الحلقة الثالثة عشر
][`~*¤!||!¤*~`][و تجدّد اللقاء][`~*¤!||!¤*~`][
أخيرا قرر أخوي ثامر أنه يتزوج ، بعد ما مرت سنة و نص من رجعنا البلد و أمي تلح عليه كل يوم !
و الاختيار كان على وحدة من معارفنا القدامى...
حفلة الخطوبة رح تكون عقب كم يوم ، و الوالدة ما خلت أحد بالديرة إلا و عزمته !
في الواقع انشغلت كثير أواخر الأيام .... و قررت آخذ أجازة كم يوم ...
ولدي بدر ... صار ما بين كل يومين ثلاثة يروح يتغذى أو يتعشى أو حتى يبات في بيت جدته ، أم بسام الله
يرحمه ...
الولد صار يتعلق بعمينه ، ماجد و رائد كل يوم بعد يوم ... خصوصا بعد ما قرر ثامر أنه يرتبط ...
الولدين اثنيهم يدرسوا بالجامعة ، و فارق السن بينهم و بين بدر حول تسع سنين ... بس صاروا عنده أقرب
أصحابه...
بصراحة ... أنا بديت أقلق ...
كبر الولد ... و صار شوي شوي يبتعد عني و يتعلق بأصحابه ... و بالأخص عمينه ...
أكيد هذا الشي الطبيعي ... لكن ... أنا اللي وضعي مو طبيعي ...ما أبي ولدي يبتعد عني ... هو كل اللي بقى
لي من الدنيا ....
بُعد بدر عني أواخر الأيام ... يمكن أعطاني فرصة إني ... إني... أفكر في...سلطان..
آه يا سلطان ....
من ليلتها ... ليلة ما جاني أخوي بذيك الحالة ، و أنا أحاول ... مع أنى و الله ما ودي ، بس ... أحاول أشوف
طريقة التقي فيها بقمر ...
ودي بس أسألها ... هي ليه تسوي كذا ؟ و إيش قصدها من بعث فصوص السبحة بهذه الطريقة ؟؟؟
الفرصة جتني من الله ، يوم عزمنا بعض معارفنا على حفلة خطوبة بنتهم ، لثامر ... أخو قمر ... و شفتها
فرصة ذهبية ... و لازم أحضر الحفلة ...
توقعت ... في ذي الحفلة ... طبعا باشوف .... سلمى !
بعد ما تهاوشت معها قبل سنين ... قطعت علاقتي بها ... و في المرات اللي التقينا فيها صدفة بشكل أو بآخر ...
كل وحدة منا كانت ... تتجاهل الثانية ...
منال بعد كانت معزومة ، بس طبعا ما فكرت تروح ...
أخوي لما عرف مني عن الحفلة ، قال لي :
-( اتصلي علي أول ما ترجعين لي بالخبر ... )
رحت الحفلة و أنا قلبي مقبوض ، كنت متوترة ... و من أول ما وصلت ، لقيتهم بالاستقبال !
مبسوطين و مستانسين ، كنا بأمان الله ، أنا و قمر واقفين عند المدخل نرحب بالمعازيم ، و معنا قرايب قمر و
العروس ...
و فجأة ، ظهرت في الصورة ... شخصية صدمتني ! ...
- مساء الخير ...
قالت ( شوق ) .... نعم شوق بعينها ... و هي جاية تدخل الصالة ....
أنا ... ما تكلمت .... بس ظليت أدقق النظر أتأكد ... هي و إلا غيرها ؟؟؟
و جت وحدة من أهل العروس ترحب بها بحرارة ....
ناظرت قمر ....
ما شكلها استوعبت ... لأنها كانت واقفة تطالع بنظرة استغراب !
لفت شوق صوب قمر ... ابتسمت ... و ردت تقول :
- مساء الخير ... قمر !... مبروك ...
و مدت إيدها تبي تصافحها....
