"الدلوخ" المخترعون
بشائر محمد
بدت في عجلة من أمرها، فتحت بريدها الإلكتروني وفي كل ضغطة زر تسمي بسم الرحمن الرحيم وكأنها تترقب شيئا ما قد يخيفها أو يزعجها، تخطت جميع الرسائل الموجهة إليها لتفتح رسالة محددة يبدو أنها هي التي كانت تنتظرها.. كانت تلتهم السطور كما يبدو من حركة عينيها ثم تعود لتقرأ من جديد، تقفل الرسالة وتفتحها لتتأكد أنها لم تكن مخطئة، ثم تطلب من إحدى الجالسات بجانبها أن تقرأ لها ما كتب فيها رغم إجادتها للقراءة والكتابة ولكن من باب (ولكن ليطمئن قلبي) ثم ما لبثت أن رفعت يديها ورأسها للسماء وهي تقول الحمد لله رب العالمين الحمد والشكر لك يارب.. السعادة التي في وجهها لا تخطئها عين من يراها.
سألناها عما يفرحها لنشاركها الفرحة..
قالت قبل أن تسمع السؤال ابني أحمد المبتعث إلى أمريكا أرسل لي كشف درجاته، لم أصدق ما رأيت لكنني توثقت من الأمر.
لم أعتقد أنه قادر على التفوق يوما ما، لكنه ومنذ بدايات دراسته وهو يثلج صدري بدرجاته الكاملة ولله الحمد.
صمتت لبرهة.. أحمد الذي كان دائم الشكوى من معلمه في المرحلة الثانوية بسبب توبيخه الدائم له هو وزملاؤه في الفصل ووصفهم بـ"الدلوخ" و"الدلخ" في العربية هو السمين ويستخدمها العامة محليا بمعنى السمين الغبي غباء فاحشا.. فبين كل فقرة من الدرس وأخرى يخاطبهم: فهمتوا يادلوخ، وإن أجاب أحدهم إجابة خاطئة قال له أجلس يادلخ وفتح مخك. هل يعقل أن ذاك الدلخ يحرز كل هذا التقدم لدرجة أن جامعته قررت تكريمه في حفل كبير؟ نعم إنه أمر لافت للانتباه.
ترى من هو المسؤول عن تعطيل أبنائنا هنا وتحويلهم إلى تحف بشرية على مقاعد الدراسة؟ ومن الذي فعّلهم هناك حتى بدأت تتفجر قرائحهم موهبة وإبداعا واختراعا؟
فهذا يقود حملة على مستوى جامعته لمساعدة المعاقين.. وآخر يرأس نادياً طلابياً وثالث يخترع جهازا يشيد به أساتذته. ورابع يحقق أعلى المراكز الدراسية. هل هؤلاء حقا هم نفس الطاقات الكامنة التي كانت بيننا ولم نحسن نحن استخراجها واستغلالها فيما يفيد؟
لعل الأمر الآن بات أكثر وضوحا.. لا عيب في أبنائنا ولا كسل أو تقاعس أو هروب من التعليم. إنما يجب أن نبحث عن مسببات الدلاخة التي اعترف بها معلم المرحلة الثانوية ومعرفة المسؤول عنها والبدء بالتخلص منها، حتى يبدع شبابنا ويبتكرون في وطنهم، وحتى تطلق أيديهم من أغلال بعض المناهج التي كبلتهم ففقدوا القدرة على الحركة والإنجاز، وحتى يؤمنوا بثقافة العمل التطوعي ودوره في خدمة المجتمع كما آمنوا بها هناك. وحتى يثقوا بأنفسهم و بالدور الذي يأمله المجتمع منهم. ليعرفوا أن وطنهم يعول عليهم كثيرا في بناء مستقبل قوي لا مكان فيه للدلوخ أقصد للضعفاء.
جريدة الوطن السعودية :: بشائر محمد::"الدلوخ" المخترعون