أعزائي القراء / سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً وسهلاً بكم عبر مشاهدتي هذه ، وتحيّةٌ عاطرةٌ لكل متابعٍ ومهتمٍ .
أيها السادة / دعوني أخرج بكم قليلاً عن السياق ، بل وأبتعد بكم مع هذه المشاهدة ، وأرجو أن يكون جميع قرائي على قدرٍ ولو بسيطٍ من الثقافة والمعلومات عن أطلس العالم ، وعن توزع مناطقه ودوله وأقاليمه وقاراته ، حتى إذا مر اسم مدينةٍ قفز إليها ذهن القاريء مباشرةً متخيلاً ولو بعض تفاصيلها ، ومتأملاً ولو بعض سماتها ,
من نيودلهي ، ودكا ، وبومباي ، سأحدثكم اليوم ، وكالعادة اعذروني إن بدا أثر احتراقي ظاهراً فيما أكتب ، وتحرقي واضحاً في ثنايا حروفي وكلماتي ، ،، وقد تستغربون وتستغربون حينما أكون غادرت بكم إلى نيودلهي ومنها إلى دكا ، ثم أرهق مشاعري ونفسي وخواطري وقلمي ، وأرهقكم أنتم في قراءة ما أكتب ، في حال أناسٍ لا شأن لي بهم ، ولا صلة تجمعني بهم ، غير ما يكون من دين وعقيدةٍ سليمةٍ قد تكون لدى بعضهم
لم أكن مستغرباً حينما كنت أسير في أحد شوارع نيودلهي أن يكون كل ما حولي ذا قسماتٍ هنديةٍ إن تلفت ذات اليمين وذات الشمال ، ومثلها حينما كنت في دكا فلم أستغرب أن يكون كل ما حولي بنغلاديشيا بكل تفاصيله الظاهرة والباطنة ، ويوم سرت في شوارعها ، وولجت إلى متاجرها وحوانيتها ، ودلفت عبر عتبات كبرى أسواقها ، وطوفت في أحيائها وأزقتها ، وإذ بالدم الهندي البنغالي هو ما تفصح عنه تلك الوجوه السمراء المتفحمة تارةً ، وتخفيه ربما من أثر تفاوت الطبقات وجوه تارةً أخرى ، وحيث تنبعث روائح الشواء الهندي بمختلف أشكاله ، وحيث تلوح تلك اليافطات الدعائية لمطعمٍ بنغالي ، تكاد معهما رائحة الفلفل تزكم منها الأنوف ، وهناك حيث يعرض بائع القماش تلك القطع المطرزة على أحدث طراز عرف في آسيا حيث يجمع بين القديم والجديد ،وهناك حيث يبدو أحدهم عابس الوجه لأجل أن هناك شخص غريبٌ قد أساء له بكلمة ،وهناك حيث يعرض أحدهم وبكل جرأةٍ أفلاماً إباحية عبر الاسطوانات المدمجة ، وهناك حيث يتفنن الكثير بترويج زجاجات الويسكي ، وصناعة الخمريات بكل احتراف حتى على أسطح المنازل ، أو الملاحق الخلفية للمتاجر ، وهناك حيث صالات القمار ، وزوايا الشعوذة والدنبشة بكل صورها وأشكالها ،وهناك حيث أوكار الدعارة والمتاجرة بالنساء ، وهناك حيث لا يردع البائع دين ولا خلق فيتجرأ على مغازلة فتاةٍ ترتاد محله بل ربما قبلها واحتضنها ، وهناك حيث سمعنا باختطاف الأطفال الصغار والبنات البريئات ، وهناك حيث ينصح كثيرٌ من المطلعين بألا يسير الشخص بمفرده في تلك الأزقة والحوانيت حتى ولو كان الوقت ظهراً ، خشية أن تسطو عليه وتداهمه عصابةٌ فتسلبه ما معه من مالٍ أو مستلزماتٍ شخصية – وهذا في أقل الأحوال إن لم يكن إزهاق روحه تماماً – صورٌ وصورٌ كل واحدةٍ منها تبدو أبشع وأشنع وأخلع من الأخرى غير أن تلك الصور بمجموعها تشكل فصول مسرحيةٍ خطيرة ، تفنن مخرجوها أيما تفنن ، وحبكوها وسبكوها وأوجدوا لها مسرحاً كبيراً ومتنقلاً ، بحيث يمكن معه لكل من امتلك أدنى نظرٍ أن يشاهد ولو لقطةً واحدة من تلك المسرحية والمسلسل عياناً بياناً على أرض الواقع .