قمر ... مدت إيدها ببطء و تردد .... و أخيرا لامست يد شوق ... و سلمت عليها ...
- كيف حالك ... يا قمر ؟
-... بخير ... الحمد لله ... تفضلي ...
البرود ... اللي ساد الأجواء ذي اللحظة ... خلاني أحس بقشعريرة تسري بجسدي ...
التفتت شوق صوبي ... تبي تسلم علي ...
صافحتها ... ببرود الثلج ... و بابتسامة مجاملة باهتة ... و لا كأننا كنا في يوم من الأيام ... أقرب الصديقات و
أحب الأخوات ....
النظرات الصامتة الرهيبة...تبادلناها احنا الثلاث....
ثلاث صديقات ... كانوا يوم من الأيام ... زميلات بالجامعة .... من أعز الناس على بعض ... ياما كنا مع
بعض ... نروح و نجي مع بعض ... ناكل و نشرب مع بعض ... نسولف و نضحك مع بعض ... نحزن و
نبكي مع بعض ...
الحين ... و بعد ما مر على تفرقنا حول 13 سنة ... ردينا اجتمعنا مع بعض في مكان واحد ....
كل وحدة تناظر الثانية ... بمنتهى البرود ... كأنها تتعرف عليها للمرة الأولى ...
اجتمعنا احنا الثلاث ... للمرة الأولى ... بعد كل ذاك العمر ....
الدكتورة قمر.... أخصائية أمراض أورام أطفال ....
الدكتورة شوق ... أخصائية أمراض عيون ...
و الدكتورة سلمى ... أخصائية ... ... ... طبعا حزرتوا ؟؟؟
أخصائية أمراض و جراحة المخ و الأعصاب ....!
من يوم ما صار لقمر ذاك النزيف بالمخ و أنا مهووسة بجراحة الأعصاب زي ما انتوا فاكرين !
- تفضلوا يا جماعة ليش واقفين عند الباب !
جا صوت قريبة العروس .... شتت نظراتنا الباردة ... و بدد الأجواء الصامتة الرهيبة اللي سيطرت علينا ....
دخلنا وسط القاعة .... احنا الثلاث و معنا قريبة العروس ... و جلسنا حوالين مائدة وحدة ....
بدت قريبة العروس تتكلم بمرح و احنا نتجاوب معها ، بشكل ( شبه طبيعي ) و كل وحدة منا تحاول تتجاهل
نظرات الثانية اللي ( من ذاك النوع ! )
و زي ما اقتضى الحال ، عرفنا عن أخبار بعض بشكل ( غير مباشر ) !
كانت الطريقة اللي استقبلتني بها قمر .... أبرد من الجليد ...
حتى ... ما سألتني أي سؤال عن أحوالي ... و أخباري ...
تكلمنا و كأننا نشوف بعض للمرة الأولى ...
أنا كنت أحاول بين جملة و الثانية اسأل و لو بطريقة غير مباشرة ... عن أخبارها و وين صارت تشتغل و متى
ردت البلد ...
طلعت في النهاية ببعض المعلومات ....
في الواقع ما مداني أجلس معها كثير ، دقايق و قامت تستقبل ضيوف جدد ... و لا ردت جلست معي عند نفس
الطاولة ....
قمر ... شكلها ما تغير كثير .... نفس الوجه النحيل ... و العيون العميقة النظرات ... و الصوت الدافيء
الشجي ....
و حتى سلمى ما تغيرت كثير ... و دايما ... تعابير قلبها معكوسة على وجهها زي ما كانت الأول .....
قدرت أشوف تعابير الأستياء ... و المجاملة الباهتة اللي حاولت تخفي بها ذيك التعابير ....
مرت ساعة و نصف ... و صار لازم أطلع ، و أنا للآن مو قادرة اجتمع مرة ثانية بقمر ...
طبعا لا هو الوقت المناسب و لا المكان المناسب ، عشان أسالها ذاك السؤال ...
بس بغيت ... أدبر أي شي ، و لا أطلع بخفي حنين !
