أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


في شرحه لآية الكرسي (العقيدة الطحاوية )،ذكر الشيخ العثيمين رحمه الله ما يلي:

وهذِهِ الآيةُ تتضمَّنُ مِنْ أسماءِ اللَّهِ خمسةً: وهِيَ: اللَّهُ، الحيُّ، القَيُّومُ، العَلِيُّ، العظيمُ.
وتتضمَّنُ مِنْ صفاتِ اللَّهِ ستًّا وَعِشرينَ صفةً، مِنْهُا خمسُ صفاتٍ تضمَّنَتْها هذِهِ الأسماءُ.
السَّادِسةُ: انفرادُهُ بالألوهِيَّةِ.
السَّابعةُ: انتفاءُ السِّنَةِ والنَّومِ فِي حقِّهِ، لكمالِ حياتِهِ وقيُّوميَّتِهِ.
الثَّامنةُ: عمومُ مُلْكِهِ، لقوْلِهِ: (لَهُ مَا فِى السَّمَاوات وَمَا فِى الأَرْضِ).
التَّاسعةُ: انفرادُ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - بالملكِ، ونأخذُهُ مِنْ تقديمِ الخبرِ.
العاشرةُ: قوّةُ السلطانِ وكمالُه، لقولِهِ: (مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ).
الحاديةَ عشْرةَ: إثباتُ العِنديَّةِ، وَهَذَا يدلُّ عَلَى أنَّهُ ليسَ فِي كُلِّ مكانٍ، ففِيهِ الردُّ عَلَى الحلوليَّةِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرةَ: إثباتُ الإذنِ مِنْ قَوْلِهِ: (إِلاَّ بِإِذْنِهِ).
الثَّالثةَ عشْرةَ: عمومُ علمِ اللَّهِ - تَعَالَى -، لقولِهِ: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ).
الرَّابعةَ عشْرةَ والخامسةَ عشْرةَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى - لاَ يَنْسَى مَا مَضَى، لقولِهِ: (وَمَا خَلْفَهُمْ)، ولاَ يَجهلُ مَا يُستقبلُ، لقولِهِ: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).
السَّادسةَ عشْرةَ: كمالُ عظمةِ اللَّهِ، لعجزِ الخَلقِ عن الإحاطةِ بِهِ.
السَّابعةَ عشْرةَ: إثباتُ المشيئةِ، لقولِهِ: (إِلاَّ بِمَا شَاءَ).
الثَّامنةَ عشْرةَ: إثباتُ الكرسيِّ، وهُوَ موضعُ القَدَميْنِ.
التَّاسِعةَ عشرةَ والعِشرونَ والحاديةُ والعشرونَ: إثباتُ العظمةِ والقوَّةِ والقُدرةِ، لقولِهِ: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ)؛ لأنَّ عظمةَ المخلوقِ تدلُّ عَلَى عَظَمةِ الخالقِ.
الثَّانِيَةُ والثَّالثةُ والرَّابعةُ والعِشرونَ: كمالُ عِلمِهِ ورَحمتِهِ وحِفظِهِ، مِنْ قولِهِ: (وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا).
الخامسةُ والعشرونَ: إثباتُ علوِّ اللَّهِ، لقولِهِ: (وَهُوَ الْعَلِىُّ).
ومذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى - عالٍ بذاتِهِ، وأنَّ علوَّهُ مِنَ الصِّفاتِ الذاتيَّةِ الأزليَّةِ الأبديَّةِ.
وخالفَ أهلَ السُّنَّةِ فِي ذلِكَ طائفتانِ: طائفةٌ قالوا: إنَّ اللَّهَ بذاتِهِ فِي كُلِّ مكانٍ، وطائفةٌ قالوا: إنَّ اللَّهَ ليسَ فَوْقَ العالَمِ، ولاَ تحتَ العالَمِ، ولاَ فِي العالَمِ، ولاَ يمينٍ، ولاَ شمالٍ، ولاَ منفصلٍ عن العالمِ، ولاَ متَّصلٍ!
