميذ بقدر كبير من المعلومات ليصبح "قادرا" و"متمكنا" مستقبلا ، لكنه يبقى ضعيفا من الناحية العملية و أقل إجرائية .وتعليم محدد ومضبوط وأكثر وظيفية ، يستند بالأساس على تطوير الكفايات والتي تقوم على جعل التلميذ قادرا على تحويل المعلومات إلى وضعيات ذات دلالة " .

كذلك تحافظ بيداغوجيا الإدماج وبشكل أمين ،على التقسيم الثلاثي الكلاسيكي لشخصية الإنسان الذي يتبناه التدريس بالأهداف ، إلى الجوانب المعرفية والحس- حركية والوجدانية ، حيث ينص جدول التخصيص على ضرورة تصنيف القدرات (الأهداف الخاصة )إلى معارف ومهارات ومواقف، تبعا لطبيعة القدرة :
- المعارف : وتتمثل بالنسبة لمادة ما، في ممارسة القدرات المعرفية على موضوع ما للتعلم.
- المهارات: وتتمثل في تطبيق قدرة حس – حركية على موضوع للتعلم. ويتم تطويرها من خلال التمرن على تنمية مراحلها في مواضيع تعلم مختلفة. وتتمثل أهمية تنويع مواضيع التعلم في تمييز المهارة عن المعرفة.
- المواقف والاتجاهات(معرفة الوجود أو حسن التواجد ): ويمكن الحصول عليها بتطبيق قدرة سوسيووجدانية على موضوع تعلم، كالإنصات إلى اقتراحات الأقران، والتعود على تصفح القاموس للبحث عن معنى كلمة...
وهكذا تفيد جداول التخصيص (أو ما قد يعوضها من شبكات ولوائح التقويم ) في استخراج مختلف السلوكات المؤشرة الدالة على وجود الكفاية وكذا المضامين التي تستدعيها ، وأيضا القدرات التي يتم السعي إلى تنميتها وتطويرها من خلال الكفاية …ويتم الحصول عليه من خلال تقاطع محور المضامين التي تتطلبها الكفاية ومحور القدرات المراد تطويرها ، بحيث تشكل نقط تلاقي المضامين والقدرات في المستوى المحدد بالمحورين ، ونعبر عنها بالمؤشرات ويقصد بها السلوكات الملاحظة و التي يتم التعرف من خلالها على حصول الكفاية أو أحد مستوياتها وفق المعايير المحددة سلفا.
وهكذا يبدو لنا كيف تنهل بيداغوجيا الإدماج من بيداغوجيا الأهداف بتوجهها التجزيئي وطابعها الإجرائي – السلوكي ، عند التعامل عمليا مع مراحل وخطوات اكتساب الكفايات وعند محاولة قياس وتقويم مدى تحققها لدى التلاميذ.

بين بيداغوجا الإدماج والمنهاج المندمج للمؤسسة:

تتبنى بيداغوجيا الإدماج مفهوم الإدماج الذي وضعه المجلس الأعلى للتربية في كيبك بكندا ، والذي يعرفه بكونه "السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة". نستشف من هذا التعريف الضيق ،ما يأتي:
-الإدماج هو ربط المعارف السابقة بالمعارف الجديدة، وتركيبها، ثم توظيفها لحل وضعيات-مشكلات جديدة.
-إن إدماج المكتسبات عملية شخصية وفردية بالأساس، لا يمكن أن يقوم بها متعلم مقام آخر.
لكننا نقترح في تصورنا للمنهاج الدراسي، أن يتسع مفهوم الاندماج حتى لا يبقى محصورا في جانب واحد من النشاط الذهني للمتعلم وهو إدماج الموارد والمكتسبات .لأن ذلك في نظرنا هو العيب الأساسي لبيداغوجيا الإدماج، إنها بيداغوجيا تقنية تجزيئية وسلوكية في العمق رغم ادعائها بالاشتغال في إطار مدخل الكفايات وهو مدخل معرفي - ذهني، فلا تختلف كثيرا عن بيداغوجيا الأهداف السلوكية بل تختلف عنها كما أثبتنا ،شكلا وليس في المضمون.
بطبيعة الحال فإن الحديث عن الوضعيات وتعويد التلاميذ على مواجهة المشكلات ،في هذه البيداغوجيا خاصة في حمولتها الاجتماعية ، فيه إلى حد ما ، سعي نحو الاندماج . لكنه اندماج ضمني ويركز على دمج التعلمات فلا تتضح أبعاده الاجتماعية وغاياته الشمولية التي ينبغي إظهارها وتوظيفها منذ البداية ، سواء في محتويات البرامج او في أساليب أدائها و في طبيعة الأنشطة الموازية او في مشاريع المؤسسة وغيرها والتي ينبغي ان تعزز ما تستهدفه المدرسة من اندماج حقيقي في المجتمع بشكل شمولي .
لذلك فان بعض الدراسات تصدت منذ سنوات واعطت تصورا أكثر شمولية لما يسمى ب"المنهاج المندمج للمؤسسة" والذي يتسع فيه مفهوم الاندماج (نظريا وعمليا) ليشكل نسقا متكاملا . من بعض مميزاته أنه يمنح على سبيل المثال، المناطق والمؤسسات والجهات، سلطة ( حرية) تعديل ومواءمة المقررات الدراسية، للاحتياجات والخصوصيات المحلية مع احتفاظها بالأسس المشتركة في المنهاج الوطني العام أي نسمح للمدرسين والقائمين على التعليم عموما بنوع من المرونة بدل النمطية والأحادية اللتان تميزان كلا من بيداغوجيا الأهداف و بيداغوجيا الاندماج، شريطة خلق نوع من التوازن بين المستوى الوطني والمستوى الجهوي .
ويمكن أن يتشخص هذا النوع من المناهج في مشاريع الشراكة التربوية ، حيث تترك للمؤسسات حرية المبادرة وعقد اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المحلي،وتعديل مناهجها الدراسية بشكل مندمج ، بما يساير خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويلبي في نفس الآن احتياجات التلاميذ ومتطلبات أسرهم.كما يساير مختلف المستجدات في مجال بناء وتطوير المناهج التعليمية وما ظهر حديثا في مجال إدارة الجودة الشاملة واعتماد معايير الجودة في التعليم (انظر محمد الدريج " المعايير في التعليم ،نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم " ،2008).
هذا وقد وجد الباحث لهذا النموذج بعض الآثار في نظمنا التعليمية العربية ، فمثلا تحدد نسبة حرية التصرف في المنهاج الوطني في المغرب بالتعديل وإضافة مواضيع جديدة، و المتروكة جهويا للمؤسسات ، في 15 بالمئة. .( محمد الدريج،1996 و 2002).
ولعل الباحث بصدد تطوير وتحديث هذا النموذج على المستوى المحلي في الاردن والذي سيخصه قريبا بدراسات مستقلةيؤمل ان ترى الاهتمام المناسب في اوساط التربويين ،لكن يمكنني الاشارة الآن إلى أن الاندماج المنشود ينبغي أن يسير بشكل متواز ومتكامل في أربعة اتجاهات :
1- اندماج على مستوى المنهاج بمختلف مقرراته وهو اندماج أفقي (مستعرض) بين المواد الدراسية.
2- اندماج منهاجي على مستوى الأهداف العامة أو الكفايات الأساسية ، (المعارف ، المهارات ، منظومة القيم /الأخلاق ،الهوية ، مشاعر المواطنة...).
3- واندماج على مستوى المؤسسة. سواء داخل المؤسسة (بين أطرها وتنظيماتها وروادها من التلاميذ) وبينها وبين البيئة المحلية ( الطبيعية والمجتمعية والثقافية).
4- واندماج على مستوى المنطقة ( الجهة) والوطن أي على مستوى المجتمع ككل.




المراجع
-عبد الرحمن ابن خلدون (1960).‏ " المقدمة"، (ج3، ص983). تحقيق علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي .
-عبد الكريم غريب ( 2010):" بيداغوجيا الإدماج "، منشورات عالم التربية –الدار البيضاء.
- عبد الكريم غريب( 2004 )" بيداغوجيا الكفايات". منشورات عالم التربية، البيضاء ط5-

- محمد الدريج (1996) : "مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية"، (في جزئين)، سلسلة دفاتر في التربية ـ الرباط.
- محمد الدريج (2002): "الكفايات في التعليم"، سلسلة المعرفة للجميع، العدد 16، الرباط.
- محمد الدريج (2002): "الشراكة التربوية في التعليم الثانوي: مشروع المؤسسة نموذجاً"، مداخلة ضمن أعمال المؤتمر الدولي حول: التعليم الثانوي من أجل مستقبل أفضل"، وزارة التربية والتعليم، مسقط، سلطنة عمان.
- محمد الدريج (2008):" المعايير في التعليم ،نماذج وتجارب لضمان جودة التعليم " ، منشورات سلسلة المعرفة للجميع، الرباط.
-يوسف قطامي (2002) "إدارة الصفوف : الأسس السيكولوجية"، : دار الفكر, عمان الأردن.
جبر البنا(2011)’’واقع تصميم المنهاج في الدول العربية والتطلعات لتجاوز العقبات ’’ ,عمان الاردن
0
-ROEGIERS, X. (2010). Des curricula pour la formation professionnelle initiale. La pédagogie de l'intégration comme cadre de réflexion et d'action pour l'enseignement technique et professionnel.Bruxelles : De Boeck Université.
-PERRENOUD, Ph. (1999). Construir competencias desde la escuela. Santiago de Chile : Dolmen Ediciones (trad. en espagnol de Construire des compétences dès l'école. Paris : ESF, 1997.