انتهزت فرصة عبورها قريب مني ، و قمت و ناديتها ...
- قمر ....
التفتت لي ، و نظرتها ممزوجة استغراب و نفور و تجاهل ...
- نعم .......؟
- أنا باطلع الحين ... بغيت أسلم عليك ...
- تو الناس .......
- عندي بعض المشاغل ....
- أهلا و سهلا ....
- إن شاء الله زواج مبارك و الله يوفق لهم .....
- مشكورة و الله يبارك فيك .......
كل هذا كلام عادي و فاضي بعد ، الحين جاي الكلام المهم !
- بس ... بغيتك تزورينا عاد و نسولف مع بعض شوي !
الحدة اللي ناظرتني بها بغت تخليني اعتذر عن هالطلب !
بلعت ريقي و ابتسمت أبرر :
- من زمان ما شفناك و وحشتنا سوالفك ... أتمنى تزوريني أي يوم يناسبك ! وش رايك بالخميس الجاي ؟
رغم أني شفت علامات الرفض على وجهها ، لكني أصريت ... هي حاولت تتعذر بأكثر من عذر ، و مع
إصراري أخذت منها وعد بأنها تزورني في أقرب فرصة مناسبة ....
الحمد لله ، على الأقل طلعت من هالحفلة بوعد ...... و إن كان .... وعد مجاملة ...
لما رديت البيت ... اتصلت على أخوي سلطان و لقيته ينتظرني على نار ...
- نعم شفتها و كلمتها ، و عزمتها تجي تزورني قريب ...
- متى ؟
- ما ادري يا سلطان زين منها قالت : يصير خير ....
سكت أخوي شوي ، و تالي سأل :
- هي بخير ؟
-.... نعم ... بخير و مبسوطة لخطوبة أخوها ...
رد سكت شوي ، و سألني تالي :
-.... تزوجت ؟؟؟
- و الله ما ادري ! ما جا طاري ذا الموضوع ... بس لا جتني باعرف أكيد ...
و أنا ببالي ... تزوجت أو ما تزوجت ... بإيش عاد يهمك يا سلطان ...؟؟
و بإيش تفكر ... ؟؟؟
خلها ... للأيام ....
الأيام تمر ... و أنا انتظر أي اتصال من قمر ... دون فايدة ...
و أخيرا اتصلت أنا بها أذكرها بوعد الزيارة ... و اعتذار بعد اعتذار ، لين في النهاية انحرجت و قررت تجيني
في يوم معين ...
و جا اليوم الموعود .......
وصلت بيت شوق .... اللي ما جيته من سنين و سنين .... تغيرت فيه أشياء كثيرة
و عرفت أنهم يبنون لهم بيت ثاني ....
ما كنت أبي اجي و اسمح لذكريات الماضي أنها تظهر من جديد ...
بس إصرار شوق أحرجني و خلاني أجيها غصبا علي ، و الله يستر ... !
اللقاء كان طبيعي و عادي جدا طول الوقت ....
سألنا عن أخبار بعض ... أخبار البيت و الأطفال و العمل ...
و شفت أولادها ... ولدين اثنين ... ما عندها بنات ، و عرفت أن ( منال ) جابت بنت وحدة بعد ( نواف )
الأمور مرت طبيعية لين جيت أبي أتصل على السواق يجيني ، لما قالت لي فجأة ...
- قمر ودي أسألك سؤال ... إذا سمحت ...؟؟
- خير ؟؟؟
و من ملامح وجهها عرفت أن الموضوع ... ... ... ؟
- سبحة سلطان لسه عندك ...؟؟؟
تفاجأت ... و وقف قلبي ... حاصرتني بزاوية ما قدرت أهرب منها
وقفت و كملت اتصالي و كلمت السواق يجيني ... و حاولت اشغل نفسي بترتيب عبايتي علي ....
