بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُتابع معكم بقية أشراط الساعة الصغرى في قسم [ لم يظهر إلى الآن ]
فتح القسطنطينية
ومنها فتح القسطنطينية ـ قبل خروج الدجال ـ على يديّ المسلمين
والذي تدل عليه الأحاديث أن هذا الفتح يكون بعد قتال الروم في الملحمة الكبرى ، وانتصار المسلمين عليهم
فعند إذٍ يتوجهون إلى مدينة القسطنطينية فيفتحها الله للمسلمين بدون قتال ، وسلاحهم التكبير والتهليل
ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سمعتم بمدينة جانبُ منها في البر وجانبُ منها في البحر ؟ ) قالوا : نعم يا رسول الله . قال : ( لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ، فإذا جاءوها نزلوا ، فلم يقاتلوا بسلاح ، ولم يرموا بسهم ، قالوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط أحد جانبيها ـ قال ثور ( أحد رواة الحديث ) : لا أعلمه إلا قال : ـ الذي في البحر ، ثم يقولوا الثانية : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيسقط جانبها الآخر ، ثم يقولوا : لا إله إلا الله والله أكبر ، فيفرج لهم ، فيدخلوها ، فيغنموا ، فبينما هم يقتسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ فقال : إن الدجال قد خرج ، فيتركون كل شيء ويرجعون ) [ رواه مسلم ]
وقد أشكل قوله في هذا الحديث : ( يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق )
والروم من بني إسحاق ، لأنهم من سلالة العيص ابن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام
فكيف يكون فتح القسطنطينية على أيديهم ؟
قال القاضي عياض : ( كذا هو في جميع أصول [ صحيح مسلم ] : من بني إسحاق )
ثم قال : ( قال بعضهم : المعروف المحفوظ : [ من بني إسماعيل ] ، وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه ، لأنه إنما أراد العرب ) [ شرح النووي لمسلم ]
وذهب الحافظ ابن كثير إلى أن هذا الحديث : [ يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، ولعل فتح القسطنطينية يكون على أيدي طائفةٍ منهم كما نطق به الحديث المتقدم ، أنه يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق ] .
واستشهد على ذلكـ بأنهم مدحوا في حديث المستورد القرشي ، فقد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس ) . فقال له عمرو ابن العاص : أبصر ما تقول . قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلكـ إن فيهم لخصالاً أربع : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسةً حسنةً جميلة ، وأمنعهم من ظلم الملوكـ . [ صحيح مسلم ]
وقلت ـ والكلام للكاتب ـ : ويدل أيضاً على أن الروم يسلمون في آخر الزمان ، حديث أبي هريرة السابق في قتال الروم
وفيه أن الروم يقولون للمسلمين : ( خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ) . [ صحيح مسلم ]
فالروم يطلبون من المسلمين أن يتركوهم يقاتلون من سُبي منهم لأنهم أسلموا ، فيرفض المسلمين ذلكـ ، ويبينون للروم أن من أسلم منهم فهو من إخواننا ، لا نسلمه لأحد ، وكون غالب جيش المسلمين ، ممن سُبي من الكفار ليس بمستغرب .
قال النووي : [ وهذا موجود في زماننا ، بل معظم عساكر الإسلام في بلاد الشام ومصر سُبوا ، ثم هم اليوم بحمد الله يسبون الكفار ، وقد سبوهم في زماننا مراراً كثيرة ، يسبون في المرة الواحدة من الكفار ألوفاً ، ولله الحمد على إظهار الإسلام وإعزازه ] .
ويؤيد كون هذا الجيش الذي يفتح القسطنطينية من بني إسحاق أن جيش الروم يبلغ عددهم قريباً من ألف ألف ، فيقتل بعضهم ، ويسلم بعضهم ، ويكون من أسلم مع جيش المسلمين الذي يفتح القسطنطينية ، والله أعلم .
وفتح القسطنطينية بدون قتال لم يقع إلى الآن ، وقد روى الترمذي عن أنس بن مالكـ أنه قال : ( فتح القسطنطينية مع قيام الساعة ) .
