نريد " تطوير" العقول لا تطوير مدخل المدرسة!
محمد المسعودي
الاستمرار في الخطأ والضعف ومقاومة التغيير هي حيلة العاجز والمتمرد دائماً في كل مسارات الحياة، فما بالنا وعلى مدار عقود من الزمن كان تركيزنا على التعليم فقط أكثر من بناء الطالب ثقافياً وفكرياً، ورغم ذلك التركيز لم نصل إلى نتائج إيجابية تعليمية واضحة!
ثقافة ضحلة لطلابنا حان لها أن تأخذ منعطفاً جديداً في تطوير التعليم. بتطوير مناهجنا وطرق التدريس،وأساليب القياس والتقويم التي مازالت تركز على الجانب التعليمي الكمي فقط، وأهملت فرص الإبداع في النواحي الثقافية والفكرية لدى أجيالٍ مضت (وما زالت).
أتحدث عن ذلك ونحن بصدد مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم "تطوير" الذي نتمنى أن يؤتي ثماره اليانعة على مستوى التحصيل العلمي في جميع المدارس التي اختارتها وزارة التربية والتعليم لتنفيذ المشروع في عامه الأول.
ولكن ما يقلقنا ضبابية ما وصل إليه هذا المشروع الجبار، وما ذهبت إليه التصريحات التي اعتدنا عليها من بعض مسؤولينا على كافة الأصعدة من تبجيل ومديح لأي توجه وزاري جديد، وسأستعرض - للمثال فقط - تصريحاً عن مشروع "تطوير" لمسؤول تعليمي:"هذا المشروع العملاق (قد نقل) التعليم من واقعه الحالي إلى واقع أفضل (في مصاف الدول المتقدمة) في مجال التربية والتعليم، حيث (تحققت) نقلة نوعية في البيئة المدرسية سوف تساهم بلا شك في جذب الطلاب نحو (مناهل) التحصيل العلمي (الوارفة) لتحقيق رؤية مدارس التطوير المتمثلة في أن يكون التعليم متواكباً مع التوجيهات العالمية. ملتزما بالثوابت الدينية والقيم الاجتماعية.
إن مدارس مشروع تطوير(أصبحت) بيئة تعلم ذاتي نشط يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع والحياة، وتوظيف الخبرة التربوية التعليمية والتقنية الحديثة في تيسير بناء شخصيات المتعلمين العلمية والاجتماعية والحضارية (بمستوى منافس عالمياً)، حيث تهدف هذه المدارس إلى إكساب المتعلمين مهارات التعليم ورعاية القيم والاتجاهات والممارسات الإيجابية وتنمية القيم الاجتماعية ومهارات الاتصال بالإضافة إلى تنمية مهارات التفكير ومهارات حل المشكلات".
هل تابعتم معي مابين (الأقواس) التي وضعتها من مفرداتٍ للمسؤول التعليمي، وكأن هذا المشروع قد تم وأصبح وتحقق، وأتت نتائجه التي سحبتنا قسراً بحبال الليزر ولغة الجينات إلى العالمية التربوية التعليمية!
مازالت المدارس المطبق بها البرنامج تحبو تحت التجربة في أول عام لها، وتحتاج لتفريغ لمحتوى النتائج للخروج بالتوصيات،فكيف نجح المشروع ووصلنا به للعالمية؟!
وهذا مدير إحدى مدارس (تطوير) يستعرض فخراً وإنجازاً أمام مسؤوليه وزائريه في عرض ضوئي!، بما شملت إنجازات مشروع "تطوير" مدرسته حتى الآن: تطوير(مدخل المدرسة) والمختبرات المدرسية ومصادر التعلم والملاعب الرياضية و(غرف) الكوادر الإدارية والتعليمية و(أجهزة) التشغيل و(دورات المياه)و(الفناء الداخلي والخارجي للمدرسة)!!
إذن مدير المدرسة أو القائد التربوي في مفهوم مدارس " تطوير " لم يعرف من التطوير سوى مدخل المدرسة ومرافقها وألوانها وشكليات برع في تقديمها ككليشة تلامس عيون مسؤولينا الذين اعتادوا على ذلك!
خاتمة تلك الزيارة التفقدية لتطوير المدرسة تصل للإدارة التربوية البديلة للخط الأحمر!
وبعدها تجول الوفد (المسؤول) في مرافق مشروع "تطوير" والاطلاع على نظام(إدارة البطاقات الذكية وإدارة الحضور والانصراف) والخزانة الإلكترونية والاتصال المرئي وقارئ الوثائق ونظام كشف المعلومات الذكية والمراقبة البصرية.
أيها المطورون نريد تعليماً يطور عقول أبنائنا وأمتنا والطريق. لذلك ليس في تطوير مدخل مدرسة وغرف وجدران ومكاتب (تثبت) بها الكراسي الدوارة!
إذا أردنا تطويراً حقيقياً علينا أن نجيب أولاً عن ماهية معايير تقدم التعليم لدينا؟
وما هي شواهده وأدلته تقدماً وتطوراً؟
مرفأ
رسالة للقائمين على المشروع الجبار ندعو الله لكم بالعون. متمنين منكم إيضاح المشروع الضخم لمنسوبي التربية والتعليم أولاً، والتواصل مع الإعلام والمجتمع، وجعل مساحة كبيرة من المشاركة لخبراء التربية والتعليم في وطننا الحبيب. رغم ثقتي الكبيرة ومعرفتي بأن في كل إدارة تربية وتعليم خبراء تربويون من معلمين أو مشرفين أو مدربين تربويين - والذي سيكون لنا وقفة قادمة معهم بإذن الله - لنصل بهم إلى تطوير شامل وتحقيق لأهداف مشروع راعي النهضة التنموية في بلادنا يحفظه الله.
محمد المسعودي - متخصص في الاستراتيجيات التربوية الحديثة، واشنطن
http://www.alwatan.com.sa/news/write...8174&Rname=225