الإهداء: إلى لاعب آسيا الأول لعام 2005م حمد المنتشري الذي رفع اسم بلاده رغم الحرب الإعلامية التي شنت ضده فيها، والتي بدأت بتجاهله منافساً رئيساً على اللقب، ومرت عبر التشكيك في أحقيته بالأفضيلة القارية، وستنتهي بالتقليل من قيمة إنجازه وادعاء تفضل منافسه المهزوم أمامه بالتنازل له.
استمتع المتابعون الرياضيون في السعودية بحكاية هلالية صحافية ممتعة، عرفت الأسابيع القليلة الماضية فصولها الشيقة، والتي بدأت بترشيح الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لجوائزه السنوية، وحيث برز اسم النجم الورقي ضمن قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب للعام الحالي، وجرياً على عادتها بدأ ضجيج صحافة الحقد الأزرق، ووفاءاً لطبيعتها الإقصائية حيال كل آخر –غير الهلال- اقتصر اهتمامها على جائزة اللاعب دون بقية الجوائز الإحدى عشرة الأخرى، وعلى سامي الجابر بوصفه المرشح الأهم للجائزة -حسب رأيهم-، مع العلم أن ثلاث جوائز أخرى –أفضل منتخب وأفضل نادي وأفضل حكم- عرفت ترشيح سعوديين، بل إن جائزة أَفضل لاعب شملت في مراحل مبكرة ترشيح سعوديين آخرين هم مبروك زايد وحمد المنتشري ومحمد نور.
وبعد قليل أعلن الاتحاد الآسيوي أن المرشحين الثلاثة لجائزة أفضل لاعب هم نجم المونديالي حمد المنتشري ونجم منتخب أوزبكستان ماكسيم ونجم الصحافة الزرقاء سامي الجابر، فارتفعت وتيرة الحماس الصحافي وشعر أعضاء فرقة "حسب الله" الصحافية أنهم، وفي غفلة من التاريخ، يمكن أن يعللوا أخيراً قصائد الإعجاب وسنوات المديح ومبالغات الصورة وافتراءات الكلمة لصالح لاعبٍ فشل في تبرير شيء من ذلك، من خلال جائزة قارية.
وفي الوقت الذي تسائل فيه المهتمون كيف سمح الاتحاد الآسيوي لربع موهوب كانت أغلب مشاركاته لموسم 2005م محدودة وضمن بطولات محلية بالوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من المنافسة، فهو ليس اللاعب الأفضل في فريقه فكيف بالقارة؟، كانت قد امتلأت الصفحات والشاشات بصور الجابر، ودبجت المقالات ونثر حبر المدح وصقلت أوجه الورق للتطبيل وسنت الأقلام للطعن في تاريخ الكرة السعودية ما قبل سامي، واستخدمت صحافة "هايدي" كافة طاقاتها المعهودة في التزييف والتلفيق والتجني والإقصاء والتهميش، فقيل إن الجائزة التي نالها من قبل سعيد العويران ونواف التمياط لم يحصل عليها أي سعودي، وقيل إن الجائزة تأكيد على أحقية النجم الورقي بلقب أفضل لاعب في تاريخ الكرة السعودية -حسب رأي صحيفة الجزيرة-، وقيل إن اللقب حلم جميع الآسيويين وغاية مرادهم، مع أن ناكاتا الياباني وكيم الكوري الجنوبي أعلنا اعتذارهما عن الحضور –وهو ما سمح لسامي بالوصول لهذه المرحلة المتقدمة-، وفي فورة الحماس قالت الرئاسة العامة لرعاية الهلال –على ذمة الصحافة الزرقاء- إنها تلقت من الاتحاد الآسيوي ما يفيد بحصول الجابر على اللقب المنتظر، ومضت الصحافة المصابة في عينيها بالماء الأزرق تؤكد دون خجل أن الاتحاد الآسيوي هو الرابح الحقيقي بفوز الجابر، مشيرةً في السياق ذاته إلى تفوق مطلق حصده سامي في مواجهة منافسيه على اللقب، وبدا للمتابع وكأننا سنشهد في الثلاثين من نوفمبر زحفاً مقدساً للتصويت للنجم الورقي، وكم تخيل قراء تلك الصحافة وقتها ابن همام وهو يقفز من مقعده في فرحة هيسترية بفوز سامي، فيما يتراقص أعضاء الاتحاد الآسيوي على إيقاع "نحمد الله جت على ما نتمنى".
أما النجم الورقي فبعد أن فرغ من أحاديثه الصحافية المتوالية، وطالب جمهور فريقه بالدعاء الخالص له بكسب هذه الجائزة لتكون أول أنجاز شخصي بدلاً من استمراره في السطو على إنجازات الآخرين واختصار الفريق والمنتخب في شخصه الكريم، وبعد أن أطمأن على إعداد المؤتمر الصحافي الذي سيُستقبل به في الرياض وفي حضنه الجائزة الثمينة، ودّع الجماهير الغفيرة باتجاه مطار الملك خالد الدولي، وفي هدؤ الصالة الفخمة وبينما كان يفكر في كيفية رواية هذا الجزء من حياته في كتاب مذكراته الذي سيُكتب يوما ما بحسبانه أفضل لاعب في تاريخ بلاده، قطعت نغمات الهاتف الحلم الوردي وعطلّت لغة الأحلام، وهوى صرح الخيال فوق رأس صاحبه، وجأت الكلمات صريحة وواضحة، فانكشف الوجه القبيح للحقيقة المرّة، وعرف النجم الورقي إن أسلوب "الفتونة" الصحافية لم يحقق آسيوياً نجاحه المعتاد محلياً، وأن اتحاد القارة أثبت انه أكثر وعياً وذكاءاً من تصديق أكاذيب صحافة الأزرق والانجرار خلف أوهامها، وأقوى من الخضوع لمنطق فرض الأمر الواقع.