أيها السادة / لن يساورني شكٌ أبداً بعد نقلي لهذه الصور أن أحداً منكم سيفكر في السفر إلى هناك ، بل أن من كان قد أكد حجزاً واشترى تذكرةً فسيلغي حجزه ،وهنا سأختصر المسافة لأعلن وبكل أسفٍ وحرقةٍ أن ما سلف من مشاهد ، وصور ، وفصولٍ لتلك المسرحية ، كان مسرحها الحقيقي ليس نيودلهي ولا دكا ولا بومباي ، وإنما كان هنا في هذه المملكة المباركة ، وبجوار الحرم المكي ، وفي حي البلد في جدة ،وفي بطحاء الرياض ، وفي غيرما حي من أحياء الشرقية ، بل أن تلك المشاهد صورها ستجدونها في غيرما جهةٍ من الشمال أو الجنوب ، أو الجزيرة والخليج ، أينما وجهتم أو اتجهتم فالخدمة موجودة والبث حيٌّ ومباشر ، وأما شخوص المسرحية ومن يقوم بأداء أدوارها فهم هم من ذكرناهم سابقاً من العمالة الهندية والبنغالية وعلى حد قول الشاعر احمد مطر :
حبكوا فنون المسرحيّة حبكةً *** يعيا بها المتمرسُ الفنانُ
ونأتي إلى الأسئلة والتساؤلات التي لا بدّ منها لنقول :
أولاً : في ظل انتشار مثل تلك الكوارث على أيدي تلك العمالة الوافدة ، فما هي الخطوات العملية يا ترى التي انتهجتها الجهات المعنية بمثل ذلك ، أين وزارة العمل ؟ أين وزارة التجارة ؟ أين وزارة الشئون البلدية ،أين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ أين دوريات الشرطة ؟ أين المواطن الغيور النزيه الشريف الذي تهمه مصلحة بلده ، ويزعجه كل ما من شأنه المساس بحرماتها أو النيل من سمعتها ؟
ثانياً : كنا قد استبشرنا خيراً بتلك الحملات الأمنية التي أطلقت قبل فترة والتي داهمت كثيراً من المواقع التي يتمركز فيها كثيرٌ من أهل الفساد والانحلال ، والذين يروجون للرذيلة في أوساط شبابنا ونسائنا ، غير أننا لم نسمع عن تلك الحملات مؤخراً ، أو أنها حجمت وأصبح دورها أقل من ذي قبل – وأخشى ما أخشاه أن يصرح(مسألٌ مصدور) بأنهم قد نجحوا في القضاء على تلك الأوكار وأبادوا كل تلك المواقع ، لأتحداهم بأن يكونوا قد قضوا حتى على نصفها ، والنصف كثير ،وبيني وبينهم مرور عابر وخاطفٌ لأحد تلك الأماكن التي ذكرتها سابقاً ، ونحن لا ننكر الدور الذي قامت به تلك الحملات والإنجازات الكبيرة التي حققتها ، غير أننا نطمع ونطمح لأن تتواصل الجهود ويكون التعاون من الجميع في سبيل تحقيق القضاء على تلك الظواهر والمظاهر التي نحن ضحاياها ، وكباش فدائها ، إن عاجلاً أو آجلاً .
ثالثاً : في ظل انعدام الرقابة ومع ما أسرف فيه أولئك المرتزقة من إفساد وترويج واضحٍ للرذيلة ، أتساءل أين نحن ؟ وأين نحن ؟ هل نحن مغفلون إلى درجة أن تمرر تلك الألاعيب علينا ، كما يفعلون بما يسمى بــ (تمرير المكالمات) حيث تتم سرقة الخطوط الهاتفية ، ثم يتصيدون زبائنهم تصيداً بحيث يتمكن المتصل من إجراء مكالمةٍ دوليةٍ ولمدة ساعة مقابل عدد من الريالات فقط ، في حين أن الفاتورة تحسب على صاحب الهاتف المسروق من حيث لا يشعر ؟ ما هو دورنا بصفتنا مواطنين يهمنا شأن بلدنا ، لا سيما وهو أقدس وأشرف بلدٍ على وجه الكون ؟ وهنا نحن بحاجة ٍإلى إجاباتٍ صريحة ، وخطواتٍ عملية حيال ذلك .