ثم قال الترمذي : ( قال محمود ـ أي : ابن غيلان شيخ الترمذي ـ : هذا حديث غريب ، و القسطنطينية هي مدينة الروم ، تُفتح عند خروج الدجال ، والقسطنطينية قد فُتحت في زمان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) . [ جامع الترمذي ]
والصحيح أن القسطنطينية لم تُفتح في عصر الصحابة ، فإن معاوية رضي الله عنه ، بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ، ولم يتم لهم فتحها ، ثم حاصرها مسلمة بن عبد الملكـ ولم تفتح أيضاً ، ولكنه صالح أهلها على بناء مسجد بها . [ النهاية في الفتن والملاحم ]
وفتح التركـ أيضاً للقسطنطينية كان بقتال ، ثم هي الآن تحت أيدي الكفار ، وستفتح فتحاً أخيراً كما أخبر بذلكـ الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
قال أحمد شاكر : [ فتح القسطنطينية المُبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه الله عز وجل ، وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم الذي أعرضوا عنه ، أما فتح التركـ الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيداً للفتح الأعظم ، ثم هي قد خرجت بعد ذلكـ من أيدي المسلمين منذ أعلنت حكومتهم هناكـ أنها حكومة غير إسلامية وغير دينية وعاهدت الكفار أعداء الإسلام وحكمت أمتها بأحكام القوانين الوثنية الكافرة ، وسيعود الفتح الإسلامي لها إن شاء الله كما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ] . [ عمدة التفسير عن ابن كثير ] .
[ مدينة الروم ] : ويقال لها قسطنطينية ، وهي معروفة الآن ( بأسطنبول ) أو ( استنبول ) من مدن تركيا ، وكانت تعرف قديماً باسم ( بيزنطة ) ، ثم لما ملكـ قسطنطين الأكبر ملكـ الروم بنى عليها سوراً ، وسماها قسطنطينية ، وجعلها عاصمة ملكه ، ولها خليج من جهة البحر ، يطيف بها من وجهين ، مما بليه الشرق والشمال ، وجانباها الغربي والجنوبي في البر .
خروج القحطاني
في آخر الزمان يخرج رجل من قحطان ، تدين له الناس بالطاعة ، وتجتمع عليه ، وذلكـ عند تغير الزمان ، ولهذا ذكره الإمام البخاري في باب تغير الزمان .
روى الإمام أحمد والشيخان : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ) [ رواه أحمد والبخاري ومسلم ] .
قال القرطبي : [ قوله : ( يسوق الناس بعصاه ) : كناية عن استقامة الناس ، وانعقادهم إليه ، واتفاقهم عليه ، ولم يُرد نفس العصا ، وإنما ضرب مثلاً لطاعتهم له ، واستيلاءه عليهم ، إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم ، وعنفه بهم ] [ التذكرة ] .
قلت ـ والكلام للكاتب ـ : نعم ، سوقه الناس بعصاه كناية عن طاعة الناس له ، ورضوخهم لأمره ، إلا أن ما أشار إليه القرطبي من خشونته عليهم ليس بالنسبة للجميع كما يظهر من كلامه ، بل إنما يقسو على أهل المعصية منهم ، فهو رجلُ صالح ، يحكم بالعدل .
ويؤيد ذلكـ ما نقله ابن حجر عن نعيم ابن حماد ، أنه روى من وجه قوي عن عبد الله بن عمرو أنه ذكر الخلفاء ، ثم قال : ( ورجل من قحطان ) .
وأيضاً ما أخرجه بسند جيد ، عن ابن عباس أنه قال فيه : ( ورجلُ من قحطان كلهم صالح ) [ فتح الباري ] .
ولما حدّث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بأنه سيكون ملكـ من قحطان غضب معاوية رضي الله عنه فقام ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون بأحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لإاولئكـ جهالكم ، فإياكم والأماني التي تضل أهلها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) [ رواه البخاري ] .
وإنما أنكر معاوية خشية أن يظن أحد أن الخلافة تجوز في غير قريش ، مع أن معاوية رضي الله عنه ، لم ينكر خروج القحطاني .
فإن في حديث معاوية قوله : ( ما أقاموا الدين ) ، فإذا لم يقيموا الدين خرج الأمر من أيديهم وقد حصل هذا ، فإن الناس ، لم يزالوا في طاعة قريش إلى أن ضعف تمسكهم بالدين ، فضعف أمرهم وتلاشى ، وانتقل الملكـ إلى غيرهم .
وهذا القحطاني ليس هو [ الجهجاه ] فإن القحطاني من الأحرار ، لأنه نسبة إلى قحطان ، الذي تنتهي أنساب أهل اليمن من حمير وكندا وهمدان .. وغيرهم ، إليه . وأما [ الجهجاه ] فهو من الموالي .
