سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- السؤال التالي:
أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول: "إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي" ؟
فقال: (الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين:
القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المحرم فهو محرم.
القاعدة الثانية: أن درء المفاسد –إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم- مقدم على جلب المصالح.
دليل القاعدة الأولى: قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين –مع أنه مصلحة- لأنه يفضي إلى سب الله تعالى.
ودليل القاعدة الثانية: قوله تعالى : (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما. وبناءً على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة. فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها:
نزع الحجاب: لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد، فيقال جميلة اليدين، جميلة الشعر، جميلة القدمين، وبهذا عرف أن الوجه مدار القصد.
وربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين.
والجواب عن ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فلن يدون طويلا، بل سيتحول –في المدى القريب- إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان –كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم-، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال: "أحيا من العذراء في خدرها" وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
ومن مفاسدها: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت "والبيت خير لها" –كما قال ذلك أعلم الخلق بالخلق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم- لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة؛ ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة؛ لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
ومن مفاسدها : أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده؛ لأنها وحدها في سيارتها، متى شاءت في أي ساعة ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل، وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب فما بالك بالشابات؟!. حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروّح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهو أقوى تحملاً من المرأة.
ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة:
- في الوقوف عند إشارات ا لطريق.
- في الوقوف عند محطات البنـزين .
- في الوقوف عند نقطة التفتيش.
- في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث.
- في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء "البنشر" .
- في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالتها حينئذ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام الشوارع أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهو أحق بذلك من المرأة وأجدر .
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة الحوادث؛ لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً، وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف.
ومن مفاسدها: أنها سبب للإرهاق في النفقة؛ فإن المرأة –بطبيعتها- تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زي رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها. ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة. ألا ترى إلى "ماصتها" وإلى غيرها من أدوات حاجاتها. وعلى قياس ذلك –بل لعله أولى منه- السيارة التي تقودها، فكلما ظهر "موديل" جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد.
وأما قول السائل: وما رأيكم بالقول: "إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟" فالذي أرى أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما.
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها. وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا، قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم في نونيته :
هربوا من الرق الذي خلقوا له وبُلوا برق النـفس والشيطــان
وظن هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر، وما ذلك إلا لجهلهم أو جهل الكثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد. فنسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة) (11).
قاعدة سد الذرائع :
يتعجب بعض المجادلين في هذه القضية عندما يقال له بأن هذا الأمر (سواء كان قيادة المرأة للسيارة أو غيرها من الوسائل المؤدية للحرام) لا يجوز لأنه ذريعة إلى الوقوع في الحرام. ويعتقد هذا الجاهل أو المتجاهل أن هذه القاعدة وهي (سد الذرائع) قد تشدد فيها العلماء واخترعوها من عقولهم! تحجيراً على الناس. ولم يعلم هذا المجادل بأن (قاعدة سد الذرائع) قد جاءت فيها نصوص شرعية كثيرة من الكتاب والسنة اعتمد عليها العلماء في تحريم كل وسيلة تؤدي إلى المحرم، ولذلك قال ابن القيم –رحمه الله- : "باب سد الذرائع أحد أرباع التكليف"(12) قال هذا بعد أن ذكر لها تسعة وتسعين (99) دليلاً من الكتاب والسنة. وإليك شيئاً من تلك النصوص التي تدل لهذه القاعدة :
1- قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) فنهى سبحانه عن سب أصنام ومعبودات المشركين لكونه ذريعة لأن يسب المشركون الله –عز وجل- عدواناً وظلماً دفاعاً عن أصنامهم ومعبوداتهم .
2- قوله تعالى (ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن) فنهى النساء عن الضرب بالأرجل على الأرض وهو مباح لأنه ذريعة لإثارة الشهوات.
3- أنه تعالى نهى عن البيع وقت نداء الجمعة لئلا يكون ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها .
4- أنه تعالى أمر بغض البصر لأنه ذريعة للفساد.
5- أنه تعالى نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك لأنه ذريعة إلى الشرك.
6- أنه تعالى حرم الخلوة بالمرأة الأجنبية لأنه ذريعة إلى الفساد والزنا.
7- أنه تعالى منع الصحابة أن يقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم (راعنا) وأمرهم أن يقولوا بدلها (انظرنا) لأنه ذريعة تتخذها اليهود لسبه عليه الصلاة والسلام .
8- أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع الرجل في زواجه بين المرأة وأختها، أو عمتها أو خالتها لأنه ذريعة إلى قطيعة الرحم .
9- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتقدم المسلم الصيام قبل رمضان بيوم أو يومين لكي لا يكون ذريعة لأن يُلحق بالفرض (وهو صيام رمضان) ما ليس منه.
10- أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة قبل طلوع الشمس وعند غروبها سداً لذريعة مشابهة المشركين .
هذه بعض الأدلة الشرعية التي تدل لقاعدة (سد الذرائع)، ومن أراد الزيادة فعليه بهذه المراجع:
1- إعلام الموقعين لابن القيم (3/147-171).
2- الاعتصام للشاطبي (2/334-338، بتحقيق مشهور سلمان).
3- مجلة البحوث الإسلامية (العدد 15/ص 17-32).
ختاماً : أسأل الله أن يجنب بلادنا الشرور والمفاسد، وأن يوفق ولاة أمورنا لقمع المفسدين وأن لا ينخدعوا بزخارفهم، وأن يثبتهم على الحق كما ثبت أسلافهم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
بعد هذا كله أن يكون صدرك رحِب أخي عسيب , وتتقبل النقد للنص لا الشخص...... والحوار يكون ممتع وشيق في حالة المصداقية فقط .................