والَّذِينَ قالوا بأنَّهُ فِي كُلِّ مكانٍ استدلُّوا بقولِ اللَّهِ - تَعَالَى -: (وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ، وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ) ، واستدلُّوا بقولِهِ - تَعَالَى -: (هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، وعَلَى هَذَا فليسَ عالياً بذاتِهِ، بَلِ العلوُّ عِنْدَهُم علوُّ صفةٍ.
أمَّا الَّذِينَ قالُوا: إنَّهُ لاَ يُوصَفُ بجهةٍ، فَقَالَوا: لأنَّنا لو وصفْناه بذلِكَ لكَانَ جسماً، والأجسامُ متماثلةٌ، وَهَذَا يستلزمُ التَّمثيلَ، وعَلَى هَذَا فنُنكِرُ أنْ يكونَ فِي أيِّ جهةٍ!
ولكنَّنا نردُّ عَلَى هؤلاءِ وهؤلاءِ من وَجْهَيْنِ:
الوجهُ الأوَّلُ: إبطالُ احتجاجِهِم.
والثَّاني: إثباتُ نقيضِ قولِهِم بالأدلَّةِ القاطعةِ.
1- أمَّا الأوَّلُ: فنقولُ لِمَنْ زعمُوا أنَّ اللَّهَ بذاتِهِ فِي كُلِّ مكانٍ: دعواكُمْ هذِهِ دَعْوَى باطلةٌ، يَردُّها السَّمعُ والعقلُ،
-أمَّا السَّمعُ فإنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أثبتَ لنَفْسِهِ أنَّهُ العليُّ، والآيةُ الَّتِي استدللْتُم بِها لاَ تدلُّ عَلَى ذلِكَ؛ لأنَّ المعيَّةَ لاَ تستلزمُ الحلولَ فِي المكانِ، ألاَ ترى إِلَى قولِ العربِ: القمرُ معنَا، ومحَلُّه فِي السَّماءِ؟ ويقولُ الرَّجُلُ: زَوْجَتِي معي، وَهُوَ فِي المشرقِ وهِيَ فِي المغربِ؟ ويقولُ الضَّابطُ للجنودِ: اذهبوا إِلَى المعركةِ وأنا مَعَكُمْ، وهُوَ فِي غرفةِ القِيادةِ وهُمْ فِي ساحةِ القِتالِ؟ فلاَ يَلزمُ مِن المعيَّةِ أنْ يكونَ الصَّاحبُ فِي مكانِ المصاحَبِ أبداً، والمعيَّةُ يتحدَّدُ معناها بحسبِ مَا تُضافُ إِليه، فنقولُ أحياناً: هَذَا لبنٌ مَعَهُ ماءٌ، وهذِهِ المعيَّةُ اقتضتِ الاختلاطَ، ويقولُ الرَّجلُ: متاعِي مَعِي، وَهُوَ فِي بيتِهِ غيرُ متَّصلٍ بِهِ، ويقولُ: إِذَا حملَ متاعَهُ معه: متاعِي معي، وَهُوَ متَّصلٌ بِهِ. فهذِهِ كلمةٌ واحدةٌ، لكنْ يختلفُ معناهَا بحسَبِ الإضافةِ، فبهَذَا نقولُ: معيَّةُ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - لخلقِهِ تليقُ بجلالِهِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، كسائرِ صفاتِهِ، فهِيَ معيَّةٌ تامَّةٌ حقيقيَّةٌ، لكنْ هُوَ فِي السَّماءِ.
-وأمَّا الدَّليلُ العقليُّ عَلَى بُطلانِ قولِهِم فنقولُ: إِذَا قلْتَ: إنَّ اللَّهَ مَعَكَ فِي كُلِّ مكانٍ، فهَذَا يلزمُ عَلَيْهِ لوازمُ باطلةٌ، فيَلزمُ عَلَيْهِ: أَوَّلاً: إمَّا التَّعدُّدُ أو التجزُّؤُ، وَهَذَا لازمٌ باطلٌ بلاَ شكٍّ، وبطلانُ اللاَّزمِ يدلُّ عَلَى بطلانِ الملزومِ.