مسكت الشنطة ، و مدت شوق إيدها و مسكتها ... و طالعتني بنظرات كلها ألم ... كلها رجاء ... كلها
عتاب ....
- قمر الله يخليك ... سلطان أخوي تعبان ... لا تسوين فيه كذا ....
و لا تكلمت بكلمة وحدة ... و شوق ... واصلت كلامها بنبرة حزينة ...
- أنتِ أنقذتِ حياته في يوم من الأيام ... أرجوك ... لا تدمريها ...
- مع السلامة
قلتها ، و طلعت .... أنتظر السواق عند الباب ...
ما كنت أبي شوق تشوف دموعي اللي تفجرت بعيني ...
اللي تدمرت هي حياتي أنا ... مو حياتك أنت يا سلطان ...
الفصوص كانت توصل له ... و تأثر بها أكيد ...
سلطان أنت تألمت ؟؟
خلاص .... ما عاد أظهر بحياتك مرة ثانية ... و بقية الفصوص ... باتخلص منها و انتهينا ....
النهاية ذي ما أقنعت أخوي سلطان ، لكنها على الأقل ريحت باله بعد حول سنتين من العذاب ... مع ذيك
الفصوص ...الحين صارت الشهور تمر ، و لا يعني له يوم النص منها شيء ... و لا عاد فيه قمر ... يسلم
عليه ....
القصة بكذا وصلت لـ ((( النهاية ))) أخيرا ، و الحمد لله ............
الشي الجديد اللي شغل بال أخوي و بالنا كلنا هو هبة ...
صحتها أواخر الأيام صارت في تدهور ... دوم رافضة الأكل ، دوم خملانة ... دوم تعبانة أو مريضة ...
كأنها عين و صابتها ، بعد كل خفة الدم و المرح و الحيوية اللي كانت عليها ...
كنت بالمستشفى ، لما وصلتني مكالمة من ( منال ) تقول لي أنها موجودة بقسم الطوارىء و معها هبه ،
و الطبيب يقول عندها جفاف و محتاجة تنويم كم يوم ...
جيت بنفسي للطوارىء و شفت بنت أخوي ، كانت بالمرة تعبانة ، تقول أمها صار لها يومين ما تاكل شي و
عندها (اسهال و تقيؤ) ... أخوي ما كان موجود ، كان بالعمل ...
تنومت هبه مع أمها بالمستشفى و بدت حالتها تتحسن شوي شوي ...
أخوي طبعا فزع لما عرف أنها بالمستشفى و جا مثل المجنون ... بس الحمد لله حالتها صارت أفضل ... نزلة
معوية و تعدي على خير إن شاء الله ....
بعد يومين طلعت من المستشفى بصحة طيبة ... و استعادت نشاطها كم يوم ، قبل ما ترجع تتدهور مرة ثانية
أسوأ من اللي قبلها ... و تتنوم من جديد ...
أخوي عاد ما كان له حال .... ما كان يقدر تصيبها ذرة غبار ... و كل شوي يقول لي توصي بها و وصي
عيلها الأطباء ... و هم مو مقصرين ...
بعد ما استقرت حالتها ... شاف الطبيب أنه يسوي لها فحوصات أشمل ... اللي خلاني حاطة إيدي على قلبي ...
و كاتمة أنفاسي ... لين صرخت بكل قوة ... صرخة هزّت جدران المستشفى ... و كسّرت النوافذ ... و زلزلت
الأطوابق ... لما قال لي عقبها بيوم ...
- ( سرطان الدم ..)..
طحت ... و ما دريت بحالي ...
مستحيل ... مستحيل يكون ... صحيح ... فيه خطأ ... هبة بنت أخوي ... البنت الوحيدة ... دلوعة العيلة ...
مهجة قلوبنا كلنا ... عندها ... سرطان في الدم ....؟؟؟ !!!
تشخص مرض هبه بنت أخو زوجتي ... على انه ... سرطان في الدم ...
و حلت المصيبة على العيلة ... و بغى سلطان يموت يوم عرف ...
