الاحتفال باليوم الوطني في مدارسنا
مها فهد الحجيلان*
لقد كانت فرصة جميلة أن يحتفل الطلاب والطالبات باليوم الوطني يوم الأربعاء الماضي لكي يعبروا عن مشاعرهم الوطنية الصادقة مهما بدت بسيطة وعفوية. وحسب ما أعرفه أن وزارة التربية
والتعليم أعطت المدارس تعليمات واضحة بالسماح للطلاب بالاحتفال بهذا اليوم كل بطريقته سواء في ارتداء ملابس تراثية أو ارتداء صورة العلم أو حمله أو غير ذلك من الأساليب التي يفضل
الأطفال فعلها في مثل هذا اليوم للتعبير عن فرحة في قلوبهم.
والمدارس يمكنها أن تساعد الطلاب والطالبات في توعيتهم عن أهمية وطنهم وضرورة الحفاظ عليه ومحبته. وهذا الحب يتمثل في ممارسة السلوك الإيجابي نحو الوطن الذي يبدأ بالفرد. فالفرد الذي
يهتم بنفسه ويضبط سلوكه ويحرص على نظافته ونظافة مكانه ويتألم من أي ضرر يقع على أي فرد ويشارك غيره الأفراح والأحزان هو مواطن يحب وطنه.
حب الوطن ليس مجرد كتابة قصائد أو أغانٍ أو رفع شعارات وكتابة لافتات فحسب، بل إنه أعمق من المظاهر الشكلية إلى السلوك العميق والإيمان بقيمة الإنسان. فالوطن ليس مجرد مكان يخلو
من المعطيات الروحية؛ بل هو تشكيلة متمازجة من المكان والإنسان والحياة والتجارب والخبرات والمشاعر والمواقف المختلفة.
إن تدريب الأطفال على حب الوطن لا يحتاج إلى جهد، ذلك لأن حبهم لوطنهم كامن في نفوسهم بشكل فطري؛ ولكن دور المدارس يكون في توجيههم بشكل صحيح إلى السلوكيات الإيجابية التي يمكن
ممارستها؛ ولفت انتباههم إلى السلوكيات السلبية التي يجب عليهم تجنبها لأنها تتنافى مع حبهم للوطن، من مثل: العنصرية الإقليمية أو المذهبية أو القبلية، والتعصب الديني أو الفكري؛ إضافة إلى
المشاعر السلبية كالكره والحقد والعداوة للغير. ذلك لأن هذه المشاعر والمواقف الفكرية تسهم في الهدم والإساءة إلى الوطن بأكمله وتجعل صاحبها عنصرا ضارا في المجتمع يدمر ما يبنيه غيره من
المخلصين.
ولما كانت هذه المعاني والقيم بحاجة إلى التأكيد عليها عند الطلاب والطالبات؛ فإني أتعجب أن تضيع بعض المدارس هذه الفرصة الذهبية في تقديم الأفكار الوطنية النافعة وتمنع بعض المدارس - في
الرياض مثلا- طلابها وطالباتها من التعبير عن اهتمامهم باليوم الوطني. بل وصل الأمر ببعض المدارس إلى تهديد طلابها أو طالباتها وتحذيرهم من ممارسة أي مظهر أو الحديث عن اليوم الوطني
بحجة تبدو مفتعلة؛ وهي الزعم بأن الاحتفال باليوم الوطني سوف يحوله مع مرور الزمن إلى أن يعتقد الناس أنه عيد يضاف إلى العيدين المعروفين.
والعجيب في مثل هذا الاعتقاد يظهر من جانبين، أولهما: أنه مبني على افتراض وهمي لا نعلم عن مدى صحته، فهل كل من احتفل باليوم الوطني سوف يعتقد أنه عيد؟ إن هذه الفرضية تشبه
من يقول بأنه يخشى على من يمشي في الشارع أن يضيع؟ فإن وجدت حالة فردية مثلا لمن ضاع وهو في الشارع فلا ينبغي أن يبنى عليها حكم عام ويمنع الناس كلهم من المشي في الشارع
مخافة وجود فكرة للضياع، وهي فكرة متخيلة لا تتفق مع الواقع. والجانب الثاني، هو لنفترض أن اليوم الوطني تحول إلى عيد وطني، فما هي المشكلة؟
إن الثقافة الشعبية عندنا أكثر تحرراً وشفافية من الثقافة الجديدة المقنعة بالأيديولوجيا؛ فالثقافة الشعبية تؤمن بوجود عدة أعياد، حقيقة أو مجازاً، تظهر تلك من خلال تعابيرهم في إكرام الضيوف أو
اللقاء بالأحباب، ويقولون: "هذا يوم العيد يوم التقيتك"، أو "في السنة عيدان وهذا الثالث". والناس تؤمن بأن يوم العيد الحقيقي هو اليوم السعيد للشخص سواء صادف عيد الفطر أو الأضحى
أو لم يصادفهما. في نظري أن العيد هو فرحة وتعبير عن الفرحة بممارسات مبهجة من لعب وغناء وتجمعات؛ وليس فيه أي خوف أن يعبده الناس أو يعتبروه يوما دينيا.
أعتقد أن المتخوفين من اليوم الوطني يضعون الناس موضع الجهلاء، ثم يحكمون على المجتمع كله بناء على ذلك؛ أو أنهم يريدون تخويف الناس من أي شيء يحصل لأنهم ربما يشعرون بفقدان
صوتهم في اليوم الوطني مقارنة بالعيدين. ولكن ينبغي أن يكون المروجون لمثل هذه الأفكار أكثر وعيا وحكمة لأن يوم العيد هو يوم ديني في الأصل فيه صلاة ودعاء وفيه فرح كذلك، كما هو
عند كثير من الشعوب والأمم. ولكن في المقابل هناك أعياد أخرى ليست دينية في أصلها ولكنها اجتماعية أو وطنية، وكونها ليست دينية في الأصل لا يعني مخالفتها للدين إطلاقاً.
إن الدين الإسلامي الصحيح من القوة والوضوح والنقاء فلا يمكن أن يهتز أو يتهلهل لأي سبب أو لأي موقف مهما كان. والتخوف من أي سلوك يمارس بأنه سينقض الإسلام إنما هو إساءة
للإسلام ذاته من خلال وضعه موضع الضعيف الذي يخشى عليه أن ينمحي أو يزول. فلا أظن الاحتفال بعيد الميلاد أو أي عيد آخر سوف يسيء بذاته إلى الدين إطلاقاً مادامت التصرفات
الحاصلة فيه هي تصرفات أخلاقية لا تخرج عن ثقافة المجتمع وأعرافه.
*كاتبة سعودية
http://www.alwatan.com.sa/daily/2006.../writers10.htm