ويؤيد ذلكـ ما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يذهب الليل والنهار حتى يملُكـ رجل من الموالي يقال له : جهجاه ) [ رواه أحمد ] .
قتال اليهود
ومنها قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان ، وذلكـ أن اليهود يكونون من جند الدجال ، فيقاتلهم المسلمون الذين هم جند عيسى عليه السلام حتى يقول الشجر والحجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي وراءي تعال فاقتله .
وقد قاتل المسلمون اليهود من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتصروا عليهم ، وأجلوهم من جزيرة العرب
امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) [ صحيح مسلم ] .
ولكن هذا القتال ليس هو القتال الذي من أشراط الساعة ، وجاءت به الأحاديث الصحيحة .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسلمين سيقاتلونهم إذا خرج الدجال ، ونزل عيسى عليه السلام .
وروى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه حديثاً طويلاً في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس ... ( وفيه : أنه ذكر الدجال فقال ) : ( وأنه يُحسر المؤمنين في بيت المقدس ، فيزلزلون زلزالاً شديداً ثم يهلكه الله تباركـ وتعالى وجنوده حتى أن جذم الحائط ـ أو قال أصل الحائط ، وقال حسن الأشيب : وأصل الشجرة ـ لينادي ـ أو قال : يقول ـ يا مؤمن ! ـ أو قال : يا مسلم ـ هذا يهودي ـ أو قال : هذا كافر ـ تعال فاقتله ) .
قال : ( ولن يكون ذلكـ كذلكـ حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها في أنفسكم وتسألون بينكم : هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرى ؟ ) [ رواه أحمد ] .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبيء اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله . إلا الغرقد ، فإنه من شجر اليهود ) وهذا لفظ مسلم .
والذي يظهر من سياق الحديث أن كلام الحجر والشجر ونحوه حقيقة ، وذلكـ أن حدوث تكلم الجمادات ثابت في غير أحاديث قتال اليهود .. وقد سبق ذكر ذلكـ .
وإذا كانت الجمادات تتكلم في ذلكـ الوقت فلا داعي لحمل كلام الشجر والحجر على المجاز ، كما ذهب إلى ذلكـ بعض العلماء
فأنه ليس هناكـ دليل يوجب حمل اللفظ على خلاف حقيقته . ونطق الجماد قد ورد في آيات من القرآن منها قوله تعالى : " وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [ الإسراء : 44 ] .
وجاء في الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته عن الدجال ، وحذرناه ، فذكر خروجه ، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله ، وفيه : ( قال عيسى عليه السلام : افتحوا الباب ، فيفتح ، ووراءه الدجال ، معه سبعون ألف يهودي ، كلهم ذو سيف محلى وساج ، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء ، وينطلق هارباً ، ويقول عيسى عليه السلام : إن لي فيكـ ضربةً لن تسبقني بها ، فيذكره عند باب اللد الشرقي فيقتله ، فيهزم الله اليهود ، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا انطق الله ذلكـ الشيء ، لا حجر ولا شجر ، ولا حائط ولا دابة ، إلا الغرقدة ، فإنها من شجرهم لا تنطق ) [ رواه ابن ماجة ]
فالحديث فيه التصريح بنطق الجمادات .
[ ساج ] : هو الطيلسان الضخم الغليظ ، وقيل الطيلسان المقور ، وقيل الطيلسان الأخضر .
وأيضاً فإن إستثناء شجر الغرقد بكونها لا تخبر عن اليهود لأنها من شجرهم يدل على أنه نطق حقيقي ، ولو كان المراد بنطق الجمادات المجاز لما كان لهذا الإستثناء معنى .
ولو حملنا كلام الجمادات على المجاز لم يكن ذلكـ بالأمر الخارق في قتال اليهود في آخر الزمان ، وكانت هزيمتهم أمام المسلمين كهزيمة غيرهم من الكفار الذين قاتلهم المسلمين وظهروا عليهم .
ولم يرد في قتالهم مثل ما ورد في قتال اليهود من الدلالة على المختبيء بنطق الجمادات ، فإذا لاحظنا أن الحديث في أمر مستغرب يكون آخر الزمان هو من علامات الساعة .
دل ذلكـ على أن النطق في قتال اليهود حقيقي وليس مجازاً عن انكشافهم أمام المسلمين ، وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم كما قيل ، والله أعلم .
[align=right]أشراط الساعة / يوسف الوابل .[/align]