أخذها لمستشفى ثاني ... و سووا لها نفس التحاليل ... و جت بنفس النتيجة ...
و الرجال انهبل ... و العيلة كلها انفجعت ... و لا أقول ... غير إنا لله و إنا إليه راجعون ....
أحيلت هبة بتحويل عاجل إلى أكبر مستشفى بالمنطقة ، إلى قسم أورام الأطفال ...
ما اقدر أوصف لكم الحال ... اللي كانت هي ، و أمها و أبوها ... و عمتها و كل أهلها عليه ...
ما قدروا يتخطوا مرحلة الصدمة ، و يبدأوا مرحلة التصديق إلا بعد فترة ...
كانت غمامة سودا عاتمة كبيرة ... استحلت سمانا و أظلمت ديانا ... و ظلت مغطية عنا النور ... شهور ...
و شهور ...
أمس دخلت هبة المستشفى الكبير ... و اليوم رح يشوفها الأخصائي و يقرر العلاج
الدكتور ( هيثم ) – زميلي في التخصص – كان بأجازة و رح يرد بعد كم أسبوع ... و كنت
المسؤولة عن كل المرضى في الوقت الحالي ...
كنت أراجع بعض نتايج التحاليل لمريض جديد محول علينا من مستشفى ثاني ...
لما سمعت صوت الباب يندق ...
- تفضل ...
- مرحبا دكتورة ....... هذا والد المريضة الجديدة ...
كانت الممرضة ، كنت طلبت منها تجيب والد أو والدة المريضة معها ...
رفعت عيني من على الأوراق ... و طالعت صوب الباب ...
شخصين اثنين ، غير الممرضة ... كانوا واقفين ...
امرأة ... و رجال ...
شوق ... و سلطان ... !
تجمدت نظراتي ... ما ادري أنا أتخيل .... ؟؟ أتوهم ...؟؟؟
طاح القلم من إيدي فجأة ...
و نزّ لت عيني في الملف بالغصب ... أبى أدور اسم المريضة ...
و شفته ... ( هبه سلطان ) ...
- تفضلوا ...
قالت الممرضة ... و سلـّـم سلطان ، و جا جلس على الكرسي قدام المكتب ... و ظلت شوق ...
متجمدة عند الباب ........
التفتت الممرضة لشوق و هي تأشر لها على الكرسي ( تفضلي ؟ ) لكنها ظلت متيبسة بمكانها ...
الله لا يوريكم مثل هالموقف ...
ما ادري ... أنظاري كانت تطالع في الأوراق اللي بين يديني ... و إلا تخترقها و تخترق الطاولة ...
و تطالع برجلي اللي صارت ترتجف مثل يدي ... ؟؟
حاولت ... أرفع عيني صوب شوق ... ودي بس أتأكد ... هي شوق اللي أعرفها أو غيرها ؟ لكن ...
- طمنينا يا دكتورة فيه شي جديد بالتحاليل ؟
جا صوت سلطان ....
كان يكلمني ؟ أكيد كان يكلمني ...
هذا سلطان ؟ طبعا ... هذا سلطان ...
أنا مو بحلم ؟ مو خيال ؟
معقول ؟؟؟
معقول ؟؟؟
الاوكسجين خلّص من الغرفة فجأة ، لأني شوي و أختنق ...
التكييف انقطع فجأة ...
لأني شوي و اخترق ...
المطر نزل فجأة ... أحسه يبلل جسمي كله ... و شوي ... و أغرق .....
هذا سلطان ...
سلطان نفسه ...
العسل ...
قدامي الحين !
إنتوا تشوفوا ؟
قولوا لي ... هو و الا مو هو ؟
يشبهه ؟
الصوت ، الشكل ، الهيئة ... الإحساس اللي أحسه لا كان قريب مني ...
أنا قلبي مستحيل يتوه عنه ...
هذا سلطان أكيد ...
شوي و يغمى علي ...
أرجوكم امسكوني ....