ثانيا: نقولُ: إِذَا قلْتَ: إنَّهُ معكَ فِي الأمكنةِ لزمَ أنْ يزدادَ بزيادةِ النَّاسِ، ويَنْقُصَ بنقصِ النَّاسِ.
ثالثاً: يلزمُ عَلَى ذلِكَ ألاَ تنـزِّهَهُ عَنِ المواضعِ القذرةِ، فَإِذَا قُلْتَ: إنَّ اللَّهَ مَعَكَ وأنْتَ فِي الخلاءِ فيكونُ هَذَا أعظمَ قَدْحٍ فِي اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -.
فتبيَّنَ بهَذَا أنَّ قولَهُم منافٍ للسَّمعِ ومنافٍ للعقلِ، وأنَّ القرآنَ لاَ يدلَّ عَلَيْهِ بأيِّ وجهٍ من الدَّلالاتِ، لاَ دلالةَ مطابقةٍ، ولاَ تضمُّنٍ، ولاَ التزامٍ أبداً.
2- أمَّا الآخرونَ فنقولُ لَهُمْ:
أَوَّلاً: إنَّ نفيَكُم للجهةِ يستلزمُ نفيَ الرَّبِّ - عزَّ وجلَّ -، إذْ لاَ نعلمُ شيئًا لاَ يكونُ فَوْقَ العالمِ ولاَ تحتَهُ، ولاَ يمين ولاَ شمال، ولاَ متَّصل ولاَ منفصل، إِلاَّ العدمَ، وَلِهَذَا قَالَ بعضُ العلماءِ: لو قِيلَ: لنا صِفُوا اللَّهَ بالعدَمِ، مَا وجَدْنا أصدقَ وصفاً للعدَمِ مِنْ هَذَا الوصفِ.
ثانياً: قولُكُمْ: إثباتُ الجهةِ يستلزمُ التَّجسيمَ! نَحْنُ نناقشُكُم فِي كلمةِ الجسمِ:
مَا هَذَا الجسمُ الَّذِي تنفِّرونَ النَّاسَ عن إثباتِ صفاتِ اللَّهِ من أجلِهِ؟!
أتريدونَ بالجسمِ الشَّيءَ المكوَّنَ من أشياءَ مفتقرٍ بعضِهَا إِلَى بعضٍ، لاَ يمكنُ أنْ يقومَ إِلاَّ باجتماعِ هذِهِ الأجزاءِ؟! فإنْ أردْتُمْ هَذَا فنَحْنُ لاَ نُقِرُّهُ، ونقولُ: إنَّ اللَّهَ ليسَ بجسمٍ بهَذَا المعنَى، ومَنْ قالَ: إنَّ إثباتَ عُلُوِّهِ يَستلزِمُ هَذَا الجِسمَ، فقولُهُ مجرَّدُ دعوى، ويكفِينَا أنْ نقولَ: لاَ قبولَ، أمَّا إنْ أردْتُم بالجسمِ الذَّاتَ القائمةَ بنَفْسِها المتَّصفةَ بمَا يليقُ بِها فنَحْنُ نثبتُ ذلِكَ، ونقولُ: إنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - ذاتاً، وهُوَ قائمٌ بنَفْسِهِ، متصفٌ بصفاتِ الكمالِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يعلمُ بِهِ كُلُّ إنسانٍ.
وبهَذَا يتبينُ بطلانُ قولِ هؤلاءِ الَّذِينَ أثبتوا أنَّ اللَّهَ بذاتِهِ فِي كُلِّ مكانٍ، أوْ أنَّ اللَّه - تَعَالَى - ليسَ فَوْقَ العالمِ ولاَ تحتَهُ، ولاَ متصلاً ولاَ منفصلاً، ونقولُ: هُوَ عَلَى عرشِهِ استوى - عزَّ وجلَّ -.