ولعل الفصل الأخير هو الأجمل في الحكاية، بحكم انه الفصل الكوميدي، حيث أعلن سامي الذي عاد أدراجه من المطار إلى معسكر فريقه الذي يتهيأ لمواجهة العالمي أن أهمية المباراة فرضت عليه تغيير وجهته والاعتذار عن الذهاب لماليزيا، وفي غمرة الفلاشات واعتلاء ضجيج السلام المربع من فرقة "حسب الله" الصحافية، تاه سؤال بريء أفلت من مشجع هلالي "لماذا لم تصبح هذه المباراة مهمة إلا حين أُبلغ سامي بأن الجائزة ستذهب لغيره؟!"، وبدا واضحاً أن سامي غير مدرك للفارق المخيف بين طموحاته وامكانياته، في واقع لا يثير أكثر من الضحك المدوي، ولا يستدعي غير السخرية الشامتة.
أما الرئيس الذي أضطر للعب دور المنقذ من خلال ادعاء الطلب من سامي عدم مغادرة الرياض لأهمية مقابلة العالمي الدورية، وهو موقف لو صدق لكشف حالة الهلع من العالمي وانعدام الثقة في زملاء نجم الورق وعدم جدية الرئيس الهلالي الذي لم يعلم عن المباراة –أو يكتشف أهميتها- إلا بعد الإذن لسامي بالسفر فعلاً، ومن باب إتقان الدور شن الرئيس هجوماً كاسحاً على الاتحاد القاري بتهمة "معاداة السعودية"، ولم يشرح لنا الرئيس الهلالي كيف يكون الاتحاد الآسيوي متحيزاً ضد بلاده وهو الذي رشح السعوديين لجوائزه لأفضل منتخب ونادي وحكم ولاعب للعام 2005م، وقد نالت السعودية جائزتي أفضل لاعب وأفضل نادي، فضلاً عن انه سبق أن منح جائزة أفضل لاعب –تحديداً- مرتين للسعودية أحداهما للهلالي الموهوب نواف التمياط، كما منح الاتحاد نفسه جائزته الخاصة عام 2004م للرمز الراحل الأمير عبد الرحمن بن سعود-رحمهما الله-، وفي العام نفسه منح جائزة أفضل نادي للمونديالي، إلا إذا كان الرئيس "المثالي" قرر التماهي مع صحافة فريقه باختصار الوطن في سامي الجابر، وربما يتعزز ذلك إذا صح ما نسبته صحافة الحقد الأزرق من وصف الرئيس للاعبه بأنه أعرق من الاتحاد الآسيوي!!، (في المقابل قال رئيس المونديالي –الذي افتتحت الجزيرة اتهامه بالرشوة لينال المنتشري اللقب- أن لا فرق عنده بين الثنائي الجابر والمنتشري وانه معني بأن يكون اللقب سعودي).
وازدادت الكوميديا إثارةً بتوالي تسريب فرقة "حسب الله" الصحافية للمعلومات التي حرصت على إخفاءها ما قبل عودة النجم الورقي بخفي حنين، إذ بدأت تعترف بتحقيق العويران والتمياط للجائزة من قبل، وبأنها خاصة بالعام الجاري ولا يجب أن تحمل دلالات أكبر من ذلك، وأن (ناكاتا) و(كيم) انسحبا بعد ترشيحهما، قبل أن تشرع في اتهام رئيس المونديالي بالرشوة، والادعاء المضحك بان سامي تنازل عن اللقب للمنتشري، والبقية تأتي...
وهذه الحكاية بكل فصولها وتطور أحداثها ونمو حبكتها هي تعبير صادق عن عقلية الصحافة الهلالية التي تتخذ من منطق "الفتونة"، ونظرية "الأمر الواقع"، وقانون "يحق للهلالي ما لا يحق لغيره"، أدوات رئيسة للتعبير عن تعصبها المرضي لفريقها، واعتقادها المجنون بعظمة مهاجمه، وهوسها بتهميش الآخرين وإقصائهم.
ومثلما أنها –أي الحكاية- مناسبة لتهنئة الوطن بالمونديالي نادي آسيا الأول، وبالمنتشري نجمها الأول، وللدهشة من جدية إجراءات الانتخاب في الاتحاد الآسيوي التي سمحت للاعب بتواضع يامب لبلوغ مرحلة ما كان لمثله أن يبلغها، فإنها فرصة لإثارة الشفقة تجاه واقع الإعلام الرياضي في السعودية.