ما أدري كيف ، هزيت رأسي ... ففهم مني أنه ما فيه شي جديد ...
- و العلاج ؟ ممكن ؟ موجود هنا أو أسافر برى ؟ الحالة ذي شفتوا زيها قبل ؟ عالجتوا مثلها ؟
ممكن تطيب زي أول ؟؟؟
هزيت راسي ... ما فيني صوت أتكلم ...
سلطان كان يتكلم بنبرة هلع ... نبرة فزع ... خوف و قلق ... أمل و يأس ... تصديق و تكذيب ...
و الله كل هالمشاعر كانت تنبعث من صوته و كلماته في اللحظة نفسها ....
- متى نبدأ العلاج ؟ اليوم ؟ و كم يطول ؟ و رح ترجع طبيعية مثل أول ؟
ترى ما عندي بنت غيرها أرجوكم لا تتأخروا عنها ...
لها الحد ... و شوق ما قدرت ... انفجرت بصيحة مكبوتة فجأة ... و التفتنا كلنا صوبها ...
و شفتها و هي شوي و تطيح ...
و رحت بسرعة ... و بسرعة فتحت ذراعيني و أخذتها بحضني ...
بلا شعور ... بلا إدراك ...
و صرت أطبطب عليها و أنا أبكي معها ...
لا تلوموني ...
أنا قبل ما أكون طبيبة ... إنسانة ... و صديقة ... و في ها اللحظة بالذات ... صديقة في وقت محنة ...
- عيدوا التحليل يمكن ما يطلع صحيح ...
قالت شوق و هي تبكي بمرارة ... أنا ما أذكر وش رديت ...
- ما أدري من وين طلعت لنا هالبلوة ...
- يكفي شوق ... يكفي ...
هل كنت أواسيها أو أواسى نفسي ...؟؟؟ ما أدري .....
- الله يخليك قمر سووا أي شي عشانها أي شي ...
- أكيد ... أكيد ...
بعد ما هدأت شوق شوي ... قلت :
- خلينا نروح نشوفها الحين ...
شوق طالعت بسلطان ... اللي كان جالس على الكرسي ... و الله يعلم من فيهم أجمد من الثاني ...؟؟؟
وقف سلطان ببطء ... و وجه نظراته صوبي أنا ...
و للمرة الأولى ... تلتقي نظراتنا ...
للمرة الأولى .... بعد فراق كل ذيك السنين ....
التقت نظراتنا .. في موقف فاجع ... مثل ما افترقت في موقف فاجع ... قبل ... 13 سنة ....
كانت نظراته مذهولة ...
أنا ... بسرعة طالعت صوب مقبض الباب ... و مديت يدي ... و فتحته ...
سلطان ... الحين أدرك أنا من أكون ... بس يمكن ذهول المفاجأة ... أو يمكن هول المصيبة
اللي هو فيها ... ما خلاه يقدر يعبر ... بأي كلمة ...
طلعنا إحنا الأربعة ... أنا و شوق و الممرضة و سلطان ... و رحنا لغرفة هبه ...
رجلي بالكاد كانت تحملني ...
ودي أنهار ...
ودي أطيح ...
ودي أصرخ لا ... لا ... لا ...
بس مسكت حالي ... و حركت رجلي غصبا عليها ... و أجبرت نفسي أني أتظاهر بالتماسك
... كطبيبة ... مع مريض و أهله ...
لانفعالات الثانية محوتها من الوجود و ما عطيتها أي فرصة أنها تظهر ...
دخلنا الغرفة ... و شفت هبة ... الطفلة الصغيرة ... ملمومة بلا حول و لا قوة ... في حضن أمها ...
... منال ... أكثر امرأة كرهتها في هذا الكون ....
عيونها ... من فتحة النقاب ... كانت باينة ... حمراء و متورمة ... و أثر الدموع ما برحها ....
