( فلما رأينه أكبرنه ) أي : أعظمنه في صدورهن
ورأين منظراً فائقاً لم يشاهدن مثله ( وقطعن ) من
الدهش ( أيديهن ) بتلك السكاكين اللاتي معهن
( وقلن : حاش لله ) أي : تنزيهاً لله
( ماهذا بشر إن هذا إلا ملك كريم )
وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور
والبهاء ماكان به آية للناظرين وعبرة للمتأملين .
فلما تقرر عندهن جمال يوسف الظاهر وأعجبهن
غاية وظهر منهن من العذر لا مرأة العزيز شيء كثير
أرادت أن تريهن جماله الباطن بالعفة التامة فقالت
معلنة لذلك ومبينة لحبه الشديد غير مبالية ولأن اللوم
انقطع عنها من النسوة (ولقد راودته عن نفسه
فاستعصم )
أي : امتنع وهي مقيمة على مراودته لم تزدها مرور
الأوقات إلا قلقاً ومحبة وشوقاً لوصاله وتوقاً .
ولهذا قالت له بحضرتهن : ( ولئن لم يفعل ما آمره
ليسجنن وليكوناً من الصاغرين )
لتلجئه بهذا الوعيد إلى حصول مقصودها منه ، فعند
ذلك اعتصم يوسف بربه ، واستعان به على كيدهن
و ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه )
وهذا يدل على أن النسوة جعلن يشرن على يوسف
في مطاوعة سيدته وجعلن يكدنه في ذلك .
فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة
توجب العذاب الشديد .
( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن )
أي : أمل إليهن فإني ضعيف عاجز إن لم تدفع عني
السوء ( وأكن ) إن صبوت إليهن ( من الجاهلين )
فإن هذا جهل لأنه آثر لذة قليلة منغصة على لذات
متتابعات وشهوات متنوعات في جنات النعيم .
ومن آثر هذا على هذا فمن أجهل منه ؟؟!!
فإن العلم والعقل يدعو إلى تقديم أعظم المصلحتين
وأعظم اللذتين ، ويؤثر ما كان محمود العاقبة .