الأهداف والغايات
فالدراسة الثانوية العامة -وهي نهاية مسؤولية التعليم العام- ليس من أهدافها ولا يجوز أن يكون من وظيفتها أن تخرج متخصصين في علوم القرآن الكريم، أو الحديث النبوي الشريف، أو الفقه الاسلامي، أو التوحيد أو غيرها مما يمر به الطالب بالقدر المناسب لعمره وعقله في أثناء دراسته.
وإنما غاية ما يمكن أن ترمي إليه الدراسة العامة أو تحققه هو ان تعلم الطالب الأحكام والمعارف الدينية الضرورية التي لا يستغني عن معرفتها أحد وأن تتيح له تكوين فكرة عامة عن غيرها من المعارف الاسلامية حتى يبحث عنها عند العلماء بها أو في مصادرها المدونة عندما يحتاج إليها.
وقد ذكرت أن العلماء قد صاغوا عبارتين للدلالة على هذه المعارف الضرورية اللازمة معرفتها لكل مسلم فسموها (ما لا يسع المسلم جهله) وهي تشمل فرائض الدين التي لا يصح اسلام المرء بغيرها.
كما قالوا عن مكملاتها انها (ما لا يليق بالمسلم جهله) وهي الأمور التي إذا لم يعرفها غابت عنه معالم وملامح كثيرة من المعالم والملامح المميزة للمجتمع المسلم.
فاما النوع الأول فهو ما يجب ان تتضمنه المناهج في التعليم العام، وأما النوع الثاني فيختار منه أهمه وأكثره عموماً ليدل على غيره مما هو أقل أهمية أو أندر وقوعا.
وقد يتعين اتباع هذا النهج في صناعة المنهج واختيار مفرداته اذا تذكرنا أن الطلاب في مدارسنا -كما هو الحال في مدارس بلدان أخرى- ليسوا في مرحلة تخصصية وانما في مرحلة تعليمية توحد فيما بين مفاهيمهم ومعارفهم الأساسية الضرورية لتحقيق الغايتين المذكورتين آنفاً «الانسان الصالح والمواطن الصالح».
وهذه الغاية هي نفسها التي ترمي إليها الدراسة العامة في مختلف فروع المعرفة: ففي اللغة العربية يدرس الطالب في التعليم العام ما يستقيم به لسانه وقلمه وما يمكن به أن يفهم نصوص اللغة العربية التي يبتغى من دراستها فهمها فهماً عاماً، لكنها لا يصبح متخصصاً في آدابها، وتاريخها وتطورها وبنائها، وصرفها، وفي العلوم يدرس الطالب قدراً يوقفه على أهم قضاياها ومكتشفات البشرية ومخترعاتها ومخترعيها وقد يكسبه بعض المهارات الأساسية ولكنه لا يتخرج من الدراسة الثانوية متخصصاً في الكيمياء، أو الفيزياء، أو الرياضيات، أو نحوها من العلوم. وهكذا في مختلف فروع المعروفة التي تتعرض لها مناهج الدراسة العامة.
وقد شرحت بأنه يترتب على هذا الذي سلف بيانه من طبيعة الدراسة العامة أن المبادئ والأساسيات يجب أن تكون هي محور الاهتمام في المناهج والمقررات وأن يكون ذلك واضحاً في صناعة المنهج واختيار مفرداته، وفي تركيز المعلمين في شرحهم له، وان توفر الدولة -لحاجة الكافة- المتخصصين في العلوم الشرعية الذين يلبون الحاجات المتجددة في الافتاء والقضاء والوعظ والارشاد والتعليم، وهؤلاء لن يكونوا من خريجي مدارس التعليم العام، وانما سيكونون ممن تخصصوا في الجامعات التي يقف جهدها على تخريج المتخصصين في العلوم الاسلامية، او في أقسام الدراسات الاسلامية في الجامعات العامة، بحيث يمكنهم تأهيلهم العلمي من أداء رسالتهم السامية في المجتمع بكفاءة وجدارة.
الأزمة الخلقية
ثم أشرت إلى ما يلاحظه المطالع لمناهج التربية الدينية في التعليم العام من قلة العناية بجانب الاخلاق، وهو أمر يجب الاهتمام به اهتماماً كبيراً، فمن المعلوم للكافة ان الأزمة الخلقية التي تواجه شعوب العالم تقوم أساساً نتيجة للفصل الذي جرى في أماكن كثيرة بين مناهج التربية وبين قواعد الاخلاق وأصولها حتى أصبح الظن بالمتمسكين بأهدابها انهم متخلفون عن روح العصر.
ومعلوم أن العالم -بعد التطور المذهل في وسائل الاتصال- صار كقرية صغيرة يعرف أقصاها بما وقع في أدناها لحظة وقوعه ويتأثر به وينفعل له، ويصدق ذلك على الخبر والسلوك والقيمة سواء بسواء، ولا عاصم لأجيالنا الناشئة -بعد الله تعالى- من التأثر بمؤثرات السوء من ذلك كله الا زيادة الجرعة الخلقية في مناهج التربية، وربط الدعوة إلى أقوم الاخلاق وأحسنها بالطاعة لله تعالى والنزول الحتمي عند أوامره والوقوف اللازم عند نواهيه، وطرق الوصول إلى أحسن الهَدْي في ذلك هو النظر في المناهج والمقررات القائمة والعمل على تطويرها بالتأكيد فيها على الجانب الخلقي وزيادته كمّاً وكيفاً مع التنبيه إلى ضرورة سؤال أهل العلم عند الحاجة إلى البيان عملاً بقول الله تعالى {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
ثم ذكرت أنه قد يكون في الفقه رأيان أحدهما يتسم باتباع روح السماحة التي جاءت بها الشريعة الاسلامية حتى وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها «حنيفية سمحة» وأراد أن تعلم يهود ان «في ديننا فسحة» والثاني يتجه إلى التشديد أو التشدد الذي بَعثت عليه أو دَعت اليه ظروف محلية أو وقتية عاشها الفقيه، أو ألّف، أو أفتى مجتهداً في ظلها.
وأوضحت في ورقتي ان الذي أراه أن المناهج يجب أن تقف مع الرأي والاجتهاد الذي يفسر الأدلة الشرعية متخذاً سناده روح السماح الأصيلة في بناء الدين نفسه وهي روح دلت عليها نصوص لا تحصى من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ويجب بالتالي تنقية المناهج من الآراء التي تنحو نحواً لم يدفع أصحابها اليه الا ظروف مكانية أو زمانية ينتفي تأثيرها في الفتوى والاجتهاد بانقضائها.
وهذه المسائل هي موضوع تخصص العلماء والفقهاء ولا ينبغي ان يشغل بذكرها وتعلمها طلاب التعليم العام، الا بالقدر الذي يخدم الهدف العام لتشرب روح الدين الاسلامي عند الطلاب.