((مشاهداتي مع الشيخ "بن لادن" ))
بدايةً أيها السادة / يطيب لي أن أرحب بكم عبر مشاهدتي هذه .
غير أني أرجو منكم أن تضعوا أيديكم على قلوبكم ، وأن تكونوا رابطي الجأش ، غير عابئين بما يمكن أن تورثه كلماتي هذه من رعشةٍ في جنان أحدٍ ما ، أو ترتجف على إثره يد كان قدرها أن تفتح هذا الرابط لتعرف ما يحويه هذا العنوان الخطير والحساس في نفس الوقت .
ولماذا كل هذا التحذير والتوصية بأخذ الاحتياطيات اللازمة ؟؟
والجواب :
لأني سأضرب بكل الأعراف والنظم والقوانين الدولية عرض الحائط ، ولأني سأتجاهل كل السياسات العالمية التي تحظر مثل هذا العنوان ، أو أن هذا الاسم قد يشكل لها نوعاً – بل كلاًّ- من حرج ، ولأني سأنسى شيئاً يسمى كوفي عنان ، أو جورج بوش ، أو هيئة الأمم المتحدة ، أو البيت الأسود ، أو حتى " أيهود اولمرت"
لأقف بعد هذا كله وقفة إجلالٍ وإكبار ولأحيي الشيخ : " بن لادن "
تحية صادقة من عمق أعماقي ، لأنه وبكل حقٍ وحقيقة كان مثلاً للطموح والمثابرة والعزيمة التي تحلق مع الكواكب في مداراتها ، وترتفع مع الشموس في مساراتها ،ولأني حينما أقف لأحيي مثله أكون بأمس الحاجة لأحشد لذلك كل قولٍ رفيع ، وأغوص لأعماق كل معنىً بديع ، كيف لا والمخاطب هو : " بن لادن " ، رجلٌ أوجد لنفسه مكانةً بصدقه وإخلاصه ،يوم أن أصبح الصدق والإخلاص نادراً في عصر العجائب والمتغيرات نحو كل ما هو رديءٌ وسطحي وسافل ،رجلٌ استشعر ثقل الأمانة الملقاة على عاتقه - والتي يعلم أنه مسئول عنها أمام خالقه- فرأى وجوب التنقل ذات اليمين والشمال ، فتارة في الجبال الوعرة ، وأخرى في السهول المنبسطة ، وثالثةً في الصحاري القاحلة ، يسعى حثيثاً بل يسابق الزمن لتحقيق أهدافه السامية ، والتي تصب كلها في مصلحة أمته وأوطانه ، حتى ولو جهل أو تجاهل ذلك خلقٌ كثيرٌ إما حسداً أو عجزاً عن إنجاز ما أنجز ، رجلٌ بنى وشيّد يوم ارتضى كثيرون أن يهدموا وينسفوا ، ومهد وعبّد يوم انتهج كثيرون العرقلة والتصعيب ، ويسّر وأنجز يوم عسّر وتأخر كثيرون وما أنجزوا ولا قدموا لأمتهم شيئاً - وإن قدموا ذات يومٍ فحشفاً وسوء كيلة- ، حينما تقودك الخطا إلى الحجاز ذات يوم فإنك ترى ذكرياته في كل ناحيةٍ وزاوية ، لتستخلص من ذلك دروساً وعبراً يصلح أن تكون نبراساً للأجيال القادمة ، فحينما تمر بجبل وعرٍ في البادية يلوح لك شموخه المضارع للجوزاء ، وحينما تلج المدن والحواضر يلوح لك معنى العظمة التي تقرؤها في كل شاهق بنيان ، فذكرياته لم تزل شاهدة على حياة مليئةٍ بالمغامرة لذلكم الفتى اليافع الذي صنع لنفسه تاريخاً ، وأعد لها نزلاً في أعلى قمم التميز والإنجاز ، ثم غادر بعيداً .
ليعذرني الشيخ" بن لادن " فسأتوقف هنا لأعود لقرائي الأعزاء ولأنظر من منهم لا يزال معي على ذات الخط ، ومن منهم قد أقفل متصفحه لأول وهلةٍ بدأ فيها بقراءة موضوعي ،
ولأقول لكم أعزائي :
أرجو ألا يكون خيالكم الشقيّ قد حلق بكم بعيداً ربما إلى (جبال تورا بورا) ، أو( أبراج نيويورك المتهدمة )، أو (ساحات قندهار) ، أو أنكم قد ارتكبتم خطيئة فأسأتم الظن بي دون أدنى تثبت ، وأرجو ألا يكون السادة المشرفون قد قرروا حذف هذه المشاهدة قبل أن يواصلوا معي لأستدرك نفسي وإياكم وأقول : أرجو لمن كان خياله قد ذهب به بعيداً إلى حيث ذكرت سابقاً أن يعود معي إلى رحاب مكة والمدينة وجدة والحجاز وإلى طريق الهدا الطائفي
لأن من عنيته بعنواني ، ووجهت إليه تحياتي ، وأزجيت له عاطر عباراتي لم يكن " أسامة بن لادن "كما ظن بعضكم ، وإنما هو والده ، المقاول المشهور : محمد بن عوض بن لادن – رحمه الله – ويأتي التساؤل هنا عن سبب إيراد هذه المشاهدة ومغزاها ، ولأبيّن لكم سريعاً سببها وموقفها وماذا تعني :
بينما كنت مع أحد أصحاب التكاسي متوجهاً صوب إحدى مناطق الجنوب ، ونحن نتجاذب أطراف الحديث، وكان يذكر لي بعض ذكرياته القديمة ربما المتجاوزة للأربعين إلى الخمسين عاماً ، وفجأة وقف بنا في احد الأماكن على خط الحجاز ونزل ونزلنا ثم قال : لقد شاهدت محمد بن لادن ذات يوم هنا مع وصول مشروع سفلتة خط الجنوب والذي كان هو المقاول المستلم له ، حينما كان يطوف بطائرته الهيلوكبتر متابعاً للمشاريع بنفسه ، وهنا هبطت طائرته في لحظة تزامنت مع بسط عماله لمادة الزفت على مساحةٍ كبيرة ، فنزل وكان يحمل في يده جهازاً صغيراً ، أشبه بقضيب حديد ، أو مقياس حرارة ، وغرزه في الإسفلت مباشرة ، وانتظر للحظاتٍ ، وفجأةً أمر عماله بأن يزيلوا ما كانوا قد بسطوه من الزفت ، ووسط استغرابٍ من الجميع تبين بعد ذلك أن ما كان يحمله هو جهاز قياس لدرجة الحرارة والغليان ، ووجد أن نسبة احتراق الزفت المطلوبة قد نقصت نسبتين عما هو مقرر لها ، فمثلاً لو كان المطلوب 100% فإنه وجدها 98% ، ولم يشفع لعماله نقص هذه النسبة الضئيلة فكان أن أمرهم باقتلاع ما بسطوه من زفتٍ ، وعمل خلطة زفتيه جديدة على ما أراد هو ، ولذلك بقيت كل السكك الإسفلتية التي كان مقاولها بن لادن ،محتفظةً بقوتها وصلابتها إلى يومنا هذا على الرغم من أنها قد سارت من فوقها ربما ملايين السيارات والشاحنات المحملة بآلاف الأطنان من البضائع ومواد البناء والحمولات الثقيلة ، وعلى الرغم من طول المدة والعهد إذ أن بعضها قد يتجاوز الأربعين إلى الخمسين عاماً ، ولا يزال الكثير يميزون إسفلت بن لادن ويعرفون إذا سألتهم عن سكةٍ عما إذا كان هو مقاولها أو كان غيره . .
هنا تنتهي المشاهدة وتأتي التساؤلات التي لا بد منها :
أولاً : في ظل ما نراه من مشاريع السفلتة المهترئة المتهتكة في كل ناحيةٍ وصوب سواء في المحافظات أو المدن أو القرى أو الخطوط الطويلة التي لا تحتمل أن يسير عليها ولا حتى (سيكل صغير ) حتى نراه وقد سطر ذكرياته عليها ، لست أدري أين المقاولون المحترمون من متابعة عمالهم والنظر فيما إذا كانوا قد طبقوا ما يجب أن تكون عليه من مواصفات لكي يقاوم هذا الإسفلت عاديات الزمن ولو لبضع سنوات – ليس عقوداً -.
ثانياً : أتساءل كثيراً : ألم يستطع هؤلاء المقاولون العصريون سواءً من أصحاب المؤسسات الخاصة ، أو بلديات المناطق والمحافظات ، أو وزارة النقل والطرق والمواصلات – على ما كان وما قد كان – ألم يستطيعوا توفير ذلك ( المقياس اللادنّي ) الذي كان يستخدمه قبل أربعين سنة ليعرف عما إذا كان الإسفلت سيصمد ويثبت أم لا ، أم أنه لم يعد متوفراً ربما في عصر التكنولوجيا التي أصبح قياس كل شيءٍ فيها معتمداً على برامج كمبيوترية متقدمة ، فآثر هؤلاء أن يكتفوا بقياس حرارة ضمائرهم من خلف مكاتبهم الوثيرة الفخمة ليكتشفوا أنها قد وصلت إلى درجة 98% تحت الصفر وحينها رأينا النتائج واضحة لكل من كان له أدنى نظر على كثيرٍ من السكك والمشاريع، إذ أن كثيراً من تلك المشاريع لم تثبت أمام رشةٍ من ماء مطر لبضع لحظات حتى رأيناها وقد شقّت فيها أخاديد ، وأعملت فيها بما شاء رب العالمين من تخميش وتهميش وتهشيم
أو ربما أن ذلك (المقياس اللادنّي) أصبح مكلفاً بحيث لا يمكن معه تقسيم الكعكة ووجود فائضٍ لا بد منه لكي يتلذذ الجميع بها ويحتسوا أقداح القهوة على إثرها .
ثالثاً : ألا يحمل مقاولونا المحترمون ممن استلموا مشاريع سفلتة الطرق في مختلف مناطق ومحافظات المملكة داخل المدن أو القرى والهجر البعيدة ، بعضاً من أمانة محمد بن لادن – رحمه الله – الذي لم يكن يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يتابع مشاريعه بنفسه ، بل إن وفاته كانت بسقوط وتحطم طائرة هيلوكبتر وهو يتفقد مشروع طريق الهدا المشهور سنة 1970م.
وأخيرا : كم رجوت والله أن أوفق للبحث وراء ( المقياس اللادنّي ) في أي نقطة من الكون أجده ، لكي أشتري منه -ولو كلفني ذلك كثيرا-ً بعدد المقاولين في كل أرجاء الوطن ، بحيث أجعله كهدية مجانيةٍ مع نسخةٍ من مشاهدتي هذه لكل مقاولٍ ، وأخص بعض بلديات المناطق - التي تعرف نفسها جيداً - بمزيدٍ من النسخ والعبوات المجانية حتى يتمكنوا من تنفيذ مشاريعهم بما يبريء ذممهم أمام خالقهم في شتى الأرجاء والنواحي التابعة لهم .
وللجميع خالص تحياتي ، واعتذاري عن هذه التهويمة البعيدة التي لم يكن منها بدٌ . وإلى لقاءٍ قريبٍ عبر مشاهداتي القادمة – بإذن الله –
أخوكم :
نديم السها / حسن المعيني