رابعاً : إلى متى سيظل شبابنا عاطلاً ، تسيره وتحكمه وتعشعش في ذهنه وفكره ما يسمى بـــ (( ثقافة العيب)) ، فلا يريد العمل في متجرٍ ولا مطعمٍ ، ولا يريد عملاً مهنياً ولا حرفيّاً ، ولو كان هناك من الميزات والحوافز في بعض تلك الأعمال الشيء الكثير ، ولا يهمه حتى لو بقي عاطلاً وعالةً على غيره ، والقضية الكبرى هي أنهم بفعلهم ذلك قد تركوا مجالاً لغيرهم من العمالة الوافدة لتمارس دورها ، وتنشر سمها في كل ناحيةٍ من هذا البلد ، فالوافد يأتي في البداية مؤدباً ومحترماً ، حتى إذا ما تمكن كشر عن أنيابه وأصبح هو السيد ونحن الخادمون .
خامساً : في إحدى مناطق المملكة ، وبينما كنت متطوعاً في إحدى الشبكات الموسومة بـــ ( شبكة مكافحة فساد المواقع ) وكانت مهمتنا تتلخص في استدراج كثير من مروجي المواد الإباحية هنا في السعودية، حيث ننتهج طرقاً متعددةً في ذلك ، وفي مرةٍ من المرات تم استدراج أحد الرؤوس الكبار – من العمالة الوافدة طبعاً -، وبعد التحقيق معه كان من ضمن اعترافاته : أنه يتم نسخ وتوزيع أكثر من 1000 مادة إباحية في اليوم الواحد في تلك المدينة فقط ، حيث تعمل من أجل ذلك كوادر كثيرة من أولئك المرتزقة الذين لا هم لهم إلا كسب المال من أي طريقٍ أتى حراماً كان أو حلالاً ، وهنا كان التساؤل أين مثل أولئك عن الرقابة وأين هم من العدالة التي لا بد أن يمثلوا أمامها ، وينالوا جزاءهم الرادع ، حيث لا يتخذ في حقهم وللأسف الشديد أي إجراءٍ من شأنه الحد من تلك الممارسات غير التسفير لبلده ، والذي يعود في ظرف أسبوعين منه بجواز واسمٍ جديد ليواصل مهمته الشاقة في الفساد والإفساد .
سادساً : أين رجال الأعمال ؟ وأين الكفلاء الذين كفلوا مثل أولئك ؟ أين هم عن متابعة مكفوليهم ؟وكيف أجازوا لأنفسهم أن يتركوهم ليمارسوا ما أرادوا من تجارة ونشرٍ للرذيلة وكل ذلك تحت أسمائهم التي تزين لوحات المراكز التجارية في كل مكان وما دروا ماذا يتاجر به ؟ وكيف أن أسماءهم قد استغلت أسوأ استغلال ، بل إنهم ليشاركونهم في الإثم في كل عملٍ مشينٍ قد يصنعونه ، وكله كان بتسترٍ منهم عليهم .
سابعاً : ندااااء : إلى كل إخواننا وأخواتنا وصغارنا وكبارنا :
حذار حذار من أولئك فهم والله سم ناقع ،وخبثُ واقع ، وكثيرٌ منهم ما رعوا النعمة حينما استقدموا فعملوا وكسبوا وتاجروا ، بل قاموا يتجاوزون الحدود بتصرفاتٍ وسلوكياتٍ مشينةٍ يندى جبين كل حرٍّ لسماعها وقراءتها ، ويكاد كثير من الناس لا يصدقها، وأخص أخواتنا ممن يروق لهن ارتياد الأسواق ، بألا يخضعن بالقول لأولئك ،وأن يغلظن لهم فيه ، وإذا ما لاح لهن تصرفٌ سيء من أحدهم ، فليفضحنه على الملأ حتى ينال عقابه الرادع مباشرة .
*
*
وهنا سأضطر للتوقف لأن الكلام سيطول ولن توفه هذه المساحة حقه ، غير أني أرجو أن أكون قد أعطيت إلماحةً يسيرةً ، وأن تكون الفكرة قد وصلت كما أردت لها ، وأن أكون قد وضعت يدي وأبصاركم على بعض مكامن الخلل لأخذ الحيطة والحذر مستقبلاً .
تنبيه مهم: (( أرجو ألا يفهم مما سبق أني من دعاة العنصرية ضد شعبٍ أو بلدٍ أياً كان ، فأنا عالميٌّ بطبعي وعلى هذا نشأت وربيت ، ولكن القضية متى ما كانت مساساً بالحرمات وترويجاً للفساد والرذيلة كما سبق ، فحينها لا بد وأن يصاغ الخطاب بنفس اللغة واللهجة التي كتبت بها هذه المشاهدة ....... هذا للإحاطة ... ودمتم ،،،،،،،،))
*
*
*
نديم السها / حسن المعيني