بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ "
أُتابع ما بدأته معكم في [ آيات للسائلين ] من سورة يوسف .. وقد توقفنا في المرة الماضية عند الآية الثالثة من هذه السورة :
آيــات للســائلين [ 1 ] " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "
لماذا قصة يوسف هي أحسن القصص ؟
[align=right]هناكـ قولان للعلماء :[/align]
قال بعضهم : لم يقصد قصة يوسف " بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ " أي أن قصص القرآن هي أحسن القصص ، ومنها قصة يوسف .
القول الآخر : أن الله تعالى قصد هذه الآية في سورة يوسف لأنها أشمل قصة في القرآن ، بدأت من أولها إلى آخرها متكاملة .. ولم تتكرر في القرآن أبداً .
سُميت أحسن القصص لأن فيها .. المسلم والكافر .. والرخاء والشدة .. والحيوان .. والسجين ..
ولأن نهاية كل من ورد في القصة سعيدة .
" لَمِنَ الْغَافِلِينَ " .. يقصد بالغافلين هنا .. أي أنكـ لا تعلم عن هذه القصة ، فقبل القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم عن أحوال الأمة شيء ..
فهذا كان قبل الوحي ، أما بعد الوحي فهو ليس من الغافلين ..
،
،
الذي يقرأ كتب التفسير يجد فيها من الإسرائليات الشيء العظيم ، ولذلكـ يجب الانتباه في هذه النقطة :
إذا لم يثبت في قصة يوسف عن الله سبحانه وتعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يؤخذ به .
فمن جاء بشيء لم يُذكر في قصة يوسف ، كأنه يقول قصة يوسف لم تكتمل .. وأنا أُريد إكمالها !!
[align=right]يقول عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : [/align]
من ذكر شيء من الإسرائليات فقد استدركـ على القرآن لأن الله تعالى يقول : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ "
[align=right]مثال : [/align]
يوسف عليه السلام في غرفة هو وامرأت العزيز ، لا يعلم عن ذلكـ إلا الله جلَّ وعلا .. ولم يثبت لا في القرآن ولا في السنة بعض الأشياء التي ذُكرت .. هل حضر هؤلاء ؟
من أخبرهم بم حدث داخل الغرفة ؟
" وغلقت الأبواب "
لم يذكر الله لنا إلا ما ثبت في هذا .. فيأتون ويقولون أنه .. وأنه ..
إنها إسرائليات .. باطل وكذب .. بل لا تليق بمقام الأنبياء .. فضلاً عن أنها تسقط سنداً ومتناً وعقلاً .
[align=right]الإعجاز البياني :[/align]
" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " وقد جاء دون توكيد، إذاً الأمر هنا ليس أمراً غيبياً
بل هو أمر محسوس يحمل في ذاته دلائل مصداقيته، وذلكـ في قصص القرآن الكريم كلها ومنها قصة يوسف أَحْسَن الْقَصَصِ ، فلا حاجة إذاً للتوكيد، ما دام المثال ظاهراً ، والدليل قائماً.
ولما أراد الله تعالى أن يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شيئاً عن قصة يوسف عليه السلام
جاء بلام التوكيد في قوله : " وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ "
وذلكـ دفعاً لأي شكـ أو تردد في شأن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قبل نزول القرآن عليه
فأكد غفلته عن الأمر تأكيداً لا يغضّ من قدر رسوله ، بل يدل على صحة نبوته وصدق دعوته صلى الله عليه وسلم .
والغفلة غير الجهل ..
لأنني قد أجهل الأمر وأكون قد سمعت به
أما أن أكون غافلاً عنه، فمعنى ذلكـ أنه لم يخطر في بالي مطلقاً فالغفلة عن الأمر أشد تغييباً له من الجهل به .
لذا فإن رسول الله كان غافلاً عن أمر يوسف تماماً
وهنا عندما تأتي السورة بقصة يوسف على ما جاءت عليه من التفصيل والدقة فإن ذلكـ معناه أن هذا الكلام ليس من النبي وإنما هو وحي من الله " بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ "
إذاً فالكتاب المُبين سيُظهر ما خفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقصّ عليه قصة يوسف عليه السلام .
،
،
في المرة القادمة بإذن الله .. سنكون على موعد مع الآية الرابعة .. والتي من خلالها سنبدأ بسرد قصة يوسف عليه السلام .
[align=right]* تأملات في سورة يوسف / الدكتور ناصر العمر . / الإعجاز البياني والأسلوبي[/align]