حديث : من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
قوله :" وينسأ " بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة أي يؤخر .
قوله :"في أثره " أي في أجله .
ثم قال :
قال ابن التين : ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون والجمع بينهما من وجهين :
أحدهما / أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك ، وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت .
الثاني / أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، أما الأول الذي دلت عليه الآية فالبنسبة إلى علم الله تعالى ، وكأن يقال للملك مثلاً إن عمر فلان مائة مثلاً إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لايتقدم ولا يتأخر ، فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة.
وذكر هذين القولين النووي في شرح مسلم ورجح القول الأول .
وقال شيخ الإسلام :
والأجل أجلان " أجل مطلق " يعلمه الله " وأجل مقيد " وبهذا يتبين قوله صلى الله عليه وسلم :" من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال : ( إن وصل رحمه زدته كذا وكذا ) والملك لايعلم أيزداد أم لا ولكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لايتقدم ولايتأخر .
وذكر مثل ذلك القرطبي في تفسيره .
وقد سأل الشيخ ابن عثيمين حفظه الله :
مامعنى قوله صلى الله عليه وسلم :" من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " متفق عليه من حديث أنس ، وهل معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمر إذا وصل رحمه ، وعمر إذا لم يصل ؟
فأجاب حفظه الله : ليس معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمران : عمر إذا وصل رحمه وعمر إذا لم يصل ، بل العمر واحد، والقدر واحد والإنسان الذي قدر له أن يصل رحمه سوف يصل رحمه ، والذي قدر الله أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ولابد ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير ، كما نقول من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج ، فالزواج مكتوب والولد مكتوب ، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد أراد أن تتزوج ، ومع هذا فإن الزواج والولد كلاهما مكتوب ، كذلك هذا الرزق مكتوب من الأصل ، ومكتوب أنك ستصل رحمك ، لكنك أنت لاتعلم عن هذا فحثك النبي صلى الله عليه وسلم وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله يبسط لك في الرزق ، وينسأ لك في الأثر ، وإلا فكل شيء مكتوب لكن لمّا كانت صلة الرحم أمراً ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بأن الإنسان إذا أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ، وإلا فإن الواصل قد كتبت صلته وكتب أن يكون عمره إلى حيث أراد الله ـــ عزوجل ـــ ثم اعلم أن امتداد الأجل ، وبسط الرزق أمر نسبي ، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه ويبسط له في رزقه بعض الشيء ، ولكن عمره يكون قصير وهذا مشاهد ، فنقول هذا الذي كان عمره قصيراً مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر ، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني.