رسالة مفتوحة إلى ( العملاقة ) مع التحية
إن الجلد والصبر والمثابرة الذي
خص الله تعالى به المرأة دون الرجل في بعض الجوانب
وفي بعض ٍ من الأمور التي لا تخفى على احدٍ منا
ليدفعنا للتأمل في ذلك ثم استخلاص
واستنباط أسرارٍ وأسرار أودعها ربنا تعالى
في هذه المخلوقة الرائعة
ولي أن أسأل الرجال ، وخاصةً من كان لديه أطفال
صغار ، إذا ما مرض أحد أطفاله ذات ليلةٍ ،
أو قام يبكي وينوع في مطالبه حتى لولم يكن مريضاً ،
فكم من الوقت يستطيع أن يمضيه مع طفله وصغيره يطببه ويلبي له رغباته ؟؟
كم يا ترى ؟؟ ربع الليل ، أم ثلثه أم نصفه ؟ أو يزيد على ذلك قليلا أو منه ينقص ؟؟
تأكدوا تماماً يا إخوة أن الرجل قد لا يستطيع احتمال ذلك لبضع دقائق ،
وإن فعلها فعلى مضض ، وبغضبٍ ، وصياح ، وتبرم .
ولكن دعوا العملاقة تأتي ، دعوا أميرة الرقة والحنان تشرف ،
هاتوا ملكة الصبر والتصبر والمصابرة والجلد والاحتمال
هاتوا الروضة الوارفة ، والدوحة الظليلة ، والنبع الرقراق
هاتوا بلسم الجرح ، وطب الروح ، وأشجان الفؤاد
هاتوا حديث المودة ، ومشاعر الأنس ، وهمسات الوجدان
هاتوا لي امرأة ، وامرأة فقط
هاتوا امرأة ممن وصفن بالضعف ، وانظروا ماذا تصنع ،
أقسمت بالله – وقد رأيت نماذج ونماذج – أنهن يمتلكن من القوة والجلد
ما عنه قد يعجز أشدّاء الرجال ، لأن مقياس القوة هنا ليس بالعضلات المفتوله ،
ولكنه بقوة النفس وعملقة الروح ، التي اتسمن بها
وما يلفت انتباهي دائماً ، إذا ما زرت أحد المشافي أو المراكز الصحيّة
لأشاهد الجهد المضاعف الذي تبذله الممرضات في أي قسمٍ من الأقسام
وقد يكون هناك كثيرٌ من الممرضين الذكور غير أنهم لا يمكن لهم إن يدركوهن
في مهنة التمريض أبداً مهما بذلوا ، وكأنهن في كل مهمةٍ يقمن بها ، يرسلن رسالة صريحة
وإن لم يفصحن عنها ومفادها :
((مهلاً يا معاشر الرجال فاللمسة تختلف عن اللمسة ، وقد يغني عن عالي صراخ همسه ))
وهنا تكمن إجابة كل سؤالٍ أو تساؤلٍ يمكن أن يدور في خلد أحدٍ
حينما يدوي ويشق أستار الصمت باحثاً ولو عن بعض إجابة
قد يجدها مرتسمةً على جفنٍ ، أو مستظلة بهدبٍ ، أو مقيمة في محاجر عيونٍ
لها مع سهر الليالي الطوال حكايات وروايات وملاحم تزري بأسفار وكتبٍ عظام غصّت بها مكاتبنا ،
وتآكلت في رفوف مكتباتنا ، حشيت بقصصٍ وروايات من نسج الخيال ،وكنا في غنىً عنها
لأننا لو تأملنا في وجه امرأة مثابرة لرأينا التاريخ ماثلاً بكل تفاصيله
ولأغنانا ذلك عن سرد سير لشخصياتٍ خرافيّةٍ لم يصنعها سوى
خيالٍ شاعري مجنح يهيم بكل وادٍ ويقول مالا يفعل .
وليس مثل هذا الكلام إنشائيٌ أو عاطفيٌ كما قد يفسره البعض ،
ولكنه مستندٌ في المقام الأول إلى كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم –
ثم إلى واقعٍ مشاهدٍ نعيشه ونلمسه في كل ناحيةٍ وزاوية يمكن أن تشرف باحتواء
امرأةٍ حرةٍ نزيهة صابرة مثابرةٍ سواءً كانت تلك أمّاً أو زوجةً أو أختاً أو بنتاً أو أياً كانت بالنسبة لنا .
وفي الحديث : " حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب "
وفي الحديث الآخر : " خير متاع الدنيا المرأة الصالحة "
وقال :" لا يكرمهن إلا كريم ، ولا يهينهن إلا لئيم "
وضرب الله مثلاً للذين آمنوا بامرأتين ،
ولم يضرب المثل للذين آمنوا برجل ،
وكان أول من خدم الدعوة الإسلامية وموّلها امرأة
وأول من استشهد في سبيل الله تعالى امرأة
وأول من سهل أمر الهجرة للمدينة امرأة
ومن أكثر الصحابة روايةً للحديث امرأة
*
*
*
*
*
(( باقة عطرية،ووردة شذية،لكل طاهرةٍ عفيفة،وحرّةٍ أبيّة))
*
وأستأذنكن هنا بأن أحلّق بكن بعيداً حيث تستلهم الأمجاد
ولي أن أقف إجلالاً لكن يا بنات حواء
وأن اكتب لكن بمداد من صدقٍ ووفاء
ولا زلت أردد ما أنشده حافظ إبراهيم يوم قال :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
من لي بتربية النساء فإنها=في الشرق علّة ذلك الاخفاق
الأم مدرسةً إذا أعددتها=أعددت شعباً طيب الأعراق [/poem]
لأنشد أنا بعده وأترنم ، ولكني جعلتها جامعة وليست مدرسة
لأنها أوسع وأشمل وأرحب وأسمى في نظري
وخصوصاً إذا ما ارتبطت الصورة بمدارسنا المعهودة فقلت :
[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
الأم جامعةٌ إذا أعددتها=-قسماً- سنفتح غربنا والمشرقا
ونرى بها الأجيال ترجع مجدنا=ولفيلقٌ فينا سيتبع فيلقا[/poem]
فسرن على بركة الله ، وبقبسٍ من نور الله
وبهدي من كتاب الله ، طلباً لرضا الله
فهناك (آسيا بنت مزاحمٍ) تنتظركن
وهناك ( مريم بنت عمران ) ترقبكن
وهناك( فاطمة الزهراء ) تشتاقكن
فعلى دربهن يا رعاكن الله ، حفاظاً على مبادئكن
وصوناً لأعراضكن ، وترفعاً عن المرتع الداني
فبكن يزهر الربيع ، وتشدو الأطيار ، وتغني البلابل
وترتسم في الأفق العالي والبعيد لوحة صنعتها أنامل
الطهر والفضيلة ، وعطرها زاكي عبقكن الفواح ،
والذي امتزج بأريج الآيات ، وبصدق التضرع والمناجاة
لرب الأرض والسماوات .
وسنبقى نكتب لكن ما أسعفنا فكر ، وقطر لنا حبر
فمثلكن أهلٌ لأن يكتب لهن
وأن يتغنى بجميل أفعالهن
وأن يبارك خطوهن ومسيرهن
ما دمن على العهد ماضيات
وللفضيلة والعفاف حارسات
وبالقران شاديات مترنمات
ولهدي رسول الله متابعات
هكذا عهدناكن ، وذلك ما نرجو عنه ألا تتحولن
ولكن التحية والسلام
نديم السها / حسن المعيني