أمَّا أدلَّةُ العُلوِّ الَّتِي يُثْبَتُ بِها نقيضُ قولِ هؤلاءِ وهؤلاءِ والَّتِي تُثبِتُ مَا قالَهُ أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فهِيَ أدلَّةٌ كثيرةٌ لاَ تُحصرُ أفرادُهَا، وأمَّا أنواعُها فهِيَ خمسةٌ: الكتابُ، والسُّنَّةُ، والإجماعُ، والعقلُ، والفِطرةُ.
-أمَّا الكتابُ، فتنوَّعَتْ أدلَّتُهُ عَلَى عُلوِّ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، مِنْهُا التَّصريحُ بالعُلوِّ والفوقيَّةِ، وصعودِ الأشياءِ إليْهِ، ونُزولِهَا مِنْه، ومَا أشبهَ ذلِكَ.
-أمَّا السُّنَّةُ، فكذلِكَ تنوعَتْ دلالَتُها، واتَّفَقَتِ السُّنَّةُ بأصنافِها الثَّلاثَةِ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ بذاتِهِ، فقدْ ثَبَتَ عُلوُّ اللَّهِ بذاتِهِ فِي السُّنَّةِ مِنْ قولِ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعْلِهِ وإقرارِهِ.
-وأمَّا الإجماعُ، فقدْ أجمعَ المسلمُونَ قَبْلَ ظُهورِ هذِهِ الطَّوائفِ المبتدِعةِ عَلَى أنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مستوٍ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ خلقِهِ.
قَالَ شيخُ الإسلامِ: ((ليسَ فِي كلامِ اللَّهِ ولاَ رسولِهِ ولاَ كلامِ الصَّحابَةِ ولاَ التَّابعينَ لَهُم بإحسانٍ مَا يدلُّ - لاَ نصًّا ولاَ ظاهراً - عَلَى أنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ليسَ فَوْقَ العرشِ وليسَ فِي السَّماءِ، بلْ كُلُّ كلامِهِم متَّفِقٌ عَلَى أنَّ اللَّهَ فَوْقَ كُلِّ شيءٍ)).
-وأمَّا العقلُ، فإنَّنا نقولُ: كلٌ يعلمُ أنَّ العُلوَّ صفةُ كمالٍ، وإِذَا كَانَ صفةَ كمالٍ فإِنَّهُ يجبُ أنْ يكونَ ثابتاً لِلَّهِ؛ لأنَّ اللَّهَ متصفٌ بصفاتِ الكمالِ، ولذلِكَ نقولُ: إمَّا أنْ يكونَ اللَّهُ فِي أعَلَى أوْ فِي أسفلَ أوْ فِي المحاذِي، فالأسفلُ والمُحاذِي ممتنِعٌ؛ لأنَّ الأسفلَ نقصٌ فِي معناهُ، والمُحاذِي نقصٌ لمشابَهةِ المخلوقِ ومماثلتِهِ، فلَمْ يبقَ إِلاَّ العُلوُّ، وَهَذَا وجْهٌ آخرُ فِي الدَّليلِ العقليِّ.
-وأمَّا الفِطْرةُ فإنَّنا نقولُ: مَا مِنْ إنسانٍ يقولُ: يا ربِّ! إِلاَّ وجدَ فِي قلبِهِ ضرورةً بطلبِ العُلوِّ.
فتطابَقَت الأدلَّةُ الخمسةُ.
وأمَّا عُلوُّ الصِّفاتِ فهُوَ محلُ إجماعٍ مِنْ كلِّ مَن يَدِينُ أوْ يَتسمَّى بالإسلامِ.
السَّادسةُ والعشرونَ: إثباتُ العظمةِ لِلَّهِ - عزَّ وجلَّ -، لقولِهِ: (الْعَظِيمُ).


فلماذا ذكر الكرسي في سياق الكلام عن الصفات؟وهل هو لإثبات القدمين لله سبحانه ؟
أثاب الله خير الثواب من أجابني.