سلـّـمت ... و سألت عن الأحوال ... و جيت لعند الطفلة أحاول أكلمها و أداعبها شوي ... قبل الفحص ...
الطفلة بس شافتني قامت تبكي .... و أشرت على أبوها و جا و شالها بحضنه ... و صار يحضنها
و يطبطب عليها ... و يقبلها .....
أنا بشر ...
و الله مو قادرة أتحمل ...
يا ليتني بحلم و اصحا منه بسرعة ...
بعد كذا فحصت عليها ... و أخذت من أمها و من شوق بعض المعلومات ... و منال ... ما تدري ...
... من أكون ...
كان كل همها العلاج ... و كل شوي تسأل متى نبدأ و متى تطيب ... و توصيني ببنتها الوحيدة المدللة ...
طلعت مع شوق و رحنا المكتب ...
تكلمنا كطبيبتين نتناقش بحالة مريض ... و قررت أني أبدأ العلاج بكرة و أعطي لنفسي و لهم
فرصة استيعاب أني أنا قمر ... باتولى علاج بنتهم ...
و اتفقنا ... أن والد المريضة ... يوقع أوراق الإجراءات الضرورية بكرة ...
ما صدقت أني وصلت البيت أخيرا ...
كان ولدي بدر جالس ( يبني عشة طيور ) بالحديقة – و على فكرة ذي هواية عنده ، تربية الطيور -
و أول ما شافني كالعادة جا يسلم علي و يحضني ...
- هلا يمه
- هلا حبيبي ...
أخذته بحضني بالقوة ... و حبسته بين ذراعيني لفترة ...
الولد ... على حس أن فيني شي ...
- خير يمه ؟
- خير حبيبي ... ما خلصت العشة ؟
- لا باقي ! ...
يمه فيه شي ؟؟
ابتسمت و أكدت ...
- لا بدري ... ، تغذيت هنا و إلا عند الجدة ؟ ( أقصد أم بسام )
- عند الجدة ، يمه عمي ماجد بيمرني بعد المغرب باروح معه مشوار ...
مشاويره مع عمينه ما تخلص ... أحس أنهم أبعدوه عني ... بس ما فيني قوة أعلـّق الحين ... قلت باستسلام ...
- طيب حبيبي ... أباروح أرتاح ....
وقبـّـلت جبينه ... و تركته منهمك ببني العشة ...
وصلت داري منهارة تماما ... رميت بجسمي على السرير .... و تأوهت بمرارة ...
يوم القدر ... بعد كل هالعمر ... كتب أنه يجمعني بسلطان ... جمعني به ... في أسوأ الحالات ... و أسوأ الظروف ........
بكيت بكاء ما بكيت مثله من مدة ...
طلعت الفصوص الثلاث اللي بقت لي من سبحة سلطان ....و شديت عليها بين يديني ... و قربتها
عند قلبي ... و صحت ....
سلطان ...
سلطان ...
يا رب يكون حلم ...
يا رب يكون كابوس ...
يا رب ما يكون حقيقة ....
شوي ... و اندق الباب ، و جاني صوت ولدي بدر يناديني ...
بسرعة مسحت دموعي و جيت و فتحت الباب ...
- هلا حبيبي ؟
- يمه بس بغيت منك ...
و سكت ... و صار يطالع فيني بقلق ...
- نعم بدر وش بغيت ؟
- يمه أنت بخير ؟
- بخير ... بس قل لي وش بغيت ...؟
طبعا ألح علي ، و قلت له أن وحدة من صاحباتي بنت أخوها مرضت و تتعالج عندي ... و أنا متأثرة
عشانها ...
- إذا بتتأثرين يمه كذا لا تعالجي ناس تعرفيهم !
هو قالها جملة عابرة ، و أنا أخذتها بجد ... هذا اللي لازم يصير ... أبي أحول الحالة على الدكتور هيثم
أول ما يرد من أجازته... بس الحين ... ما لي إلا أني أبدأ العلاج ... قبل فوات الأوان ....
..... يتبع